بين التحول الرقمي و الشمول المالي
بقلم : علي عبد الرحمن
منذ سنوات عديدة مضت دخلت دول العالم المتقدمه عصر الثورة الرابعة وهى ثورة (الإنفوميديا) في عصر التزاوج بين عالمي الاتصالات والإعلام عصر تفجر ثورة المعلومات، وسارعت دول عديده لدخول هذا العصر ببنية أساسية لعصر المعلومات وبأجهزة تلائم متطلبات هذا العصر وبكوادر مدربه لتحمل هذه المسئوليات التقنية، وبثقافة شعبيه تجهز الشعوب للتعامل في هذا العصر وتستوعب تقنياته، وقد بدأت حكومة الدكتور نظيف في الاستعداد لهذا العصر فاهتمت بدخول الإنترنت وانتشار كليات الحاسب وعلوم المعلومات، وظهرت القرية الذكيه وتوالت جهود الحكومات علي قدر تقييمها لأهميه دخول هذا العصر.
ولكن ظلت بعض الأماكن بدون إنترنت وظلت قوة الإنترنت ضعيفة، وبدأت بعض الوزارات والهيئات في تقديم خدماتها عبر الإنترنت فيما أطلق علي (الحكومه الذكية)، ولكن لم تقدم معظم الخدمات إلكترونيا وظل بعضها يبدأ إلكترونيا وينتهي يدويا في بدعة مصرية وعصر التحول الرقمي منها براء، ولما تحتم علينا القفز فوق حواجز العمل اليدوي إلي آفاق عصر المعلومات،ولما نادي السيد الرئيس بضرورة التحول الرقمي والتعامل اليومي إلكترونيا، ودعي إلي الشمول المالي انتفض الجميع، ومع جائحة كورونا وعصر التباعد كان لزاما علينا تفعيل عصر المواطن الرقمي والقرية العالمية الصغيرة فرفعنا شعار الميكنة،والتعامل عن بعد، ولأن الرؤي لدي البعض غير مكتملة ولا البيئه غير مهيئه تماما لعصر التحول فقد ثبت من التجربه ان هناك معوقات للتحول الرقمي،وأن هناك معاناة للتحول الرقمي.
ودعونا نستعرض نماذجا من ذلك، ففي قطاع الإعلام مثلا جرت عدة محاولات للأرشفة الالكترونية لمحتويات الأرشيف السمعي البصري، كما تم توقيع عقود مع شركة جوجل لإعادة توزيع الأرشيف عالميا عبر أكواد تدر دخلا لقطاع الإعلام، ولأن ذلك يتطلب ميكنة التراث فقد جرت محاولات لتكويد هذا التراث حماية للحقوق، كما أن هناك محاولات جرت لاستكمال أرشفة التراث آليا، ولكنها لم تكتمل، وجاءت منصة (Watch it) لتبث المحتوى إلكترونيا، وكل هذه المحاولات،والبنية التحتيه المعلوماتية لم تكتمل، فلا توفرت الأجهزه الحديثه ولا تم تدريب الكوادر ولا تم محو الأمية المعلوماتية لمعظم مديري العمل، ولاتم تحديث المواقع الإلكترونية، ولا تم أرشفة كل التراث آليا، ولا تم البث عبر الـ (Mobiel App) مما جعل عمليات الانتاج والبث تمزج بين اليدوي والإلكتروني وهذا لايصلح لهذا العصر مطلقا.
ورغم وجود وزارة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووجود هيئة وطنية للتدريب ووجود مراكز تدريب عديدة ووجود مجلس أعلى وهيئات ونقابات، ووجود خبراء وأساتذه وكليات وأكاديميات ومعاهد فما زال الوضع أقل مما يستوجبه عصر المعلومات تدريسا وممارسة وتنافسا، ولما اقترن مفهوم التحول الرقمي بضرورة الشمول المالي وأن يتم التعامل إلكترونيا عبر الفيز أو الباركود، وتم تحويل المرتبات آليا وبدء الدفع المصرفي إلكترونيا، وظهر شعار تقليل التعامل بالنقود، بل وظهرت عملات إلكترونيه ثار حولها جدل وشكوك، ولكن لم يتبنى الاعلام حملة قوميه لثقافة وبيئة وأدوات وفوائد التحول الرقمي والشمول المالي، اللهم بث بعض الاعلانات التي أنتجتها الوزارات والهيئات لتشجيع التحول والشمول والتعامل العصري.
