الجزء الأول: (نحن غُرابا عك)!
بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
استعنا على الشقا بالله، والكلام عن (الحشاشين) شقا، أما لماذا هو شقا فلأمرين، الأمر الأول هو أن كلامي لن يلقى قبولا من أتباع (الحشاشين)، فالحشاشين صف واحد، إذا صفق وجب على الجميع التصفيق، وإذا هلل وجب على الجميع التهليل.
وهم لا يحبون من خالفهم لأنه يكون في اعتقادهم قد خالف الإسلام عندما اختلف معهم، وهذا شقا لا يهمني في قليل أو كثير، فعلى عداءه تعودت، وعلى تفاهته وصفاقته وفراغ عقله وإرهابه قد تحصنت بالله رب العالمين.
أما الشقا الثاني فهو أن كلامي لن يعجب أهل النظام، والنظام يريد منك أن تنتظم معه في الصف، فإذا صفق تُصفق، وإذا هلل تُهلل، فإذا اختلفت معه تكون قد خالفت الوطن.
ولكني لا أخفيكم سرا أنني لا أهتم أيضا بهذا الشقا، لماذا؟ لأنني قلت في بداية مقالي: (استعنا على الشقا بالله)، ومن استعان بالله فلا يخاف ظلما ولا هضما.
ولكن لماذا هذه المقدمة؟ سأقول لك ما عندي والأجر والثواب على الله، حيث اتصل بي في منتصف رمضان رئيس تحرير صحيفة من الصحف القومية الكبرى – قبل التغييرات الصحفية ـ وهو من الأصدقاء الطيبين، وطلب مني أن أكتب مقالا عن مسلسل (الحشاشين).
وأنا في الحقيقة كنت قد امتنعت قبلها بفترة عن الظهور على شاشات الفضائيات لأسباب أخفيها في نفسي، ولم أظهر إلا منذ أشهر ثمانية مع الإعلامي أحمد موسى، ثم في نفس الفترة مع الإعلامي محمد الباز.
وكان لظهوري ضرورة لم أستطع الاعتذار بسببها، والضرورات تبيح الفضائيات، ولكن منذ الفاتح من رمضان ألح عليَّ الإعلاميون لكي أظهر معهم فضائيا للحديث عن هذا المسلسل، ولكنني رفضت.
ولكنه حذف نصف المقال
فكان من المنطقي أن لا أستجيب لدعوة السيد رئيس تحرير الصحيفة القومية اليومية الكبرى، وأن لا أكتب عن المسلسل، فالثبات على الاعتذار فضيلة، ولكنه أقسم بالله أن مقالي سيتم نشره على صفحة كاملة، وأنه لن يحذف منه حرفا.
فكتبت وأرسلت، وصدق وعده، فالمقال تم نشره في صفحة، وهذا منطقي، فالصحف هى صفحات، ولكنه نشره في نصف الصفحة الكاملة!، كما أنه صدق وعده، فلم يحذف حرفا واحدا ولكنه حذف نصف المقال، ونصف المقال كان عشرة آلاف حرف وليس حرفا واحدا.. هههههههه.
وعندما كلمته تليفونيا لأستفسر قال لي إنه اضطر لذلك لأنني كنت أنتقد أشياء في النص، والنص كتبه الكاتب الكبير (عبد الرحيم كمال)، وبذلك أصبح عبد الرحيم ـ كبير الرحيمية قبلي ـ أقنيما مقدسا لا يجوز الاقتراب من حياضه إلا بالدعاء والتبريكات والتهليل والتصفيق.
وكأننا يجب أن نطوف حول (عبد الرحيم) ونحن نهلل تهليل أهل الجاهلية حول الكعبة قائلين: (نحن غُرابا عك/ عك إليك عانية/ عبادك اليمانية) وممنوع على الجميع أن يمس قداسته!!
سيدي (عبد الرحيم السوهاجي!)
ألا تعرفون أنه سيدي (عبد الرحيم السوهاجي!)، وبذلك أكون قد وقعت بين شقي رحى (الحشاشين) والحساسين، وليس لنا إلا أن نطلب من الله النجاة.
ومع ذلك فأنا والله، وعهد الله، ويمين بالله، وما لك عليَّ يمين، أحب نصوص (عبد الرحيم كمال) جدا، وأراه سيناريستي متميز، وكاتب حوار مبدع تدل حواراته على ألسنة الممثلين على خلفية أدبية ومعرفية كبيرة.
فهو في واقع الأمر أديبا متمرسا، خاصة وأن سوق الكتاب والسيناريستية الصنايعية في زمننا هذا يقذف في وجوهنا كل رديء، ومدح إمكانات (عبد الرحيم) لا ترفع قدره، فهو متميز سواء مدحته أو لم أمدحه.
