
بقلم الباحث المسرحي: كمال زغلول
إن شاعر السيرة و(الصييت) يعتمدان بصفة أساسية على خيال المتلقي في تمثيل العمل المسرحي الشعبي، ولذلك لابد من تدريب الممثل على صنع عالم خيالى، يستطيع من خلاله ايصال الجمهور إلى حالة تخيل العرض المسرحي الشعبي عبر حواس الجمهور.
ولما كان النظام الحسي لكلا الطرفين ( الجمهور والممثل الشعبي الفرد ) يشتمل على (الخيال والتصورات – الحس – الذهن – الشعور) فلابد من تدريب الممثل على صنع وإبداع تلك العلاقة التخيلية للعرض المسرحي الشعبي، من خلال مجموعة من التدريبات الخاصة لحواسه الخمسة.
إذ أن الممثل الشعبي قد تشرب العناصر الثقافية الحسية من بيئته الثقافية (الجغرافية – والمادية ولا مادية ) وحواسه الخمسة أصبحت مدربة بشكل يمكنه من أداء عمله، إذ هو العارف بطبيعة المناطق الجغرافية لعالم السيرة، أو القصة التي سوف يمثلها.
كما أنه على علم تام بطبيعة الثقافة الغير مادية لجمهوره، لذلك قد تكونت لديه حصيلة لغوية، يستطيع من خلالها تقديم العرض المسرحي الشعبي، ونقل الخيال التأثيرى إلى المتلقي كي يشاركه التمثيل داخل العرض المسرحي الشعبي، حيث إن الجمهور يمتلك نفس الحصيلة اللغوية التي يلقيها له الممثل الشعبي (الصييت).

المنظر المسرحي وحركة الشخصيات
ولكن تظهر في ذهن المتلقي في صورة صور تخيليه مرئية، وتلك الحصيلة اللغوية، أثناء العرض المسرحي يجب أن تشتمل على المنظر المسرحي وحركة الشخصيات، وحركة الحيوان.. الخ وهذا ما نوضحه بأمثلة:
مثال: المنظر المسرحي في السيرة:
جربوا على وادي اسمه بني عقيل
(وادي اسمه وادي بني عقيل)
جربوا على وادي بني عقيل
ومن تلك الكلمات نلاحظ استخدام الشاعر كلمة (وادي)، وهو عبارة عن مكان بين الجبال وبه الماء والزرع، وسمي على اسم بني عقل الذين يسكنون هذا المكان، وكلمة وادي سوف تدخل إلى ذهن المتلقي وفي هذه الحالة يستطيع تخيل الوادي من طبيعة ثقافته الجغرافية التي يعرفها وعاش فيها.
و(الصييت) يقدم المنظر المسرحي داخل قصته بنفس الأسلوب السابق في وصف المنظر:
فدادين تسعه باسمه لا سلف ولا دين
وعمهم الدريني كان وحش طماع
وهنا تظهر كيفية تكوين الحصيلة اللغوية الخاصة بالبصر عند شاعر السيرة والصييت ويعبران عن ذلك المنظر بكلمة تشير إلى المنظر المسرحي داخل العرض المسرحي وإلى مكان الأحداث الذي به المنظر، والمنظر أيضا به حركات الشخصيات:
مثال صور حركة الشخصية:
جام ناجح عبد رزق
(اسمه نجاح الخادم بتاع رزق، اسمه إيه اسمه نجاح)
فبلغه الخبر جوم جاي يجري
ونلاحظ أن نجاح قام من مكانه (وجري ) وهذا تصوير لحركة الجري.
وأيضا داخل قصص الصييت نلاحظ تلك الحركات
سحبت عصاية ولأولادها الكبار مدوه
هى وعيالها يا عيني بهدلوه من الضرب
ومن الكلمات التي تحتها خط نرى كيفية تصوير حركات الشخصية، وكيفية العنف الواقع على الشخصية التي يضربونها.
وكما نشاهد من تلك الأمثلة لابد من تدريب حواس الممثل الشعبي (الصييت)، بشكل يخضع للبيئة الجغرافية، والثقافية لجمهوره، وهذا يتم عبر مجموعة من التدريبات:

تدريب حاسة البصر
الهدف من تلك التدريبات تكوين ذاكرة بصرية للممثل الشعبي المتدرب، تساعده على تكوين مخيلة تكون بداخل الذاكرة الخاصة به.
تدريب حاسة البصر جغرافيا: هذا التدريب خاص بحاسة البصر، ويعتمد تدريب تلك الحاسة على المُشاهَدة الفعلية لعناصر الطبيعة المكانية للبيئة المصرية بمعظم تفاصيلها، وهى تتم كالتالي
تدريب (1)
التعرف عن طريق المُشاهَدة على العناصر الجغرافية المصرية، إذ لكل منطقة جغرافية مصرية ملامح خاصة بها يتأثر بها أفراد الشعب المصري عامة وأفراد المنطقة خاصة.
وهذا ما نلاحظه مثلا في المناطق الساحلية المصرية أو البدوية، أو الريفية فلكل منطقة طابعها المميز جغرافيا، وهنا يجب على المتدرب تدريب الحاسة البصرية على المناظر الطبيعية لتلك المناطق ومعرفة أهم العناصر الطبيعية التي تميزها، ونضرب أمثلة لذلك.
مثال:
المناطق الساحلية المصرية وهى الإسكندرية، والسويس، والاسماعيلية، وبورسعيد، مرسى مطروح ، يجب على المتدرب التعرف على طبيعة تلك المناطق بصريا، فرؤية البحر وتأمله، ورؤية الأشخاص العاملين في المجال البحري وأزيائهم، ومراكب الصيد والشباك.. وأزياء المرأة.
كل هذه الأشياء سوف تطبع في ذاكرته ويصبح عنده ذاكرة بصرية عن طبيعة الأماكن الساحلية في مصر، وتعطيه تذوقاً بصرياً لتلك المناطق يمكن استخدامه في العرض المسرحي الشعبي، وهذا ما نلاحظه إذا ما دققنا النظر حول ألوان المياه في البحار المصرية.
فمثلا لون مياه البحر في مرسى مطروح فيروزية اللون، بعكس لون المياه في البحر الأبيض، أو البحر الأحمر، وهذا الفرق في ألوان المياه سوف يعطي للمتدرب تذوقاً بصرياً، لطبيعة البحار المصرية.
وطبيعة تلك المناطق أيضا لها خصوصية في الحياة الشعبية إذ يوجد اللسان وهو الفيصل بين المياه العذبة والمالحة وهو مذكور في القرآن الكريم، ويعد من الأماكن الدالة على الإعجاز الإلهي في الخلق، ووجوده في أرض مصر يعطي لتلك الأماكن قدسية خاصة.

