بقلم: محمود حسونة
بعض الأعمال الدرامية تخطف المشاهد وتجبره على مواصلة متابعتها بما فيها من إبهار وإثارة بصرف النظر عن الأخطاء الفنية التي يقع فيها صناعها، فمن ينظر إلى العمل الدرامي على أنه وسيلة للتسلية والاستمتاع البصري والوجداني، يكفيه قصة مثيرة مبهرة تجبره على التزام متابعتها بصرف النظر عن عدد حلقاتها المبالغ فيه طالما لديه الوقت اللازم لذلك، ومن ينظر إلى العمل الفني باعتباره عملاً إبداعياً يحمل رسالة وله أركان لا ينبغي الإخلال بها، لا يجد المتعة الكافية في عمل فني يعاني بعضاً من الخلل.
مسلسل (ستيليتو) المعروض حالياً على إحدى قنوات تليفزيون الشرق الأوسط (mbc) من نوعية الأعمال المبهرة في الصورة وملابس الممثلات والتي تم اختيارها من قبل (ستايلست) رفيع الذوق يجيد تنسيق الألوان واستحداث أنماط للأزياء تجذب عين المشاهد بصرف النظر عن مافيها من مساحات عري مبالغ فيه أحياناً؛ وهو من الأعمال المثيرة في الحكاية بما تتضمنه من غوص في النفس البشرية وما تحمله من سوداوية، وهو ما تجسده العلاقة بين الصديقات الأربع اللاتي تتمحور حولهن مشاهد الحلقات التسعين والتي ستتوالى بقيتها تباعاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة؛ مؤمرات ومغامرات وزيف وخداع وانتقام وتجاوزات وتشويق وجرأة غير معهودة في الدراما العربية، تجذب المشاهد وتدفعه في نهاية كل حلقة لانتظار التالية لها بشغف، وخصوصاً أن المخرج أجاد إنهاء كل حلقة بمفاجأة مشوقة حتى يربط المشاهد بالحلقات التالية.
الشغف لا ينفي الملل الذي وقع فيه المسلسل، خصوصاً أنه يتناول حكاية أربع سيدات تربطهن علاقة صداقة منذ أيام الدراسة الثانوية، ثلاث منهن يتآمرن على أكثرهن هدوءاً وحكمة وتميزاً وتفوقاً خلال الدراسة ويدبرن لها فضيحة مع أستاذهن مما يؤدي إلى فصلها وفصل الأستاذ من المدرسة، وتكون النتيجة محاولة الفتاة الانتحار ينجم عنها تهتك جدار الرحم وبالتالي عجزها عن الحمل وحرمانها من الأمومة مدى الحياة، ورغم ذلك تستعيد ذاتها وتصبح طبيبة نسائية معروفة
ومشهود لها، وبعد 20 عاماً من القطيعة تجمعها بصديقاتها الثلاث اللائي دمرن نفسيتها صدفة ويدعوْنها للإقامة في نفس (الكمباوند) الراقي الذي يسكن فيه.. تعود المؤامرات التي تؤكد أن الانسان لا يتغير وأن الطبع يغلب التطبع، وأن سيء الخلق في طفولته وشبابه يبقى على حاله طوال حياته، وأن الأمراض التي تصيب النفس الإنسانية تلازمها مدى العمر.
طوال المسلسل تتنقل الأحداث من مؤامرة لأخرى، حتى تطول الحلقات ويتسرب الملل إلى المشاهد في بعض الأوقات، ولكنه الملل الذي لا يدفع إلى الهروب ووقف المشاهدة، مؤامرات بين
الطبيبة (ألما) الضحية، وصديقاتها الثلاث، (فلك) النرجسية، و(جويل) الأنانية التابعة العاجزة عن اتخاذ قرار، و(نايلة) المهزوزة الشخصية المشتتة المتخبطة، ورغم أن حياة الثلاثة رغيدة مليئة بالرفاهية إلا أن نفوسهن مريضة، يتآمرن على (ألما) ويتآمرن على بعضهن، وتظهر كل واحدة للأخرى عكس ما تبطن لها.
