ذكريات دمشقية عن مصر العربية من مكونات الدم السورية..!

بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري *
في الربع الأخير من عام 2007 قمت بزيارة خاصة لـ (سورية) بدعوة رسمية من وزير الاعلام السوري الدكتور (محسن بلال) ورافقني الزميل (عماد الرفاعي) رئيس لجنة صناعة السينما بدمشق بجولة في قلب دمشق عاصمة الحضارة والجمال ووفد مرافق من عدد من دول الجوار.
شعرت وأنا قادم من بلد العراقة مصر بأنني في بلد له نفس الحضارة وان اختلفت بالمحتوي والتاريخ إلا عمق الحضارة الـ (سورية) وجمالها في سوريا أيضا ما يجعل قلبك ينبض بالحب لكل زاوية فيها، بسحرها الفريد.
سوريا تحمل في طياتها تاريخاً عريقاً يمتد لآلاف السنين من دمشق القديمة، حيث تنبض الحياة في أسواقها، إلى حلب التي تحمل عبق الماضي في كل شارع، في كل حجر، قصة تُروى، كما هو الحال في مصر، حيث الأهرامات تحكي عن عظمة الفراعنة.
لكن ما يجمعنا أكثر هو الشعبين المصريون والسوريون أناس طيبون، يعتزون بتاريخهم وثقافتهم، لقد زرت (سورية) عدة مرات، وكنت دائماً أشعر كأنني في بيتي.. الضحكات، الحكايات، والمشاركة في الأطباق الشهية، كلها أشياء تجعلني أشعر بروابط عميقة.
(مصر من مكونات الدم السوري).. جملة تذكرتها وسط هذه الزوبعة غير المبررة التي تجري وسط أحداث الحروب والهروب من الاضطهاد، والبعد عن الأوطان والنزوح القصري لمواطنين أجبروا على ترك أوطانهم من ساسة لهم أطماع في ثروات الشعوب.
هذه الزوبعة اعتبرها حوادث فردية لا ترتقي لتكون قضية عامة أو سياسية سنوات تشعل بها الفتنة بين شعبين لهما من التاريخ والعلاقات الراسخة الممتد جذورها كجذور الجبال في أعماق الأرض.

حكاية دمشقية لم تنتهي
تذكرت هذه المقولة الرائعة وأنا الآن بالقاهرة على الرغم من حدوثها منذ سنوات تتعدي الخمسة عشرة عاما، فهي حكاية دمشقية لم تنتهي وستظل في ذاكرة الأمة وإن اختلفت شخوصها أو أماكنها فهي حكاية وإن كانت تخص أفراد انا واحد منه.. ولو بحثنا سنجد آلاف الحكايات المماثلة في صدور الكثيرين من الشعبين المصري والسوري.. وان اختلفت التعبيرات أو من قالها.
وفي هذا اللقاء مع وزير إعلام (سورية) الدكتور الجراح (محسن بلال)، الذي رحب بنا وبالوفد المرافق ترحيبا غاية في الدفيء لدرجة اندهاش (عماد الرفاعي) وهو الذي حضر للوزير عددا من الاستقبالات الرسمية، فلم يجد فيها مثل ما وجد هذه الحميمية في هذا الاستقبال الذي استقبلنا به الوزير ولم يجد (عماد) مبررا لهذا الاستقبال سوي وجودي كمصري لرئاسة هذا الوفد.
قدمت للوزير الديب استقبلنا ببنطلون جينز وتي شيرت الوفد الذي ارتدي الزي الرسمي قدمتهم بأسمائهم وبوظائفهم بالاتحاد فقط وليس بجنسياتهم، وجلسنا جميعا في صالون واسع وجلس معنا بالصالون تاركا مكتبه استمرارا للحميمية.
بدأ الحديث موجها كل حديثه معي بقوله أعرف أنك قادم من بلد العراقة (مصر)، لكن دعني أخبرك، لدينا في (سورية) ما يجعل قلبك ينبض بالحب لكل زاوية فيها عندما تري حب الشعب السوري لكم ولفنونكم.
وأسهب في حديثه عن الفنون المصرية المتعددة، الموسيقى، والشعر الموسيقى المصرية تحمل في نغماتها سحر الشرق، كما أن أغاني السيدة (أم كلثوم) لا تزال تعيش في قلوبنا في (سورية)، لدينا فنانون عظماء مثل (صباح فخري)، الذي يحيي التراث العربي.
وواصل الوزير حديثه معنا بالأحداث السياسية المشتركة والمصير المشترك بين مصر و(سورية) مرورا بالعلاقات الاجتماعية والمصاهرة السورية المصرية ونتاجها من الشباب الذي يحمل الجنسيتين المصرية والسورية ودور مصر المحوري بالعالم العربي والحروب المشتركة والعدو المشترك.
وتطرق الحديث حديث عن حب (عبد الناصر) من أيام الوحدة واستمرار هذا الحب على الرغم من الانفصال مدللا لهذا الحب استقبال الشعب السوري لهدي عبد الناصر والجماهير التي خرجت بالشارع السوري لاستقبالها وكيف حملوا سيارتها احتفالا بها وبمصر.

