بقلم: محمود حسونة
كان الفنان المصري بالأمس قدوة لجمهوره العريض الممتد من المحيط إلى الخليج، سفيراً لبلاده أينما حل، حريصاً على صورته وصورتها، ناقلاً لقيم الحضارة المصرية العريقة في البلدان التي يزورها، واليوم اختلف الوضع وأصبح بعضهم عار على بلاده، مثل محمد فؤاد، هادم لقيم حضارتها، مخجل لأهلها، منتقص من قدرها أينما حل.
نجوم الأمس كانوا منا، يمثلوننا، يعبرون عن همومنا في أعمالهم، يروجون لثقافتنا في رحلاتهم، يتباهون بمصريتهم ونتباهى بفنهم وسلوكهم، لا ينسلخون عن جذورهم مهما كانت الاغراءات، يعرفون قيمة أنفسهم وفنهم وبلدهم، واليوم تبدلت الصورة، لم يعودوا منا، ملامحهم اختلفت عن ملامحنا، سلوكياتهم أصبحت أحياناً مخجلة لنا ولانتمائهم لبلادنا، فنّهم شاطح لا يعبر عنا بل كثيراً ما يسيء إلينا، أصواتهم صاخبة وأغانيهم ضوضائية وموسيقاهم ضجيج، ومسلسلاتهم وأفلامهم تنشر بين أبنائنا قيم البلطجة والعنف، لا يقتصر عجزهم على اختياراتهم الفنية الهادمة بل يمتد إلى كلماتهم وتصريحاتهم الناكرة لجميل الوطن والمجاملة بشكل ممجوج لمن يلقي إليهم ببعض الريالات مثل محمد فؤاد وكأنهم جوعى وجدوا مائدة عامرة أمامهم، فطار العقل وضاعت الذاكرة، لينسبوا إلى صاحب المائدة ما ليس فيه وينفون عن الوطن ما هو أصيل فيه، كما يقودهم عجزهم إلى ارتداء ملابس تبدل ملامحهم الرجالية إلى ملامح أنثوية فيصبحون شكلاً كما بائعات الهوى على نواصي الإفك وفي الشوارع المظلمة.
إقرأ أيضا : محمد فؤاد وأحمد سعد يستهتران بالجمهورو يستبدلان صوتهما بالفلاشة !
منهم المغرور، ومنهم المتشبه بالنساء، ومنهم محمد فؤاد المنافق الذي يهيّل التراب على تاريخه بكلمات لا يدرك معناها، وكأنهم قالوا له (قل هذه الكلمات)، فنطق بها وهو فاقد العقل والمنطق والانتماء، وبدلاً من أن يكون عزيز النفس أصبح ضائع النفس والهوية.
كنا نقلد نجومنا
بالأمس، كنا نقلد نجومنا في ملابسهم، ونستحضر كلماتهم وكلمات أغانيهم وحوارات أعمالهم الدرامية والسينمائية في جلسات العائلة المسائية، وخلال رحلات الرفاق سواء في الخارج أو الداخل، وأيضاً خلال اللقاءات الرومانسية مع الحبيبات، واليوم لا نعرف ماذا نستحضر لهم، بل لا تحضر سيرتهم إلا وبعضنا لهم لاعنون، وبعضنا منهم ساخرون، وكثيرنا عليهم ناقمون غاضبون.
أمس واليوم وغداً، سنظل نذكر عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز ونور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمي، وقبلهم رشدي أباظة وكمال الشناوي وشكري سرحان وأنور وجدي، ومن المطربين عبدالحليم وعبدالوهاب وفريد والعربي وقنديل وغيرهم بالخير، كانوا نماذج نتباهى بها حتى اليوم، نشروا بأعمالهم لهجتنا وثقافتنا وقيمنا، سافروا ومثلونا في كل مهرجان وحفل خير تمثيل، كانوا يتباهون بمصريتهم بمن في ذلك من كانت جذورهم غير مصرية، والأمر نفسه ينطبق على نجماتنا في الغناء والتمثيل، وهل ينسى محمد فؤاد سيدة الغناء العربي أم كلثوم عندما ذهبت إلى باريس لتغني لصالح المجهود الحربي بعد نكسة 1967 على أعظم مسارح العالم، الأوليمبيا، وسألت عن الأجر الذي تتقاضاه إديث بياف أشهر مطربة فرنسية حينئذ، لتطلب أجراً أعلى منه وتقاضت عن هذا الحفل 14 ألف استرليني وهو الأجر غير المسبوق، وغنت بشروطها ورغم حضور 55 يهودياً للحفل فقد قدمت أغاني وطنية مصرية وغنت للقدس في قلب أكبر العواصم الأوروبية دعماً لإسرائيل.
