كتب: محمد حبوشة
بعد أن أصبحنا نعيش في العالم الافتراضي أكثر من الواقع على جناح السوشيال ميديا وجنون (الترند)؛ فإنه كل مع كل صباح تجد الشاب أو الفتاة يحتل منصات التواصل الاجتماعي من (فيس بوك وتويتر وإنستجرام) ووصولا حتى (التيك توك)، والهدف واحد وهو جمع أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات والكومنتات على السوشيال ميديا من أجل ركوب (التريند) والشهرة وجني المال في النهاية، حتى لو أصبح على حساب الجميع وهدم عادات وتقاليد المجتمع بل وحتى لو على حساب حياة الآخرين؛ فمنهم من يعرضون حياتهم للخطر من أجل نفحه من (لايكات) ومشاهدات، إلى أن أصبح المجتمع تحت سلطة (هوس التريند) فتكثر الجرائم التي ترتكب بهذا الشكل، تمام كما حدث في حالة مؤدي المهرجانات (حسن شاكوش)
وعلى الرغم من رصد مكتب النائب العام ووزارة الداخلية لمحاولات البعض اختلاق قصص وهمية وحكايات من وحي الخيال تشكل جريمة، وهى بث الشائعات والأكاذيب التي من شأنها تكدير الأمن العام، أو عرض صور خادشة للحياء، فإن هؤلاء المغامرين لا يكفون عن بث زيفهم في سبيل الحصول الوصول إلى (الترند) من خلال اتساع قاعدة اللايكات، وغيرها من أساليب الابتزاز التي أصبحت شأنا عاديا في عالم اليوم الذي يموج بالتحولات الكبرى ويجنح نحو الجنون، حتى ولو كان ذلك من خلال عرض لأمور شخصية تمس حياة الأسرة والمجتمع، المهم في النهاية الوصول إلى هدف واحد هو ركوب الترند بأي شكل من الأشكال.
عمر بن عبدالعزيز
أود هنا أن أتحدث عن الجوع الذي لا يشبع داخل أنفسنا، وأنه صار لا يشبعنا ما في أيدينا، وأن عدم الرضا هى السمة السائدة، فقد ترى أشخاصا ناجحين في عملهم وتجارتهم وأسرتهم، ويأكلون ويلبسون من أفضل الأماكن، إلا أن العبوس سيد الموقف، لماذا؟!: حتما سيجيبك أحدهم: (أريد أن أصبح أفضل، ويشار إلى بالبنان)، وعندما تحدثه عن القناعة وأن يحمد الله على ما عنده، يرد عليك بقول الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز (إن لي نفسا تواقة وما حققت شيئا إلا تاقت لما هو أعلى منه).
الطموح جميل ياعزيزي، ولا أحد يمنعك، ولكن استمتع بنجاحاتك الحالية، لأنك في هرولتك المحمومة نحو المزيد من التألق والمزيد من النجاح وشراسة المنافسة التي تصل لمستويات تتخطى مبادئك من أجل الوصول فقط، ويا ليتك تصل وتكتفي وتشعر بالسعادة، بل تحطم كل شيء معك، أوقاتك مع أسرتك ومع نفسك وصحتك وأحيانا سمعتك، لأنك تريد البريق لا ينطفئ من حولك.
مقاييس النجاح والإنجاز
في الماضي كانت معايير السعادة والرضا، ومقاييس النجاح والإنجاز، تقاس بأدائك الأسري وتواصلك الاجتماعي، عن كونك ابنا بارا، وزوجا طيبا، أو أما صالحة.. الآن يريد أن يتسم بالاستثنائية، أن يحقق إنجازات خارقة، أو يحصد شهادات فارقة، وأكبر مخاوفه أن يكبر مغمورا لا يعرفه أحد سوى أسرته وزملاء عمله.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا أصبح النجاح يقاس بحجم (الصخب) الذي يخلقه، لا (الأثر) الذي يصنعه؟، وأن يعيش حياة (عادية)، وألا يكون بطل زمانه، واستثنائيا وصاحب مانشيتات في الصحف والمواقع الإلكترونية، حتى أصبح (هوس الترند) هو الشغل الشاغل، ويشاركون أي موجة ترند، المهم أن يبرز ويحقق شهرة زائفة حتى يقال هذا هو صاحب العمل الفلاني أو الفعلة الفلانية، ولا يهم إن كانت مشرفة أو (سواد وجه)، المهم أن يدخل التاريخ، ولا يعلم أن (أبا جهل) أيضا دخل التاريخ، ولكن من أي باب!
