كتب: محمد حبوشة
لاشك أن الدراما الشعبية، هى واحدة من أنواع الدراما التي يفضلها الجمهور المصري، حيث لمع فيها العديد من النجوم، وتعتبر من أصعب أنواع الدراما؛ لارتباطها بالمشاهد البسيط صاحب مناخ المنطقة الشعبية مثل مسلسل (حق عرب).
فمن الضروري أن نستشعر هذه المشاهد بقربها من حياتنا اليومية لكي تحاكي الحياة اليومية في المناطق الشعبية، ويجب على الكاتب تحديد قصة العمل على طريقة الأهم في حياة الأسرة فى هذه المناطق حتى يتواجد عنصر المصداقية في العمل.
كما يفضل الابتعاد عن الألفاظ الخادشة والمشاهد الجارحة حتى لا يتحفز بعض من المشاهدين على العمل، حيث تختلف طبيعة الأفلام الشعبية عن المسلسلات الشعبية؛ بسبب وجود المسلسلات بشكل أكثر حيوية في البيوت.
والحقيقة أنه كان يمكن أن تكون القصة الدرامية في مسلسل (حق عرب)، عمل شعبي متكامل غني بالكثير من القضايا التي يتم تناولها بشكل درامي مميز، خاصة أنه يسلط الضوء على الكثير من السلبيات التي انتشرت في المناطق الشعبية وإدخالها في القصة بشكل درامي بسيط ومعالجتها بطريقة تخدم فكرة العمل الأساسية.
لكن للأسف لم يستطع المؤلف بناء الشخصيات الدرامية، وأن يمتلك مفاتيح الدراما الشعبية بنجاح، حيث كان يمكن أن يعطى للمشاهد في (حق عرب) الجرعة المطلوبة من التشويق والإثارة لمتابعة أحداث المسلسل بشكل أكثر هدوءا من المشاجرات والتهديد والوعيد.
ولم يتكمن الكاتب من أن يقوم بعرض الفكرة الرئيسية في العمل بشكل جديد وملفت، حيث كان يمكن أن يشرك المشاهد في العقدة الكبرى في النص الدرامي، وهى قصة البطل وصراعه لمعرفة من قاتل أبيه، كما كان يمكن أن يشركه في لغز متواصل يتصاعد ضمن أحداث العمل.
حاول الكاتب أن يخلق العقدة
حاول الكاتب أن يخلق الكثير من العقد الثانوية على مدار أكثر من حلقة في العمل، لكي يبرز المعاني و القيم التي يتمتع بها بطل القصة، حتى تتمكن تلك العقد الدرامية الثانوية من التخديم على العقدة الكبرى وهى معرفة بطل القصة أسرته الحقيقية، ولكنه فشل في ذلك.
وذلك حتى تأتي القصة في (حق عرب) بطريقة طبيعة لها الكثير من الإيجابيات، وتحتوي على عقد ثانوية تتماشي مع الأحداث الطبيعية للمسلسل، ولكل عقدة درامية حل بمنهج يتلاءم مع السلوكيات الشعبية حتى لا يفقد العمل المصداقية كما حدث في (حق عرب).
صحيح أن صناع عمل مسلسل (حق عرب) نجحوا في الابتعاد عن السلبيات التي من شأنها أن تعطي انطباع سيئ عن الدراما الشعبية، حيث يعتبر من أهم تلك السلبيات هي انتشار الألفاظ الجارحة واستخدام الأسلحة البيضاء وغيرها من سلوكيات سلبية تحدث كثيرًا في المناطق الشعبية.
حيث ليس من الضروري بأن يحمل العمل الدرامي العديد من المشاهد الدموية والاسقاطات الإباحية وخاصة بسبب الشهر الكريم الذي يعرض فيه العمل.
ربما يتواجد في (حق عرب) أكثر من صراع له جذور في ذاكرة المشاهد، حيث يعيش المشاهد في كل صراع من البداية للنهاية مع أبطال العمل؛ بسبب طريقة العرض البسيطة، وبهذا كان يمكن أن يتحقق شرط التشويق والإثارة في كل حلقة من حلقات المسلسل.
