بقلم : محمد حبوشة
التمثيل هو فن تقمص الشخصية المطلوب تمثيلها على خشبة المسرح بعد لبس جلدها والظهور في صفاتها بقدر المستطاع وتبعا لما رسمته من معالم الشخصية وهو أداء مقيد بأصل أو بنص مكتوب، ومن ثم فهنالك صفات يجب أن تتوفر بالممثل المحترف :يجب أن يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، وأن يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، كما لابد أن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية و منطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي للدور الذي يؤديه، فإذا لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا، ويجب أن يتغير تغييرا كاملا في الشكل الخارجي لهيئته ويتقمص الشخصية التي يمثلها.
ولأنه يجب على الممثل أن يمتاز بعقل وجسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، وتلك صفات تتوفر في ضيفتنا لهذا الأسبوع الفنان اللبنانية القديرة (نضال الأشقر)، تلك التي تخلص للدور الذي تؤديه، وتعيش في مجتمع الدور و بإحساس صادق ، ومن هنا فهي تحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية، ونظرا لأن الثقافة مهمة بالنسبة للممثل فهي تقوم منذ بدايتها الفنية بجمع الكتب التي تبحث في شئون المسرح وفن الممثل وتهتم بقراءة الشعر وزيارة المسارح والمتاحف (طبعا الهادفة و ليست الهابطة)، ومن ثم تكون ملماة بأغلب المشاعر و الأحاسيس ، فالممثل لا يستطيع أن يؤدي الدور بإحساساته الشخصية وحده.
التركيز والانتباه مطلوبان
قوة التخيل و الإعداد تساعدان الممثلة المسرحية (نضال الأشقر) على أن تصب كل أفكارها في دورها بعد أن تتلقى التوجيهات من المخرج، ولعل الممثل الموهوب هو الذي يدرك الحياة حق الإدراك ويضعها في خدمة الدور عن طريق الشعور و الإحسا ، ولهذا فالأشقر تقوم بالتعمق في كل لحظة من اللحظات تأدية الشخصية بملامحها وحركاتها و حواراتها و إيماءاتها ونظراتها، وتطور نشاط قوة التخيل تطورا ملحوظا مع الدور الذي تلعبه، وهذا النشاط ينبع ويتولد من سؤالين تضعهما نصب عينيها: ماذا أصنع..؟، وكيف أتصرف..؟، يجب على الممثل أن يفهم تمثيل الإحساسات أو الإنفعالات تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث و لا يحتاج إلى تصنعها و التكلف بتمثيلها ، ولهذا فإنها تراعي جيدا الأقوال المأثورة: ( تعلم أن لا تمثل)، فالممثل يجب أن يتصرف بإحساس، من خلال أن يستوضح و يفهم هدف (المسرحية ، التمثيلية ، المسلسل ..إلخ) وأماكن تطورها و أسباب حدوثها، وعلى هذا الأساس فإن الانتباه و التركيز التام يمثلان مكانا مهما عند (نضال)، فالتركيز والانتباه مطلوبان للممثل على أن ينتبه لكل لفظ وكل حركة وألا يفقد زميله على المسرح، يجب أن يكون معه حتى بالنظرة و اللمسة يصغى إليه ويشاركه.
