نكشف لأول مرة في ذكرى ميلاده.. العندليب الأسمر لم يكن محبا لاسم (عبد الحليم حافظ)!

كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام ذكرى ميلاد العندليب الأسمر(عبد الحليم حافظ) الذي عرف بـ (أيقونة الرومانسية) حيث غني للحب أجمل خفقات القلب، وأنشد للمجد والحرية أغلى معانى الوطنية.
مشى (عبدالحليم حافظ) على أشواك الألم، وتجرع مرارة المرض العضال، وما بين الحب والحرية كان مشواره ممزوجا بالألم والأمل فى ترابط عضوى يندر تكراره.
فى الأعمال الفنية الكثيرة التى قدمت عن (عبدالحليم حافظ)، أوحتى من خلال الكتب الكثيرة التى تناولت مشواره، كتبوا عن غرامياته وعن نسائه.
والذين شاهدوه فى الحفلات والمناسبات العامة والخاصة كتبوا ذكرياتهم معه، والذين شاهدوه يوما في سيارته كتبوا، الجميع كتب عن عندليب الشرق، فالعندليب كان مادة دسمة للكثيرين الذين اقتربوا منه لسنوات وسنوات.
وكان نصيب الحياة الشخصية من هذه الكتابات نصيب الأسد: من أحب؟ من تزوج؟ كم إمرأة عاشت فى حياته؟ قصة حبه الوحيدة، ملابسه، تسريحة شعره، حبه لسعاد حسني، وهل تزوجها أم لا؟!، وتاهت الحقائق.

حليم سيرة وأغنيات مجهولة
عبر كل هذه الكتابات والأعمال الفنية، لم يوثق أحد للمطرب (عبد الحليم حافظ) الفنان، وقد يكون السبب فى إخفاء هذا الجانب الذى لا يعلمه أحد على الإطلاق والذى تناولته فى كتابي (حليم سيرة وأغنيات مجهولة) هو عبدالحليم نفسه!.
نعم (عبد الحليم حافظ) نفسه!! لا تستغرب عزيزي القارئ ! فالفشل الذى طاله خلال السنوات الست التى رصدتها ووثقتها في كتابي (حليم .. سيرة وأغنيات مجهولة) الذي صدر عن (دار بتانة) منذ خمس سنوات جعله يتبرأ من 99% من هذه الأغنيات.
وذلك حتى لا تكون جزءا من تاريخ حياته، رغم أنها أغنيات جميلة وسابقه لعصرها، وجانب مشرف لا يقلل من عظمته، يكفي أنه جرب خلال تلك السنوات تقديم أشكال فنية وغنائية مختلفة للبحث عن هوية خاصة به.
وتعاون فى هذه السنوات مع مجموعة من الشباب الواعد المتمرد، المتجدد – وقتها – الذى كان رافضا للأغنية التقليدية مثل: (عبدالحميد توفيق ذكي، عزيز الشوان، علي إسماعيل، مدحت عاصم، عبدالحليم علي، أحمد صبره، على فراج، يوسف شوقي) وغيرهم.
هؤلاء الذين قدموا لحليم مجموعة من الأغنيات الحديثة جدا التى تعتمد على موسيقى مختلفة، ومتنوعة القالب الموسيقي، حيث قدم ألوانا من الأغاني الخفيفة الموزعة، قصيرة الوقت.
والتى كانت سابقة عصرها بسنوات طويلة،هذه الأغنيات التى لو قدم بعضها الآن بتوزيع موسيقي جديد يمكنها أن تحدث ثورة فى الغناء المصري.
هذا الأسبوع قررنا أن نكشف عن سر بسيط، من أسرار(عبد الحليم حافظ) الكثيرة، سيفاجأ القارئ العزيز به، وهو عدم حب العندليب الأسمر لاسمه الجديد الذي اختاره له صديقه الموسيقار (كمال الطويل) وهو (عبد الحليم حافظ)!

