الحضارة المصرية تبهر العالم في افتتاح طريق الكباش
كتب : محمد حبوشة
لطالما مثلت مصر القديمة حقبة من الحضارة الإنسانية تبوح دائما بأسرارها ونقوشها التي تتكشف يوما بعد يوم، وكم ألهم وأثر الفراعنة كثير من شعوب الأرض بروح المحبة والسلام العاملين وأذهلوا العاملين بمجالات العمارة والطب والهندسة والفلك ومختلف علوم الحياة الروحية، لذا قال أديب نوبل (نجيب محفوظ) عن حضارة بلاده: (مصر ليست دولة تاريخية.. مصر جاءت أولاً ثم جاء التاريخ) .. ليس على سبيل المبالغة وصف (محفوظ) بلاده بأنها جاءت قبل التاريخ، ذلك أن عظمة الحضارة المصرية القديمة التي لا تزال حتى الآن تبوح بأسرارها، تذهل العالم، بما حققته من تقدم هائل على الصعد كافة، بفكرها وعلمها وآثارها العظيمة الباقية، وليس خفيا أن مدينة مصرية واحدة تضم (أهم آثار العالم) ولا تضاهيها أية مدينة أخرى حول العالم، وهى الأقصر (جنوب مصر) أو طيبة، عاصمة مصر في العصر الفرعوني.
ومن أجل ذلك غنت جارة القمر فيروز (مصر عادت شمسك الذهب تحمل الأرض وتغترب/ كتب النيل على شطه قصصا بالحب تلتهب)، إنها كلمات تعبر عن عزة مصر وعظمتها تغنت بها الفنانة فيروز لتحكي ماضي مصر وحاضرها، حيث يدون الأحفاد سطور جديدة من الإعجاز ليكملوا بها ما قام به الأجداد من بناء حضارة عظيمة يقف لها العالم احتراما وإجلالا، وهاهى الشمس تعود من جديد لتشرق من معقل الحضارة المصرية القديمة مدينة الأقصر الجميلة بافتتاح طريق الكباش أطول ممشى سياحي على وجه الكرة الأرضية، لتحتل به (مدينة الشمس) رأس قائمة المزارات السياحية بالعالم، ومن أجل ذلك حبس العالم أنفاسه ليلة الخميس الماضي وهو يشاهد هذا الطريق الآثري الهام الذي يحظى بتاريخ طويل منذ نشأته وحتى زوال عهد الفراعنة واختفاءه بدفنه تحت طبقات من الطمي والرمال حتى سكن فوقه أهالي تلك المنطقة وبنوا منازلهم، إلى أن تم العثور عليه من جديد بأيادي مصرية خالصة.
تزينت شاشات العالم، ونجحت مصر في لفت أنظار العالم إليها، بحفل (مبهر) من صنع أبنائها لافتتاح طريق الكباش في مدينة الأقصر جنوبي البلاد، الخميس، نال إشادات من جهات عدة خارج البلاد، ففي أجواء احتفالية مهيبة مزجت بين المؤثرات التكنولوجية الحديثة وعبق التاريخ القديم، أعادت مصر افتتاح الطريق الأثري الذي يعود لنحو 3400 عام، وكان شاهدا على مواكب كبرى عبرت فيه ويحرسه من الجانبين أكثر من ألف تمثال، وتضمن الحفل عرضا فنيا يحاكي بعضا من جوانب احتفال المصريين القدماء بعيد الأوبت، وشارك فيه مئات من طلاب الجامعات المصرية بأزياء فرعونية، وشهده الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تمشى في طريق الكباش في فخر وخيلاء بحضارة بلاده، فضلا عن حضور عدد من أعضاء الحكومة وسفراء أجانب وعرب.