تعتقد نضال الأشقر أن التمثيل الدعامة الأساسية بل الشرط الأولي والضروري لكل عرض مسرحي، إذ يمكن الاستغناء عن الإخراج والإنارة والديكور- كما كان الممثل الألماني العبقري (كلاوس كينسكي) يردد على مسامع المخرجين متحديا سلطتهم وعجرفتهم – ولكن لا يمكن أن يتحقق فعل التمسرح بدون ممثل، فيكفي أن يكون هناك ممثل ومكان للعرض ومشاهدين لكي نستطيع الحديث عن فعل مسرحي، وينبهنا الممثل والمخرج الروسي المعروف (ستانسلافسكي: (إن السيد الوحيد على خشبة المسرح إنما هو الممثل الموهوب – المبدع)، والمسرحية عندما تعرض أمام الجمهور، فهي تعرض بتوقيع الممثلين بعد أن يتوارى كل من الكاتب والمخرج الى الخلف، والعرض المسرحي الناجح مشروط بمدى مهارة الممثلين وقدرتهم على التعبير عن معاني النص ومضامينه، إذ لا عرض مسرحي مقنع بدون ممثلين موهوبين ومتمرسين، لهذا لا يمكن لأي كان أن يصبح ممثلا اللهم الأغبياء والمجانين المهووسين بجب الظهور، ففن التشخيص يتطلب الموهبة وجملة من المؤهلات والقدرات، بالإضافة الى التمارين والممارسة اليومية المنتظمة.
صوت قوي غني وخصب
ويعتبر الصوت الأداة الأولية والضرورية في فن التشخيص عند (نضال الأشقر)، إذ بواسطة الصوت يستطيع الممثل أن يشد انتباه الجمهور إلى ما يجري فوق الخشبة، لهذا يجب أن يكون صوت الممثل قويا غنيا خصبا واسعا يتوفرعلى جميع الإيقاعات والنبرات، صوت رنان وخفيظ ونائح ومهتز ومرتج، بحيث يستطيع التعبير على مختلف الانفعالات الإنسانية ، كالوقار أو الشكوى أو الحزن أو الإهانة أو الفرح، ولا يمكن للممثل أن يطور فنه أبدا، إذا كان لا يتسلح بمؤهلات صوتية، كيفما بلغ ذكاءه ومهما اجتهد وعمل، ولذا فإن النطق من المؤهلات الضرورية لكل ممثل، النطق المبين، بمعنى أن يتلفظ الممثل الحروف والكلمات والجمل بشكل واضح وجيد، وبالطبع على الممثل أن يحارب ضد هذه النقائص بالتمارين اليومية التي تستهدف تحسين النطق ومخارج الحروف، تماما كما تفعل دوما (الأشقر)، فلكي يجيد الممثل نطق دوره عليه أن يردده في كل لحظة بين أسنانه وأن يحس بالكلمات في فمه وأن يضغطها ويمضغها ، بل وأن يكون سيد فكه وبالتالي التحكم المطلق في إيقاعاته ونبراته الصوتية.
وإلى جانب الصوت فإن الحركة عند (نضال الأشقر) تلعب دورا مركزيا في فن التشخيص، لهذا لا يقتصر الأداء عندها على الصوت فقط، ولكن يتدخل الجسد بحركاته الرشيقة، الجميلة والدقيقة للتعبير عن الأحاسيس والانفعالات الداخلية، يجب أن ينطق جسد الممثل هو الآخر، بالعين والنظرة وباليد وبالرأس والإيماءة ووضعية الصدر وبالمشية، فإذا كان الممثل يحفظ دوره عن ظهر قلب، وإذا كان يلقيه بكيفية أنيقة، جميلة، رائعة، ولا يوظف مؤهلاته الجسدية كأن تظل يداه ملتصقتين بجسمه، والرأس يميل في نفس الإتجاه، والعين باردة جامدة، إذا كان الجمهور لا يحس بالممثل كوجود من لحم ودم وانفعالات، فلن ننفعل بأداءه أبدا، ولهذا لاتكون حركات (نضال) عشوائية وإنما حركات مدروسة دقيقة ومعبرة، فالحركة والنطق أوما يعرف في المسرح بالإلقاء، يجب أن يخضعا للدراسة والتمارين والتعلم، ولكن هذا لا يعني أن الدراسة بإمكانها تعويض الطبيعة أوالاستعداد الطبيعي الذي يشكل عبقرية الفنان وموهبته.
