بقلم : محمد حبوشة
هو نجم أشار له كل النقاد بالإبداع، واسم طغى على كل ما حوله، فوضع بصمته على جدار الثقافة السورية بأحرف من ذهب، حتى غدا القاصي والداني يربطه بصناع الحركة الفكرية والثقافية والفنية في سورية عن القرن العشرين والألفية الجديدة، اشتهر بقدرته على تغيير شخصياته التي يقدمها أمام الجمهور، سواء كانت على خشبة المسرح، أو أمام كاميرا السينما والتليفزيون، حتى أنه سجل مسيرة فنية رائعة، فهو المخرج المسرحي الذى امتلك أدوات الإبداع، والممثل صاحب الحضور والمثقف المتحضر الذي استطاع أن يخدم قضايا بلده.
إنه الفنان الكبير والقدير (أسعد فضة)، وإذا كان هو فضة فهو ذاته المعدن الذهبي، فقماشته نادرة على المستوى الإنساني والأخلاقي وفي التعامل مع الأصدقاء والمشاهدين لأنه يقدم العمل الإبداعي الجيد، هو بالفعل صاحب الاسم الذي حمل الكثير من همومنا وأفكارنا، لا تفارقه ابتسامته الطفولية طوال الوقت في الاستديو أو في أي لقاء عادي كما لاحظت ذلك عندما التقيته على هامش (أيام الشارقة المسرحية) قبل سنتين، ورغم حضوره الآسر فهو في نفس الوقت نموذج الرجل، بكامل سلطانه، وحنانه أيضاً.
فنان مترجم، فهو استطاع طوال رحلته أن يترجم ألفاظ المؤلف والأفكار والمشاعر و يترجم معنى المسرحية والفيلم والمسلسل وينقل عاطفتها للمشاهدين، وهو في ذلك ينقل صورة واضحة جداً كاملة التفاصيل للشخصية التى يقوم بتمثيلها باستخدام المواد التى أعطاها له المؤلف، وهو دائما يضع في ذهنه انه لا يحاول فقط تصوير( تمثيل) عاطفة الشخصية ولكن ينتج تأثير عاطفى على المتفرجين، وهنا عندما يحاول (أسعد فضة) كممثل محترف تنفيذ مهمته فلن يجد لديه سوى نفسه، فهو الفنان وهو الوسيلة فبعقله وخياله و خبرته وقدرته على أن يشعر ويفهم، لذا تمكن طوال الوقت من فهم الشخصية وبجسمه وصوته الناعم والموحي إلى أبعد الحدود جعل هذا الفهم مرئياً.
(أسعد فضة) واحد من النجوم الكبار الذين يهتمون كممثلين بخارجيات وداخليات الدور الذى يقوم به، أى لا يهتم فقط بمنظر الشخصية ومشيتها وطريقة كلامها فقط، بل وكذلك كيفية تفكيرها وشعورها وانفعالاتها وما تحبه وما تكرهه وما تعجب به وما تستحقره، لذا فهو يدرس ماضى الشخصية وسنها وثقافتها ومركزها الاجتماعي، ويعى أنه يجب أن يكون لكل شيىء يفعله الممثل معنى وتفسير داخلي وتعبيرا لشيء يحدث داخل الشخصية فكل شىء يقدمه الممثل له غرض ومغزى، وبهذا يقوم الممثل بإعادة الحياة للشخصية ويستخدم السطور والحركة للتعبير عن الحياة الداخلية للشخصية.
إن سألت عن أسعد فضة زملاءه أو تلاميذه، فسوف تلحظ حالة من الإجماع لدى كل من يعرفه على أنّه (الإنسان المحترم)، قبل أن يحدّثوك عن المخرج والممثل ورئيس نقابة الفنانين طوال أعوام ثمانية، ولولب الحركة المسرحية السورية لعقود من موقعه على رأس (مديرية المسارح والموسيقى)، وأستاذ بـ (المعهد العالي للفنون المسرحية) في سوريا، وهو في ذات الوقت أحد الذين ناضلوا لإنشائه، من بين طلابه نجوم كبار، (أيمن زيدان، وجمال سليمان، وفايز قزق، ووفاء موصلي)، وغيرهم الذين يقولون عنه (كان أستاذاً مهيباً، من دون أن يكون مخيفاً) هكذا يتذكر جمال سليمان، أما أيمن زيدان فيراه (أستاذاً علمنا، ومخرجا أدهشنا، وممثلاً أتحفنا).