وجاء الاحتفال بعد أشهر قليلة من تنظيم مصر موكبا مهيبا عبر شوارع القاهرة، لنقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري في التحرير إلى المتحف القومي للحضارة بمنطقة الفسطاط، حيث تألق في بداية الاحتفال (محمد حماقى) بفقرة استعراضيية مع (لارا اسكندر)، وجاء صوليست الغناء بترتيب الظهور، شهد عز: النداء الأول، هايدي موسى: أنشودة حاتشبسوت، عز الأسطول: أنشودة آمون راع، وائل الفشني: الأقصر بلدنا، بالاشتراك مع 160 عازف ايقاع مكون من مجموعة شباب ايقاعات (الچيمبي المصري) و ايقاعات الموسيقات العسكرية، فضلا عن تسجيل أوركسترا وكورال الاتحاد الفيلهارموني، قيادة واخراج موسيقي لجميع العناصر الموسيقية للعرض الخاص بالموكب بتوقيع المايسترو نادر عباسي، ومفدي ثابت: الهندسة الصوتية والتسجيل لاوركسترا و كورال الاتحاد الفيلهارموني، د ميسرة عبدالله: اختيار جميع الأشعار المستخدمة في الحدث من أناشيد وترانيم متواجدة ومدونة بالفعل على جدران المعابد والخاصة باحتفال العيد الأشهر في مصر القديمة وهو عيد الأوبت.
وقد استمتعت والمشاهدين من كافة أنحاء العالم على الشاشة بأروع وأهم حدث فني صنعت مصر على مدار تاريخها الحديث، فلأول مرة تعرض حفلا بمواصفات عالمية صنعته الأيدي المصرية الخالصة لتبهر شعوب الأرض قاطبة، كما تجلى ذلك مباشرة بأغنية الافتتاحية للعازف على القيثارة، وكانت تنشد قبيل تحرك الموكب إلى معبد الأقصر، غناء شهد عز:
آتى إليك يا إلهي
يا فتى الآلهة يا أزلي الأرضين
يا مقدس اليد يا آمون سيد الريشتين
فلتحمى ملك مصر العليا والسفلى
عطرة القرابين، عطرة القرابين
ما أجمل عبير بيت آمون
وهو عبق برائحة القرابين والمؤن، ويفصل المقطع تنويعات من الموسيقى الأفريقية تعبيرا عن فرق الموسيقيين والراقصين من النوبة العليا، والتي كانت تشارك في الموكب والمصورة في صالة أمنحتب الثالث بالأقصر، وكانت الأنشودة الأولى: أنشودة إبحار الزورق في النهر متجها إلى الأقصر، حيث تغنت شهد عز:
يتقدم إلهي في إبحاره
أمون سيد عروش الأرضين
وقلبه منشرح بما فعله من أجله سيد الأرضين.
وجاءت الأنشودة الثانية بصوت هايدي موسى: نبوءة تتويج حتشبسوت (صاحبة أقدم مصدر عن عيد الأوبت):
(بقدر ما) يحيا من أجلي ويحبني
أبي أمون سيد عروش الأرضين
تنتعش أنفاسي بالحياة والقوة
فعظيمة القرارات التي قدرتها للمستقبل
وقد حظيت بالمجد الذي وهبه لي
فعظيمة ملكيتي عبر الضفتين.
والأنشودة الثالثة بصوت عز الأسطول: وكانت تغنى في صحبة الزورق خلال إبحاره على صفحة النهر حتى يصل إلى معبد الأقصر:
تحية لك يا أمون أزلي الأرضين أمام الكرنك
خيام الإحتفال شيدت للحفل الذي في سفينة السفن.
استنشق العالم في ليلة الخميس عبق التاريخ في مدينة الأقصر، ضمن وفد وسائل الإعلام، تسلل ذلك العبق عبر نسمات شوتية منعشة إلى أنوفنا جميعا، شعرت به بمجرد أن وطأت عدسات الكاميرا (طيبة القديمة) وتحديدا طريق الكباش، أحسست أنني أرى أحمس ورمسيس الثاني وحتشبسوت وإخناتون، وكل ملوك الفراعنة الذين اختاروا أرض الأقصر، لتكون مثواهم الأخير منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام، فما بين أروقة معابد الأقصر والكرنك وتمثالي ممنون ومقابر وادي الملوك ووادي الملكات، وعروض الصوت والضوء، إحساس الطاقة والحيوية لم يمكن أن يفارقك طوال الوقت إحساس بالعظمة والكبرياء، ربما كانت هذه الطاقة بإيقاعها السري المباغت هي السبب وراء إبداع الفراعنة الذي تركوه خلفهم ليثير في حواس العالم دهشة يزداد سحرها كل يوم.
