رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية والابداع (المسرح الشعبي).. (1)

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية والابداع (المسرح الشعبي).. (1)
الثقافة الشعبية تأثيرات جمالية على حامليها من أفراد الشعب

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

تتنوع وتتعدد أشكال (المسرح الشعبي)، ولكن تلك الأشكال تعتمد على الشعب في إنتاج تلك العروض الشعبية، ولا غرابة في كون الشعب هو أداة التعبير الأولى التي تحفز الفنان الشعبي على إبداع المسرح الشعبي، إذ توجد علاقة حسية بين الطرفين ناتجة عن النسيج الثقافي الشعبي الذي يجمعهما، ولذلك تكون مصادر تلك الأشكال وتنوعها مستمد من الثقافة الشعبية.

إذ لتلك الثقافة الشعبية تأثيرات جمالية على حامليها من أفراد الشعب، وهذه التأثيرات نستطيع استنباطها من مفهوم الشعبية، إذ أن الشعبية هي التي تُنَمِّي وتُقَوِّي عناصر الثقافة وتجعلها حية 

فإذا كانت الثقافة كما عرفها  تايلور  بأنها (الثقافة أو الحضارة، التي اتخذت في الاثنوجرافية على نطاق واسع المعنى هي ذلك المركب الذي يشتمل على المعارف و الاعتقاد و الفن والأخلاق والقانون، والعرف، وأية قدرات أخرى والعادات التي يكتسبها الفرد بوصفه عضوا في المجتمع)، فتكون الشعبية صفة تميز تلك الثقافة، كما جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة .

إذ أن (الثقافة الشعبية: هى الثقافة التي تميز الشعب والمجتمع الشعبي وتتصف بالتقاليد والأشكال التنظيمية الأساسية)، ولذلك يوجد تأثير لصفة الشعبية على الشعب، وهذا ما نوضحه.

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية والابداع (المسرح الشعبي).. (1)
الشعبية تمثل صفةَ تَمَيُّزٍ للثقافة، إلا أنها تمثل روحاً جمالية خاصةً

الشعبية والتأثير النفسي 

و كما سبق القول في كون الشعبية تمثل صفةَ تَمَيُّزٍ للثقافة، إلا أنها تمثل روحاً جمالية خاصةً، تعطي للعناصر التي تتكون منها الثقافة صفة التأثير النفسي في نفوس الشعب أو الأمة، وتجعل تلك العناصر حية عبر الزمن، ويتشكل الوجدان الجمعي من خلالها، والذي يظهر في صور التعبير الجمعي الشعبي، والذي من خلاله يتم إبداع الفنون الشعبية، والتي يتضمنها فن (المسرح الشعبي). 

ولذا لكل مجتمع إنساني ثقافي لغته التعبيرية، وأشكاله المسرحية التي تتفق مع قيمه وأخلاقه وطبيعة تكوينه الثقافي الجمالي، فالإنسان يتأثر ببيئته الحياتية، (جغرافية، اجتماعية، ثقافية)، حيث إن المؤثرات الحسية والذهنية، تختلف من مجتمع إلى آخر.

ونلاحظ مثلا تأثر الإنسان المصري بنهر النيل، وكيف أنه يتغني به منذ العصور السحيقة إلى الآن، وهذا يدل على الصفة التأثيرية، لهذا العنصر الجغرافي في حياة المصريين، ومدى شعبيته الحية منذ القدم، وتأثيرها على الإنسان المصري، فأبدع الكثير عن نهر النيل.

ولكن لا نجد هذا التأثير في مكان آخر، فمن عاش في الصحراء تظهر في فنونه القيمة الحياتية للصحراء، وكيف يتغنى بها، فالإنسان كائن متأثر بطبعه قبل أن يكون كائناً مؤثراً، ولديه فطرة التلَقِّي والتأثر، قبل صفة التعبير.

فهو يتلقى أولاً ويتأثر ثم يتجه إلى التعبير عمَّا تأثر به، في صور فنية جميلة تكون مؤثرة في كيان الجمهور المتلقي لتلك الفنون، ومن الصفة الجمالية للشعبية نستنبط الكيفية التي يعبر بها الشعب عن العملية التي يتم بها إبداع (المسرح الشعبي).

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية والابداع (المسرح الشعبي).. (1)
التعبير صفة أصيلة في الشعب، فهو المؤسس الحقيقي لمجتمعه ولسياسته وهو المحاكي لفنونه

التعبير الفني الشعبي

لكل شعب فكره وفلسفته التي يرتكز عليها، ومنها ينبثق الوعي الشعبي الذي يظهر في صور التعبير الشعبي الفنية، وغير الفنية، وكما يشير برتليمى في كون (الشعب هو المُعبِّر الصحيح عن الطبيعة، وأنه هو الذي يمتلك قوى الحياة ويمثل صفات الجنس البشري وصوت الله).

ولذلك فإن التعبير صفة أصيلة في الشعب، فهو المؤسس الحقيقي لمجتمعه ولسياسته وهو المحاكي لفنونه، وهكذا يبدو الشعب وكأنه أداة الأشياء الكبري جميعاً؛ (فهو في مجال السياسة أداة التقدم وبطل الحرية والعدل، وفي مجال الفنون الجميلة أصل العبقرية المبدعة.

فالكاتدرائيات من عمل الشعب ولا اسم لمنشئها، والشعب مصدر الشعر؛ لأنه – تبعا لرأي (هيردر) – يوجد قبل وجود الشعر النابع من العلم والتفكير، شعر يقرضه الأفراد، ينبع من قريحتهم البدائية، وهو الشعر الحقيقي الوحيد الذي يعبر عن روح الشعب ويولد لدى كل الشعب ومن الشعب نفسه.

وإذا ما نظرنا في معنى الروح الشعبية فلسوف نجد أنهاعبارة عن مفهوم يرتبط بجمالية الشعبية، وتلك الجمالية الشعبية نابعة من النسيج الثقافي الشعبي عبر تأثيره في الأشخاص الحاملين له، ولذلك فجمالية الفن الشعبي مستمدة من تلك الروح الشعبية، والتي يبدع من خلالها الشعب فنونه، والتي يعبر بها عن واقعه وهويته التاريخية.

ولذلك للفنون أهمية وضرورة في حياة جميع البشر، ويقول (جروس إرنست) لا يوجد شعب بلا فن.. لقد رأينا هذا، حتى القبائل المتدنية  والبائسة  تخصص جزءاً كبيراً من وقتها وقوتها للفن.

فكل شعب له فنونه المطبوعة بشخصيته، وهذه الشخصية مستمدة من البنية الداخلية المشتملة على (الخيال والتصورات – الحس – الإدراك – الشعور)، فتلك البنية هي الرابطة بين الشعب وفنانيه المعبرين عنه، وهى التي نستطيع من خلالها استنباط  طريقة التعبير الجمعي للشعوب، والتعرف على كيفية هذا التعبير التي تتلاشي فيه ذات الفنان ويصبح التعبير ملكاً للشعب، وبالتالي يطلق عليه فناً شعبياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.