إقرأ أيضا : تعرف على اللحن الواحد الذي غناه (عمرو دياب، ومحمد فؤاد) مع كلمات مختلفة !
الغريب أن معظم من يذهبون اليوم للغناء في السعودية في الحفلات التي تنظمها هيئة الترفيه، يأتون فعلاً يغضب المصريين، وآخرهم أحمد سعد الذي ذهب ليرتدي رقطاً في أذنيه وملابس نسائية مشبكة وشفافة لا تقبل بعض النسوة ارتدائها في الحفل الذي شارك فيه مؤخراً في جدة، متخلياً بذلك عن ملامح الرجل فيه والغريب أنه ابن محافظة قنا بصعيد مصر الذي لا يقبل بأي شكل أن ينحرف أحد أبنائه بملابسه إلى هذا الحد، وهو الأمر الذي أثار غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل وسخرية طليقته الفنانة سمية الخشاب التي علقت على ذلك قائلة (وأنا بأقول لبسي راح فين؟!).
أحمد سعد يسيئ بملابسه
شريكه في الحفل، محمد فؤاد الذي كنا نعتز به نجماً محبوباً في الماضي، نجح في أن يهيل التراب على تاريخه في أول حفل يحييه في السعودية بقوله (حلم إننا نغني لأعظم ناس على وجه الأرض، السعودية ساكنة جوا كل قلب في الوطن العربي، الشعب السعودي اللي علِّمنا يعني إيه أخلاق وكرم، وبحبكم من كل قلبي، والله ممكن أبطل الغُنا بعد الاستقبال ده).
نعم، الشعب السعودي ساكن كل قلب في الوطن العربي، مثله مثل شعوب عربية مختلفة، ولكن الشعب السعودي لم يعلمنا (يعني ايه أخلاق وكرم)، وكأننا لم نكن أهل كرم من قبل، وكأن حضارتنا التي علمت الإنسانية الأخلاق لا وجود لها في ذاكرة محمد فؤاد، وإذا قرر أن (يبطل) غنا بعد هذا الحفل كما قال، فليته يفعلها ويريحنا حتى لا يرتكب خطيئة أكبر إذا دعته هيئة الترفيه السعودية لحفل آخر.
إقرأ أيضا : لوك أحمد سعد يجعلنا نترحم على فستان الست أم كلثوم!
كلامنا ليس مستهدفاً به الشعب السعودي الكريم، وإنما فقط نسعى لإفاقة من يجيد هز الذيل والتخلي عن الثوابت عندما تعطف عليه هيئة الترفيه. ليست الهيئة مذنبة ودائماً، الجمهور السعودي مقدر ولكن من دون فجاجة بعض فنانينا الذين مسح التملق تاريخهم وطمس هويتهم وزعزع انتماءهم!، ومحمد فؤاد ليس أول من يتجاوز تملقه الحد فقد سبقه البعض، وان كنا نتمنى أن يكون آخر المتملقين.
محمد رمضان فقد وعيه
محمد رمضان شأن آخر، فالرجل أفقده غروره وعيه، وأصبح يعشق التعالي على جمهوره، وينهج سلوك محدثي النعمة الذين رزقهم الله ما لا يتوقعون وما لا يستوعبون، فبعد أن أدمن تصوير سياراته وطائرته وممتلكاته، وبعد أن ألقى بالدولارات في بركة سباحة العام الماضي، خرج علينا مؤخراً بصورة وهو جالس في طائرة وحيداً والكرسي المجاور له ملئ بالدولارات، ورسالته من وراء ذلك لا تحتاج إلى تفسير ولا تحليل سوى أنه يؤكد أنه حسب المثل المصري القديم (كان في جرة وخرج لبره) وغير مصدق أن الله أنعم عليه بالكثير، وبدلاً من أن يكون ذلك دافعاً له للتواضع، تمكن منه الغرور والتعالي وأفقد “نمبر وان” توازنه.
تملق محمد فؤاد وأنوثة أحمد سعد وغرور محمد رمضان ليست سوى نماذج لفنانينا اليوم الذين أصبحوا غرباء عنا، وهم سبب رئيس لانهيار الفن وانهيار الأخلاق، ولكننا نتمناه انهياراً مؤقتاً يزيلهم من الخريطة ويضع مكانهم من يعون قيمة الموهبة التي رزقهم الله إياها وقيمة العزة والكرامة التي توارثها المصريون عن أجدادهم ولا يتخلون عنها حتى لو تعثرت أحوالهم.