تعد الأقصر جزءا من طيبة القديمة، وتحولت مدينة الأقصر إلى محافظة عام 2010، وشهرتها تجاوزت حدودها الإقليمية ووصلت للعالمية وأصبحت قبلة للسائحين، ليتنقلوا في رحابها، وهي مدينة الملوك التي وصفها الشاعر اليوناني (هوميروس) في النشيد التاسع من الإلياذة، قائلاً: (هناك في طيبة تلمع أكوام الذهب، طيبة ذات المئة باب، حيث يمر في خطوة عسكرية، أربعمئة من الرجال بخيلهم ومركباتهم، من كل باب من أبوابها الضخمة) وازدانت المدينة عبر العصور وأعجب بها العرب وبجمالها فسموها الأقصر لكثرة ما بها من معابد وقصور.
وتلقب الأقصر عادة بـ (مدينة المئة باب أو مدينة الشمس) والتي أيضا يقسمها نهر النيل إلى شطرين (شرقي وغربي)، وتبعد عن القاهرة بحوالي 670 كم، وتحوي الأقصر – التي يعود تأسيسها إلى عصر الأسرة الرابعة (2575 ق.م) وأصبحت عاصمة لمصر القديمة في عصر الأسرة الـ 11 – في البر الغربي منها يرقد في خيلاء (وادي الملوك ووادي الملكات، ومعبد مدينة هابو، ومعبد الرامسيوم، ودير المدينة، والدير البحري، والملقطة، وهي بقايا قصر أمنحوتب الثالث، وتمثالا ممنون)، وفي البر الشرقي تضم عدة معالم حضارية سياحية، أبرزها (معبد الأقصر ومعبد الكرنك، ومتحف الأقصر ومتحف التحنيط).
يتميز الطريق الرابط بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، بخصوصيته ضمن المناطق السياحية الأثرية التي تسحر الزائرين، وهو (طريق الكباش) – محط أنظار العالم في احتفالية تلك الليلة – بقلب مدينة الأقصر، والذي يضم تماثيل برأس كبش وأخرى برأس إنسان، تعود إلى عصري الأسرة الـ 18 والـ 30، وذلك على امتداد 2700 متر، وكان عدد التماثيل يبلغ 1300 كبش بين كل اثنين منها مسافة أربعة أمتار، ويصل طول الكبش الواحد إلى نحو مترين ونصف المتر، وبين الكباش أحواض زهور ومجارٍ للمياه، فيما يتواجد حالياً 300 كبش فقط من الكباش الأصلية، بعد أن تعرضت الكباش إلى التدمير والتعديات المختلفة.
فكرة تشييد ذلك الطريق (الساحر)، الذي يصل عرضه إلى 76 مترا، بدأت في عصر الملك أمنحتب الثالث، وهو تاسع فراعنة الأسرة الـ 18 ويعد من أعظم حكام مصر على مر التاريخ في الفترة ما بين (1391 ق.م. – 1353 ق.م.)، فيما استُكمل بناؤه في عصر الملك نختنبو الأول (مؤسس الأسرة الفرعونية الـ 30 والأخيرة، ونحت كل كبش من تلك الكباش من كتلة حجرية واحدة من الحجر الرملي، وتتوزع بين شكلين رئيسيين (جسم أسد ورأس إنسان)، و(جسم كبش ورأس كبش)، يرتبط الشكل الأول بالأسد الذي يعتبره القدماء المصريون أحد رموز إله الشمس الإله آمون أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة، بينما الهيئة الثانية ترتبط بالكبش وهو من رموز الإله خنوم، الذي كان يُعرف بكونه (إله الخصوبة) في الديانة المصرية القديمة.
على امتداد الطريق من معبد الأقصر وحتى معابد الكرنك، يضم الطريق كباشاً تعود إلى الأسرة الـ 18 (الهيئة الأولى، برأس الإله آمون رع)، كما يضم كباشا تعود للأسرة الـ 30 (من الهيئة الثانية، على هيئة أبو الهول)، وقد تم إضافة بعض الملحقات للطريق في عصور مختلفة، مثل: استراحات للزوارق، ومقياس للنيل، ومعاصر للعصائر المستخدمة في الاحتفالات الكبرى التي كانت تقام على الطريق مثل أعياد الأوبت وعيد الوادي الجميل وغيرهما، وحمامات وأحواض اغتسال، ومنطقة تصنيع فخار.