ولكن أيضا هل نحن جاهزون لذلك .. بالطبع لا !، فتعالي إلى طوابير ماكينات الصرف منذ يوم الخامس والعشرين من كل شهر ستجد طوابير المرتبات وبعدها طوابير المعاشات ومعها طوابير الأقساط والرسوم وكأننا نعود إلى عصر الطوابير السابق، وليت الأمر يقف عند طوابير كبار السن والمرضي والعجائز وينتهي الأمر عند هذا الحد، ولكن مع قلة عدد ماكينات الصرف تجد ردودا مميتة بعد طابور مضني مثل الماكينه عطلانة أو مفيش إيداع أو مفيش سحب أو مفيش إيصالات!!!.
وهذا لايليق أبدا بعصر التحول والشمول، وبعيدا عن قطاعي الاعلام والمصرفي نتجه معا إلى المدارس فبعضها لايصله الإنترنت وبعضها الجودة فيها ضعيفه وبعضها الأجهزه معطلة وبعضها القائمين عليها غير مدربين، والتحول أصبح أن نرسل للتلاميذ نسخة من الكتب PDF وعلى أولياء الأمور طباعتها ورقيا ونعود من حيث بدأنا!؟، والامتحانات بعضها ورقي يدوي فهل هذا اختراع مصري أم معوقات ومعاناة وعدم جاهزية للتحول والشمول.
وتعالي إلى قطاع الجامعات فالرسوم تودع إلكترونيا ولكن عليك سحبها ورقيا ودفعها فلماذا إذن الدفع الإكتروني ولماذا لاتكتمل لدينا دائرة إلكترونية، أليس هذا بسبب عدم الجاهزية والاستعداد وبسبب عدم ملائمة بيئة العمل وبسبب عدم تجهيز الكوادر وبسبب عدم تثقيف الشعب؟، وفي الجامعات أيضا المذكرات PDF وتتم طباعتها ورقيا والامتحانات يدوية ورقية، أما عن النتائج فحدث ولا حرج!!! فهي عبر التليفون الأرضي تارة وعبر المحمول تارة أخري وكأنه ليس هنا موقعا إلكترونيا !، وأخيرا تعلق النتائج في كشوف علي الحوائط!!!
أي عصر رقمي هذا؟ وأي تحول رقمي هذا! وأي شمول مالي هذا!، ومتي نبطل الظواهر المصرية في عصر التكنولوجيا ولماذا نمزج قديما بحديثا ليفسده؟، ومتي ندخل جديا عصر المواطن الرقمي ونعيش داخل القرية الكونية الرقمية، وهل زيادة ماكينات الصرف مشكلة؟، وهل دفع الرسوم إلكترونيا بالكامل أزمة؟!، وهل استكمال العملية التعليمية إلكترونيا معضل؟!، وهل تهيئة بيئات العمل معجزه؟!، وهل تدريب الكوادر فزوره؟، وهل محو الأميه المعلوماتيه للقيادات كابوس مزعج؟، وهل الترويج لهذا العصر وتثقيف الشعب امر لا يمكن تنفيذه؟!، وهل سنظل نمسك العصي من نصفها بين اليدوي والرقمي!.
وهل يصح ذلك؟، وهل سيستمر؟، أم هل نسارع بعلاج هذه المعوقات، ونرفع المعاناة الرقمية وندخل بحرفيه عصر التحول والشمول بجاهزية تقنية ملائمه، وهل يؤخد في الاعتبار الأجيال الوليدة القادمة والمناهج الدراسية المستقبلية وبرامج التدريب المقبلة، وهل يقوم الإعلام بدوره الوطني؟، وهل يسارع خبراء المعلومات بالمشاركة في التثقيف والجاهزية؟، وهل تقدم جميع مراحلنا التعليمية كوادرا مختلفه مجهزه ومدربة؟، وهل نسلم بأن لدينا قصورا ومعوقات ومعاناه ومزيجا يفسد أريحية التحول الرقمي والشمول المالي اللذان تم رفع شعارهما لراحة الجميع والتيسير عليهم؟.
وأخيرا: هل سنقدم خدمات جماهيريه مكتملة المراحل إلكترونيا، وهل ندخل بمصر وعاصمتها الإداريه بحق عصر التحول الرقمي والخدمات الإلكترونية تزامننا مع تفعيل عصر الشمول المالي لنصبح سائرين جنبا إلى جنب مع دول العالم المتقدمة ومع دول المنطقة الآخدة بمتطلبات عصر التحول والشمول.. اللهم حقق لنا ذلك حبا في مصرنا وأهلها ودعما لمستقبلها وخيرها وتميزها .. اللهم آمين.