بقلم الدكتور: كمال زغلول
لقد كون المصري القديم مجموعة من (العلامات النباتية)، وقد استخدمت تلك العلامات في عروض المسرح المصري.
والغريب أن (العلامات النباتية)، لعبت أدوار هامة داخل الحياة المصرية القديمة، حتى أن المشاهد لتلك (العلامات النباتية) في العروض المسرحية، كان يعرف الدلالة الخاصة بكل علامة.
ولذلك كان للعروض المسرح المصري القديم خصوصية تمثيلية، تتسم بالمصرية، لا يستطيع المشاهد فهم دلالاته إلا إن كان مصريا حاملا لثقافتها، و(العلامة النباتية) من العلامات المميزة داخل الحياة والمسرح المصري.
ونسوق بعض الأمثلة من تلك العلامات، حتى نتعرف على هذه (العلامات النباتية)، ونبدأ بنبات البردي الذي نعرفه جميعا بأن أوراقه كانت تستخدم في الكتابة، ولكن لهذا النبات رمزية، تتحد بكونه رمز الحياة المنبثقة من المحيط الأولي.
وهذا النبات الذي يصل ارتفاعه أحيانا إلي سبعة أمتار، استخدم رمز لمصر السفلى، ويعبر البردي عن الفرح والسرور وانتصار الحياة على خواء العالم، و البردي في المصرية يعني الأخضر، وكان يقدم قربان للآلهة، وزاد للمتوفي.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (العلامة المائية).. في المسرح المصري القديم
لأنه يصور انتصار الحياة ودورتها الخالدة، كما أنه دال على التولد والتجديد، ويظهر هذا الرمز من صورة إحدى الإلهات المصرية، وتدعى (وادجيت) الأم البدائية وراعية مصر السفلي ومرضعة حورس، في شكل حية حامية يعتلي رأسها نبات البردي، دلالة عن التولد والتجدد.
وكما نعرف جميعا أن الكتابات المصرية كانت تسجل على أوراق البردي ، حتى ان كلمة بردى قد أصبحت مرادفة لكلمة كتاب .
العلامة الثانية من (العلامات النباتية) وهى الشجرة، وتمثل الأشجار مجموعة من العلامات داخل الحياة المصرية، فقد لوحظ أن الشجرة في مصر القديمة تقوم بدور فائق الأهمية في نشأة الكون والرمزية المصرية.
شجرة (الجميز) أنجبت (نوت)
وتعددت أنواع الأشجار داخل الحضارة المصرية، فشجرة (الجميز) هى التي أنجبت (نوت) بداخلها (أوزيريس)، و(دغلة البردي) حيث ولد (حورس، وشجرة الزيتون التي كان (خرى باك أف) يجلس تحت ظلالها.
وكذلك شجرة الأثل التي خرج منها (أوبواووت) مرشد الآلهة من جوفها، وجميع الأشجار اعتبرت بمثابة آلهة تتطابق بأى إله سماوي.
ونجد فوق أوراق الشجرة المقدسة بهليوبوليس (إشد) سجل كل من سشات الزمن المتعلق بدورات الحياة، ومصير الكائنات الحية، في حضور جميع الآلهة وتحت إشرافها.
وبخصوص الشجرة، نجد أن شجرة (الجميز)، تمثل علامة ذات أبعاد نفسية داخل الحياة المصرية القديمة، فهذه الشجرة مقدسة، وتجسدت روح (أدوم) من خلالها، وكونت نطفة (أوزيريس) في جسد (نوت).
وتحت هذه الشجرة لقى (أوزيريس) حتفه على يد أخيه (ست)، وهى الشاهدة على قتل (ست) لأخيه، وعندما مات (أوزيريس) انسابت من الأغصان العصارة المخضبة بالدماء من الأغصان المقطوعة.
وقام ست بتفريغ جذع هذه الشجرة، وأخفى بداخله جثمان أخيه، واعتبرت شجرة الحياة، وهى أول تابوت عرفه التاريخ، أو بالأحرى هى المكان الأسطوري الذى يوفر مولدا جديدا بعد العديد من التحولات التي ذكرتها خفايا وأسرار دراما (أوزيريس).
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: العلامة الفلكية.. في المسرح (المصري) القديم
وبين أغصان هذه الشجرة كان يعيش المرسلون السماويون (الطيور والقطط)، وهذه الشجرة هى تجلى لخصوبة (نوت) ربة السماء، ولكن (حتحور) الربة العظمى هى (ربة الجميزة)، ولربما يرمز هذا إلى رمزيتها كشجرة الحياة العالية.
ونأتي إلى علامة (زهرة اللوتس): إنها (زهرة النينوفور) الشهيرة باللوتس الحمراء اللون، دلالتها ترمز إلى (زهرة البداية) وزهرة إيزيس، وتشمل رموز كل من المياه، والشمس، والهواء والأرض.
وهى تختبئ في الماء في الليل ولا تظهر في الهواء إلا عند شروق الشمس، وكان الضياء الذي يرمز إلى (رع) يجذبها بدون أية مقاومة، ولهذا تعتبر اللوتس كواحدة من تجليات البعث الجديد للشمس.
(القمح) من العلامات النباتية المهمة
ولهذا نجد الإلهات، والملكات والأرامل، يقدمن زهرة اللوتس لأزوجهن الموتى حتى يستنشقوا العبير المفعم بالحيوية والحياة من هذه الزهرة المقدسة.
ومن (العلامات النباتية) المهمة في الحياة المصرية القديمة (القمح)، فنذكر أن (أوزيريس) قد علم المصريين القدماء صناعة رغيف الخبز، وقارن المصريون القدماء أوزيريس بحبة القمح المدفونة تحت الثرى (متوفي).
والتي نبت بعد ذلك وانبثقت في ضوء الشمس، حتى تكون غذاء أساسيا للبشر، وقد صورت الكثير من المشاهد مومياء (أوزيريس)، وقد غطتها حبات القمح، أو بعض سنابل القمح النضرة المتفرعة من جسده.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (العلامات الحسية) في المسرح المصري القديم
ومن (العلامات النباتية) نبات (الأسل الخيرزان)، وساهم هذا النبات في تكوين الاسم الرابع للفرعون، وهو يرمز إلى دور الحارس والقائم على توافر الانسجام والتناغم ما بين مصر السفلى والعليا.
ونأتي على (علامة الحديقة)، وهى الصورة النموذجية بكل معبد، وعادة كانت الحديقة تتوسطها بحيرة، بالإضافة إلي بعض الأشجار، ومنها شجرة (الجميز والنخيل).
ونتذكر المنظر المسرحي الذي كان يعرض فيه عرض (أوزيريس وست، ونوت وجب، وإيزيس وحورس).
ونلاحظ أن المسرحي المصري القديم جمع في هذه الحديقة مجموعة الرموز النباتية التي اعتقد أنها مشاركة في أحداث العرض المصري القديم، وبهذا تكون مصر من أول الدول في العالم، استطاع فنانوها المسرحيون تكوين منظر مسرحي طبيعي يمثلون فيه مسرحياتهم.