بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
بعد طرد (إسماعيل ياسين) من فرقة (بديعة مصابني) نتيجة عدم موافقة ابن أختها ومدير أعمالها (أنطون).. اتفق (أبو السعود الإبياري) مع مكتب عبد العزيز محجوب لتوريد الفنانين على مقابلة (إسماعيل ياسين).
طلب عبد العزيز من (إسماعيل ياسين) أن يقدم عينة من أعماله، فغنى مونولوج لأبو السعود الإبياري.. أعجب به عبد العزيز وقدمه إلى ملهى ممثل قديم هو (يوسف عز الدين) الذى أعجب بدوره بموهبة (إسماعيل ياسين) و منحه 25 قرشا عن كل يوم عمل.
في هذه الفترة كانت (بديعة مصابني) قد توقفت عن إدارة صالتها لانشغالها ببعض الأفلام السينمائية وعند عودتها إلى الصالة عام 1936 كتب لها (الإبياري) عدة مسرحيات حاول فيها دائما تخصيص مساحات لـ (إسماعيل ياسين) لفرض عودته إلى الفرقة.
ففي مسرحية (فاميليا محترمة) منحه دور (سكر الحادق)، وعند تصفيق الجمهور له طلبت بديعة منحه أدورا أخرى فكتب له (الإبياري) في مسرحيات متوالية مثل (ليلة في الكرار، فلوس بتجرى، ما تخافش من الستات ، جنان أصلى )، و كلها من إخراج بشارة واكيم.
تقدم (إسماعيل ياسين) إلى اختبارات الإذاعة المصرية ليتم قبوله فيها كمنولوجيست ليواصل (الإبياري) مساندته بكتابة مونولوجات لم يتقاضى عنها أي أجر من أمثلتها مونولوج (البنى آدم):
البنى آدم إبليس يطفش من أعماله
حوا وآدم متبريين من أفعاله
آه آه م البنى آدم
بنى آدم أبو إيد ممدودة عمره ما يقنع ولا يستقنع
ومطامعه ماهيش محدوده ع الحامى وع البارد يبلع..
في هذه الفترة رفض (أبو السعود) أن يتقاضى من (إسماعيل ياسين) ثمن هذه المنولوجات المتوالية ليساعده على الانتقال من البانسيونات إلى الاستقرار في شقة خاصة به استأجرها بالفعل في السيدة زينب.
(الإبياري) يساند (إسماعيل يا سين)
ويواصل (أبو السعود الإبياري) مساندته (إسماعيل يا سين) بمنحه دور السائق (ورد) في فيلم (أما جنان) عام 1944، وقد شارك بطولته آسيا وفؤاد شفيق وحسن فايق والقصرى.
و قد كتب فيه (الإبياري) قصة السيدة (إكرام) التي تعيش سعيدة مع زوجها (حسونة) لكنها فجأة تكتشف خيانته لها.. تلجأ (إكرام) إلى خالتها فتوعز لها أن تدعى المرض النفسي وأن تظل صامته و كأنه أصابها الخرس.
هنا يشعر الزوج بالندم لكنه يحاول إخراج زوجته من حالة الصمت فيتنكر في صورة امرأة تحكى لزوجته (إكرام) عن مغامرات زوجها (حسونة) فتثير غيرتها إلى حد الجنون لتنطق بالكلام.. في نهية الفيلم نكتشف أن كل ما دار كان مجرد حلم.
عام 1945 كتب (الإبياري) لـ (إسماعيل ياسين) دورا صغيرا في فيلم (تاكسي حنطور)، كتب قصتها حول سائق الحنطور الذى يحقد على سائق التاكسى.
فهو يشعر بأنه يأخذ منه الزبائن و التوصيلات و الرزق كله، في حين أن سائق التاكسي يحب ابنة سائق الحنطور وتتطور المشاكل أكثر حينما ترفض أسرة الفتاة هذا الزواج.
ولأنه لم يكن باستطاعة (الإبياري) رغم إيمانه الكامل بموهبة (إسماعيل ياسين) أن يفرض على المنتجين حصوله على أدوار البطولة إلا أنه دعمه باستمراره في كتابة تيمة خصصها له.
وهى اتخاذه دور صديق البطل المضحك خفيف الظل طيب القلب المخلص لصديقه دائما، كما جعله يغنى أو يلقى إفيهات، وقد كان لهذه التيمة أثرها الفعال في ارتباط المتفرج المصري بهذا الصديق الذي يتمناه الجميع في حياته.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: إضحك كركر مع (أبو السعود الإبياري).. (الست بديعة).. (2)
والتفت المنتجون إلى هذا التغير في تركيبة المشاهد الذي سيدفع تذكرة السينما، والتفت النجوم إلى هذا السنيد الذى لا يخطف منهم البطولة وإنما يضيف إلى أفلامهم بهجة وعلى إلى رصيد حب الجمهور لهم و لأعمالهم مزيدا.
عام 1949 استطاع (الإبياري) أن يخصص لـ (إسماعيل ياسين) مساحة أكبر في فيلم (فاطمة وماريكا وراشيل)، حيث البطولة المطلقة لمحمد فوزى (يوسف) ويليه صديقه إسماعيل ياسين (حمص).