تتفادى المغالاة والمبالغة
الطبيعي عند (نضال الأشقر) باعتبارها أحد الممثلين الكبارهم الذين يجسدون أدوارهم بشكل طبيعي، أن يكون الممثل طبيعيا في لعب دوره هو أن يتفادى المغالاة والمبالغة في الحركات والأداء، أن يتجنب تفخيم صوته والنطق بكيفية مصطنعة، أن يكون الممثل طبيعا معناه أن يتحرر من اللعب النمطي ومن الكليشيهات والعادات والتقليد المسرحي، فألم (عطيل) ليس هو ألم (البخيل) الذي سرق منه ماله، وأن يكون الممثل طبيعيا معناه أن يعيش الشخصية بصدق وأن يحس بشرطها الاجتماعي والتاريخي، فالممثل المقتدر والمقنع مثل (الأشقر) هو الذي يلعب بكيفية طبيعية وتلقائية وصادقة، لكن الصدق لا يعني الانغماس الكلي في الدور أو الانقياد الكلي لمشاعر الشخصية، وإنما يستلزم الصدق والمراقبة الذاتية في نفس الآن، فالصدق يستدعي الوعي ومراقبة أداءنا، والمراقبة لا تلغي الصدق والانغماس في الشحصية، أما معيار مدى نجاح الممثل، فهو الجمهور، فإذا ما اهتز هذا الأخير وانفعل واهتم وانتبه لحضور الممثل ولأدائه فإن هذا دليل على أن الممثل يلعب بطريقة طبيعية ومقنعة.
كما أن الطبيعي أيضا عند (نضال الأشقر) مشروط بالحساسية، فالممثل مطالب بأن ينسى ذاته الى حد ما، وأن ينزع ثيابه لارتداء لباس الشخصية المسرحية، يجب على الممثل أن يترك جانبا متاعبه الشخصية واهتماماته الأسرية والاجتماعية لكي يكون مستعدا لتقمص دوره، وإلا لن يكون قادرا على الإحساس بدوره والاندماج في الشخصية، يتعين إذن على الممثل أن يعيش إنفعالات الشخصية وأحاسيسها بصدق وإيمان، وأن يتحول من الممثل الشخص إلى الشخصية المسرحية، فكيف للممثل أن يؤثر ويقنع المتلقي بانفعاله وشعوره وبصدق أحاسيسه إذا لم يكن هو مؤمنا ومقتنعا إلى الحد الذي يصبح فيه إلى حد ما الشخصية التي يؤديها؟، نقول إلى حد ما لكي لا يفهم من هذا الكلام أن لا دور لعمل الوعي والنقد الذاتي والمراقبة الذاتية في عمل الممثل، أو بتعبير آخر إن مفارقة الممثل الأساسية هى أن يعيش الشخصية بصدق وأن يكون في نفس الأن على وعي تام بأنه يمثل الشخصية ويقدمها للجمهور.
محترف بيروت للمسرح
ولدت نضال الأشقر في (ديك المحدي) في لبنان، وهى ممثلة مسرح ومخرجة، درست في الأكاديمية الملكية للفنون بلندن عام 1960، لعبت في الستينات والسبعينات دورا أساسيا في تحريك الفن المسرحي اللبناني والعربي في محاولة منها لتحديثه وتجديد تعبيراته ولغته وأدواته، أسست مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين (محترف بيروت للمسرح)، ومع فنانين عرب أسست فرقة (الممثلون العرب) التي جالت في عروضها مختلف البلاد العربية والأوروبية، والنجمة القديرة نضال الأشقر – بحسب قولها – هى ابنة عائلة سياسية حتى النخاع، والدها هو (أسد الأشقر) الرئيس السابق للحزب القومي السوري، تجرع آلام السياسة ومعاركها وطورد لفترات متقطعة وطويلة، فقد دخل الحزب الذي أسسه (أنطون سعادة) عام 1936، وسافر مع سعادة إلى البرازيل وسجن معه هناك، وعاد إلى لبنان مطلع الحرب العالمية الثانية، وطارده الفرنسيون، وانتخب رئيسا للحزب عام 1957، ثم شارك في انقلاب الحزب القومي 1961، وحكم عليه بالمؤبد، ومات الرجل في الثمانينيات بعد رحلة فكرية وسياسية ثرية ومعقدة، وكان من بين صدماته صدام مع النظام المصري في فترة ما أثناء تقاطع نفوذ كيانات عديدة متصارعة على الملعب اللبناني.
