
بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
آه (لو عاد بي الزمان).. كنت رغم زياراتي اليومية بعد زواجي لأمي الحاجة (نوحة) تتضاعف مرات ولا يمنعني عنها أي شغل أو سبب مهما كان فكنت بجوارها أشعر بالأمان كأن العالم يحتضني صدق النصيحة وصدق الدعاء وحنان لم أجده بعدها وأفتقدها رغم صورتها بجوار مخدعي اقبلها كل يوم قبل النوم.
وما زلت أحادث الصورة وأعرض عليها مشاكلي رغم لون شعر رأسي كالقطن الأبيض وتستعلم عن ذلك حفيدتي (Tia)، وأخبرها باللغه التي تعرفها للأسف (Iam old man).
كنت لا أترك أخي وأبي (محمد نوح) مهما كانت الأسباب، فقد كان دائماً يواصل الليل بالنهار، وكان شخصية بهومية يفعل كل الأشياء إلى آخر مدى، فالسيجارة تشتعل في يده بلا توقف ويأكل ليكمل ما يفعله وأحياناً يتجاهل الجوع، وكانت اهتماماته بالوقت ثانوية أمام ما يعمل به ودائماً يقرأ وهو يأكل ولايهتم بنوع الطعام وعاشق للفول.
فهل كان يرغب في أن لا يستقطع الأكل من وقته كان عجيباً أخي (نوح) لايهتم بماركات العربات ويحدثني أن الانسان هو من يضيف للأشياء وليس العكس ويذكرني سيجار تشرشل وعصا شارلي شابلن ومنديل أم كلثوم.
اقتربت حين تجاوزت السن من بعض صفاته، ولكن أتجنب الضار منها فلم أدخن يومآً وعاشق للقراءة، ولكن بعيداً عن وقت الطعام وأصبحت أبحث عن ما هو صحي عكس أبويا (نوح).
كنت لا أكترث بمقولة كلام الناس فهي من طباع من شاهد الريف وخرج من الاقاليم وتلك بيئة كانت مع جيلي من ثوابت المعاملات الجار والتلاحم، والمشاركة والانتماء وكما قدمت ذلك الكتب والسينما
والواقع أن المدينة والزمن وتغيراته اختلف الوضع وشاهدت عمارات كبيرة يلتقي فيها السكان عند باب الأسانسير، ولا يعرف بعضهم البعض.

وسائل التواصل والتليفون
ثم ها هي وسائل التواصل والتليفون يضع الجميع عيونه عليه وانهارت حميمية الأسرة وغاب التواصل، وأحياناً يدخل الأب المنزل وأهله كل منهما لا ينظرلأعلى فقط يتابع الترند وعار شبكات التباعد الاجتماعي .
كنت أتعامل مع الآخر بوعي أن الإدراك واليقين والتوافق صعب المنال مع اختلاف العقل الجمعي وعدم توافق البشر.
وأتذكر الوصايا العشر لـ (ستيفن كوفي) من أشهر كتاب علم الإدارة والتنمية الذاتية، فقد قال الخير الذي تفعله سوف ينسى، ولكن افعل الخير، الصدق يجعلك عرضه للانتقاد، أعظم الأفكار والبشر يستطيع ان يوقفها أصغر البشر والعقول.
لا تكن تحت رحمه الأشياء، إذا حققت النجاح سوف تكسب أصدقاء مزيفين وأعداء حقيقيين، (تلك بعض أمثلة)، وأطالع وأراجع وصايا (جبران خليل جبران)، وأسترجع كتابه (النبي) وأهتم أكثر بما فيه ويؤكده.
إن الاختلاف قائم مهما حاول البعض فلم يتفق العقل الجمعي طوال التاريخ دائماً توجد اختلافات فتجد اليمين واليسار المؤمن والملحد، والنجاح له أعداء والخير يراه البعض شراً والاجتهاد قد يصطدم بأعداء النجاح وعمل الخير يراه البعض له غايات خبيثه والتقرب من الله قد يراه البعض له غايات.