ولد (أسعد فضة) في عام 1938 بقرية (بكسا) بمدينة اللاذقية بسوريا، وهى القرية التي لا يمل من وصف جمالها بروح العاشق الأبدي، حيث يقول في مذكراته (إطلالة على الذاكرة) في معرض حديثه عن (بكسا) ووصف حالها: ان الفقر (عادلاً)، كما يخبرنا: (لم يكن في قريتنا بيك أو إقطاعي، المختار فقط كان مميزاً، ويملك معصرة زيتون، معظم أهل القرية مالكون لأراضيهم، وكانت تكفيهم للعيش بكرامة، أمّا من لم يملك أرضاً، فكان يعمل لدى الإقطاعيين في القرى المجاورة)، وهنا يتحدّث (فضة) عن قريته كبيئة منفتحة على الحب: (الأفق المفتوح، بساتين العنب والتين، وكروم الزيتون، زقزقة العصافير، الندى وفعله في الأرض، تمنحك إحساساً غريباً خلال المشي يلتقي الشاب بالصبية ولا أحد يعيب ذلك.
ويضيف فضة: (أمي كانت تعلمنا كيف نحب الفتاة وكيف نعاملها، الأب يطلب إليه وإلى إخوته مساعدته في الأرض، والأم ترفض طالبة منهم التفرغ للدراسة، في قريتنا (سي السيد) غير موجود، للمرأة كلمتها، والرجل يمشي وتركب المرأة الدابة، مهما بدا هو متعباً، وكما ارتأت الأم، تعلم أولادها الأربعة في (الكلية الأرثوذكسية الوطنية)، استهلكت الأقساط المدرسيّة كامل محصول الأرض تقريباً، في تلك المدرسة كان يلتقي أبناء الريف مع أولاد المدينة من أثرياء، بعضهم كان لطيفاً، وبعضهم كان شرساً إلى درجة التشابك بالأيدي، كنا جديين في دراستنا، وفرضنا احترامنا على أولاد الأغنياء.
هذه المدرسة خرجت البروفيسور والطبيب والمحامي والضابط (جول جمال الضابط السوري الشهيد الذى استشهد في عمليّة ضدَّ البارجة الفرنسيّة “جان بار” أثناء العدوان الثلاثي عام 1956)، كان يسبقني بصفّ، وأخوه عادل كان في صفي، في تلك المرحلة انتقلت إليه عدوى المسرح من أساتذته الفرنسيين، كانوا يعلموننا الفرنسية من خلال المسرح، وقدمنا في المدرسة أعمال كبار المسرحيين الفرنسيين.
حصل (أسعد فضة) على الثانوية العامة عام 1958، واحتار بين بعثتين إحداهما في الإخراج والتمثيل والأخرى في الرسم ليرسو قراره في النهاية على الأولى، كان يفترض أن تكون البعثة إلى فرنسا، لكن الوحدة بين مصر وسوريا حولت وجهتها إلى القاهرة، والدراسة هناك لها سحرها الخاص، كان يتقاضى راتباً من البعثة، وكلَما حاز امتيازاً أخذ مكافأة تسعة جنيهات شهرياً، أما شريكه في الامتيازات، فكان الأديب علي عقلة عرسان، كانت حالتنا المادية جيّدة جداً – يقول فضة – نعيش في مناخ ثقافي ومعرفي مدهش خلقناه كطلبة سوريين، كان شركاؤه في السكن في شارع بهجت علي، في حي الزمالك، قرب بيت أم كلثوم، التشكيلي الراحل غازي الخالدي، وعميد (كلية الفنون الجميلة) خالد مز، والتشكيلي نذير نبعة.
وعندما يستعيد (أسعد فضة) ذكريات الشباب وهوايته لفن الرسم يقول: (كانوا يذهبون إلى القناطر ليرسموا، وأنا معهم، حولنا بيتنا إلى منتدى ثقافي، كل خميس، كنا ننظم ندوة وندفع للفنانة التشكيلية (ليلى نصير) مبلغاً لتهيئ الديكور المناسب للندوة،
خلال العطلة الصيفية، حدث الانفصال بين مصر وسوريا، وكان أسعد فضة ورفاقه في دمشق، أدرك طلاب السنة الثالثة بالمعهد حينها أن العودة إلى مصر مغامرة بعدما رفضت حكومة الانفصال إعطاء الطلبة تأشيرة خروج، لم يكن هناك من حل سوى السفر بحراً، على مسؤوليتنا ومن أجل مستقبلنا.