محسن بلال وزير الإعلام
ومن أهم ما قاله بحماس وصوت ملئه الصدق والاقتناع عندما وجه كلامه لي، وأتذكر جيدا ما قاله بالحرف الواحد عندما قال.. إن مصر (وأشار بإصبعه بيده اليمني لمفصل ذراعه الأيسر كأنه يحقنها بحقنه) هنا داخله في وريد كل سوري.. مصر والمصرين في مكونات الدماء السورية.. مصر تتفوق على كل الجنسيات العربية في قلوب كل السوريين.
وازداد في وصف العلاقة السورية بمصر وكطبيب جراح مشهود له، ويؤكد ان عند تحليل الدم السوري وتري نتيجة التحليل ستجد مكونات الدم السوري في حب مصر تعكس الروابط الثقافية والتاريخية بين الشعبين.
كرات الدم الحمراء تمثل الروح الوطنية والعاطفة تجاه مصر، حيث يشعر السوريون بارتباط عميق بمصر كمهد للثقافة العربية.
كرات الدم البيضاء ترمز إلى الأمل والتضامن، حيث يسعى الشعب السوري نحو السلام والاستقرار بالتعاون مع الدول العربية، بما في ذلك مصر.. أما الجينات فهي تشير إلى التاريخ المشترك والتراث الثقافي، حيث تمتد الروابط بين الشعبين عبر العصور من خلال الأدب والفن والتاريخ.
ومن أهم مكونات الدم هو الحنين الذي يعكس رغبة السوريين في العودة إلى الاستقرار والأمان، واستعادة العلاقات القوية مع مصر بهذه الطريقة، يمكن اعتبار (حب مصر) جزءاً أساسياً من الهوية السورية، يعكس الأمل والتطلعات نحو مستقبل أفضل.
وواصل حديثه بحماس العاشق الي أن قارن مصرية والمصرين بشعوب ودول عربية وكان أحد أعضاء الوفد معنا من هذه الدولة.. وكنت و(عماد الرفاعي) في حرج شديد من حماس الوزير وتزايده بالمقارنة شعوب الدولتين التي وصلت لحد التجريح لهذه الدولة وشعبها..
أسهب الوزير كثيرا في حب مصر والترحيب بنا.. وطبعا شعرت أن هذا الترحيب لنا ليس لكوننا وفدا عربيا.. ولكن على اعتبار أن هذا الوفد قادم من مصر ومكون كله من المصريين!
ذكرياتي مع مئات من الرموز وكوادر (سورية) في كل المجالات ناجحة وحميمة وصداقتنا وحبنا واحترامنا المتبادل متواصلة ولم ولن تنقطع منذ بدأت حياتي العملية وفي كل المواقع التي عملت بها ولم ولن تنقطع إلى الآن وحتى بعد ان تدخلت كتائب الوقيعة الحقيرة المحترفة والمتخصصة في تدمير العلاقات المصرية المصرية والمصرية العربية.
وهدف هذه الكتائب مستخدمه كل الوسائل زراعة الفتن والفرقة مستخدمين أصغر المشاكل لتتضخم وتصبح كالبركان وتولع وتشتعل من نار صدورهم المليئة بحقدهم الأسود وكراهيتهم لمصر والمصرين.. رفقا بنا يا أولاد الحرام.. وعقلا قليلا يا محبين والمتحمسين لمصر!

