بقلم : محمد حبوشة
يبدو أنه من غير الممكن أن نجر أنفسنا إلى خشبة المسرح، ولا يخطر ببالنا أننا سنرى الممثل، نرى إنسانا حيا يلعب على خشبة المسرح، يرسم على الخشبة الحدث والحوار والجسد، إن هذا الجسد المعجون من الفكر والعاطفة والانفعال والحركة، هو الذي يدخل في علاقة جدلية على خشبة المسرح مع الممثلين، ومع نفسه ومع المتلقي والأشياء التي تؤثث الفضاء المسرحي، ومن خلال الجسد يستطيع الجميع أن يتفاعل معه حتى على مستوى التقنيات المسرحية التي تنبني أصلا على الجسد، ولا ينبني الجسد عليها، لماذا؟، لأن الممثل هو الذي يصنع، يؤدي، يمثل، يقول، يتحرك، وبما أنه يفعل كل هذه الأشياء فهو بالتالي سيحرك الجميع، ولهذا فإن مقولة الروسي (يفرينوف) التي تحدث فيها عن الكلمات التي تحمل دورا مساعدا، ولكن العين هى التي تسمع أكثر مما تسمع الأذن.
هذا يؤكد أننا نرى الحركة، نرى الفعل، ونحس بالحركة ونحس بالفعل، يؤثر الممثل فينا ونتأثر بالفعل المنقول إلينا من الممثل، وبالتالي فإن المعرفة التي نطلبها على خشبة المسرح يحملها جسد الممثل الحي تماما كما حدث ويحدث مع ضيفتنا لهذا الأسبوع الفنانة الأردنية القديرة (جولييت عواد) التي تؤكد لنا من خلال تجاربها الطويلة في فضاء المسرح والدراما التلفزيونية (إنه الإنسان الذي يخاطب فينا أشياء عدة، أولها العين وهى الجارحة التي ترى الحركة والفعل، والعقل الذي يتصور ماهية ما يحدث الآن، ويخاطب أجسادنا التي تبدو منفعلة ومتفاعلة مع الممثل).
لعب متقلب حسب الدور
فنحن نستطيع كمتفرجين أن نحس بأجسادنا تلعب كما يلعب جسد الممثل، وهذا اللعب مع (جولييت عواد) متقلب حسب الدور والحدث المعرفي الذي يرسل إلينا، فلابد أن العاطفة عندها تتغير من حالة إلى أخرى، فجسد المتلقي عندما يشاهد مأساة، يتفاعل مع طبيعة الحدث الذي يراه بالحزن والألم والتفكير الاستهجاني مثلا، وكذلك عندما يرى الكوميديا، يتحرك الجسد ويستجيب للفرح والأمل، والبعد الاستهجاني كحالة مضحكة تهكمية مثلا.
لهذا فجسد الممثل الذي يحرك فينا كل الأشياء سواء المدركة أو التي نتحسسها بالبعد الخيالي أو استجابة للحركة الجسدية، والتي ربما تكون عند (جوليت عواد) إرادية وغير إرادية، فالخوف لا يمكن أن يكون في لحظة ما إرادي لدى المتلقي لأنه حالة فجائية، وكذلك الفرح، أما لدى الممثلة (جوليت عواد) فهو حالة إرادية؛ لأنه يملك معرفة مسبقة عما سيجري على خشبة المسرح أو شاشة التليفزيون، ولكننا نستثني من ذلك الارتجال الذي يكون خارج نطاق التدريب والمعرفة المسبقة في أحيان كثيرة، ولاشك أن حضور الإنسان في العالم يكون من خلال الجسد، ومهما كان الذي يحدث أمامنا، فهو صورة لعرض الحدث بعيدا عن الواقع، أو محاكاة له ولكنه ليس الواقع.