الرضا النفسي هو الهدف
لاشك أنني وأنت والجميع نريد بأن نكون ناجحين ومؤثرين في مجتمعنا ونحقق الوفرة في المال والعيال والصحة، حتى نصل للسعادة، ولكن كيف سنصل للسعادة من دون رضا؟، يجب أن نتذكر أن الرضا النفسي هو الهدف الحقيقي في هذه الحياة، وأنه يمكن الحصول عليه عن طريق العمل على تطوير الذات والاهتمام بالنفس، وعن طريق الحفاظ على الروابط الاجتماعية الصحية، وعلينا دائما أن نتذكر أن السعادة الحقيقية لا تأتي من الخارج فحسب، بل تأتي من الداخل، وهو ما يحتاجه الكثير منا في هذا العالم الذي يتسم بالتنافس والتسلط، ولعل تسلط الإنسان على نفسه هو أسوأ أنوع التسلط.
وظني أن مؤدي المهرجانات (حسن شاكوش) سلط نفسه بنفسه وعلى نفسه، فلم تكفيه شهرته ولا ركوبه الترند عبر التراشق والتصريحات التي انتهت بالصلح بينه وبين نقابة الموسيقيين حتى استقرت أوضاعه، لكن هوس الترند يظل مسيطرا عليه، فلم يحتمل أن ينعم بهدودء في حياته الزوجية حتى فجر قنبلة جديد بافتعال المشاكل مع زوجته، وفتح بابا جديدا لتحقيق (الترند)، حيث علق شاكوش على أزمته الأخيرة مع زوجته ريم طارق – بعد اشتعلت حرب التصريحات بينهما عدة أيام بشكل مكتوم تارة، وتارة أخرى بشكل علني – إذ اعتذر لجمهوره بسبب مشاركته مشاكله الأسرية عبر مواقع السوشيال ميديا، مشيرا إلى أنه سوف يشارك جمهوره تريند السخرية من كتابته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
شاكوش يعتذر للجمهور
وكتب (شاكوش) عبر (فيسبوك): (الحمد الله والشكر ليك يارب على كل حال.. الحقيقة الفترة اللي فاتت شاركنا معاكم مشاكل كثيرة مكنش ينفع إننا نشاركها معاكم لأن محدش يعلم شئ طالما محدش شاف حاجة، وأنا برضو هفضل عند قراري مش هتكلم في أي تفاصيل، حتى مهما سمعت أي تجريح، بس حقيقي كل شخص يسأل قدام ربنا عن كلامه، بس الحمد الله وأنا حابب أعتذر لكل أهل بيتي وجميع أفراد إدارة أعمالي وكل فرد في فرقتي على الإساءة التي يتعرضون لها يوميا من خلال السوشيال ميديا وخارج السوشيال ميديا).
وأضاف شاكوش: (آسف تاني لكل أهل بيت في مصر وبره مصر على الإساءة اللي حصلت على السوشيال ميديا، وحابب أشارك معاكم التريند بطريقة كوميدية وفيديو ترفيهي على التيك توك بدون الإساءة في أي شخص.. ربنا يعلم إنها حاجة ترفيهية فقط، وربنا يهدي حال الجميع والحمد الله على كل شىء، وانتظروا شغل جديد الفترة اللي جاية دعواتكم)، وتبدو المفارقة الغريبة في الأمر أن رواد السوشيال ميديا دخلو طرفا في اللعبة القذرة، بعدما أصبحت الدردشة المسربة بين شاكوش وزوجته حديث السوشيال ميديا ومصدرا للضحك والسخرية، بسبب الأخطاء الواردة فيها، خاصة أن الأخطاء اللغوية الكارثية في المحادثة بين شاكوش وزوجته، جعلت من المحادثة أشبه بطلاسم إذ يصعب فهمها بشكل جيد ولا بد من بذل جهد واسع، ومن الجمل الواردة في المحادثة والتي حققت انتشارا واسعا وبدورها تحولت إلى (ترند) ومحل سخرية من قبل مصريين وعدد من نجوم الفن جملة (عبسطك ازاى وانتى مش بستانى)، والمقصود منها (هبسطك إزاي وأنت مش باسطاني).