شق المصريون القدماء ذلك الطريق، الذي أطلق عليه طريق الإله، من أجل مرور المواكب الكبرى لملوك الفراعنة، وإحياء الاحتفالات المُهمة، مثل عيد تتويج الملك، والاحتفالات الفرعونية القديمة التي يتقدمها الملك وحاشيته، ويصطف عامة الشعب على جانبي الطريق في كرنفال فرعوني ساحر، وشهد الطريق- الذي يتكون من رصيف من الحجر الرملي تتراص على جانبيه التماثيل في المسافة بين الصرح العاشر بالكرنك حتى بوابة معبد موت – أعمال حفر متعددة على مر التاريخ لاستكشاف ثرواته وكنوزه الأثرية، وهي أعمال التنقيب التي تمكن من خلالها اكتشاف العديد من التماثيل – وقد بدأت أعمال الحفائر بالطريق في نهاية الأربعينات من القرن الـ 20 بواسطة الأثري زكريا غنيم، واستمرت حتى العام 2011 إلى أن توقفت بسبب نقص الاعتمادات المالية بعد الأحداث التي شهدها البلد آنذاك، فيما تم أخيراً استئناف العمل مرة أخرى من أجل الكشف عن باقي أجزاء الطريق تمهيداً لافتتاحه للزيارة.
معروف أن مدينة الأقصر التي يقبع في حجرها أكثر من ثلثي تراث العالم الحضاري تتقاطع حدودها في لوحة جغرافية تراثية أيضا، فمن الجنوب يحدها مركز أسنا ومن الشمال مركز قوص ومن الشرق محافظة البحر الأحمر ومن الغرب مركز أرمنت وحدود محافظة الوادي الجديد، ولا تخلو كل هذه المدن من شواهد وآثار فرعونية، وتتمتع الأقصر بطابع مميز لا مثيل له في العالم، فهي تجمع بين عراقة التاريخ متمثلة في كنوزها التراثية العظيمة، وحداثة الراهن المطلة من فنادقها الفخمة المستعدة دوما لاستقبال السائحين من شتى بقاع الأرض.
أسماء كثيرة أطلقت على المدينة التي كانت عاصمة للدولة المصرية القديمة طوال 900 سنة، منها (مدينة الـ 100 باب، الشمس، طيبة، النور، والصولجان) حتى استقرت على اسمها الحالي (الأقصر) الذي أطلقه عليه العرب كجمع لكلمة (قصر) بعد الفتح الإسلامي، لتعكس هذه الأسماء حكمة فلسفية وجغرافية لعظمة مدينة، وتشهد آثارها بروعة عمرانها.
لفت نظري تقدير العالم لهذا الإنجاز المصري العظيم في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ففي الصفحة الرسمية لسفارة الولايات المتحدة في القاهرة على (فيسبوك) أشادت باحتفالية افتتاح طريق الكباش، وقالت السفارة في منشور عقب الحفل: (أحيي منظمي احتفالية الأقصر، هذا الحدث الرائع في أحد أهم المواقع الحضارية العريقة في العالم، تفخر الولايات المتحدة بشراكتها مع مصر للحفاظ على مواقع التراث العالمي وحمايتها للأجيال الحالية والمستقبلية، واستثمار أكثر من 100 مليون دولار أميركي، وتوفير وظائف حيوية لقطاع السياحة في البلاد).
أما المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي (لويس ميجيل بوينو) فقد عبر عن إعجابه بالاحتفالية، إذ غرد عبر حسابه على (تويتر): (أتابع مثل الكثيرين حول العالم حفل افتتاح طريق الكباش الجديد. ألف مبروك لأم الدنيا مصر)، بينما قالت صحيفة (تايمز) البريطانية إن (حفل افتتاح طريق الكباش المقام في مصر نافس مواكب الفراعنة منذ 3500 عام)، وأشادت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية بالاحتفال، قائلة: إن مصر أزاحت الستار عما وصفته بـ (طريق مقدس) تصطف على جانبيه آلاف التماثيل، وكان يستخدم كطريق موكب للآلهة قبل 3 آلاف عام، وأشارت الصحيفة إلى أن (هذا الطريق الذي يبلغ طوله 1.7 ميل يطلق عليه شارع أبو الهول، ويحوي أكثر من 1050 تمثالا لأبي الهول والكباش التي تربط معبد الكرنك في الشمال بمعبد الأقصر في الجنوب)، ونشرت صحيفة (إلكوميرسيو) الإسبانية تقريرا عن الحفل، قالت فيه إن مصر (أبهرت العالم بافتتاح طريق الكباش، والذي يعد مشروعا ضخما سيحول مدينة الأقصر إلى متحف مفتوح يبهر الزائرين، وله أهمية ثقافية كبيرة).