إن الحالة البصرية التي أشار إليها (يفرينوف) تبين أن مقدرة تمثل الممثل لجسده، فالجسد هو الذي يخاطبنا بعيدا عن الكلام أحيانا، أو من خلال المحاوره أحيانا أخرى، فتلك الصورة هى الشيء الأكثر حضورا أمامنا على الخشبة، كما في وضعية (جوليت عواد) كممثلة تملك قدرات خرافية على التجسيد الدرامي المذهل على الخشبة كما في مسرحية (الغرباء – 1974) ، والتي تتفاعل معها بعيدا عن حالة الممل، فالمسرح ليس خطابا عقليا بالكامل بقدر ما هو خطاب متعدد، عقلي حواري جسدي إحساس ومشاعر، وإيقونة الجسد قد تنوب عن الإيقونات الأخرى، فالجسد يحمل الخطاب العقلي والحواري والتعبير أيضا، وهذا ما يؤكده (مايرخولد): (فلابد للمثل من أن يعمل على تطويع جسده لكي يستجيب بسرعة خاطفة للأوامر الصادرة إليه من الممثل – المخرج، الجسد هنا مادة إبداع، لكنها تحتاج إلى من ينظمها، ويضبطها وهو الممثل).
درجة الانفعال والإثارة
إن الممثل هو من يقوم بتنبيه المتلقي واستثارة حواسه وحالته النفسية، وانفعالاته من خلال ما يؤديه أمامه، وعلى هذا الأساس يتعلم الممثل من المتلقي وهو يقيس درجة الانفعال والإثارة التي أحدثها عند المتلقي، ليؤدي بالتالي إلى التغيير أو البحث عن دافعية جديدة، تتواصل مع المتلقي، نجد أن الممثلة (جوليت عواد) الذي تؤثر بالمتلقي فالمتلقي يؤثر بالممثل، لينتج بالتالي العمل المسرحي التشاركي، وهذا مقياس نجاح العرض المسرحي من فشله بعيدا عن أي نفاق من قبل المتلقي، ومن هنا فإن الحديث المباشر يعني إثارة الانتباه ولفت النظر إلى شخصية معينة ليتعاطف معها مثلا، ولكن الخطاب المونولوجي الذي يؤديه الممثل وهو يخاطب نفسه، يبين عن أمرين أولهما مخاطبة الجمهور، وثانيهما الاعتراف الصادق أمام النفس، وكل هذا الخطاب الموجه من الممثل إلى المتلقي تزيد من حالة التيقظ لما يدور على خشبة المسرح، والعمل على ربط وتوثيق العلاقة بين الممثل والمتلقي.
ومن خلال هذه العلاقة بين الممثل والمتلقي في حالة (جوليت عواد) لا بد أننا سنلحظ مبدأ أفق التوقع، إن أفق التوقع عندها يقيس درجة انتباه المتلقي من عدمه، وربما يقيس مرة ثانية مدى الانزياح في أفق التوقع، وقد يتفق المتلقي مع الممثل وقد لا يلتقيان، إن مبدأ أفق التوقع مهم في العملية التواصلية في العرض المسرحي والتلفزيوني، وخاصة أننا ندرك تماما أن العرض المسرحي موجه إلى جمهور، وهذا الجمهور سيبدو غير متجانس، ونجاح أفق التوقع دلالة على قدرة الممثل للإمساك بتلابيب يقظة وانتباه المتلقي ليتابع العرض المسرحي من دون تشتت، وكذلك الحال في الدراما التليفزيونية التي برعت فيها (عواد) على نحو جعلها أسطورة وأيقونة أردنية برعت في الجسيد الحي بصورة مذهلة.
تنتمي لأصل أرمني
الفنانة الأردنية (جولييت عواد) اسمها الحقيقي هو (جولييت نيكوغوس يعقوب هاكوبيان)، من مواليد مدينة عمان الأردنية، وتنتمي لأصل أرمني وهم أقلية في الدولة الأردنية، فهى مسيحية الديانة، ولكنها دائما ما تدعو لاحترام كل الأديان وإلى التسامح الديني بين كل طوائف الشعب، عاشت حياتها في الدولة الأردنية، وكان شغفها الأول والأخير الفن والتمثيل، فعندما كانت في عمر الأربع سنوات، كانت تقوم ببناء مسرح صغير في (الحارة) التي تسكنها، وتقوم بالتمثيل أمام أهل الحارة بأكملها، وكانت تتخيل أشخاص وحوارات، الأمر الذي جعل أسرتها تلتفت إلى موهبتها الفريدة.