من ميناء اللاذقية إلى ميناء الإسكندرية، انطلق الطلبة الحالمون: (ومن يركب البحر لا يخش من الغرق) قبالة شاطىء مصر، اقترب مركب خفر السواحل من الباخرة وقال أحد الضباط: الشباب السوريون ليتفضلوا! خاف بعضنا، فإذا بهم يرحبون بنا ويقلوننا بسيارات إلى محطة القطار!، يقول فضة متجاهلاً دمعة لمعت في عينيه في إحدى حواراته التليفزيونية، هل كان أسعد فضة مع فكّ الوحدة؟: طبعاً لم أكن معه، مع وعينا التام بأخطاء الوحدة وأسباب فشلها.
بدأت حياة أسعد فضة المسرحية تتبلور بعد عودته من البعثة عام 1963، فقد مثّل، وأخرج، وناضل من أجل وجود مسارح تليق بتطلعات أهل المسرح حينذاك، فلم يكن هناك سوى (مسرح القباني) وإمكاناته متواضعة جداً، لذا فقد سطوا على (سينما الحمرا) وحولوها إلى مسرح، وأول عرض أخرجه ومثل فيه كان (الإخوة كارمازوف) للكاتب الروسى فيودور دوستويفسكي، حينها كتب وزير الثقافة والإعلام سامي الجندي، صفحة كاملة عن المسرحية في جريدة الثورة عام 1964، ولاقى العرض إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير، وأعلنَ شبّاك التذاكر (لم يبقَ أماكن)، للمرّة الأولى.
توالت النجاحات، ولمع اسم (أسعد فضّة) في فضاء المسرح العربي، كما كان لاحقا في السينما والتلفزيون، وفي التلفزيون هو زبادي عاشق زنوبيا في (انتقام الزبّاء)، وأندريانوس في (الأميرة الشماء) ،وعز الدين القسام في (عز الدين القسام)، والباشا في (بصمات على جدار الزمن)، وأبودباك في (هجرة القلوب إلى القلوب)، أمّا عن السينما، فيكفيه دوره في فيلم (ليالي ابن آوى) للمخرج عبداللطيف عبد الحميد، وعنه حصد جائزة أفضل ممثل في (مهرجان دمشق السينمائي – 1989).
وتطول قائمة المسرحيّات التي أخرجها، أو مثَّل فيها (أسعد فضة)، بعضها لا يمحى من ذاكرة المسرح العربي، مثل مسرحية (يوميات مجنون) لجوجول، وهى أول عمل مونودراما في الوطن العربي، من إخراج الراحل فواز الساجر، إضافةً إلى (الملك هو الملك، حرم سعادة الوزير، التنين) وغيرها، وكان آخر أعماله المسرحيّة (حكاية بلا نهاية – تأليفه وإخراجه، 1986) ومثّلت فيها زوجته الراحلة مها الصالح، مها تلك الشابة الجميلة والموهوبة التي تعرف إليها في مسرحية (دون جوان) التي أخرجها ومثل فيها، كان ذلك في عام 1964، وكان الحب من النظرة الأولى.
بعد أقل من سنة، تزوج (أسعد فضة) مها الصالح وبقي الحب مستمراً حتى لحظات النهاية، حين أغمضت شهرزاد المسرح العربي عينيها للمرّة الأخيرة في 14 حزيران/ يونيو 2008، من ذلك الحب تبقى صور كثيرة، وحكايات لا تنتهي، وشراكة إنسانيّة وفنيّة خصبة، كانت ثمرتها ابنتهما (راما) المهندسة المعمارية التي أنجبت أسعد الصغير وسارة، وما زلنا نذكر كلماته وصوته المرتجف ودموعه الحارة يوم وداعها، حيث يشرد في الأفق قليلاً ثم يعود إلينا: (مها هنا الآن، وهى تلازمني أينما حللت. أسمعها تناديني من حين لآخر: متى تعود إلى المسرح؟).
وعلى جانب آخر يتحدث فضة عن عمله وهو صغير في الميناء وتأثير ذلك على شخصيته واكتسابه الخبرة بالناس ومعادنهم منذ الصغر وتعلمه في مدارس اللاذقية والدريكيش وحصوله على التفوق الذي أهله للدراسة في مصر أيام الوحدة، كما يحكي بحب وشوق كبيرين عن الأيام التي قضاها في مصر أثناء فترة الدراسة وعلاقته بالوسط الفني والثقافي في ذلك الوقت، ومن دمشق تبدأ رحلة أسعد فضة العملية حيث بدأ من المسرح ممثلا ومخرجاً لينتقل بعد ذلك إلى التلفزيون والسينما عبر عمله الأول (انتقام الزباء) الذي أدى فيه شخصية القائد زبداي ليكمل مسيرة نجاح كبير عبر عدة شخصيات بقيت عالقة في ذاكرة الجمهور من (عز الدين القسام وأبو كامل وابن الوهاج وهزاع الدباك) وغيرها.