ويوسف فتى ثرى وسيم مستهتر يدخل في علاقات مع ثلاث فتيات من ديانات مختلفة.. راشيل التي يدعى أمامها أنه من نفس دينها، وماريكا اليونانية المسيحية التي تكتشف راشيل علاقته بها.
وفاطمة المسلمة التي يحاول والد يوسف دفعه للزواج بها، رغم رفض يوسف من ناحية، ورفض فاطمة من ناحية أخرى، ولم يكن كلاهما قد رأى الآخر بعد.
(إسماعيل يا سين) يتقدم للخادمة
وحينما يهدد الأب ابنه بحرمانه من الميراث إذا لم يتزوج (فاطمة) يتفق (يوسف) مع صديقه (حمص) على تبادل شخصياتهما عند الذهاب إلى (فاطمة) في نفس الوقت الذي تتفق فيه فيه فاطمة مع خادمتها على تبادلهما الأدوار، حين قدوم العريس لرؤيتها للتخلص منه.
وبعد عدة مواقف ومفارقات كوميدية ينمو إعجاب متبادل بين (يوسف وفاطمة) المتنكرة كخادمة بل ويكاشف (يوسف) أبيه برغبته في الزواج بالخادمة ليثور أبوه مرة أخرى، لكنه يكتشف أن الخادمة هى (فاطمة) التي رشحها لابنه يوسف منذ البداية.
وقد أعاد (الإبياري) كتابة نفس القصة عام 1964 في فيلم (هارب من الزواج) لفؤاد المهندس وأبو بكر عزت.
ينتهز (الإبياري) فرصة تثبيت أقدام (إسماعيل ياسين) عند المنتجين وتنامى ثقتهم به ليفرد له مساحة المشاركة بمساحة أكبر في فيلم (ليلة العيد) مع شادية وشكوكو.
والقصة التي كتبها (الإبياري) هنا تتناول (ياسمينة) وشقيقيها (شوشو وسوسو)، وثلاثتهم لديهم مواهب فنية يحاولون استغلالها بالعمل في ملهى بعد تشردهم وتعرضهم للحرمان.
(إسماعيل ياسين) وسكتش (الفول)
يقدم (الإبياري) هنا صورة عن حرمان الأشقاء الثلاثة في اسكتش (الفول) بدخولهم ثلاثتهم بملابس من نفس الشكل واللون الأسود الى مطعم شعبي فقير ذو كراسي خشبية متواضعة وترابيزات صاج صغيرة وزبائن من الفئات المهنية الدنيا.
لتبدأ كلمات (الإبياري) البارعة في رسم الفقر بطريقة مبهجة كعادته:
البائع: الفول عجميه يا رجاله .. بالهنا والشفا للأكالة
العامل: أهلا أهلا.. ليلة ألسطا
إسماعيل: عندك ايه؟.. اقرا لنا الليسته
العام : فول بالسمنه النايحة
الثلاثة في زهق: غيره
العامل: فول بالزبدة السايحة
الثلاثة في زهق: غيره
العامل: فول بالزيت الحااار
الثلاثة في زهق: غيره
العامل: فول بحباش وبهار
الثلاثة في زهق: غيره
شكوكو: هات لنا واحد فول لتلاتة.. ووصى عليه الحاج شحاتة
إسماعيل: رص الفولة جنب الفولة.. و حط الثانية قبل الأولى
عند ذهابهم لمقابلة مدير المسرح يدخلون عن طريق الخطأ إلى شقة أخرى، حيث مجموعة من الأشرار يخططون للإيقاع بالشاب الثرى (عادل) عن طريق دفع أختهم اللعوب في طريقه..
يحاول الأشقاء الثلاثة إنقاذ (عادل) من هذه المكيدة خاصة بعد إعجاب ياسمينة به..
يصل الثلاثة إلى المسرح ويتحايلون للصعود على خشبته للتعريف بمواهبهم للفت أنظار مدير المسرح، ويقدمهم الإبياري من خلال اسكتش (إحنا التلاتة):
الثلاثة معا: إحنا التلات.. سكر نباتة
إحنا التلاتة حاجة شربتاتة
بالإنسانية مش بالتباتة
إحنا التلاتة.. إحنا التلاتة
شكوكو: أنا فنى وجنى وارص واغنى وتسمع منى الفن نضيف.
(إسماعيل ياسين): وانا أخللى لوحدى (لوريل مع هاردى وأنور وجدي).. يقولوا يا لطيف.
شاديه: و أنا قطة وبطة وحامية وشطه ودايما أسطى ودمى خفيف.
لكنهم عند مقابلتهم لمدير المسرح يتفاجؤون برغبته في التعاقد مع فنانة بشرط أن تكون لبنانية.
تتنكر ياسمينة كمطربة لبنانية ليقع مدير المسرح في غرامها وتشتعل نيران الغيرة عند زوجته وتتوالى مفارقات كوميدية ترسخ من تأهيل (إسماعيل ياسين) إلى أدوار البطولة المطلقة القادمة.