والمتأمل لحياة (جوليت عواد) سوف يلحظ الكثير من المفاراقات في حياتها التي أهلتها للعمل في مجال التمثيل، فقد هاجر الشاب (نيكوغوس يعقوب هاكوبيان) بدايات القرن الماضي جنوبا من أرمينيا إلى مدينة القدس، هربا من الخدمة العسكرية في الجيش التركي، وهناك تعرف على حلاق عربي يدعى (إلياس الحاج) على مدى سنوات من الصداقة، لاحظ إلياس براعة زبونه الشاب الأرمني في تصليح المعدات فعرض عليه بعض البنادق لإصلاحها، وافق الشاب وعندما عرف لاحقا أنها بنادق ثوار فلسطينيين ضد الاستعمار البريطاني رفض الحصول على أجرة لقاء تصليحها، مدفوعا بذكرى المجازر ومن ثم تهجير شعبه في أرمينيا، وقد أدرك أن ما جرى لشعبه سيتكرر في فلسطين.
طفلة أسست أول فرقة مسرحية
تزوج الشاب من تريز، وبعدما وقعت النكبة (1948) وهاجرت عائلة زوجته إلى عمان، وسكن مع تريز في منطقة سقف السيل وسط عمان، وفي السابع من تموز 1951، جاءت ابنته البكر إلى الحياة فسماها (جولييت)، درست (جولييت) في المدرسة الأرمنية الإنجيلية القريبة من المستشفى الإيطالي، ثم في مدرسة الأرمن على طلعة جبل النظيف، وبسبب أسلوب تلك المدارس في إيصال فكرة القصص الدينية عن طريق المسرح، وإشراك الطلبة بمسرحيات حفلات نهايات الأعوام الدراسيّة، أعجبها التمثيل وقررت نقله إلى حيها، وخلال إحدى العطل الدراسيّة أمام بيتها، تلاحظ جولييت جارتها وهي تنشر الغسيل على حبل مربوط بعمودين: (صرت أشوف خيالها من ورا الشرشف، فخطر على بالي، ليش ما نعمل زيها ونمثل؟).
هكذا أسست الطفلة أول فرقة مسرحية وصالة مسرحٍ في حياتها بعد أن أعجبتها رواية القصص لإخوانها في المسرحيات، وفي فترة الإعدادية صارت مسؤولة عن مسرحيات نهاية السنة من تصميم الأزياء وتوزيع الأدوار والإخراج، هكذا ضمرت جولييت النية لدراسة التمثيل، لكن سيكون لوالدها رأي آخر، فبعد الثانوية اقترح عليها دراسة تصميم الأزياء في إيطاليا، لكنها رفضت وأجابته: (ما بحب تجميل الإنسان من الخارج)، تفاجأ الأب من ردها فقال: (جوابك هذا بيخليني أقول تروحي محاماة)، لكنها رفضت ذلك أيضا، فقال لها: (لعاد بجيبلك ماكينة وتقعدي في البيت تخيطي)، في تلك العطلة الصيفية التي أعقبت انتهاء الدراسة الثانوية عاد أبناء الحارة الأرمن الذي يدرسون في أرمينيا، والتقت (جولييت) بقريبة لها صيف العام 1967 وحدثتها عن الدراسة في بلاد الأسلاف، وعلى الفور (قلتلها كيف بقدر أروح؟ قالت: بتيجي معي على السفارة السوفيتية).
أول بنت عربية تدرس تمثيل بأرمينيا
في مقر السفارة في عمان، ملأت (جولييت) أوراق طلب منحة دراسية وكتبت في خانة التخصص المطلوب: تمثيل، تأخرت ورقتها وظلت تنتظر، ثم خرج الملحق الثقافي أخيرا نادى عليها وأخبرها (أنت أول بنت عربية بتقدم لتدرس تمثيل بأرمينيا)، في البيت وأمام الأب كانت (جولييت ذاهبة) لدراسة اللغة الأرمينية كما أخبرتهم، وفي السنوات الخمس اللاحقة، ستكمل جولييت دراسة البكالوريوس في التمثيل والإخراج، ومن ثم الماجستير في مسرح الطفل، لتعود أواخر العام 1972 إلى عمّان، وبدأ المسرح في الأردن يتخذ المنحى الجماعي والاهتمام بعناصر العرض المسرحي المختلفة، من ديكور وإكسسوار وإضاءة وصوت وحرفيّة التمثيل، مع تأسيس أسرة المسرح عام 1964، التي انبثقت من نشاط مسرحي لطلبة في الجامعة الأردنية، وضمّت الأسرة المخرج هاني صنوبر، والممثلين أديب الحافظ، وعمر قفاف، وقمر الصفدي، ونبيل المشيني، ومارغو ملاتجيان، ووليد بركات، وجميل عواد، وإيميل سروجي، ونبيل صوالحة، وسهى مناع.