(لو عاد بي الزمان) كنت أفرغت كل طاقتي الفنية في تخصص واحد أو اثنين، فقد كنت جشعاً للتقرب من كل الفنون (موسيقى ورسم وديكور) تميزت به ونجحت، فأنا عاشق للجمال والإبداع، وأتابع ما يحدث في العالم وأعمالي في بيوت وزراء وعشاق الجمال، لكن تعددت أعمال وجذبتني تخصصات أخري منها (هندسة صوت، وإدارة مشاريع، ومسرح، وستديو، ووحدة تصوير).
هذا فضلا عن (إنتاج وكتابة وإخراج، إعلانات، افلام تسجيلية)ـ وكانت النتيجه اني كتبت بعد سن الخمسين والمفروض التركيز في تخصص واحد أو اتنين بالكتير.
(لو عاد بي الزمان) كنت تجاهلت محاولة إرضاء معظم من حولي، فالنتيجة مهما فعلت فسوف يبحث البعض عما لم تقدمه من وجهة نظره متجاهلاً ما قدمته.. كنت اهتممت أكثر بما يسعدني ويمتعني متجاهلاً للآخرين.. فقد كنت أبحث عن الرضا من كل من حولي وهو مستحيل.
(لو عاد بي الزمان) لقمت بإنتاج فيلم (مالك الحزين) للمبدع (إبراهيم أصلان)، والعبقري (داود عبد السيد) شعرت بذلك حين عزمني النجم (محمود عبد العزيز) لأحضر الافتتاح، وكيف أصبح (الكيت كات) واحداً من أهم الأفلام في السينما المصرية التي كنت قد تعاقدت على القصة والسيناريو للمبدع (داود عبد السيد)، ولكن لظروف خاصة لم أنفذ الفيلم

مسلسل (الليل وآخره)
وحدث نفس الشيئ مع المسلسل العبقري للمبدع (محمد جلال عبد القوي) الذي يحمل عنوان (الليل وآخره)، فقد كان معي ولبعض الخلافات في وجهة النظر تركت العمل لشركة أخرى.
(لو عاد بي الزمان) لكنت أنتجت أهم عمل غنائي ميوزيكال للثلاثي (صلاح چاهين ومحمد نوح، جلال الشرقاوي ( ليلى يا ليلى)، وكان من أحلام (محمد نوح) إعادة تقديم هذا العمل الضخم الذي عزفت موسيقاه أوركسترا الفولهارموني بلندن، فقد كان حلم الثلاثي هذا العمل الكبير.
(لو عاد بي الزمان) لقمت بإنتاج مسرحية (الحسين ثائراً) للمبدع (عبد الرحمن الشرقاوي) فقد كان خروج هذا العمل للنور أحد أحلامي وحاولت كثيراً ولم أوفق فالموظفون قلقون من ظهور بعض الصحابة!
(لو عاد بي الزمان) كنت لم أعتذر عن أي معرض تشكيلي خارج مصر وأكملت جولاتي في كل الدول العربية بعد الأردن والكويت والعراق، ولكن منعني ارتباطاتي بأعمال أخرى لم أستطيع السفر وتركها، وتلك من خسائر تعدد الفنون وعدم التركيز في تخصص واحد أو اثنين.
(لو عاد بي الزمان) كنت اهتممت بالسينما فهى التاريخ الحقيقي والمحفوظ عكس الدراما التليفزيونية فهي كالجريدة، السينما هى الفن الخالد والباقي، فما زالت أفلام (شارلي شابلن) الصامتة نتابعها وموجوده كذلك أفلام الكبار، منذ (ذهب مع الريح وكازابلانكا)، وأفلام (هيتشكوك، مارلن براندو، إيدي ميرفي، ريتشارد، يدمارك، سير لورانس أوليفيه).. تلك فقط أمثلة.
تلك بعض من تجاربي الحياتية لعلها تقدم أي إضافة لبعض من شباب يريد أن يحدد مساره مع الحياة بتجلياتها وتعاريجها، فقد أصبحنا في زمن الفعل والقدرة والنجاح المبني على الوعي والاختيار والتركيز، فسرعة الحياة وتجليات الحداثه تجعلنا في أشد الحاجة إلى قراءة أخرى لكيفية النجاح والتميز، فالتراك أصبح مزدحماً ومحتاجاً مجهود وبصر وبصيرة.