بقلم الدكتور: كمال زغلول
تميزت الحياة المصرية القديمة، بـ (العلامات الحسية)، وفي عالمنا المعاش أصبحت للعلامة علم يختص بها، يبحث في الدلالات الخاصة بكل علامة، وبالطبع يوجد علامات طبيعية، وعلامات موضوعة من قبل المجتمع متفق عليها للدلالة عن شيء ما.
وفي مصر القديمة تكونت مجموعة من (العلامات الحسية)، أصبحت متأصلة في الوجدان المصري، وأهم ما يميز تلك (العلامات الحسية) الجمالية، والمقصود بـ (العلامات الحسية) الجمالية، هو تأثيرها في النفس والانفعال بها وجدانيا.
وهذا عائد إلى كون تركيبها البنائي أسس على التأثير في النفس البشرية ، فهي علامات شعورية، وليست علامات إشارية أو لغوية تفسر بمجموعة من الآراء ، ولهذا يمكن القول بأن (العلامات الحسية) من أبرز سمات الحضارة المصرية القديمة.
وأنعكس أثرها على الفنون المصرية القديمة وخاصة فن المسرح ، ولنستعرض بعضا من هذه العلامات ودلالة تلك (العلامات الحسية) من واقع المسرح المصري القديم :
أرض مصر: تمثل أرض مصر منذ القدم علامة جغرافية تأثيرية، ليس للمصريين فقط، بل لكل شعوب العالم القديم، والحديث، ولا تتعجب عزيزي القارئ من ذلك، فأرض مصر منذ قديم الزمن وهي علامة حسية للشعب المصري القديم.
بل ومعظم شعوب العالم القديم، لقد أعتقد المصري القديم أن مصر أرض مقدسة، وأما بالنسبة للعالم القديم، فقد كانت مصر هى الأم الموجهة والمرشدة للعلم بأثره. وكانت ملجأ اللاجئين نذكر منهم (أفلاطون، فيثاغورث، وهيرودوت)، وكانت مصر موطن لأنبياء الله (يوسف) وأبيه (يعقوب) و(موسى).
إقرا أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزوريس في مسرح مصر القديمة (2)
إن كلمة مصر تمثل (العلامات حسية) سواء كانت (ذهنية – شعورية)، لكل من يأتي بباله أو خياله ذكر مصر، وقد تعلم فيها الكثيرون، من أقطار العالم القديم.
وهذا الموضوع قد تم معالجته مسرحيا في مسرحية الدراما المنفية، والتي تعرضت لموضوع بدء الخليقة، وظهور أرض مصر، والصراع الذى قام بين الأخوين (أوزيريس، وست) على حكم تلك البلد.
التاج: كان لمصر مجموعة من التيجان الخاصة بالملك ، وشكلت تلك التيجان مجموعة من (العلامات الحسية) التأثيرية داخل الوجدان المصري.
أولا: تاج (آتـف – Atef): وهو تاج خاص بالملك (أوزيريس)، وهو تاج أبيض، ولكن تميز هذا التاج بوجود ريشتي نعام على جانبيه، عند القطعة البيضاء المنتفخة في وسط التاج، دالة على الحقيقة والعدالة.
التاج إحدى تلك (العلامات الحسية)
وهو رمز الملك أوزيريس كحاكم للعالم السفلي، ويشكل هذا التاج إحدى تلك (العلامات الحسية) شديدة التأثير، فالميت سوف يحاسب في العالم السفلي .
ثانيا: تاج (هيد جيت Hedjet -) وهو التاج الأبيض لمصر العليا، وهو يمثل العلامة الدالة على صعيد مصر.
وهو خاص بالفترة التي قسمت فيها مصر إلى قطرين، وظهوره منفرد على رأس ممثل في المسرح المصري القديم، علامة تأثيرية آلمية تذكر بفترة الانقسام.
ثالثا: تاج (دشرت – Deshret) وهو التاج الأحمر لمصر السفلى، وهو مثل التاج الأبيض في التأثير، يذكر بفترة الانقسام، التي عانت منها مصر.
رابعا: تاج (البشنت – Pschent)، وهو التاج المزدوج ويجمع بين التاجين الأبيض والأحمر، وهو علامة توحيد مصر كاملة، وأصبحت تحت حكم ملك واحد.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: الدراما المنفية في المسرح المصري القديم (3)
خامسا: تاج (خبريش – Khepresh)، وهو التاج الأزرق، وهو الدال على الحرب، وكان وظهر في نقوش فراعنة المملكة الحديثة، ويظهر في الاحتفالات، وكانت يستخدم في التمثيلات المصرية القديمة.
سادسا: تاج (الهمحم – hemhem)، وهو تاج مصمم على شكل (تاج آتف) ثلاثي مزخرف بقرون الخروف وكلمة (همحم) الدالة عليه تعني الصراخ، ويمكن أن تكون دالة على بوق المعركة.
وشوهد لأول مرة في الأسرة الثامنة عشر، وكان يرتديه الملك أثناء الاحتفالات الهامة كرمز للقوة، وربما كان يستخدم في المعارك، وقد تم تصوير (توت عنخ أمون) وهو يرتدي ذلك التاج.
(العلامات الحسية) ذات دلالة تأثيرية
وتلك (العلامات الحسية) السابقة جميعها حسية تأثيرية، وهى خاصة بأرض مصر، وملك مصر، وحروب مصر، واحتفالاتها الملكية، وبالطبع تلك العلامات قد استخدمها المسرحي المصري القديم داخل عروضه المسرحية.
وكانت هذه العلامات ذات طبيعة تأثيرية على جمهور المشاهدين، إذ أن الجمهور المصري كان على علم بطبيعة تلك العلامات الحسية) ذهنيا، وعندما كانت تعرض أمامه.
كان ينفعل بها ويتأثر بها ، فهي (العلامات الحسية) الدالة، على انقسام مصر، وعودة توحيدها من جديد، فهي تذكرة بالانقسام والتفكك، والصراع على الملك، وهكذا.
ونلاحظ أن مصر من أولي الدول التي أسست فكرة العلامة، وتلك (العلامات الحسية) كانت دالة على فترة تاريخية عاشتها مصر، فمن يري التاج الأبيض منفصلا، أو الأحمر ينفعل ويتأثر ويخاف من الانقسام.
وعند رؤية التاج المزدوج (الأبيض والأحمر) يشعر بالاطمئنان والأمن، بخلاف العلامة الجغرافية لأرض مصر التي تشكل عليها الوجدان المصري، وعاش بها في كون مصر هي أم الحضارة.
وهى التي صدرتها للعالم، وإلي لقاء قريب مع الكثير من العلامات الحسية داخل النص المصري، والعرض المسرحي المصري.