وعن سيرتها الذاتية تقول نضال: تربّيت على يد مغامرين ثائرين عاشقين، أمي وأبي، كانا نموذجا لم أر مثلهما، ثورة وإيمان. هو في السجون، وهى من مكان لآخر تراه في السجون، وبين القرى، كان أبي دائما إما هاربا، أو في السجن، والحقيقة أني لم أره كثيرا، كانت أمي امرأة غير عادية؛ جمال داخلي وخارجي وشجاعة لافتة، هذه المرأة، وهذا الرجل، ربياني في وقت نوعي، ولم نكن مثل كل العائلات نجتمع على الغداء والعشاء، بيتنا كان بيت ثورة ونضال، بيت أشخاص مؤمنين أن بإمكانهم أن يغيروا هذا المكان الذي نرى الآن ما يحل فيه، ضحّوا بحياتهم من أجل تغيير لبنان إلى مكان أفضل. كنا ثلاثة أولاد، أنا أصغرهم. ولم يكن لدى عائلتي الوقت للاهتمام بي، (تضحك وتقول: منيح ما كانوا فاضيين لي، ربيت على راسي).
هاربون من سجون الاحتلال
في ما بعد، تبين لي أن هذا المكان الذي أعيش فيه لا يشبه أي بيت تضيف نضال، لأنه مليء بالعالم العربي، أشخاص من العراق، من فلسطين، من سورية، سنة، شيعة، مسيحيون، دروز، ولم يكن من طائفية بيننا، ولا مللية، ولا نخبوية، ولديهم شفافية دائمة. كنا بيت ديمقراطي بامتياز، هذا المكان كان أكبر من الطبيعة، وكان في بيتنا دائما أشخاص إما هاربون من السجن، وإما هاربون من الإنجليز، وإما من الفرنسيين، كان كل واحد من هؤلاء الشخصيات عملاقا بالنسبة لي، وأنا كنت صغيرة، ولم أكن أعرفهم إلا عندما كنت أرى صورهم في الجرائد، منهم (جورج عبد المسيح، وغسان جديد)، والأخير قتلوه في ما بعد؛ كانوا حولي أدباء وشعراء وكتاب.. كان كل ما يفعله أبي، يفعله بزخم فظيع.
بيتنا كان بيت ثورة ونضال، بيت أشخاص مؤمنين أن بإمكانهم أن يغيروا هذا المكان الذي نرى الآن ما يحل فيه، أعتقد أن محبتي للمسرح، ولتربية الروح، جاءت من هذا الجو، من أبي وأمي، من هذه الشخصيات التي كانت في بيتنا، لأن المسرح يشبه شخصا يربي روحا، كأنه يسقي الروح ماء، أو ندى، أعتقد أن محبتي للمسرح هى من محبتي للهروب إلى عالم آخر أتمكن من خلاله أن أجسد عالم هؤلاء الذي كانوا يسعون إليه، من هنا انطلقت محبتي أن أذهب أبعد من الحياة، أبعد من الواقع، إلى مكان فيه تاريخ وفيه خيال وفيه حاضر ومستقبل، فيه كل شيء انطلاقا من هذه الروح التي شربوني إياها.
