
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
هنالك ظاهرة قبيحة تتلخص في الزحف نحو ركوب (الترند) بأي شكل من الأشكال، بعدما أصبحت عقيدة راسخة لدى كثير من روساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية ومديرها أن (الترند) مصنعا متجددا للشهرة، غير مبالين بـ (حرمة الموت) و(حرمة الصحافة والإعلام) حين يحشران أنفهما بالخوض في حياة الموتى أثناء الجنازات، أو عزاءات نجوم الفن على وجه لتحديد.
ومن هنا لست أدري لماذا أدان المدعو (مجدي إبراهيم)، رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحفيين، بشدة (التجاوز والسب والقذف) الصادر من المخرج (محمد السباعي)، زوج الفنانة (آية سماحة)، بحق المصورين الصحفيين أثناء تغطيتهم لجنازة الفنان الراحل (سليمان عيد)، ألا تستفزون مشاعر الناس، والله لهم الحق بالعصف بكم في مزابل تاريخ الإنسانية.
هل تسمح يا (سيد الغضب) والغيرة على المهنة، بأن تعرض بجثة أمك أو أبيك أمام عدسات مصورينك؟، وهل تسمح بانتهاك خصوصية ذويك أحياء أو ميتين على سبيل ركوب (الترند)؟.. ظني أنك لا ترضى بهكذا فعل مشين، ووالله لوكنت مكان أهالي النجوم لانهلت على من يفعل هذا بالنعال مصحوبة بأقذع الشتائم.. أنها (حرمة الموت) التي لاينبغي التحايل عليها بركوب (الترند).
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك قانون ملزم ينص على ضرورة أو أهمية تغطية الجنازات بهذا الشكل السافر وغير الإنساني، متجاوزا – بغياب ضمير مهني – (حرمة الموت)، والجرى وراء تحقيق (الترافيك) المقيت؟، من خلال الخوض في حياة الموتى تارة، وتارات أخرى لاستجواب الفنانين في سردادقات العزاء، حتى وصل الأمر بمصور اقتحم صفوف الجنازة كي يصور رفات الميت قبل دخوله القبر.
عجبت جدا لتصريح ما يسمي نفسه برئيس (شعبة المصورين بالنقابة) – والتي ينبغي أن تعني بـ (حرمة الموت) – حين سلط الضوء على معاناة المصورين الصحفيين المتكررة قائلا: في مثل هذه المناسبات من الذين (يمنعوننا عن أداء وظيفتنا ويشوهون مهنتنا)، من خلال سعيهم لتحقيق (الترافيك والمشاهدات والتربح) من خلال تغطية الجنازات.

التفريق بين (العزاء، والجنازة)
ما هذه الصفاقة؟، التي تستدعي (صحفي) أو مصور أن يستنكر مطالبة أهالي الموتى التفريق بين (العزاء، والجنازة)، حيث تشدق هذا المصور المأفون بقوله: أن (العزاء مكان خاص لأسرة المتوفى، من حقهم رفض أو السماح بالتغطية الصحفية).
أما الجنازة، فهي لشخصية عامة، وليس من حق أحد الاعتراض على تغطيتها، فالصحافة لها حق أصيل في تأريخها وتسجيلها، مع الالتزام الكامل باحترام قواعد المهنة والخصوصية ومشاعر أسرة المتوفي.. يالا العجب العجاب في إصدار فتاوى تخاصم الإنسانية!
من أعطى هذا (الجاهل) الحق الأصيل في التأريخ والتسجيل؟، هل مادة في القانون العام تنص على ذلك؟، أم أن هناك بنودا سرية في قانون النقابة تبيح هذا الفعل الشائن، وهى التي يفترض أنها المعنية بـ (حرمة الموت) أو حرمة الحياة الشخصية أثناء لحظات الحزن المصحوبة بالألم والدموع.
وما الجدوى كذلك من كشف عورات النجوم الذاهبين إلى سردقات العزاء بلا (ميكاب)، فأنا شخصيا أعتبر أن وجه النجم والنجمة عورة، ومن ثم لا ينبغي أن تكشف عنها عدسات المصورين أثناء حزنهم أو تخليهم عن (الميكاب) لأنه رأس مالهم ببساطة.
في تصريحات ما يسمى بـ (رئيس شعبة المصورين) نوع من التجاوز الذي يرفضه العرف أو الضمير المهني، حيث يقول: (كل مناسبة تحدث فيها أزمة وتجاوز من البلوجرز، نؤكد لسنا نحن، وأن المصورين الصحفيين يقفون باحترام والتزام، ومع ذلك نتعرض للشتم بألفاظ خارجة وجارحة، وهذا الأمر لا يصح).
وهل من الاحترام يا سيد أن تقتحم الجنازة أو العزاء مستخدما سلاحا فتاكا للقيم الإنسانية توجهه بأريحية وضمير مستقر، غير عابئ بـ (حرمة الموت)، ودون إدراك لمشاعر أهالي المتوفين؟، ثم ماهي القيمة المضافة التي تحققها من تصوير الدموع المحجوبة في المقل، وطأطأة الرأس بفعل الحزن والأسى؟
أغلب الظن أن هوس ركوب (الترند) أفقد المسئولين عن الصحف والمواقع الإلكترونية و(مصوري الغبرة) صوابهم، عندما غابت ضمائرهم ونسوا واجبهم الإنساني في مواساة الأعزاء بالكتابة بموضوعية عن الراحل، أو الاستعانة بصور أرشيفية تبرز أعماله التي أسعدتنا وأدخلت السعادة ةالبهجة علينا في حياته كي نترحم عليه.
إنها الفوضى واستغلال هامش الحرية الجديدة التي تنتهك كل ماهو إنساني فينا، عندما ضاعت مهنة القلم وشرف الإعلام، وفقدا رشدهما، فلم نسمع أو نشاهد في عصر فتوة الصحافة والإعلام المصري، عن تغطية أخبار النجوم والمشاهر إلا لماما.
بحيث كانت تقتصر الصورة على وداع النجم في لحظات وداعه مشفوعا بطوابير ذويه بوجوهم المكاومة، وتمتنع بتاتا عن ملاحقة الأهالي في بيوتهم وسرداقات عزائهم، لأنها كانت تراعي (حرمة الموت) و(حرمة الصحافة والإعلام) في آن واحد.