وصف الأماكن في النصوص الشعبية
وهذا التدريب البصري سوف يكون للمتدرب حصيلة لغوية عن أسماء الأماكن الطبيعية من خلال اللغة العامية التي يستخدمها أبناء تلك المنطقة وهي نقطة هامة في وصف الأماكن في النصوص الشعبية التي تعتمد على الممثل الفرد.
مثال:
منطقة سيناء وهي من المناطق المقدسة في مصر، وأهم ما يميز تلك المنطقة جبل الطور، ومجمع البحرين، وعيون موسي.. الخ
مثال :
وادي النيل وهو شريان الحياة للشعب مصر يجب التعرف على كل جغرافية، ولابد من المُشاهِدة البصرية لجميع أماكنه.
والهدف من هذا التدريب الحسي للبصر، هو حصول المتدرب على الصور الطبيعية بأسمائها في الحياة المصرية حتى يتسنى له عند تمثيل تلك المناطق أن تكون مخيلته مطابقة لمخيلة الجمهور، وبذلك يحدث التمثيل المعتمد على المسرحة الذهنية الشعبية بين المُشاهِد والممثل (الصييت).
كما أن هذا التدريب هام لتكوين محصلة لغوية عن الأسماء التي تحويها البيئة المصرية أو العربية عن جغرافيا المكان، فمثلا عندما يستخدم الممثل كلمة جبل في تمثيلية فهي تعني أي جبل، ولكن عندما يحدد هذا الجبل، بجبل الطور سوف يعرف المُشاهِد المنطقة التي تدور فيها الأحداث.
وطبيعة تلك المنطقة ويتحرك خياله، وبالتالي إذا لم يكن الممثل على علم بالطبيعة البصرية لتلك المنطقة لن يستطيع الالتحام بخيال الجمهور.
وهذا التدريب يتم عبر الزيارات الميدانية للمناطق المصرية، ورؤية تلك المناطق ومعرفه أهم الآثار فيها والأحداث التي دارت فيها، حتى يتسنى له تكوين ذاكرة بصرية، ويمكن أيضا إذا تعذر ذلك عليه أن يتابع مناطق مصر من خلال الأفلام التسجيلية أو الصور الفوتوغرافية.

حركات الجسم الإنساني
تدريب (2)
تدريب حاسة البصر على حركات الجسم الإنساني، وحركات الحيوان وخلافه:
يقوم المتدرب في هذا التدريب، بالتعرف على الحركات الناتجة من الأفعال الإنسانية والتي تحويها الثقافة المصرية، إذ لكل ثقافة إنسانية تعبيرات إشارية بالجسد لها رموز دلالية على الإنسان الفاعل والمفعول به داخل ثقافته.
فمثلا نشاهد رجلاً عندما يُحَيِّي إنساناً فإنه يرفع يده اليمنى في وضع التحية العسكرية ويقول السلام عليكم، فيرد الشخص الآخر بكلمة وعليكم السلام ويؤدي له نفس الحركة.
وهنا يجب على الممثل تدريب حاسته البصرية على رؤية تلك الأفعال في الطرق العامة وعند أصحاب المهن، كذلك رؤية حركة الحيوانات التي يستخدمها الإنسان في أعماله إذ سوف يتعرض لها في السيرة الهلالية أو في قصص الصييت، ولكي تتضح الصورة في ذهن المتدرب نريه أمثلة على ذلك من السيرة:
ركبوا التنين فوق الجمال
والمال ساير وراهم
المال هنا المقصود به قطيع من الأغنام والجمال، وما تحمله الجمال من نقود وخلافه وتلك أشياء تخص حركة الحيوان.
مثال آخر توضيحي:
جت هايجه عليها فرسها
جدامها ما خلت خلايج
يا ليل
جت الفرس دي حايمه حوم
(الفرس اللي مع الشريفة الصغيرة دي)
جت الفرس حايمه حوم
حاجة نادرة من العجايب
على الناس تصرخ وتغوم
فجالت الرجال يا العجايب
تضرب الفرس حافر في الارض
تنطر حصي مالأراضي
وتحادي على نظيفة العرض
قلبي تحمل مراضي
ومن الكلمات التي أسفلها خط نلاحظ تصرف الحيوان بالحركة، وهذا ما يجب أن يلاحظه المتدرب في الحركات الخاصة بالحيوان.
وعلى هذا المنوال يستطيع الممثل الشعبي (الصييت) تدريب حاسة البصر عنده، ويقوم بعمل تدريبات بصرية على نفس منوال التدريبات السابقة حتى يستطيع التعرف على جميع ما يتطلبه العمل الفني الشعبي أثناء العرض.