في مستنقع تصريحات (أسما شريف منير).. لماذا تغرقنا صحافة التفاهة؟!

كتب: محمد حبوشة
نحن نعيش حقا زمن (صحافة التفاهة)، تلك التي تشير إلى نوع من الصحافة يركز على الأخبار التافهة، السطحية، أو غير المهة، وغالباً ما تتجاهل القضايا ذات الأهمية الأكبر، قد تتضمن هذه الأخبار قصصا عن أشباه المشاهير مثل (أسما شريف منير)، أو أي شيء يجذب الانتباه دون تقديم قيمة إخبارية حقيقية.
هذا النوع من الصحافة غالبا ما يكون مثيرا للجدل، حيث يرى البعض أنه يساهم في تدهور الذوق العام وتشتيت الانتباه عن القضايا الأكثر أهمية، وهنا لدى سؤال استنكاري كبير: أعطني سبب واحد أو مبرر لإعادة نشر تصريحات (أسما شريف منير) عن زواجها للمرة الثالثة؟!
إلى الذين يدسون أنوفهم في حياة (أسما شريف منير) وغيرها من المشاهير من الصحفيين، الذين لا يدركون قداسة مهنة البحث عن الحقيقة التي تهم الناس: اتركوها للسوشيال ميديا، وعلى حد قول واحدة من رواد التواصل: هل كان أحد حاسبها لماذا تزوجتي تطلقتي ليه؟.. انشالله تكون بتتجوز للمرة العشرين؟!
يعني حتى لو كلامها صح ليه يتقال كلام جريء زي كدة مش فيه حاجة اسمها (حياء).. يعني أنت حرة اتجوزي وألف مبروك وقولي كلمتين حلوين للزوج!.. بس ايه الفايدة بجد من كلام زي كده، هو كان في حد مش عارفه ولا غلطك فيه.. وكمان يعني مش كل الستات بعد الزواج بتعوز تتجوز تاني ياما هتعمل حاجة حرام!
فيه مليون ست بتقعد على زوج تربي ولادها وبتصون نفسها ومبتعملش حاجة غلط فأنا مش ضد اللي بيتجوز عشان عايز نهائي طبعا حقه.. بس ليه الجمع كأنك عملتي الصح.. واللي رفضت تتجوز تاني لأسباب خاصة بيها عملت غلط في المستخبي!.. أنا الصراحة مصدومة من تصريحاتها اللي محدش طالبها بيها وملهاش اي فايدة غير جرأة غريبة.
أيها الأجلاء من زملاء هذه المهنة المقدسة: مهنة الصحافة التي تعتمد قبل جمع المستجدات وآخر الأخبار في جميع المجالات على الصدق والموضوعية اللذين يشكلان الأساس في أخلاقيات هذه المهنة، لا يكون فيها الصحافي الذي يكذب أو يروج الشائعات أو يكتب أخبارا تافهة إعلاميا ناجحا.

مهنة نبيلة وشاقة
بل إنه يشكل عبئا إضافيا على مهنة نبيلة وشاقة، لولاها لما عرفنا أخبار الآخرين وشاركناهم انشغالاتهم وهمومهم، ولكن شاءت التكنولوجيا في عصرنا أن تترك أثرها، فأصبحنا نرى صحافة غير التي عرفناها منذ عهد بعيد وصولا إلى زمن قريب.
ياسادة: لقد انهار سؤال المضمون في الإعلام، وانهار مفهوم (الجمهور يريد هذا)، وظهر مع مواقع التواصل الاجتماعي جيل جديد من المؤثرين – كما يسمون – ينشرون الضحالة والتفاهة، ويروجون للسّطحي، ويهللون للفارغ الأجوف، هؤلاء هم (الكهربائيون) كما يصطلح عليهم الكاتب المغربي (عادل زبيري).
والذي يستطرد قائلا: لكن اعتبارات الانهيار والضحالة لم تتوقف على الصحافة فقط في عصرنا، وإنما امتدت لتشمل نوعية القراء والمتابعين، الذين لولاهم لما أصبحنا نعايش أبواقا تلبس الجديد من الثياب وتطلق على أنفسها لقب (صحافيين).
هؤلاء الذين يسميهم الشاعر الإسباني بيدرو ساليناس (pedro Salinas) الأميّين الجدد، واصفا إياهم في مقال شهير: (بأنهم يحومون حول أكشاك بيع الصحف كنحلات طنانة تحوم حول زهرة نضرة، أو ينتشرون في الفضاء الإلكتروني بحثا عن المقادير التي ستصنع بها عسل حياتها الفكرية.
إنهم لا يقرأون الكتب، ولكنهم مفتونون بتكاثر المجلات ومواضيع أغلفتها، وصفحات السوشيال ميديا، هؤلاء أهل للشفقة، لأنهم، بعيدا من إعفاء أنفسهم من مشقة العناء كقراء، في غاية السخاء والكرم حين يتعلق الأمر بها.. يقرأون الأعمال الضعيفة بشراهة.
يعودون إلى منازلهم محملين بالمجلات أو مواقع السوشيال ميديا، التي يحرثون فيها بعيونهم لساعات، من دون أن يحصلوا في النهاية على أكثر مما يحصل عليه طفل يلهو بأحجية بانورامية لا يبدو أنها ستنتهي، عاجزين عن رؤية الصورة الكبرى التي يظهر فيها كل شيء في مكانه الصحيح.
ولذا علينا أن ننتبه: هذه المجموعة تنمو ببطء، وهى على درجة كبيرة من التأثير، والخطورة تتجاوز كثيرا الأمّيين أميّة بحتة، فهم يرفضون البقاء في الدّرك الأسفل مع الشيطان في ظلمات الجهل، إلا أنهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدس، إنهم قادرون على كل شيء.. ولا يجازفون بشيء.
هكذا أثرت التكنولوجيا المعاصرة في مفهوم الصحافة، وهو النمط الصحافي الذي يهتم بموضوعات الفضائح والترفيه وقصص الاهتمام الإنساني وأخبار المشاهير، إدراكا من وسائل الإعلام للعوائد التجارية التي تجنيها من إشباع شهية (الأمّيين الجدد).

