“الاختيار”.. للنجاح أسباب و”للولولة” دوافع
بقلم: محمود حسونة
“الاختيار” ليس أول مسلسل يفتح النار على الإرهاب، وخلال السنوات الماضية عشنا مع أعمال درامية عدة تناولت بأساليب مختلفة التكفيريين وأفعالهم الممقوتة وأفكارهم المريضة وسلوكياتهم الشاذة، ولكن معظمها سقط من الذاكرة ولم يترك التأثير المرتجى منه، ويستثنى من ذلك مسلسل “الجماعة” الذي أصاب الجماعة بحالة هياج بعد أن فضح تاريخها المظلم معتمداً على حقائق ووثائق، ولكن ذلك لم يمنع مؤلفه الكاتب الكبير وحيد حامد من الإصرار على أن يترك للأجيال كلمة حق درامية بشأن هذه العصابة التي حللت المحرم وحرمت المحلل.
“الاختيار” جمع حوله الناس بمختلف مشاربهم وأهوائهم، كثيرون يتابعونه بزهو واعتزاز، وقلة تشاهده بانزعاج وغضب، ولعل هذه القلة كشفت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنها من الأكثر انتظاراً له كل يوم ولها في ذلك مآرب وأهداف.
“الجماعة” ومن التقى معها في استباحة دم الوطن وأرضه وتاريخه وخيراته، يحرصون على المتابعة أملاً في العثور على ثغرة يشككون بها في العمل، ورغم عدم وجود ثغرات ولا هفوات لم يتوقفوا عن الولولة، ويزيد من ولولتهم إدراكهم أن الناس انصرفت عنهم ولم يعد يعطيهم آذانه إلا من فقد بصيرته وأصبح يعاني عجزاً في التمييز بين الغث والثمين.
بعيدًا عن أهل الولولة، فإن “الاختيار” لم يخلق تميزه من فراغ، فلا يوجد نجاح إلا وراءه جهد وإخلاص وتجويد في الصنعة، ويصل النجاح ذروته عندما تكون أسبابه ملموسة من الناس.
وراء تميز “الاختيار” عن غيره من الأعمال الكثيرة التي تناولت الإرهاب عدد من العوامل نحاول أن نستعرض البعض منها:
أولًا: المسلسل يتناول حكاية بطل حقيقي، اجتمعت كل معاني الكرامة والتضحية والمروءة والوطنية والشجاعة والوفاء والإنسانية في شخصيته، هو العقيد البطل الشهيد أحمد منسي قائد الكتيبة ١٠٣ صاعقة في سيناء والذي استشهد خلال تصديه لهجوم إرهابي عام ٢٠١٧، وفِي المقابل حكاية الضابط الإرهابي الخائن هشام عشماوي الذي خان الوطن والجيش الذي انتمى إليه والقسم والشعب والأصدقاء والجيران، وارتمى في أحضان تنظيمات إرهابية وتحول من مدافع عن الوطن والحق إلى قاتل للحق ومكفر للمجتمع.
وعلى هامش البطل والخائن نتعرف إلى العديد من الشخصيات الحقيقية الذين استشهدوا دفاعًا عنا، أو الخونة الذين اصطادهم جيشنا العظيم بعد أن رفعوا السلاح في وجوهنا وقتلوا الأبرياء، ونتعرف على أبطال مازالوا يعيشون بيننا يتنفسون هواء الوطن ونتذوق سوياً طعم الأمن والأمان الذي ننعم به بعد أشهر وسنوات من الفوضى والقلق، بفضل أحمد منسي وغيره من أبطال وشهداء الجيش والشرطة. والفرق كبير بين أن تشاهد عملًا عن قصة أو شخصية حقيقية وأن تشاهد عملًا من خيال إنسان قد تكون أحداثه مقنعة أو غير ذلك، ومهما شطح خيال المبدع لن يكون مؤثرًا مثل القصة الحقيقية.
ثانيا: نجح الكاتب باهر دويدار في أن يلم بالأحداث الحقيقية في حياة كل من البطل والخائن، وبكل الشخصيات التي تقاطعت معهما أو مع كل منهما، ليقدمها بلمساته الإبداعية التي تزيد من جرعة التشويق، جامعاً عمليات وبطولات المنسي وجرائم ومذابح عشماوي في سيناريو مدعوم بالمشاهد الحقيقية التي توثق الحدث للأجيال وليظل هذا المسلسل شاهداً على بطولات الجيش وجرائم زبانية التكفير.
ثالثًا: نجح المخرج بيتر ميمي في تقديم ملحمته بصورة تبهر المشاهد وتجمع بذكاء شديد بين العمليات والتفجيرات التمثيلية والحقيقية، ليشعر المشاهد بأنه في قلب الأحداث، يعايشها ويتأثر بها لأن أبطالها من لحم ودم وليسوا من خيال وورق؛ كذلك نجح في اختيار ممثلين شديدي التشابه مع الأبطال والخونة الحقيقيين، لتأتي الصورة شبه متطابقة مع الأصل، ناهيك عن استعانته ببعض الشخصيات الحقيقية مثل النقيب أحمد نصر أحد الأبطال الذين نجوا من مذبحة الفرافرة وهو الذي واجه عشماوي وعرفه وأصابه في قدمه.
رابعاً: لم يتعامل المسلسل مع التكفيريين بالطريقة التقليدية الساذجة ويقدمهم مثل معظم الأعمال الفنية على أنهم معاتيه لا يشغلهم في الحياة سوى التفكير في النساء والبحث عن الملذات، بل تعامل معهم بشكل موضوعي كاشفاً ما بداخلهم من غل للمجتمع وكراهية لأبنائه وقدرة على التخطيط، ولو كانوا سذجاً كما صورت لنا معظم الأعمال الفنية ما استطاعوا البقاء داخل الكادر منذ العام ١٩٢٨ حتى وصلوا لكرسي الحكم عام ٢٠١٢.
خامسا: اختيار الفنان أمير كرارة لأداء شخصية البطل أحمد منسي منح المسلسل مصداقية، نتيجة التشابه بينهما، وأيضا لأن كرارة من أكثر الفنانين تصالحاً مع أنفسهم وصدقًا فيما يفعلون، وهو الوحيد الذي جند نفسه منذ أصبح نجما لإنصاف حماة مصر من ضباط الشرطة والجيش من خلال سلسلة “كلبش” وفيلم ” حرب كرموز” ومسلسل ” الاختيار” الذي حلق فيه عاليا بحبه للوطن وتوحده مع شخصية البطل الحقيقي أحمد المنسي بمواقفه العسكرية والإنسانية.