عام 1965، ضم وزير الإعلام الأردني آنذاك الشريف عبد الحميد شرف هذه الفرقة إلى وزارته، وقدمت الأسرة أربعة مواسم مسرحية بين 1966 و1971، أغلبها مسرحيات مأخوذة عن أعمال أدبية مترجمة، وكانت (جولييت) قد عينت في دائرة الثقافة – حينها – كمخرجة مسرحيات أطفال فور عودتها من أرمينيا عام 1972، وشهدت الأيام الأخيرة لأسرة المسرح، عندما طرح الوزير شرف على مجموعة المخرجين في الوزارة التصويت على حل الفرقة أو الإبقاء عليها، فصوتت أغلبية الحاضرين على حل الفرقة، ودخلت (جولييت) في نقاشات مع زملائها للتصويت على الإبقاء عليها حتى تكون بذرة لمسرح قومي في الأردن تدعم الدولة فيه المسرح، على غرار دول عربية أخرى كمصر وسوريا، غير أن الأغلبية صوتت على الحل، وهكذا انتهت آمال (جولييت) في مثل هذه البذرة.
تأسيس قسم مسرح أطفال
قدمت (جولييت) للوزير دراسة لتأسيس قسم مسرح أطفال، وكان ذلك وعينت رئيسة للقسم، وحاولت أن يكون قسم مسرح الأطفال بمخصصات مالية منفصلة عن قسم مسرح المحترفين، من أجل إنتاج عدد كاف من المسرحيات المخصصة للأطفال، لكن الأمر بقي على حاله، ويئِست من التغيير: (شفت إني بدي أتحول لموظفة طاولة، فاستقلت)، واتجهت للعمل في (مركز هيا الثقافي) حديث التأسيس، وأسست فيه فرقة أطفال قدمت عدة عروض، كانت البدايات الفنية للفنانة القديرة (جولييت) من خلال المسرح، عملت لفترة طويلة في مسرح الطفل كمخرجة، وقدمت أعظم الأعمال المسرحية للأطفال، وبعدها حصلت على فرصة للمشاركة في أول مسرحية لها كممثلة وكانت تحت عنوان (الغائب – عام 1974) وفي نفس الوقت، كانت (جولييت) تدرس التمثيل والإخراج في الجامعة الروسية وحصلت على شهادة البكالوريوس منها، الأمر الذي زاد كثيرا من موهبتها ومن خبرتها التمثيلية، ومن بعدها شاركت في عدة مسرحيات، لفتت إليها الأنظار، وأصبحت تحصل على إشادة من كبار نجوم الفن في الأردن وفي الوطن العربي.
وبدأت (جولييت) مرحلة الدراما في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وظهرت في شارات الأعمال باسم (جولييت هاكوبيان)، ومنذ بواكير أعمالها لفتت جولييت المخرجين إلى تمكنها من التمثيل، وإتقانها عدة لهجات؛ البدوية مثلما فعلت في المسلسل التلفزيوني (رأس العين – 1975)، والريفية مثل مسلسل (شمس الأغوار – 1979) واللغة الفصيحة مثل مسلسلي (شجرة الدرّ – 1979) و(طرفة بن العبد – 1982)، تعتقد (جولييت) أن التنوع في المنطقة التي عاشت فيها منذ صغرها، وتعدد لهجات أهل عمان، سمح لها بالاطلاع على بعض اللهجات وإتقانها (في ريفيين، وبدو، وناس مختلطة، والجيران كل واحد بحكي لهجة).