ومع ضعف السيناريو والحوار الذي جاء بثيمة متكررة في غالبية الأعمال المصنوعة في بيئة شعبية، إلا أن أداء الثلاثي (وفاتء عامر، رياض الخولي، أحمد العوضي)، كان غالبا على كل شيئ.
(وفاء عامر) تجيد فن التقمص
بدت لي (وفاء عامر) في مشهد (ثورة الغضب المكتوم بينها وبين (رياض الخولي، وأحمد العوضي) في بداية الحلقة (19) في (حق عرب)! واحدة ممن يجدن فن التقمص، ويتوافر فيها الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، وتعيش في الدور بشكل بكامل عبر التسلل تحت جلد الشخصية.
وذلك بفضل امتلاكها لعقل وجسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية شريطة أن تخلص الممثل للدور الذي تؤديه.
حيث تعيش (وفاء) في مجتمع الدور وبإحساس صادق، في محاولة الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد قوتها كممثلة طبقا لما يسمونه بالموهبة الفنية.
(رياض الخولي).. قدرة على التجسيد
وقد بادلها نفس الإحساس الكبير (رياض الخولي) في هذا المشهد، وهو الممثل القدير الذي يجيد التحكم في الذاكرة العاطفية باعتبارها واحدة من الملكات التي يجب أن يكون الممثل قادرا على ضبطها في نفسه.
إقرأ أيضا : رياض الخولي .. ملك الشر في الدراما المصرية
فقد أثبت (رياض الخولي) أنه باستطاعته وضع نفسه في مواقف خيالية، حاجبا عنه خلالها جميع المؤثرات الخارجية، مقنعا ذاته بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وهنا يأتي دور التركيز لديه، ومدى قدرته على استحضار كل ما هو ضروري لعوالم الشخصية، وترحيل كل ما يعيق وجودها الحقيقي من حولها.
(أحمد العوضي).. احترف الشر
وبالضرورة لابد أن تنتقل تلك الطاقة الإيجابية للفنان الشاب (أحمد العوضي) حيث بدا لي من ملاحظة أدائه أن أول ما يقوم به (أحمد العوضي) – كممثل احترف أدوار الشر تحديدا في الدراما المصرية، عند تحضيره لتقديم شخصية ما، هو تحليل الخصائص المختلفة للشخصية، مثل:
المظهر، الوظيفة، المكانة الاجتماعية والاقتصادية، والسمات العامة؛ يأتي بعد ذلك فهم هدف الشخصية وتصرفاتها في العمل الدرامي بشكل عام، وفي كل مشهد واحد على انفراد.
فعندما يصور العمل الدرامي زمنا معينا، فهذا يحتم عليه دراسة ذلك العصر من أكثر من ناحية، وفهم ثقافته الحياتية عموما، لذا أتقن كل من معاني الحركة والإشارة وتوظيفهما في تناسق الشخصية وأفعالها.
فهما الطريقتان اللتان يصور فيهما الممثل الشخصية، وأسلوبها في كل ما تقوم به على الورق، بشكلها العام وإشاراتها ومميزاتها الجسمانية الخاصة، ولهذا اجتمع الثلاثي في هذا المشهد الذي أعتبره (ماستر سين) مسلسل (حق عرب) وجاء على النحو التالي:
بداية الثورة المكتومة
في بداية الحلقة 19 يدخل المعلم (عبده ربه/ رياض الخولي) على زوجته (صباح/ وفاء عامر) مع (عرب السويركي/ أحمد العوضي) في بيته قائلا: ساكتين ليه .. قطعت عليكم خلوتكم؟.. كملوا .. شوفوا كنتوا بتقولوا ايه.. أو بتعملوا ايه؟.. ست قاعدة في بيت رجل غريب هيكونوا بيعملوا ايه؟.. بيعملوا ايه يا باحة؟..
صباح: كلامك كده بيحدف في حتة مش حلوة!
عبده ربه: اخرسي خالص.. حسابك معايا بعدين.