عبدالحليم شبانه
الحكاية باختصار أنه بعد إذاعة عدد من الأغنيات القليلة للعندليب باسم (عبد الحليم شبانة) عاش (حليم) أيام وأسابيع من السعادة البالغة بعد سماع صوته فى الأركان الغنائية التى يشرف عليها مجموعة من الشباب مثل (عبدالحميد توفيق زكي، خليل المصري، عبدالرؤوف عيسى) وغيرهم.
لكن الشيئ الذى كان ينغص فرحته هو أن كثير من الناس كان ينسب الأغنيات التى يغنيها لشقيقه المطرب (إسماعيل شبانه) بحكم إنه الأشهر، حتى الذين كانوا يقدمون البرامج يعرفون (إسماعيل) ولم يتصوروا أن له أخا مطربا!.
فكانوا أحيانا يعتقدون أنه حدث خطأ فى كتابة اسم (إسماعيل)، وكتب بدلا منه (عبدالحليم) العازف، فيصححون الخطأ من وجهة نظرهم!، ويذيعون الأغنيات باسم إسماعيل، حتى أجر عبدالحليم كان يصرف باسم إسماعيل.

ثورة كمال الطويل
ذات يوم توجه (حليم) ـ كما رصدت في كتابي ـ إلى دار الإذاعة مع شقيقه إسماعيل، وإذا بكمال الطويل يلقاهما بثورة، وكان سبب ثورته أن كل أعمال عبدالحليم تنسب لإسماعيل!.
وطلب كمال الطويل من (عبد الحليم حافظ) أن يغير اسمه، وأن يختار لنفسه اسما فنيا، ووافق (إسماعيل) على هذا التغيير، لكن عبدالحليم أعترض قائلا : لماذا يسحب مني اسم أسرتي؟!.
وأي اسم يمكن أن يحل محله؟ هل اسمي نفسي (عبد الحليم علي)؟، يوجد الملحن الأستاذ (عبدالحليم علي)، أم اسمي نفسي (عبد الحليم حسن)؟ وأي فرق بين (حسن) و(شبانه)؟!
وكان النقاش بين (عبدالحليم وكمال وإسماعيل) يدور أمام غرفة (حافظ عبد الوهاب)، وعلى صوت النقاش بين الأصدقاء الثلاثة، خرج الأستاذ (حافظ) وتدخل فى إقناع عبدالحليم.
وفجأة صاح (كمال الطويل) وجدت الاسم تخلي اسمك (عبدالحليم حافظ)، وأحرج عبدالحليم فقد كانت لحافظ عبدالوهاب عليه أفضال، ولذا وافق على التغيير.

المطرب الذي استولى على أجر شقيقه
عن هذه الواقعة كتبت مجلة (الإذاعة) المصرية يوم الأحد 18 أبريل 1954 الموافق 15 شعبان تقرير تحت عنوان: (المطرب الذى استولى على أجر شقيقه فاضطر المطرب إلى تغيير اسمه).
وتقول التفاصيل: منذ سنوات عدة كان المطرب (إسماعيل شبانة) يعمل فى ركن الأغاني الشعبية بالإذاعة مع الملحن (أحمد صبرة)، وكان له شقيق يدرس فى المعهد العالي للموسيقى المسرحية.
وأتم الشقيق دراسته وتقدم هو الآخر للغناء فى الإذاعة، وكان اسمه فى ذلك الوقت (عبد الحليم شبانة)، وكان عندما يذهب إلى قسم العقود لأخذ أجره يحدث التباس فى الاسم بينه وبين أخيه (إسماعيل).
وكان الموظف يحرر العقد باسم (إسماعيل) لأنه معروف لديهم منذ سنين، وتكرر هذا الخطأ عدة مرات فكان عبدالحليم يغني وإسماعيل يقبض الأجر.
وغضب (عبد الحليم) وثار (كمال الطويل)، وقالا لابد من وضع حل لهذه المسألة، وأسرع (إسماعيل) يبحث عن الحل واهتدى إليه قائلا يجب أن تغير اسمك، وراقت الفكرة لكمال الطويل واقترحا إسم (عبدالحليم حافظ).