كنت أكتب في المدرسة
بدأت أكتب للمسرح وأنا طالبة ابتدائي، لكن المدرسة الأولى كانت بيت والدي وهما حقيقة مدرستين اكملت بعضهما البعض، ثم إنني أحببت أن اختلف في الفكر عن عائلتي فهم جميعا سياسيون وأردت أن أعمل شيئا خاصا بنفسي بجناحي أنا، والدي كان يفرح كثيرا بي، كنت أكتب في المدرسة ـ كلية البنات الأهلية ـ والمعلمات يشجعونني لأني أكتب المشاهد بحوار، فأنا أحب الحوار، أحب الآخر، أحب الحوار مع الجمهور الخارجي والداخلي، وأول مواجهة كانت في المدرسة أيضا لأن المعلمة (نور سلمان) قالت لي اقرأي هذا الشعر مع أنني كنت غير متهيئة أو حافظة لكنني وقفت بصوت ممتلكة حضوري، المسرح سحر أي تسحر الآخر وتدخله في عالمك بالإقناع أن تقرأ شخصية الإنسان، مواجهة الآخر، أنا تعودت عليه، كنت أقف وأقرأ القصائد، أكتب، أعمل، وإذا كان هناك تظاهرة كنت أخطب.
و روت (نضال الاشقر) في حوار لها حكايتها في البيت الوالدي المشبع عقيدة ونضالا، روت تفاصيل من زمن الاضطهاد القومي والذي عايشته طفلة تراقب والدتها تخبىء ناشطا سياسيا وتحمل الزوادة الى حيث يختبىء (أسد الأشقر) مع رفاقه القوميين، ومن هنا لمعت النجمة القديرة نضال الأشقر ونجحت في تأديتها ومشاركتها للعديد من الأعمال، وكانت بدايتها بالتمثيل من خلال أدوار مسرحية لبنانية في الستينيات والسبعينات، أصبحت رائدة من رواد المسرح اللبناني و العربي، وقامت بتمثيل العديد من المسرحيات في باريس ولبنان، ومن مسرحياتها: (ألف حكاية وحكاية) – عام 1993، وأسست (مسرح المدينة) في عام 1997، وشاركت في مسرحيات: (السرير الرباعي الأعمدة – إخراج شكيب خوري، رومولوس الكبير – إخراج ريمون جبارة، المفتش العام، مرجان ياقوت والتفاحة، كارت بلانش، البكرة – إخراج فؤاد نعيم، تأليف بول شاوول، المتمردة – إخراج فؤاد نعيم وتعريب بول شاوول، ألف ليلة وليلة في سوق عكاظ، الحلبة – إخراج فؤاد نعيم وكتابة بول شاوول، وأخرجت نضال الأشقر مسرحيات: (طقوس الإشارات والتحولات – تأليف سعدالله ونوس، نسوان طوال – لـ إدوارد ألبي، منمنمات تاريخية – تأليف سعدالله ونوس، عام 2000.
زنوبيا ملكة تدمر
وقدمت نضال الأشقر للتلفزيون مسلسلات عديدة ومنها (جارية من نيسابور – قامت بدور مرجانة، نساء عاشقات، تمارا، زنوبيا ملكة تدمر، صبح والمنصور، شجرة الدر – قامت بدور شجرة الدر، المعتمد بن عباد، حرب البسوس، الأنيس والجليس، رماد وملح، ومن أفلامها: (الأجنحة المتكسرة – لجبران خليل جبران، سيدة فرنسية – باللغة الفرنسية للمخرج (فارنييه)، السيد التقدمي، ساحة فاندوم – للمخرجة الفرنسية (نيكول غار)، وشاركت (نضال الأشقر) في التحكيم في عدة مهرجانات ومنها: (مهرجان الكويت المسرحي الثالث عام 1999، المهرجان المسرحي السادس لدول مجلس التعاون الخليجي – سلطنة عمان عام 1999، مهرجان بيروت السينمائي عام 1999، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي – الدورة التاسعة 1997، مهرجان الفيلم العربي – باريس عام 1997، ستوديو الفن – عام 2001، وحصلت على جوائز: (الوسام الوطني للفنون والآداب – برتبة فارس الفرنسي، وسام الثقافة العالي – من قبل فخامة رئيس الجمهورية التونسية،، جائزة تاج العنقاء العالمية، جائزة مهرجان القاهرة للمسرح التراثي عام 1994، جائزة مهرجان قرطاج عام 1984 و 1986، وكرمت في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1999.