عمرو أديب يفجر أزمة
ومن خلال قصة (شاكوش) التي شغلت غالبية الفضائيات الغارقة في التفاهة التي بدأها (عمرو أديب) في قفزه على أحداث كثيرة تشغل الشارع المصري والعربي وخصص مساحة زمنية لوالد زوجة (حسن شاكوش) الذي راح يتحدث عن ابنته بفخر وكبرياء غريب خافيا نصف الحقيقة، ومن هنا لاحظت مؤخرا حرص بعض النجوم والمشاهير على اختلاق القصص والحكايات المثيرة التى تجذب الجمهور وتدفعهم للتعاطف وزيادة عدد مرات البحث على (جوجل) ومواقع التواصل الاجتماعى، بحثا عن نيل نصيب من (الترند) الذى أصاب البعض بهوس لزيادة رصيدهم من الشهرة، وقد شهدت الساحة الفنية المصرية العديد من الأحداث المهمة التى تحولت إلى حديث مواقع التواصل الاجتماعى و(ترندات) السوشيال ميديا لتواصل حديث المصريين عنها أيام متتالية، حتى يخرج (ترند) جديد ينسى المصريين الترند السابق.
ومن ثم فقد اعتاد الكثيرمن الناس في مصر كل صباح بمجرد الاستيقاظ من النوم وحتى نهاية اليوم، بالاهتمام والبحث لمعرفة الجديد وما هو (الترند) على مدار كل يوم، وأصبح (هوس الترند) على السوشيال ميديا حديث مثير للجدل كل يوم، ومع جنون شبكات التواصل الاجتماعى ومع انطلاق مثل هذه التحديات عبر صفحات بعض الأشخاص للحصول على الشهرة أصبحت السوشيال ميديا ساحة رحبة للتجريح والنيل من بعضهم البعض بهدف ركوب (الترند)، وفى المقابل نجد أن هناك قضايا وموضوعات على درجة عالية من الأهمية ولا تجد نفس صدى الموضوعات التافهة أو الكاذبة، وكأن المشاهد أو المتلقى صار يبحث عن الإثارة أو الأشياء التافهة فقط لاغير.
مواقع التواصل الاجتماعي
والنتيجة النهائية لهذا الهوس الجديد الذي يسمى الترند أنه أصبح يتغلب على القيم والثوابت الإنسانية وأصبح السعي وراء الربح من مواقع التواصل الاجتماعي والشهرة من خلالها هوس عند الكثير بغض النظر عن الطريقة والمحتوى، وللأسف لأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منصه متاحه لأي مستخدم، فأصبح أي فرد يمكنه أن يقدم أي شئ دون رقابة أو قيود أو حتي معيار، ولا يتحكم فيه سوي ضميره وأفكاره ومعتقداته، ولكن إذا استمر الحال كما هو عليه دون تدخل من المبدعين في كافة المجالات بعمل محتويات مبدعة تكون أكثر دقة وأكثر تشويقا، فغياب المحتوي الجيد والأشخاص المؤثرين جعل السئ يزداد مع كل يوم دون توقف فيجب علينا جميعا حماية أجيالنا من أن يكونوا عرضة لكل ما يتلاعب بأفكارهم، وعلى المجلس الأعلى للإعلام وضع معاير لضبط البرامج التي تتناول هذا الترند ضمن فقراتها بهدف كثافة المشاهدة على حساب القيم والعادات والتقاليد التي تربينا عليها.