بقلم الدكتور: كمال زغلول
تحدثنا من قبل عن (العلامة) الحسية ، ونقصد بها (تأثيرها في النفس البشرية والانفعال بها )، وقد شكلت أرض مصر بالذات في العالم القديم (علامة) حسية للمصري القديم خاصة، ومعظم شعوب العالم عامة، ومعظم النصوص المسرحية المصرية ، التي وصلت إلينا ، تؤكد على ذلك.
فالمسرح المصري القديم ، قدم نصوصه وعروضه المسرحية، الخاصة بالأرض المصرية ، فقد عشق المصري القديم ، أرض مصر ، حتى أصبحت هى حياته ، التي يعيش من أجلها.
واليوم نتحدث على (العلامة) الحسية الجغرافية للأرض المصرية، وتقسيمها كعلامات دالة على الجغرافيا الخاصة بأرض، وتأثيرها الحسى، على الشعب المصري ومسرحه القديم .
أولا: الأرض..
من المعروف أن جب يجسد الأرض في الأسطورة المصرية القديمة ، ولكن جب لا يعني الأرض، ولكنه ملك الأمنتت، ولكن صنع المصري القديم منه علامة ، دالة على الأرض.
وهذه (العلامة) كونها المصري القديم من حياة (جب) نفسها، فقد كان جب يسكن الأمنتت، وعندما أراد اختيار زوج ، تزوج من أعالي الجبال (نوت).
وبذلك هو أسفل وهى في الأعلى فكون الفكر المصري القديم علاقة ثنائية، اعتبرها تزاوج بين الأرض والسماء، وغلف ذلك الزواج في صورة دينية كي يعطي له صفة القداسة.
وبذلك يكون حكم (جب) الذي يجسد الأرض، هو النافذ في الأرض، فهو من حكم بشرعية (أوزيريس) لحكم مصر، وهو من حكم بحكم أرض مصر تحت قيادة (حورس)، وله سلطة على ونفوذ على المخلوقات والأشياء بالعالم الدنيوي.
وفي مراسم تتويج الفرعون جديد، فإن جب هو الذي يساعده في الجلوس فوق العرش، ولهذا تظهر شخصية جب في المسرح المصري القديم، كعلامة عن تحكمه في الأرض.
ثانيا: (العلامة) الثانية : الجغرافية الحسية
مصر العليا تمثل علامة جغرافيةكبيرة بالنسبة للمصري القديم، وتظهر تلك (العلامة) دائما في شكل التاج الأحمر، تسمى ta seth) ) أرض ست، وكانت مصر العليا مقسمة إلي اثنين وعشرين ومقاطعة ، من الجنوب إلى الشمال.
وفي قلب أول مقاطعة ( قام الإله الفخراني خنوم صاحب عجلة الفخار) بتشكيل أول البشر من الطين مخلوط بماء النيل (طمى النيل) وسمي آتوم أو أدوم، (آدم عليه السلام).
وعندما وجد (آتوم) وحيدا خلقت له (أشتي – ومعناها التي تحيا) وهى حواء زوجته، والقصة موجودة على جدران (معبد إسنا) في الأقصر.
وهذه القصة هى بقايا التوحيد في مصر (كما ذكرنا من قبل أن المصريين القدماء عبدوا إلها واحدا خالق الإنسان من طين، ونفث فيه من روحه).
لذلك تشكل هذه المنطقة خصوصية عند المصري القديم، وعلامة حسية جغرافية هامه ، فتلك المنطقة تشكل عقيدة خلق الإنسان من الطين .
ثالثا: (العلامة) الثالثة: الجغرافية الحسية
ومصر السفلى تعني الأرض المنبثقة، وكانت مقسمة إلى ستة عشرة مقاطعة، ثم أعيد تقسيمها إلي عشرين مقاطعة، ومصر السفلى هى منطقة ذات دلالات كبيرة لدي المصري القديم.
ففي هذه المنطقة، تقع فيها أرض المستنقعات، وتلك الأرض الذي عاش فيها أوزيريس، ثم من بعده ابنه حورس أكثر تجاربهما مشقة وعناء، ولا يغيب عنا نفي ست لإيزيس في تلك المنطقة، حتى يتخلص منها أثناء حملها في حورس.
كما أن أرض المستنقعات هى المكان الذي شهد معركة انتصار (حورس) على (ست) وعودة الملك إلي أسرة (أوزيريس)، وأصبح (حورس) حاكم مصر الفعلي .
رابعا: (العلامة) الجغرافية الرابعة
ونأتي إلي أهم (العلامات) الجغرافية على أرض مصر (نهر النيل)، والذي يمر من مصر العليا إلي مصر السفلى، ويربط بينهما، ونهر النيل يرتبط في ذهن المصري القديم، وقد جسده المصري القديم في صورة بشرية أطلق عليها اسم (حابي).
وهذه الشخصية خنثى ذات بطن بارز وثديين كبيرين متدليين، بالرغم من أنه ذكر وله لحية مستعارة، وقد أطلق عليه بعض الألقاب سيد الأسماك والطيور في المستنقعات، وسيد النهر.
وكان (حابي) يرمز إلي النيل، وفي ذات الوقت يرمز إلي المياه الأولية (ن) في بداية الخليقة حسب المعتقد القديم، والنيل هو حياة المصريين، ولذلك صنع له علامة (حابي).
وكما نرى ونلاحظ أن أرض مصر الجغرافية تشكل (العلامة) الحسية، مؤثرة في النفس البشرية المصرية، وكل علامة من هذه العلامات لها تاريخ حدث بداخلها، فمصر العليا ، والسفلى، ومصر ككل بنهر النيل شكلت مجموعة من الأحداث السابقة الذكر في الوجدان الشعبي المصري.
وهكذا استخدم المسرحي المصري تلك (العلامة) في مسرحة ، فإذا ظهر التاج الأبيض تذكر الجمهور (أوزيريس وحورس وإيزيس) والاحداث التي جرت في منطقة المستنقعات، والتاج الأبيض تذكروا (خنوم) والذي خلق الإنسان الأول.
وإذا ظهر (جب)، تذكروا أرض مصر في بدايتها قبل الصراع على الملك، والذي نشبي بين الأخوين (أوزيريس ، وست)، وبهذا تكون مصر من أولى الدول التي شكلت (العلامة) الجغرافية الحسية ، ينفعل لها المشاهد والشعب، وتؤثر فيه.
ولذلك كان المسرح المصري القديم قائم على فكرة الصراع على حكم مصر، ومؤكدا على وحدة مصر من الانقسام، فلم يعي نقاد الدراما معني المسرحية المصرية.
ولم يتوصلوا لمفهوم عشق الأرض المصرية من قبل شعبها، وظهورها في جميع أعمالها المسرحية بصورة البطل الذي يتصارع حوله الجميع، سواء من حكام مصر، أم من الغزاة الذين غزو مصر.
وإلي لقاء قريب مع (العلامة) الحسية الفلكية في المسرح المصري القديم.