درًست الأنشطة المسرحيّة في مدارس
في الثمانينيات، وبالتوازي مع العمل في الدراما، درست جولييت الأنشطة المسرحيّة في مدارس خاصة في عمان، وكانت خلال هذه الفترة تسجّل الملاحظات حول المستوى التعليمي عند الأطفال ومشاركتهم في الأنشطة المسرحية، لتخرج لاحقا بكتاب عنوانه: (الدراما في التعليم وتنمية المهارات)، وقد شهدت جولييت ما توصف بأنها فترة تطور نسبي في الدراما الأردنية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مقارنة بالتسعينيات، ومن ثم شاركت في الكثير من الأعمال الدرامية، لكن تبقى هنالك أعمال فارقة في مسيرتها، أولها مسلسل (الكف والمخرز – 1992)، ثم (التغريبة الفلسطينية – 2004)، والمحروس – 2006)، وهى الأعمال الأقرب إليها كما تقول، وتتناول هذه الأعمال صراع المجتمع مع السلطة، مثل مسلسلي (الكف والمخرز) والمحروس، أو صراع المجتمع مع الاحتلال، مثل (التغريبة الفلسطينية).
ومن أهم أعمال الفنانة القديرة (جولييت عواد) التي شاركت فيها (أكباد المهاجرة، ذياب هباب الريح، هند – 2022، صقار، لعبة الإنتقام، جلمود الصحارى – 2021، رياح السموم – 2020، صبر العذوب – 2019، نوف – 2018، العقاب والعفراء 2017، الدمعة الحمراء – 2016، حنايا الغيث، ذهاب وعودة -2015، رعود المزن – 2014، عمر 2012، أبواب الغيم – 2010، ورق الورد – 2009، نيران البوادي، وأبو جعفر المنصور – 2008، نمر بن عدوان – 2007، قلعة المحروس – 2006، التغريبة الفلسطينية، فارس بني مروان – 2004، خط النهاية – 2003، آخر الفرسان – 2002، المثل البدوي، البحث عن صلاح الدين، السقاية – 2001، المنسية – 2000، قمر وسحر، عرس الصقر 1998، أبناء الضياع – 1997، العقاب والصقر – 1995، الكف والمخرز – 1992، الحطب والنار – 1991، وجه الزمان، خطوات نحو المستحيل، المعصرة – 1998، خط النهاية – 1987، دروب لا تلتقي – 1986، هبوب الريح، الطواحين – 1985، طرفة بن العبد، قريه بلا سقوف – 1982، شمس الأغوار، التائه – 1981، أبو فراس الحمداني – 1979، راس العين – 1975، الفخ – 1970، باب العامود – 1969)، وقبلها (بقايا حطام، التجربة، آه يا المواجيع، الشمس بعد الغيوم)، وفي السينما (مملكة النمل – 2012)، أما في المسرح: (قالب كيك، الغائب ، الغرباء يشربون القهوة، ليلة دفن الممثلة جيم).
رائدة الفن الأردني
وقد حصلت (جولييت عواد) على لقب (رائدة الفن الأردني) بجدارة موهبتها ودأبها في عملها، فبموازاة عملها على هذه المسلسلات السابقة، بدأت جولييت الاستفادة من خبراتها في المسرح لتوظيفها في العمل العام، مثل تقديم المسرحيات لأطفال المخيمات وأبناء القرى النائية، وهكذا عادت مرة أخرى، بعد 35 سنة تقريبا، إلى مشروعها في مسرح الطفل، إذ أسست مشروع (آرام المسرحي) الموجه للأطفال عام 2011، والذي تعرض من خلاله مسرحيات للأطفال مستوحاة من المناهج الدراسية، وقد انطلق المشروع من قرية (سال في إربد) لتجوب معه المناطق النائية والقرى، في عام 2015 انبثقت عن المشروع فرقة (الفينيق المسرحية) التابعة لجمعية رعاية الفتى اليتيم بمخيم الحسين، والتي ضمت مجموعة من الأطفال الأيتام بلغ عددهم 12 طفلا وطفلة، تراوحت أعمارهم بين ثمانية و15 عاما، دربتهم (جولييت) على المسرحيات قرابة عام واحد، بواقع ثلاثة أيام في الأسبوع.