وتولت نضال الأشقر مناصب: (رئيسة تجمع – النهضة النسائية – عام 1998، عضو في (اللجنة الإعلامية للمجلس النسائي اللبناني – عام 1999،عضو فخري في جمعية مركز خليل السكاكيني الثقافي – عام 1998، مؤسسة ورئيسة مجلس إدارة مسرح المدينة – عام 1994، مدير عام ونائب رئيس – مهرجانات بيروت – عام 1994، عضو في جمعية صيدا التراث والبيئة – عام 1994، عضو في – مجلس أمناء منظمة الطفل العربي – عام 1994، وأشارت نضال إلى أنها لم تقدم كثيراً في السينما، لكن كانت لها مشاهد في (إمرأة فرنسية une femme française)، ومع الممثلة (كاترين دونوف) في فيلم (ساحة ،(Place Vendome، وكانت قد كرست حياتها لذلك المسرح (مسرح المدينة) الذي أطلقته في العام 1996، ولا شك في أنها تعتبره منارة أساسية لمدينة بيروت، منارة نور ومعرفة وفن وإبداع، فهو مهم للمدينة ولرواد المسرح.
سر البهجة والأشواق
أنها باختصار فنانة مراقبة وتنظر بعين إلى الأمل وبالأحرى إلى السعادة، وتريد جمعهما، جمع السعادة والأمل في ميزان العقل والعاطفة، على أمل أن تنصف همّها الإبداعي وطموحها الفني الكبير: (تأخذ الحياة حقها من الفن والإبداع، وتأخذه على أكمل واجب حين يكون الإبداع، إبداع الفنان هو الواجب الملتزم، وصانع الخير والمحبة، حتى إن الأعمال التي تقارع الشر هي في صلب هذا النشاط الإبداعي لدى الفن وكل فنان وكل مبدع، والسعادة المرجوة ليست ترفا أو ما شابه، بل هي الوعي، كل الوعي الذي ينشط الوعي نفسه ويقدمه على هيئة أمل وطمأنينة وانتصار على الشر، لذا فهي فنانة مبدعة تعرف من أين تبدأ الحياة، وتعرف سر البهجة والأشواق، حين تبدع بمسرحها أو بأعمالها الدرامية، تفتح درب الذهاب إلى القمة، الفن لها مسافة وصول إلى أعلى، إلى حيث تكمن مفاجآة الحياة وأسرارها، وقد اختارت الفن والفنون لتسلك هذا الدرب المفتوح على جنون الوعي والحرية).
أشهر أقوال نضال الأشقر:
** في المدرسة كنت أحظى بتشجيع من المعلمات على التمثيل والكتابة، وعندما وصلت إلى المرحلة الجامعية قررت أن أدرس الإخراج في لندن، وبدأت المسيرة بإخراج الأعمال المسرحية في مدرسة المغتربين في قريتي (ديك المحدي).
** المسرح هو تاج الفن بالنسبة إلي كما لكل الناس في العالم، هو فن الناس والمجتمع والوحيد الذي يقدم بشكل حي أمام الجمهور.
** المسرح اليوم هو الحصن الأخير للحوار بعدما التهمت الحوار ثقافةُ الاستهلاك والتسليع وثقافة الإبداع والحرية والجرأة ومواجهة الواقع، إنه آخر سلاح يتواجه به المبدع بأفكاره والجمهور بمشاركته الحية والمباشرة.
** منذ البداية، كان لدى حلم (فرقة نضال الأشقر للفنون المسرحية) لكن بسبب الموضوع المالي لم أتمكن من تحقيقه، عملنا (محترف بيروت للمسرح)، لكن الحرب الأهلية أوقفت هذا المشروع.