ويعرج (فضة) في كتابه (إطلالة على الذاكرة) على الأعمال الإدارية التي أوكلت إليه من إدارة المسرح القومي، ومديرية المسارح والموسيقا، ونقابة الفنانين، ومهرجان دمشق للفنون المسرحية، ومهرجان بصرى الدولي، ومهرجان المحبة، والمركز الدولي للمسرح في سورية، ولجنة المسرح في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وبالتعاون مع عدد من زملائه الإداريين والمبدعين من العاملين بوزارة الثقافة أمثال (أديب اللجمي وفواز الساجر) وغيرهم، وبإشراف الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة آنذاك تم في عام 1976 تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، ناقلاً فضة ثقاقته الواسعة وخبرته العلمية والعملية إلى خريجي الدفعة الأولى كمدرس وأستاذ لمادة فن التمثيل في المعهد والذين أصبحوا وغيرهم من الخريجين شركاء نجوميته في كثير من الأعمال المسرحية والتليفزيونية.
ومن بعد ذلك تفرغ (أسعد فضة) لمشروعه الفني كنجم أول في معظم الأعمال التي يشارك فيها، وأيضاً انشغاله المخلص في إدارة المسارح والموسيقى والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية التي كان المشارك الأبرز في معظمها جعلته يعتذر مراراً عن المساهمة في العمل النقابي في نقابة الفنانين، غير أن رغبة زملائه وخاصة من نقابة الفنانين فرع اللاذقية الذي ينتسب إليه وجدوا ضرورة تمثيله لهم في المؤتمر العام، فرجوه بتقديم ترشيحه، ونجح بامتياز للمؤتمر العام الذي انتخبه للمجلس المركزي، وبدوره المجلس المركزي انتخبه كنجم كبير وقيادي فني متميز يمتلك الخبرة والإدارة وبعد الرؤى الانفتاحية ليكون بذلك نقيباً للفنانين في سورية ولدورتين متتالينين، حقق خلالهما المزيد من المكاسب للفنانين وأهمها رفع سقف التقاعد والضمان الصحي، والحماية الأفضل للفنان في تعامله مع القطاعين العام والخاص.
سئل (أسعد فضة) أكثر من مرة عن رأيه في (الطفرة) التي حققتها الدراما السورية في السنوات الأخيرة وكان يقول دائما: إنها ليست طفرة بل هى تطور طبيعي لنشأة الدراما السورية، ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء لوجدنا أن التليفزيون انطلق من المسرح، وترافقا معًا بخلاف بعض البلدان التي طغى فيها التلفزيون على المسرح، إضافة إلى أن الفنانين نشأوا في المسرح وانتقلوا إلى التلفزيون، لذلك بقي المسرح حيّا، والدراما التلفزيونية – منذ بداياتها – شهدت تطورا رائعا ولاتزال في الذاكرة مسلسلات عالقة مثل: (السيرة الهلالية – أسعد الوراق – القصر – انتقام الزباء)، وقد انتجت في مرحلة الأسود والأبيض في السبعينيات، ولاتزال تعرض في المحطات العربية إلى الآن، وفي مرحلة الثمانينيات ومرحلة البث الملون طرأت عليها تطورات مهدت لدراما التسعينيات التي نشاهدها الآن.
وعن مسئولية الفنان تجاه فنه يقول (أسعد فض) كلاما يؤمن به إيمانا حقيقيا مؤداه: إذا كان الفن مسئولية، وله مهمة نبيلة، فأنا أتصور أن شخصية الفنان يجب أن يتحقق فيها نوع من التكامل، خاصة في هذا العصر المضطرب المتشابك، وشبكة الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية إلكترونية صغيرة، والأخبار المتواترة التي جعلت السياسة خبزنا اليومي، من هنا أرى أن الفنان يجب أن يكون ابن عصره، ولا يكتفي بالأداء الببغائي لما يعرض عليه من أعمال، بل يجب أن يكون له موقف ورأي وفعالية في شتى مجالات الحياة، فلم نعد في عصر الفن للفن، ولا في مجال هواية الأعمال المترفة، خاصة أن أمتنا تجابه كل يوم بمزيد من حالات الحصار والاضطهاد والاحتلال والاستلاب والعدوان.