تقترب مواقف جولييت وزجها الراحل (جميل عواد) السياسية، وتتطابق مواقفهما تجاه الأعمال من حيث قبولها أو رفضها، (عنّا موقف وطني، متمسكين فيه، أي شيء يمس الوطن، ضد الوطن، يجرح في الوطن، فورا بدون نقاش هذا مرفوض)، هذه الأهمية التي توليها جولييت للسياسة انعكست في انخراطها في الانتخابات النيابية 2020، حيث ترشحت عن الدائرة الأولى في محافظة الزرقاء، لكنها لم تنجح، ورغم انضمامها لحزب الحركة القومية الذي شاركت في الانتخابات ضمن قائمته، إلا أنها تعبر عن رأيها في تردي الحالة الحزبية في الأردن عموما بالقول (بصراحة ما عنا أحزاب، الأحزاب مسميات)، لذا فإنها ستعيد الكرة في نوفمبر القادم حيث قررت الترشح في مجلس النواب، وذلك نتيجة لمواقفها الوطنية الأصيلة، فهي تعتبر من أوائل نجوم الفن الذين يحاربون من أجل القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من أنها ليست ذات خبرة كبيرة في مجال السياسة، إلا أن صدقها ورغبتها الملحة في مساعدة الشعب، جعلت عدد كبير من أعضاء المجلس يثقون في ترشحها وفي أن تصبح هي ممثلة المجلس، لأنهم على يقين بأنها سوف تحمل رسالة المجلس وهدفه بكل ما تمتلكه من حب.
أشهر أقوال جولييت عواد:
** قبل أن يكون الفنان فنانا فهو إنسان وعليه أن يتخذ مواقف ورؤى واضحة بحيث لا تكون تلك المواقف آنية ومؤقتة وتتبدل بحسب التغيرات التي تطرحها الظروف السياسية. وقد دفعت ثمن مواقفي الوطنية ولا أقول السياسية، لأن السياسة براجماتية.
** لم أعد أثق بأي مؤسسة رسمية، وتوقيع التلفزيون اتفاقية مع نقابة الفنانين يتم خارج وضع استراتيجيات شاملة. بصراحة، أنا متشائمة حيال إمكان تحريك مهم على صعيد الدراما الأردنية ولا أرى ما يبعث على التفاؤل.
** كل شخص يرسم خط حياته كما يشاء. أتيحت لي فرص سابقة للهجرة الفنية والإقامة الدائمة بعيدا عن موطن استقراري، لكنني أحجمت فالنجاح الفني ليس كل شيء. ثمة أمور ربما أهم لا يمكن تحقيقها خارجيا.
** التحامي مع قضايا إنسانية جاء مبكراً ومنذ بداياتي الفنية، وليس تعويضاً لنقص الشهرة، ومازلت قادرة على العطاء، ولي حضوري، لكنني لم ولن أسمح للأضواء بخطف أحلامي، سواء ما يتعلق منها بمواصلة رسالتي المهنية، باحترام واتزان وتوق إلى الجديد المفيد، أو باندماجي في أنشطة وفعاليات اجتماعية ووطنية.
** فيلم (أميرة) يصنف ضمن أقذر أنواع التطبيع مع المحتل، و المفروض أن يتم وضع أسماء المنتجين والممثلين المشاركين فيه على القائمة السوداء للتطبيع، كما استغرب من (فكرة الفيلم غير الواقعية)!
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة القديرة (جولييت عواد) ممثلة قديرة، إلى جانب الإخراج والتدريس الأكاديمي تؤكد أن الشهرة لم تخطف أحلامها سواء المهنية أو المتعلقة بانخراطها في حملات إنسانية واجتماعية، ولكونها خير من قدم دور الأُم في العديد من الأعمال التلفزيونية، أطلقوا عليها (سنديانة الدراما) لعمقها وتجذرها في الأرض، وهى تلك التي آمنت منذ بدايتها الفنية أن (الفن ليس مادة للتسلية، وليس موجها لشريحة اجتماعية دون غيرها، وليس منبرا للوعظ والارشاد)، وهكذا تفهمت وظيفتها في الفن والحياة، وظيفة تستند الى الحوار والاقناع في عالم تشتبك فيه المصالح والامتيازات، لذلك لم يكن غريبا وجودها في عضوية لجنة مقاومة التطبيع النقابية ممثلة لنقابة الفنانين، وهى تدرك قبل غيرها مدى انعكاس ذلك على دورها كفنانة في علاقتها بالمؤسسة الفنية الرسمية.