من ينقذ الصحافة؟
أصبحت وسائل الإعلام توظف أشخاصا، لا لعلمهم الغزير، بل يكفي أن يكون (أو تكون) ذا شكل جذاب وقوام لافت، وأصبحت الصحافة صناعة يحرّكها هاجس المصلحة والتسويق دائما، فمن ينقذ الصحافة؟!
نعم: من ينقذ الصحافة ووسائل الإعلام من تفاهة جعلت الصحافي الذي يحوز بطاقة صحافية يتساوى مع هاو يستيقظ صباحا ليصور بشاشة هاتفه الذكي كل ما يراه أمامه، من دون الأخذ بعين الاعتبار أدنى شروط هذه المهنة النبيلة، حتى صارت مهنة المتاعب لا تحتوي أي متاعب.
وإنما بكبسة زر واختيار موضوعٍ تافه يمكنك أن تصل إلى العالمية، وتنافس كبار الإعلاميين والصحافيين الذين جهدوا كثيرا في صقل أنفسهم وإكسابها معارف عريضة، قبل أنْ يصرحوا بأنهم (صحافيون)!.
من سينقذ الصحافة؟!: لقد أصبح العبث يحكم محتوى الصحافة الحالية، خاصة تلك التي يطلق عليها (صحافة إلكترونية) فما فائدة أن تنشر عادت (أسما شريف منير) إلى دائرة الضوء، والتريند من جديد بعد زواجها.
وذلك لمجرد أن أعلنت (أسما شريف منير) زواجها عبر حسابها الرسمي على (إنستجرام)، في منشور طويل عبَّرت خلاله عن مشاعرها تجاه هذه الخطوة المهمة في حياتها، وكشفت تفاصيل رحلتها التي سبقت هذا القرار.
إن صحافة التفاهة وتفاهة الصحافة، هى التي مكنت (أسما شريف منير)، دائما تكون تحت الضوء بسبب تصرفاتها، وتحرص على مشاركة كل متابعيها صورا من قراراتها وحياتها اليومية، وما جدوى الإصرار على التشدق بشغفها بالفن والإعلام، والذي دفعها إلى دخول المجال الفني.. ولست أدري أين أعمالها التي تفيد بدخولها المجال الفني الذي تزعمونه؟!
فقط اشتهرت (أسما شريف منير) بحبها للتجميل والأزياء، حيث تقدم عبر منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات ونصائح في هذا المجال، أظنها لا تحقق أية مشاهدة، سوي أنها تركب (الترند) عندما تدلي بتصريحات مستفزة تحمل دلالات جنسية فجة – لا أريد ذكرها – حفاظا على الحياء العام.

كفوا عن هذا العبث
وما زاد من استفزازي أكثر لفرط تفاهة الصحافة الإلكترونية الحالية، أن تنقل من صفحة (فيسبوك): (في لحظة إنسانية صادقة، شارك الفنان شريف منير جمهوره بفيديو عبر صفحته الرسمية على (فيسبوك)، وجه من خلاله رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته (أسما شريف منير)، أوصاه فيها بالاهتمام بها ورعايتها، مشددا على مدى قربها منه.
وزيادة في الاستفزاز أن هذه الصحافة التافهة نقلت قول (شريف منير)، خلال الفيديو: (أسما تعبت وكافحت ووقفت جنبي في مراحل كتير من حياتي.. أنا باعتبرها أم ليا، هى اللي بترشدني وتظبط لي حياتي.. نفسي أحمد ياخد باله منها ويكون حنين عليها ومحتويها، مش طالب منه حاجة غير كده.. في يوم من الأيام أنا ممكن أمشي.. وعايز أبقى مطمن عليها).
أيها الأعزاء: ما علاقة القارئ ببث (شريف منير) شجونه وشئونه حول ابنته على (فيسبوك)، إنه يوجه رسالته لرواد جمهور السوشيال ميديا الذي أدمن النميمة والفضائح والأكاذيب، وهى كلها موبقات لاترقى لمستوى نقلها لأجواء جلال مهنة الصحافة التي تبحث في متاعب الناس وهمومهم الحيايتة.
كفوا عن هذا العبث غير المبرر، بيد أن الصحافة اليوم غيرت الوضع، حيث نصبت نفسها على أنها (بائع) للمعلومات العامة، لخدمة عامة الناس، وأصبح الحضور غيابا، والغياب حضورا.. لقد تم نفي الجسد إلى خارج مدارات العاطفة والأخلاق، وتم اختزال الحضور في الصورة.
وأخيرا: يقتضي ما سبق أن نعيد الاعتبار لأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام، من جهة، ووجوب إنفاذ القانون فيما يخص الأخبار الزائفة والدعاية المغرضة وتلويث السمعة الشخصية والسياسية والاجتماعية للفاعلين في المجال العام.
ذلك أن الانتصار للتكنولوجيات الحديثة في مجال الصحافة والإعلام، وفي مجال الثقافة والفكر، لن يتم إلا عبر تفكيك نظام التفاهة، الذي نبهنا إليه الفيلسوف الكندي (آلان دونو) بعد أن أصبح يقود العالم نحو الهاوية، خاصة إذا تكلمنا عن مجتمعاتنا السائرة نحو التخلف المستديم.