هيكل وحرمة الصحافة
رحم الله الأستاذ (محمد حسنين هيكل) الذي كان يحضر عزاء أحد المشاهير، وذهب إليه صحفي صغير ليسأله عن الراحل، فرد عليه قائلا: (يا ابني أنا جورنالجي)، وهذه ليست مهمتك أو مهمة من كلفك بهذا، ينبغي أن تراعي الصحافة (حرمة الموت)، و(حرمة الصحافة) في التدخل في حياة الناس ومماتهم.
ألا تكفي صحافة هذه الأيام ركوب (الترند)، على إيقاع الأغاني الهابطة والمحتوي الردئ والأخبار المفبركة الكاذبة، والشائعات المغرضة، التي تجتزأ أقوال النجوم والمشاهير من سياقها وبثها على أنها حقائق مكتملة ودامغة.
وفي واقع الأمر فإن أغلب جمهور مواقع ما تسمى بـ (التواصل الاجتماعي) يتحدث عن القيم والأخلاق والمبادئ، ويعلنون دائما رفضهم للنماذج التافهة، مع أنه يضمن محتواه كل ماهو تافه وسطحي، وهو الذى أصبح يفرض نفسه في الفضاء التخيلي رغم عنا، ويسيطر على (الترند) طوال اليوم.
وللأسف فإن جماهير (الترند) الكثيرة ومشاهداته العالية جدا، استطاعت اختراق الجدار الرابع في حياتنا الواقعية بـ (لغة الدراما)، بعدما أصبحوا يضربوا بالأخلاق والقيم والمبادئ عرض الحائط.
والمصيبة أن هناك من يري ويسمع لأمثال هؤلاء، رغم أنه ليس في نجاحاتهم ما يبهر العقول، بل هى فرقعات كاذبة وإعلانات رديئة المستوي وأغاني هابطة وأخبار كاذبة تخترق الأذن والعين في تحد سافر دون رقيب أو رادع لأفعالهم وتصرفاتهم الرديئة!
ما أكثر التفاهات التي تقترن بتفاهات أكبر ليس لها محتوي أو مضمون، بل إنها تجنح في معظمها نحو الأكاذيب والأحاديث المفبركة، وحوادث وطلاق وزواج وكشف أسرار وفضائح وخصوصيات أسرية تزلزل المشهد الفيسبوكي، لتحصد ملايين المتابعين والمال فقط لا غير .
وأقولها بصراحة ودون مواربة: لعن الله (الترند) وصانعيه ومريديه، فهؤلاء احترفوا إيذاء الناس وخاصة نجوم الفن والمشاهير، ولايعرفون (حرمة الموت)، فعلا نحن نعيش عصر التفاهة والتردي الأخلاقي، بعد ما أصبحنا فى خضم عالم السوشيال ميديا وجنون (الترند) الذي يطغي على كل ماهو جميل في حياتنا.

صفات البزاءة والقبح
فمع كل صباح تجد شاب مغامر يتصف بكل صفات البزاءة والقبح، أو فتاة مستهرة ضاربة عرض الحائط بكل القيم والأخلاق، حين يركب (الترند) أمثال هؤلاء على منصات (التباعد الاجتماعي) – بتعبير كاتبنا الكبير الأستاذ حسين نوح – من (فيس بوك وإكس وإنستجرام والتيك توك) في تبجح في محاولة للحصول على أكبر عدد من المشاهدات التي تجلب المال الحرام.
وعادة مايأتي ركوب (الترند) على حساب الجميع وهدم عادات وتقاليد المجتمع، بل وحتى على حساب حياة الآخرين أحياء وميتين؛ فمنهم من يعرضون حياتهم للخطر من أجل نفحة من لايكات ومشاهدات، إلى أن أصبح المجتمع تحت سلطة هوس (التريند) الملعون.
ولعلنا نلحظ الجرائم الأخلاقية تكثر هذه الأيام بسبب ركوب (الترند) التي ترتكب بأشكال مختلفة، رغم رصد مكتب النائب العام ووزارة الداخلية لمحاولات البعض اختلاق قصص وهمية وحكايات من وحي الخيال تشكل جريمة، وهى بث شائعات وأكاذيب من شأنها تكدير الأمن العام، أو عرض صور خادشة للحياء.
وأخيرا: لابد من انتباه (نقابة الصحفيين)، و(نقابة الإعلاميين)، ومن قبلهما هيئتي (الصحافة والإعلام)، وفوقهم جميعا (المجلس الأعلي للإعلام) لمثل تلك الممارسات المشينة، التي تحط من شأن أعظم مهنة في التاريخ الإنساني (مهنة القلم) و(الكاميرا)، في سعيهما لتسجيل المشاهد المبهجة، بدلا من الغرق في مآتم وأحزان الإنسانية المعذبة على جناح (الترند) المعلون.