عرب: ايه يا حاج (عبده ربه) الدخلة العوجة اللي انته داخلها دي؟
عبده ربه: اخرس انته كمان.. ثم يوجه كلامه لصباح: روحي على البيت.
صباح: انت فهمت ايه؟.. وداخل كده واخد في وشك.. والشك مالي عينيك!
عبده ربه: قلت لك روحي على البيت.
صباح: ما توحد الله في قلبك.
عبده ربه: قلت لك روحي على البيت!
صباح: انته فاهم كويس اللي انته بتعمله؟.. أنا عارفه ايه اللي صابك يا عبده ربه؟.. يلا نروح على بيتنا نتكلم هناك.. أنا كنت جاية لماجدة عادي.
عبد ربه: نعم يا حلوة؟!.. ماجدة؟.. هههه وماجدة فين؟
عرب: نزلت سوق العبور غلشان تشتري بضاعة عشان المحل بتاعها، والحاجة صباح جات سألت عليها ملقتاهش، فقالت تستناها هنا.. وكن بنتكلم عادي.
عبده ربه: وحتتكلمي معاه في ايه لوحدكم؟
صباح: لا باقولك ايه.. أنا كلامك كده مش عاجبني.. لم نفسك.. هيه حصلت؟.
عبده ربه: يصفع (صباح) قائلا: اخرسي يا فاجرة.
عرب: استني يا حاجة صباح.. مش حينفع ياحاج تنزل من بيتي وانته شاكك فيها.. الست (صباح) أشرف ست في الدنيا.. وأدي كتاب الله أهوه أحلفلك عليه.
عبده ربه: سيب المصحف من ايدك يا نجس.. كلامك مش داخل دماغي.. انته ازاي يا واد تستجري تعمل كده؟.. ما جاش في بالك (عبده ربه) ممكن يعمل فيك ايه؟.. ربيتك في بيتي وانته عيل صغير.. ولما كبرت بتعض الإيد اللي اتمدلك؟
عرب: أنا عمري ما عملت كده.. متخليش حد يوزك.. وما تخلش شيطانك يوديك في حته بعيدة.
(عبد ربه) متحرجة عيناه ثم يمسك رقبة (عرب): كداب.. كداب!
عرب في حدة: نزل ايدك ياحاج.. نزل ايدك.. اللي انته بتقوله ده غلط.. أنا مش قادر دلقوتي أرد عليك.. ولو عملت حاجة وانته عارف اننا قادر مش حاخد فيك ساعة.. انته بتتجهم على في بيتي.. بس أنا لحد دلوقتي محترم شيبتك.
عبده ربه: انته بتتهددني ياواد.. بتهدد عبده ربه؟
عرب: نزل ايدك.
عبده ربه في غضب: أنا لسه بصحتي.. لسه عضمة ناشفة.. لسه مانختش.. أنا مش ضعيف!
عرب: نزل ايدك بأقولك.. ايه؟.. لو انته (عبده ربه).. أنا عرب السويركي.. أنا مش العيل الصغير اللي كان شغال عندك.. ولو انته عندك (مغلق خشب) فأنا عندي زيه.. ولو انته كبير (المغربلين) فهو حصل.. ولو كانت دامت لغيرك ماكنتش جاتلك.. وبكره (عرب السويركي) هوه اللي حيبقى الكبير.
عبده ربه: كده انته بنت على حقيقتك.. أنا شايف دلوقتي (جلال السويركي) قدامي.. انته خنتني في أهل بيتي.. وانته عارف كويس ان (عبده ربه) محدش بياخد منه حاجة بالساهل.. شكل الموت بيحوم حواليك.. أنا مش حاقولك أنا حاعمل ايه فيك.. أنا حاسيبك أشوف سقف أحلامك حيوصل لفين.. بعد كده اضربها في مية.. تضربه في مية يا ابن جلال.. الله يرحم أبوك.. ملحقش يربيك
يقف (عرب) شاردا في حيرة من أمره.. وينتهى المشهد الذي يرسخ للحقد بين (عرب السويركي) و(عبده ربه) الذي غادر منزل (عرب) متوعدا.