كتب: أحمد السماحي
كانت (السينما المصرية) أحد أهم مصادر الدخل في حقبتي الثلاثينات والأربعينات بعد القطن المصري، لهذا كانت الحكومة المصرية توليها رعاية خاصة، وتسعى لوضع قوانين تحمي استمرار إنتاجها، وتضمن الحفاظ على القديم منها.
حيث كان بعض المسئولين المثقفين كرائد الأقتصاد (طلعت باشا حرب) الذي أدرك – كما يذكر الناقد اللبناني إبراهيم العريس – أن (السينما) يمكنها أن تكون مشروعاً اقتصادياً وثقافياً وحضارياً في الوقت نفسه.
وأن العمل الاقتصادي الحقيقي لا يمكن أن يكون مكتملاً إن لم يتضافر مع نهضة اجتماعية وثقافية تلازمه وترفده، لهذا سافر إلى أوروبا ليطلع عن كثب على حالة الاستوديوهات الألمانية والفرنسية، وعاد من هناك مقتنعاً بالفكرة.
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب : من عام لعام تحيا السينما المصرية
ومنذ بداية عام 1934 بدأ إنشاء (ستوديو مصر) الذي افتتحه في عام 1935 إيذاناً ببلوغ (السينما المصرية) سن النضج، وهى التي كانت قبل ذلك مجرد خطوات أولية وجهداً فردياً مغامراً، مع طلعت حرب تبدلت الأمور.
وأدرك الرجل أهمية (السينما) وعظمتها وأنها لم يعد بإمكانها أن تنتج من عمل حرفي يتسم بطابع (الفهلوة) الشهير، بل لا بد لها أن تنطبع بعمل ونهج علمي.
وانطلق (طلعت باشا حرب) من ذلك ليعطي لـ (السينما المصرية) أول اندفاعة حقيقية في تاريخها، اندفاعة كانت هى التي جعلت لمصر سينما وحياة سينمائية تضاهي في بعض الأحيان ما ينتج في أعظم عواصم (السينما) العالمية، من الناحية الكمية على الأقل).
(السينما المصرية) وتوثيق هوية الأمة
بعد العظيم (طلعت باشا حرب)، أحب صناعة (السينما) بعض المسئولين المصريين الشرفاء المخلصين، حيث أمنوا أن الأفلام السينمائية كالآثار تعكس قيم وعادات المجتمع.
وتوثق هوية الأمة والصورة التي كانت عليها في أزمنة مختلفة، وصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، لهذا توهجت صناعة (السينما) في الأربعينات والخمسينات، واستطاعت المشاركة بأفلامها في أهم المهرجانات.
وساهمت في نقل صورة حقيقية غير مشوهة، تنفي عن المجتمع المصري أنه مازال يحيا في الصحراء، ويسكن الخيام ولا يعرف سوى الجمال والخيول وسيلة للانتقال.
إهمال المسئولين لـ (السينما المصرية).
لكن مع مرور السنين أهمل المسئولين في الحكومة المصرية (السينما)، وأقتحم الإنتاج السينمائي مجموعة من التجار الذين لا يهمهم سوى الربح المادي.
إقرأ أيضا : زكي رستم.. أشرس وأطيب شرير في السينما المصرية
وبدأ التدني والهبوط في (السينما)، وسنة بعد أخرى زاد الهبوط والتدني، وابتعدت (السينما) المصرية عن مجموعة من المفردات التى كانت تميزها مثل الرقصات الشرقية، والغناء، والكوميديا، ومناقشة موضوعات جريئة.
فضلا عن اختفاء البهجة والجمال من أفلامها، واختفاء هذه العناصر قلل من الإقبال عليها من كل أنحاء العالم، مثل روسيا، والصين، واليابان، وفرنسا، وأميركا اللاتينية.
وبدأت (السينما المصرية) تواجه أزمات ضخمة، يأتي في مقدمتها، محدودية السوق، إذ يقتصر على موسمي عيدي الفطر، والأضحى، وعدم القدرة على فتح أسواق جديدة، والطموح القليل لدى القائمين على الصناعة، وغيرها من الأزمات.
العبث بتراث (السينما المصرية)
مع انتشار الإنترنت، بدأ الإنهيار الحقيقي، وبدأ التلاعب في تراث (السينما المصرية)، وكأن (السينما المصرية) ناقصة أو لا تعاني من أزمات أو مشاكل، حيث فوجئت مؤخرا ببعض العابثين على موقع الفيديوهات الشهير (اليوتيوب) يقومون بالعبث في تراثها وتشويهها!.
والحكاية باختصار شديد أن بعض العابثين يقومون مؤخرا بالعبث في عناوين مجموعة كبيرة جدا من كلاسيكيات السينما المصرية، ويستبدلون عناوين الأفلام الأصلية بعناوين من تأليفهم لا تمت لموضوع الفيلم بصلة.