ولهذا كان (أسعد فضة) ومازال يدعو دائمًا إلى تعاون وتضافر جهود الفنانين العرب ومؤسساتهم في تقديم أعمال مشتركة مهمة وفاعلة، خاصة أننا نسيطر على خمسين فضائية من أصل خمسمائة فضائية في العالم، أي أننا نسيطر على عشر الفضاء العالمي، ويمكننا تسخير هذه المساحة الفضائية لإيصال صوتنا وصورتنا، ومفهوم حقوقنا الشرعية إلى العالم، ليس بلغتنا فحسب، بل بأكثر من لغة حية.
وأخيرا لابد لقارئ سيرة (أسعد فضة) والمتأمل لمسيرة الطويلة في الإخراج والتمثيل، لابد له أن يتوقف أمام كتابه (إطلالة على الذاكرة)، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن سلسلة بعنوان (مذكرات)، حيث يأتي هذا الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية، ذلك أنه يقدم من خلاله سيرة حياة الفنان العربي السوري أسعد فضة، والمحطات البارزة فيها، ما يشبه سيرة حياتية لفنى المسرح والسينما في سوريا، وتطورهما، ومعاناة العاملين فيهما، وانعكاس التغيرات الاجتماعية والسياسية عليهما، ويأتي ذلك كله بلغة جميلة، وبصورة شائقة وممتعة تشد القارئ.
إنها سيرة ذاتية وسيرة الفن في بلده أيضا، في آن معا، ولعل أبرز ما في هذا الكتاب استهلال (فضة) كتابه هذا بعبارة ماركيز الشهيرة (الحياة.. ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هى ما يتذكره، وكيف يتذكره ليروي)، لذلك فإن ما كتبه في هذه المذكرات لا يمكن تسميته (سيرة ذاتية) فحسب، وإنما هو رحلة في مسيرة حياة صاخبة عاشها بصدق وأمانة، منذ مراحل الدراسة الأولى في القرية والمعاناة اليومية للوصول إلى المدرسة، ثم الدراسة في المدينة والدريكيش ومحطات الانتقال المتعددة وصولا إلى العاصمة والإيفاد إلى فرنسا الذي توقف بحكم الوحدة مع مصر فتحولت الدراسة إلى مصر ليذهب إلى القاهرة ويدرس التمثيل والإخراج المسرحي.
وهو في تلك المذكرات والسيرة الذاتية يتجاوز الوقوف عند أمور كان عليه أن يفعلها ولم يفعلها، مركزاً على الأحداث المؤثرة في مسيرته الفنية التي امتدت زهاء خمسين عاماً، كما أن التفاصيل في تلك المذكرات هى العنوان المهم والأساس، وهو ما يهم القارئ والمهتم، ذلك أن فضة بمسيرته الفنية والإدارية الطويلة في نقابة الفنانين ومديرية المسارح والمعهد العالي للفنون المسرحية وعديد المهرجانات، عنوان عريض لمسيرة الفن والحركة الفنية في سورية عبر سنوات وتحولات كثيرة في الحركة الفنية السورية.
والكتاب مزود بببلوغرافيا تفصيلية لمسيرة (أسعد فضة) الطويلة الأستاذ في التمثيل والمعلم المهم في ركن المسرح والسينما السورية، والمؤسس في الدراما السورية، وكذلك بصور متنوعة من العروض والمسلسلات وشهادات تكريم وتقدير محلية وعربية وعالمية من القطاع العام والخاص في مجال الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح، وغيرها الكثير من الجوائز مثل (أفضل ممثل وجوائز تقديرية من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ومهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، كما تم تكريمه في عام 2006 بتسمية (صالة المسرح القومي) في مدينة اللاذقية باسم (مسرح الفنان أسعد فضة)، كما نال جائزة أفضل ممثل عن دور فيلم (ليالي ابن آوى) في مهرجان دمشق السينمائي، جائزة أفضل دور تاريخي عن دوره في مسلسل (العوسج) في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، جائزة تقديريه عن دوره في مسلسل (الجوارح) في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون.
تحية تقدير واحترام من جانبنا في بوابة (شهريار النجوم) للفنان الكبير والقدير(أسعد فضة)، والذي يعد صانع الحركة الفنية السورية، عبر مسيرة إبداع طويلة في المسرح والسينما والتليفزيون .. متعه الله بالصحة والعافية وأطال في عمره كي يبدع أكثر وأكثر في الدراما السورية وآخرها عمله الدرامي في رمضان 2020، والذي يندرج تحت مسمى (البيئة الشامي) مسلسل (سوق الحرير)، وفي هذا الصدد لاننسى أنه صاحب الشخصية الشامية الأولى في الدراما السورية في بدايات عملها على تلك النوعية من المسلسلات التي تركز على الهوية الدمشقية.