كما أن نقده لا يمس إمكاناته، فمن منا ينسى مسلسل (الخواجة عبد القادر) وروعته، ومن منا ينسى (شيخ العرب همام) وإبداعه، ومن منا ينسى (جزيرة غمام)، أو (دهشة)؟
هذه أعمال رائعة بلا شك، وبكل أريحية تستطيع أن تعتبر أن ما قلته عن (سيدي عبد الرحيم السوهاجي)، هو من باب التصفيق والتهليل حتى لا يوردنا سيدنا (عبد الرحيم) موارد التهلكة، فنحن غرابا عك يا مولانا المقدس.
ولكن: هل نحن عك فعلا أم أن ما كتبه عبد الرحيم في المسلسل هو العك؟!، وهل المسلسل حقق مبتغاه؟، أم أن كثيرا من الناس خرجوا منه وقد أحبوا (كريم عبد العزيز الصبَّاح) وأعجبوا به وانبهروا بكراماته؟!
وهل جعل (الصباح) لأتباعه جنة في قلعته وحفها بالأشجار والزهور المبهجة وقنوات الماء الجارية، وجعل حوره العين يطوفون فيها ليقنعوا الأتباع بأنهم في الجنة فعلا؟
هل كان (الصباح) لديه قدرة على قراءة الأفكار، وتفسير الأحلام التي لم يروها له أحد، هل كان قادرا على أن يشفى المرضى والعجزة، وأم الخليفة المُقعدة فيمد يده لها فتقوم واقفة سمراء تسر الناظرين؟
هل كان في مقدرته أن ينقسم إلى شخصين يسير أحدهما في طريق ويسير الآخر في طريق آخر، فيتوه في أثره من كان يتتبع خطاه؟، هل كان عنده منذ ألف عام علم من الكتاب يتفوق على علم وكالة ناسا، ومصلحة الأرصاد الجوية في مصر، فيعرف مسار الريح والعواصف والأمطار ومتى تتوقف؟!
هل كان هو (أبو خطوة) مثل العبد الذي كان في مجلس النبي سليمان وكان عنده علمٌ من الكتاب فأتى له بعرش بلقيس قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه؟!.
ثم ما الهدف من جعله صاحب كرامات أو خوارق؟، ما هى الرسالة التي يريد أن يرسلها المؤلف للمشاهدين، في حين أن كل ما سلف وكل ما جاء في المسلسل بهذا الشأن هو خرافات وأساطير لا أصل لها من الألف إلى الياء.
هل يريد أن يخبرنا أن قائد (الحشاشين) ـ أو أي جماعة إرهابية ـ لا يستطيع أن يقنع أتباعه ولا أن يسيطر عليهم إلا بالكرامات أو الخوارق؟، قالوا لنا في الحلقة الثامنة أنه لديه علم بالفلك وبالفراسة ويعرف أسرار علوم الخيمياء.
جائزة نوبل لعلوم (الخيمياء)
ومن خلال هذه العلوم يستطيع أن يأتي لك في أحلامك، ويوسوس لك، وينقسم إلى شخصين، ويعرف أسرار حياتك، إن كان الأمر كذلك فيجب أن يتم منحه جائزة نوبل لعلوم (الخيمياء) التي هي الفصل الأول القديم للكيمياء.
كما يجب أن تمنحه وكالة ناسا الأمريكية درعها الذهبي، إذ أنه منذ أكثر من ألف عام كان يعرف ما لا تستطيع معرفته، ولا ننسى قدرته على شفاء المرضى سواء كان المريض امرأة عجوز، أو طفلا صغيرا، أو رجلا يافعا، يعني لديه كل التخصصات الطبية، حاجة كدة ولا مجدي يعقوب.
أعود وأسأل: ما الهدف من جعل خوارق تجري على يد رجل سفاح يقرأ القرآن لأتباعه؟!، ويستشهد بآيات القرآن؟!، ويصوم عن الطعام والكلام قُربى لله؟!
هل النفسية الصوفية لدى كاتبنا الكبير (تصفيق وتهليل) هى التي دعته أن يكتب هذا بغض النظر عن أثر هذا في نفوس عموم الجماهير، خبراء الدراما يقولون إن هذا هو الماستر سين Master Seen لمسلسل (الحشاشين).
فنحن هنا أمام رجل يؤثر في أتباعه بالقرآن والمعجزات، حتى ولو كانت هذه المعجزات ناتجة عن علوم تجريدية أو تطبيقية أو ميتافيزيقية سابقة لزمنها بآلاف السنين.
وهو من خلال هذا يؤثر في أتباعه، حتى ولو كان سفاحا دمويا فإنهم يؤمنون به، (الماستر سين) هنا هو القرآن والمعجزات، ويضاف إليهما المظلومية، وسنجد بعد المسلسل الكثير من الجمهور قد أحبوا (كريم عبد العزيز الصبَّاح).
ولن يترك المسلسل مقاربة بين (الحشاشين) والإخوان، لماذا؟: لأن هذا لم يكن من أهداف (سيدي عبد الرحيم السوهاجي)، ولهذا قصة أخرى سنستكملها في المقال القادم من هذه السلسلة إن شاء الله إن كُتبت لها الحياة والنجاة من سيف (حسن الصباح).
إلى اللقاء في الجزء الثاني..