ليست مجرد جغرافيا
**وفي ختام حديثنا، قال لي: (عندما تعود إلى مصر سلم لي عليها، احمل معك ذكرياتك هنا من حب السوريين لها ولكم الشعب الطيب المضياف، فالعلاقة بين بلدينا ليست مجرد جغرافيا، بل هي مشاعر وأحاسيس تربطنا كشعب واحد فبلدينا هي بلد واحدة محبين للحياة والجمال.
ولا يختلف منا اثنان على أن العلاقة بين (سورية) ومصر تُعتبر واحدة من أعمق العلاقات العربية، حيث تجمع بين البلدين تاريخ طويل من التعاون السياسي والثقافي والإنساني، تعكس هذه العلاقة شعوراً مشتركاً بالهوية العربية والرغبة في تحقيق التنمية والازدهار.
تاريخياً، كانت سوريا ومصر جزءاً من العديد من التوجهات السياسية المشتركة، بدءًا من الوحدة العربية في الخمسينيات، مروراً بالتحالفات ضد الاستعمار، قد شهدت العلاقات السياسية بين البلدين تقلبات متعددة، لكنهما دائماً ما عادا للتعاون في القضايا العربية الهامة، مثل القضية الفلسطينية والأمن الإقليمي.
على المستوى الإنساني، يتشارك الشعبان السوري والمصري قيم العطاء والتضامن خلال الأزمات، مثل النزاع السوري، أبدت مصر دعماً كبيراً للاجئين السوريين، مما يعكس روح الأخوة بين الشعبين.. يشارك السوريون والمصريون في العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، مما يعزز فهمهم المتبادل ويقوي الروابط بينهم.
يتميز الشعبان بحبهما للحياة والجمال، سواء في الفنون أو الآدب أو المطبخ.. يعكس التراث الثقافي المشترك بينهما، من الموسيقى والأغاني إلى الأطباق التقليدية، عمق العلاقة الإنسانية.. كما تُعتبر الفنون وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار، مما يساعد على تعزيز الروابط بين الشعبين.
تظل العلاقة السورية المصرية نموذجاً يُحتذى به في التعاون العربي.. يجسد الشعبان روح الأمل والمحبة، ويعملان معاً من أجل مستقبل أفضل.. إن هذه العلاقة ليست مجرد تاريخ، بل هى قصة مستمرة من التفاعل الإنساني والثقافي الذي يسعى نحو السلام والتفاهم.

تحديات تواجه سوريا
تواجه سوريا هذه الأيام تحديات كبيرة نتيجة النزاع المستمر، مما أدى إلى معاناة إنسانية واسعة.. في هذا السياق، يُعتبر الشعب المصري من أوائل الشعوب التي يمكن أن تقدم الدعم والمساندة لأشقائهم السوريين.. يتطلب هذا الوضع تضافر الجهود وتعزيز العلاقات الإنسانية بين الشعبين.
إن الشعب المصري، بحبه للعطاء والتضامن، يمكنه أن يكون له دور كبير في تخفيف معاناة الشعب السوري.. من خلال الجهود المشتركة، يمكن للجميع أن يسهموا في بناء مستقبل أفضل، خالٍ من النزاعات، يسوده السلام والمحبة.. نتمنى أن تمر هذه الأزمة على خير، دون خسائر تذكر، وأن يعود الاستقرار إلى سوريا في أقرب وقت.
ونأمل أن تتحسن في المستقبل العلاقات بين مصر و(سورية) بعد الثورة التي أطاحت بالأسد إذا تمكنت سوريا من بناء نظام سياسي مستقر يعكس تطلعات الشعب، قد تتجه العلاقات نحو التعاون والتنسيق.
ويتم إعادة إعمار سوريا التي ستحتاج إلى دعم من دول المنطقة، بما في ذلك مصر، مما قد يعزز الروابط الاقتصادية ويفتح المجال بين البلدين التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب قد يسهم في تحسين العلاقات.
خاصة في ظل التحديات المشتركة دون أن تؤثر قوى إقليمية ودولية على علاقة البلدين، حيث تلعب إيران وتركيا ودول الخليج أدواراً مؤثرة.. يضعف هذا التأثير إذا كان هناك دعم شعبي في كلا البلدين للتعاون، قد تسهم هذه الديناميكية في تقوية العلاقات.
بشكل عام يمكن أن تكون هناك فرص كبيرة للتعاون، لكن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية ستظل عاملاً مهماً في تحديد مسار العلاقات.
* رئيس الاتحاد العام للمنتجين العرب