** يجب أن تكون الثقافة عنوان أي مجتمع، فهذا يستوجب الكثير من شحذ العقل واستعماله بكل طاقاته للوصول إلى المعنى. من واجبنا أن نواظب على تحرير الوعي من كل قيد يكبله، الثقافة ليست لغة منمقة، بل هى وعي شامل.
** أتفاءل بشباب العالم العربي إنهم لديهم القدرة على أن يغيروا من المجتمع المتعصب البالي الى مجتمع مدني.
** بعد ثورات الربيع العربي أطالب بإلغاء الرقابة علي المسارح وأرفض أن تكون هناك وصاية علي المبدعين، وأقول للرقباء على ماذا الرقابة هل سنمثل علي المسرح عرايا، المفروض منع الرقابة تماما علي الفكر والإبداع وكفي ما حدث علي مدي نصف قرن أو يزيد.
** إعلامنا يحتاج لتغيير شامل لقد شعرنا بالملل من الوجوه المنتشرة في الفضائيات العربية، الذي يقال عنهم نخبة كفي ظهور رجال وسيدات لا يعبرون أبدا عن الواقع العربي، فقد ساهمت النخبة المزعومة في تفاقم المشكلات في العالم العربي.
** مسرحي يدافع عن حقوق المرأة، عن حقوق الضعيف، عن حقوق الفقير، هو مسرح للناس، للشعب.
** تاريخ لبنان غني، وتاريخ بلادنا العربية غني، الفرنسيون قسموا البلاد وأعطونا أرضا، لكنهم لم يمنحوننا استقلالا حقيقياً، ما زالوا يحكموننا حتى الآن لبنان، انبثقت منه الحضارات والأديان واللغة، مهد الحضارات لبنان، وكذلك سوريا، الأردن، فلسطين، والعراق، لا يمكن لصورة العالم أن تكتمل من دوننا، رغم تشويهنا لتاريخنا ولبلادنا وأرضنا وجبالنا المجروفة.
** الفن المسرحي ليس صعوداً على الخشبة وحسب، المسرح نظرة للحياة والكون بطريقة مبتكرة، المسرح سلوك، اللون والموسيقى والحركة والرقص والكلام والقصص والمدن والروايات، والأساطير والعمارة، هذه مدرستي التي أغرف منها لأضعها على خشبة المسرح.
** أنا طورت النهج المسرحي الأكاديمي وأوجدت تقنيات متطورة تتماشى مع طريقة الحياة الواقعية العصرية، فما يهمني من خشبة المسرح التلاقي بالحالة وهذا ما استدعى مني تغيرا بالإخراج المسرحي .
جسدت أهم الشخصيات التاريخية
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لامرأة الصعوبات (نضال الأشقر) التي تؤكد مرة تلو أخرى أنها امرأة قوية الشكيمة، ورائدة من رائدات الذاكرة الثقافية وسيدة استثنائية من نساء لبنان العريقات نسبا وحسبا، طيبة قلبها وسمو أخلاقها وكرمها يتوازون مع حالة التمرد في شخصيتها، عاشقة للمسرح والتلفزيون، سر نجاحاتها حيث تركت فيه بصمات قيمة، وهى فوق كل ذلك فنانة مناضلة على مساحات شاسعة في جغرافية الابداع ومعطاءة إلى أقصى الحدود، وتظل الفنانة الممثلة القديرة نضال الأشقر، قامة إبداعية وارفة الظلال، لا تحتاج إلى تعريف، وقد لا تحتاج إليه أبدا، ذلك أنها واحدة من اللواتي رسمن الإبداع في كل أشكاله وألوانه، منذ إطلالتها إلى الحياة، فمن لا يعرف ويعشق الممثلة (نضال الأشقر) التي جسدت أهم الشخصيات التاريخية بأدوارها المسرحية والتلفزيونية والسينمائية؟، ومن لا يعرف شخصية فنية من وزن السيدة نضال الأشقر التي لم تكن ممثلة فحسب، بل ذهبت إلى أبعد، إلى أقصى الوعي، إلى الحدود القصوى والقاسية، إلى حيث الأصل والطمأنينة العالية والكثيرة؟، فكانت المخرجة والكاتبة المتألقة، وصاحبة الأدوار الخاصة والكبيرة والصعبة وربما المستحيلة التي تختارها لنفسها ولسواها ممن عملوا معها وتحت لواء رصانتها أو رهافتها الفنية.