الصديقات الثلاث المتآمرات على صديقتهن الرابعة، متزوجات، أمهات، ورغم ذلك تواصل اثنتان منهن (فلك وجويل) وتجسدهما باقتدار السورية (ديمة قندلفت) واللبنانية (ريتا حرب)، مؤامراتهما ضد (ألما السيد) وتجسدها بتميز السورية (كاريس بشار) بعد انضمامها للاقامة معهن في (الكمباوند)، في حين تندم الثالثة على مشاركتها في فعلهن الشنيع وتجسدها بتألق اللبنانية (ندى أبو فرحات). ومع استمرار المكائد
والمقالب والمؤامرات تقرر (ألما) والأستاذ الضحية ( خالد) ويجسده الفنان اللبناني (بديع أبو شقرا)، فضح دناءة ما فعلنه والكشف عن ما تم ستره طوال 20 عاماً أمام أزواجهن وذويهن، وفي هذا الفلك تدور الأحداث وتتطور ببطء حتى يصل عدد الحلقات إلى 90 حلقة.
مقابل هؤلاء النسوة أربعة رجال هم (كريم) زوج فلك، و(طارق) زوج جويل والذي كان يحب (ألما) أيام الدراسة
واستحوذت عليه (جويل) بعد المؤامرة، و(لؤي) زوج (نايلة) وطليقها بعد أن اختطفته منها شابة صغيرة، والأستاذ (خالد) المدرس الضحية، ويجسدهم على التوالي، السوري (قيس الشيخ نجيب) واللبناني (كارلوس عازار) والسوري (سامر المصري) واللبناني (بديع أبو شقرا، ليقدم الجميع مباراة في التمثيل تنتهي بفوز الجميع بالمزيد من الإعجاب والتقدير.
(ستيليتو) تعني الخنجر، وفي ذات الوقت تعني الكعب العالي، والمعنيان مناسبان للأحداث، حيث تمثل كل من الصديقات
الأربع خنجر ضد الأخريات، كما أن المسلسل يكشف أن شكل ذوات الكعب العالي قد لا يعبر عن جوهرهن، فالشياكة والابهار والحياة الرغيدة قد تخفي خلفها نفوساً ضعيفة دنيئة لا يسلم من أذاها الأكثر قرباً.
العيب الأكبر في المسلسل أنه بلا هوية، ورغم أنه يناقش قضية أو قضايا إنسانية ويكشف عن مكنون النفس البشرية بصرف النظر عن جنسيتها أو محل إقامتها أو اللغة التي تتحدث بها، إلا أن لكل عمل هوية تظهر من تفاصيله؛ فالمسلسل رغم أنه
مستنسخ عن عمل تركي، إلا أنه أوهمنا أن أحداثه تدور في لبنان، ولكن لا تظهر عليه أي ملامح لبنانية سوى ملابس عناصر الأمن الداخلي والممثلين، بينهم لبنانيين وسوريين وهى الخلطة التي اعتدناها خلال السنوات الأخيرة في المسلسلات اللبنانية والسورية على السواء، وهى خلطة حققت نجاحاً عربياً مشهوداً، فالتصوير تم في (كمباوند) في تركيا، والمشاهد الخارجية لا تظهر فيها الملامح اللبنانية، والشواطيء ليست لبنانية، لنجد أنفسنا أمام مسلسل تركي القصة، وتركي مواقع التصوير، وتركي الهوى.
حتى الأداء الصوتي للفنانين يوحي لك أنك أمام مسلسل تركي مدبلج، والخلاصة أننا أمام مسلسل تركي الصنعة إنساني المضمون بوجوه لبنانية وسورية، أي مسلسل بلا هوية، وإن كان ذلك لا ينفي نجاحه في جذب الجمهور لما فيه من تشويق وإثارة وإبهار.
(ستيليتو) حلقة درامية جديدة ضمن مسلسل الأعمال التي تستنسخها (mbc) و(منصة شاهد) عن أعمال غير عربية،
وكأنها تفرض علينا التسليم بأننا أمة فقيرة الإبداع خالية من الموهوبين في الكتابة الدرامية، وليس لديها ما تقوله لجمهورها العربي غير المستورد، أو قد يكون تكريس للعولمة الدرامية والفكرية والإبداعية، وليتها عولمة تأخذ منا وتعطينا بل تعطينا فقط ما تريد ترويجه لدينا وتربية ناشئتنا عليه، وقد قامت باستنساخ المسلسل كتابة (لبنى مشلح)، فيما أعدت السيناريو (مي حايك)، وأخرجه (نقولا صباغ).