كمال الطويل وشكوى
في هذه الفترة كان (حليم) يحفظ كل ما يلحنه كمال الطويل، وفى أحد الأيام لحن الطويل أغنية (شكوى) لتغنيها المطربة (نادية فهمي)، لكن نظرا لأن الأغنية قام بتوزيعها (فؤاد الظاهري)، فشلت المطربة الشابة صاحبة الصوت العذب فى غنائها، حيث كان التوزيع الموسيقى غريب على آذنها.
وحاول (الطويل) مع المطربة أكثر من مرة لكنه فشل، وهنا تقدم (حليم) واقترح غناء الأغنية على أن يغنيها بعد ذلك مطرب معروف ومعتمد فى الإذاعة.
وفوجئ (الطويل) أن صديقه المطرب الجديد يغنى الأغنية الموزعة بطريقة جيدة ومن المرة الأولى، مما جعله يقول له : (أسمع يا عبدالحليم أنت اللي هتغني الأغنية!).
وبالفعل غني (عبد الحليم حافظ) الأغنية التي أذيعت في الثامنة وعشرين دقيقة من مساء السبت 9 يونيو1951م، الموافق 5 رمضان، حيث نوهت الإذاعة عن الأغنية في مجلة (الإذاعة المصرية) مع التذكير بأن المطرب صاحب الأغنية هو (عبد الحليم حافظ).
وقد قامت مجلة (الإذاعة) لأول مرة بنشر صورة لعبد الحليم باسمه الجديد (عبد الحليم حافظ) فى صفحة (27)، وفى نفس العدد نشر صور للمطربين الشباب (محمد القرضاوي، محمد الجنيدي، هيام عبدالعزيز، حفصة حلمي، صلاح الدين حمدي)، ونشرت المجلة أيضا كلمات الأغنية.
كانت أغنية (شكوي) اللقاء الأول بين صوت (عبد الحليم حافظ) وألحان صديقه كمال الطويل، وقد لقيت تلك الأغنية من اهتمام الإذاعة الكثير.
ومن مظاهر هذا الاهتمام أن الإذاعة عهدت بتوزيع لحن الأغنية موسيقياً إلي الموسيقي والموزع المعروف فؤاد الظاهري، وظلت الأغنية تقدم في برامج الإذاعة مصحوبة بالجملة التالية: التوزيع الموسيقي لفؤاد الظاهري.

حزن وهم عبد الحليم بسبب (حافظ)
بدأت مرحلة جديدة للمطرب الشاب (عبد الحليم شبانة) الذى أصبح يحمل اسم (عبدالحليم حافظ)، بعد فترة دخل (محمد الموجي) دائرة المتعاونيين مع (عبد الحليم حافظ) وأثناء ذلك طافت سحب من الحزن وخيبة الأمل فى وجه المطرب الشاب، بسبب تخليه عن اسم والده!
كان اسم (عبد الحليم حافظ) يؤرقه، ويشعر بالحزن والأهانة لتخليه عن اسم أبوه، وعندما لاحظ الموجي همه سأله عن سر هذا الكرب، فحكى له ما حدث من سر تخليه عن إسمه!.
فقال له: (يا سيدي ولا يهمك ضيف اسم والدك إلى اسم (عبد الحليم حافظ)، بحيث يكون إسمك ثلاثي مثل مرسي جميل عزيز، وأحمد شفيق كامل، وعبدالحميد توفيق زكي) وغيرهم.
وسعد (عبد الحليم) بهذا الاقتراح وبالفعل ظهر إسمه ثلاثيا (عبد الحليم حافظ علي) فى أغنية (يا بدر زاهي) كلمات نجاح الغنيمي، ألحان (حسن أبوالنجا)، ومع انتهاء عام 1951 كان رصيد عبدالحليم من الأغنيات أكثر من 25 أغنية.
ولكنه بعد فترة وجد أن الاسم الثلاثي له، سيكون صعبا في حفظه بالنسبة للجمهور، فرجع إلى إسم (عبدالحليم حافظ)!