اسم الفنانة نضال الأشقر مقرون بالوعي الثقافي الخلاق والخلاب، ذلك أنها حاضرة دائما في مساحة الوعي الثقافي الممتدة على طول الخريطة اللبنانية – العربية وعرضها، ويحضر طيفها وصوتها وروحها وجسدها في مختلف الأعمال الفنية الممسرحة وما شابه، الأمسيات الشعرية التي قدمتها بصوتها الصافي، الشجن لكبار شعراء العرب، ارتبطت عميقا بوعي أجيال حفظت الشعر بعدما لقنتهم الأشقر بصوتها وأمسياتها مئات القصائد، مناسبات كثيرة أحيتها شعريا، وكانت هذه الأمسيات بمثابة العمل المسرحي الجاذب كل مبدع وكل مهتم، ولعل شعراء الماضي والحاضر والأجيال المتلاحقة حضروا في صوت الفنانة نضال الأشقر وأدائها، وخشبات المسرح اللبناني والعربي كانت مسرحا لأعمالها الإلقائية الإنشادية ألقت أشعارهم بصوتها، استحضرتهم بإلقائها الفاتن والصاخب، في كل أمسية لشعراء أحبتهم وقدمتهم.
من المتنبي إلى أدونيس ومحمود درويش وسميح القاسم وأنسي الحاج وسيف الرحبي ووديع سعادة… كانت ترفع من منسوب الشعر في أشعارهم، صوتها الشجي القوي الصاخب الرصين الصعب، رفع هذا المنسوب وأعطى الشاعر وشعره مسافة انطلاقة جديدة لا تحد ولا تتوقف، صوت الفنانة التي لا تجيد الطرب لكنها تجيد تلحين القصيدة، صوتها المخملي الصافي العذب، هو جزء من كل قصيدة تنشدها في ليل البلاد ونهار البشر، ولا شك في أنها تتنفس من رئة شعرية صافية، وترى بعين سحرية، وتسمع بأذن موسيقية مرهفة جداً، لذلك نجدها في مكانها الأصلي، ناضجة وقادرة وفاعلة، تبتكر الأفكار الفنية وتجسدها، ترسم حركة وعي الإنسان في مراحل عبرت ثم تعود لرفدها بصور إضافية، ترفع منسوب الوهج في الصورة الفنية: الإبداع عمل خلاق لا حدود له، والفنان الحقيقي والمبدع الحقيقي يسير في هذا المسار الإبداعي من دون أن يخسر نظرة أو لمسة، قد تحركه إلى الوراء، يستمر وتنجح إذا سار على صراط الوعي الفني الجمالي.
هي باقية، رغم بلوغها أكثر من 80 عاما.. باقية لتملأ حياتنا فرحا وأملا وضحكاً وانفعالات.. باقية كصخرة عتيقة لا يزيدها نحت الزمن إلا جمالا وتألقا وفنا كل حين.. هي باقية رغم أنف الإرهاب الذي لا يحترف إلا القتل.. هي باقية رغم أنف العولمة الحوت الذي يبتلع كل شيء في سبيل المال.. هي باقية رغم أنف السياسيين الذين لا يحترفون إلا الكذب… هى باقية رغم أنف الجهل الذي (يتقدم) دائما.. إلى الوراء.. فتحية تقدير واحترام لها واحدة من عظماء المسرح والفن العربي الجاد.