ويحذفون اسم الفيلم من مقدمته، مع الحفاظ على باقي فريق العمل، ويضعون هذه الأفلام بعناوينها الجديدة المثيرة، وأحيانا الفجة في قنوات خاصة بهم!.
ويرجون لهذه الأفلام بعناوينها الجديدة، ففي قناة تحمل إسم (أفلام عربي) تجد فيلم (الثأر) قصة وإخراج محمد خان، وسيناريو وحوار فايز غالي، وبطولة محمود ياسين ويسرا، موجود تحت عنوان (الشرف) ويروجون له كالتالي: (سيدة يبحث عنها زوجها حتى يجدها مع عصابة فعلت بها مالم يتحمله بشر!).
وفيلم (رجل وإمرأة) قصة يحيي حقي، وإخراج حسام الدين مصطفى، وبطولة رشدي أباظة وناهد شريف، موجود بأكثر من اسم من هذه الأسماء (العار).
إقرأ أيضا : كمال الشناوي .. ملك الشر الوسيم في السينما المصرية
وفيلم (دموع في ليلة الزفاف) تأليف وإخراج سعد عرفه، بطولة بوسي وعمر خورشيد، ستجده تحت عنوان (فقدان ذاكرة).
وفيلم (رجل لهذا الزمان) تأليف وحيد حامد، وإخراج نادر جلال، وبطولة عادل أدهم، وشويكار، وسماح أنور، ستجده تحت عنوان (الزمن).
وفيلم (مرزوقة) تأليف بشير الديك، وإخراج سعد عرفه، وبطولة بوسي وفاروق الفيشاوي، وفريد شوقي، ستجده تحت عنوان (بنت النشال).
وفيلم (النصابين) إخراج أحمد يحيي، وبطولة حسين فهمي وعادل أدهم، وبوسي، وشويكار، موجود تحت عنوان (النصابين الثلاثة)، وفيلم (غدا سأنتقم) أصبح يحمل إسم (خيانة عهد).
وفيلم (الكروان له شفايف) تمصير وإخراج حسن الإمام، وبطولة نبيلة عبيد، وسهير رمزي، ويوسف شعبان، وسمير صبري، موجود بأكثر من إسم منها فيلم (الشفايف)، وأيضا (شفايف الكروان).
حيلة دنيئة لتشويه الأفلام
وهذه الحيلة الدنيئة تنطبق على كثير من الأفلام، وهى كارثة حقيقية، خاصة أنها ليست قاصرة على هذه القناة، المسماة بـ (أفلام عربي) فقط، ولكنها موجودة في عدة قنوات أخرى.
وكأن الفيلم السينمائي المصري ليس له صاحب، خاصة وأن هذا العبث لا يحدث إلا في أفلام السينما المصرية!.
وخطورة ما يحدث أن عنوان الفيلم القديم شيئا فشيء يتلاشى عن ذاكرة الجمهور، خاصة من الأجيال الجديدة، ويحل محله عنوان العمل الجديد!، وبهذا يضيع ويشوه التراث السينمائي المصري!.
ومن هنا فإن (شهريار النجوم) يدق ناقوس الخطر، ويطالب المسئولين عن صناعة السينما المصرية – إذا كان هناك فيه مسئولين – بالتدخل الفوري، لوقف هذا العبث!، الذي لايضر بالسينما المصرية، بل يقوم بتغيير الهوية البصرية بتدخل صفيق.
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب : عن فجر السينما المصرية يتحدثون
ياسادة لقد ظل فن السينما دائما هو المعبر الأبرز عن طموح الإنسان في اقتناص الحلم ودمجه بالواقع، في ممارسة السحر الحلال لفك غموض الكون وفتح بوابات الروح على مصراعيها، في اللعب بين الوعي واللاوعي.
وبما أن السينما جزء حي وصادق في الذاكرة الجمعية المصرية، لاينبغي أن تتأثر بكل ما يعتري الواقع المصري من تحولات حادة أو طفيفة، فإذا حدث ارتباك سياسي أو مجتمعي ما، يخفت صوت السينما، خاصة إذا تعرضت للتشويه بالتكنولوجيا.
وهو ما حدث في اكتساح وسائل التواصل الفضاء بما أتاحته ورسخته من قيم الحرية والجرأة، أصبحنا نتقابل مع أفلام نفذت عناوينها بطريقة مغايرة بحيلة خبيثة تعتمد على تغير اسم الفيلم بهدف تحقيق مشاهدات تؤدي إلى مكاسب مادية أكثر.
وكما لا يمكن إنفاذ مقولة تراجع أو انهيار أو موت السينما المصرية، لا يمكن كذلك الموافقة على استمرار فكرة صدارة السينما المصرية بتغيير هويتها على جناح استخدام وسائل التكنولوجية الجديدة التي تسعى لتخريبها كما يحدث حاليا.