ومن هنا يمكنني القول بأنه (لا صوت يعلو فوق صوت الملوك)، تلك هى الحالة التي يعيشها المصريون حاليا، هى حالة مزيج بين الفخر والاعتزاز بالانتماء لأقدم حضارات التاريخ، خاصة بعد التنظيم الرائع الذى شهدته شوارع الأقصر يشير إلى إلى أن (مصر تبهر العالم) في حفل مهيب خطف قلوب وأنظار العالم إلى مصر، حيث احتفلت مصر رسميا وجماهيرا بعيد الأوبت الفرعوني في موكب مهيب لاحتفالية افتتاح طريق الكباش المعروف بطريق الاحتفالات والمواكب، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وبعض من قيادات العالم، لتعيد مصر من جديد إحياء عهد الفراعنة، وأكد خبراء الآثار أهمية الاحتفال ومرودة على السياحة وعلى الأجيال المصرية، وجهود الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الوصول بقطاع الآثار والسياحة لهذا التطور، فضلا عن اهمية الاحتفال وقدسيته لدي القدماء المصريين.
وفي هذا الصدد أوضح وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العناني في تصريحات له قبيل بدء الاحتفالية: إن قيمة الاحتفالية تكمن في انفراد مصر بشيء لا توجد أية دولة أخرى على سطح الكرة الأرضية تنفرد به، ألا وهو الحضارة المصرية، فهذه الحضارة ينطبق عليها ما قاله الفنان عبد الوهاب: (نحن شعب حكم الدنيا وساد، ونمى والدهر في المهد صغير)، فمنذ فجر التاريخ والزمن ومصر تبني وتبتكر في كل المجالات، فمصر جاءت أولا ثم جاء التاريخ، وأضاف: لا نستطيع أن نقارن بين احتفالية موكب المومياوات واحتفالية طريق الكباش، لأن الموازنة والمقارنة دائما ما تكون بين شيئين متشابهين أو متساوين في نفس النوع، وهذا عكس الاحتفاليين، لأن احتفالية طريق الكباش تمثل أشياء كثيرة منها انتقال تمثال المقدس آمون من الكرنك حتى يذهب إلى أوموت في معبد الأقصر ويتزوج منها.
وأكمل العناني: وبهذا الالتقاء تتمثل قوة تنعكس على الملك، لذلك احتفالية اليوم هي لتجديد قوة الملك وإضفاء قوة عليه من هذه المقدسات الثلاثة، إنما المومياوات فهى شيء آخر لأنهم 22 مومياء كل مومياء منهم تمثل رائعة من روائع تاريخ مصر، فهي حقب مختلفة تمثل ملوك عظام، وهذا عكس ما كان يمثله احتفال اليوم، مشيرا إلى أنه لازالت مصر القديمة تعيش بداخلنا وتعكس وجدانها بقوة، حتى إذا قمنا بالاحتفال بعيد باسم جديد، كما أن مردود الاحتفالية على السياحة إيجابي وكبير، وليس على السياحة الخارجية فقط – رغم تدفقها الكبير حاليا – بل الأهم هو مردودها على أبناء مصر الحاليين وأجيالها القادمة، وعلى كل مصري أن يشعر بأن وطنه من أعظم دول العالم، وبالتالي يجب على أبناء مصر معرفة عظمة وطنهم كي يحبوه ويقدروه وينتجوا فيه.
واختتم العناني قائلا: شكرا للرئيس عبد الفتاح السيسي، فبدونه لم تكن هذه الاحتفالية ولم يكن هذا الاهتمام الكبير الذي شهدته الحضارة المصرية مؤخرا، فهو أول رئيس منذ عهد القدماء المصريين يهتم بالحضارة المصرية، ويبذل جهدا كبيرا في سبيل إظهار عظمتها وجلالها.. ومن أجل ذلك أعادت مصر العالم من جديد لقلب الحضارة المصرية، بإحياءها لتاريخ الفراعنة الذي يقبل من أجله شعوب العالم خصيصا إلى أرض الكنانة لمشاهدة ما خلفه لنا الأجداد من تاريخ وآثار فريدة من نوعها لا توجد سوى على أرض مصر، وعادت من جديد شمس الحضارة تضيء مصر المنارة.