
بقلم الكاتبة الصحفية: حنان أبو الضياء
لعب (أنتوني هوبكنز) دور البابا بنديكت السادس عشر في (الباباوان) هو فيلم درامي سيرة ذاتية لعام 2019 من إخراج فرناندو ميريليس وكتابة أنتوني مكارتن ، مقتبس من مسرحية مكارتن (البابا).
حول فكرة التنازل البابوي، التى تحدث حدث عندما يستقيل بابا الكنيسة الكاثوليكية الحالي طواعيةً من منصبه، ونظرًا لأن فترة تولي البابا لمنصبه كانت تمتد تقليديًا من انتخابه حتى وفاته، فإن التنازل البابوي يُعد حدثًا نادرًا.. قبل القرن الحادي والعشرين، لم يستقيل سوى خمسة باباوات بشكل قاطع ويقين تاريخي، جميعهم بين القرنين العاشر والخامس عشر.
بالإضافة إلى ذلك، هناك ادعاءات متنازع عليها حول استقالة أربعة باباوات، يعود تاريخها إلى الفترة من القرن الثالث إلى القرن الحادي عشر؛ وربما تضمنت الحالة الخامسة المتنازع عليها بابا مزيفًا .
تدور أحداث فيلم (الباباوان) في مدينة الفاتيكان في أعقاب فضيحة تسريبات الفاتيكان، ويتبع الفيلم البابا بنديكت السادس عشر، الذي يلعبه (أنتوني هوبكنز)، وهو يحاول إقناع الكاردينال خورخي ماريو بيرجوليو، الذي يلعبه (جوناثان برايس)، بإعادة النظر في قراره بالاستقالة من منصب رئيس الأساقفة لأنه يعترف بنواياه الخاصة بالتنازل عن البابوية .
حظي أداء (برايس)، و(أنتوني هوبكنز)، بالإضافة إلى سيناريو مكارتن، بإشادة كبيرة من النقاد، وحصل الثلاثة على ترشيحات لأعمالهم في جوائز الأوسكار وجوائز الجولدن جلوب وجوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام.
تم انتخاب (بنديكت) بابا في المجمع البابوي لعام 2005 الذي أعقب وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، عند استقالته، اختار (بنديكت) أن يُعرف باسم (البابا الفخري) واحتفظ بهذا اللقب حتى وفاته في عام 2022.
كانت كتابات (بنديكت) غزيرة الإنتاج ودافعت بشكل عام عن العقيدة الكاثوليكية التقليدية والقيم والطقوس، خلال بابويته دعا (بنديكت) إلى العودة إلى القيم المسيحية الأساسية لمواجهة العلمانية المتزايدة في العديد من الدول الغربية.

إنكار الحقائق الأخلاقية
واعتبر انكار النسبية للحقيقة الموضوعية، وإنكار الحقائق الأخلاقية على وجه الخصوص، المشكلة المركزية للقرن الحادي والعشرين، كما أعاد بنديكت إحياء العديد من التقاليد وسمح باستخدام أكبر للقداس التريدنتيني.
في 11 فبراير 2013، أعلن (بنديكت) استقالته (سارية المفعول اعتبارًا من 28 فبراير 2013)، مشيرًا إلى (نقص في قوة العقل والجسد) بسبب تقدمه في السن.
مع أن جزءًا كبيرًا من المحتوى مستوحى من أحداث تاريخية، بما في ذلك خطابات ومناظرات فلسفية نُشرت، إلا أن معظم الجوانب الأخرى كانت خيالية.
قال (مكارتن) في مقابلة مع TheWrap: (ما نفعله دائمًا هو التكهن)، وأضاف: (نأمل أن يكون هذا التكهن مبنيًا على الحقائق والحقيقة، وأن يكون مُلهمًا).
في الحقيقة علاقة (الباباوين) لم تكن سلسة كما في الفيلم، في أبريل 2019، أصدر البابا بنديكت رسالة من 6000 كلمة يلقي فيها باللوم في فضيحة الاعتداءات الجنسية لرجال الدين على عوامل من بينها (الأفكار اللاهوتية الليبرالية الخطيرة) داخل الكنيسة.
فيلم (الباباوان) فيلمٌ حواريٌّ للغاية؛ لسيناريو صعب التصوير، ذو طابع حواري، من بطولة (أنتوني هوبكنز).
تكمن روعة النص في أنه أضفى مصداقية كبيرة على ما هو في جوهره حوارات خيالية بين الباباوين. التقى البابا (فرنسيس)، والبابا (بنديكت) بضع مرات، لكننا لا نعرف حقًا ما تحدثا عنه.
ظهر (الباباوان) وهما يعيشان حياتهما اليومية، هناك مشهد يُظهر (بنديكت) وهو يرتدي ملابس تنكرية.. إنه لا يرتدي رداء الكاهن، بل يرتدي ملابسه الداخلية فقط، كان البابا (فرنسيس) في السابق يشاهد كرة القدم بكثرة، كان من أشدّ مُحبي كرة القدم.
في أحد المشاهد، يقول البابا (بنديكت) إن مفتاح كل شيء في الحياة هو الإنصات، في عالمٍ لم يعد الناس فيه يرغبون في الإنصات لبعضهم البعض، يتحدث الفيلم كثيرًا عن فقدان الصلة بالله وبالناس من حولنا.
بدأ الفيلم في الواقع كفيلم سيرة ذاتية للبابا فرانسيس، كان الجزء الذي تدور أحداثه في الأرجنتين أطول بكثير، وكان اسم الفيلم ، (البابا)، كان يدور حول (فرانسيس) فقط، لكن تغير الفيلم سمى (الباباوان) لأن (بنديكت)، أصبح أكثر أهمية بكثير.

الجلسة الأخيرة لفرويد
فيلم (الجلسة الأخيرة لفرويد – Freud’s Last Session) يقدم تحفيزًا ذهنيًا هاما حيث يتقمص (أنتوني هوبكنز) شخصية سيجموند بسهولة، كان أداء (أنتوني هوبكنز) ينبض بالذكاء والحكمة والمرح في مواجهة لا مفر منها.
لقد كان رائعًا، اختار أداء الدور دون لكنة نمساوية، لكنه نجح في تجسيد قوة الطبيب العقلية وضعف جسده ببراعة، لقد شهد (أنتوني هوبكنز) عودةً قويةً ومذهلة في أواخر مسيرته المهنية، ويُضاف هذا الأداء إلى قائمة إنجازاته..
استنادًا إلى مسرحية تحمل الاسم نفسه لمارك سان جيرمان (لجنة الله)، تدور أحداث (الجلسة الأخيرة لفرويد) مع سيجموند فرويد (أنتوني هوبكنز) عشية الحرب العالمية الثانية ونهاية حياته.
يتخيل المخرج (ماثيو براون) خيالًا فكريًا حول لقاءً بين سي إس لويس وسيجموند فرويد في منزل فرويد بلندن.. إنها محادثة مُتخيلة بين (طبيب الجنس) العالمي الشهير (سيجموند فرويد) والملحد المُعتنق للمسيحية سي إس لويس (ماثيو جود).
فرويد المُسنّ، الذي يُعاني من سرطان الفم، يُجهّز لاستقبال الأكاديمي من جامعة أكسفورد في منزله بلندن، في الوقت الذي تُصبح فيه الحرب مع ألمانيا حتمية.
نقطة البداية الحقيقية هي أن (فرويد)، قبل وفاته بثلاثة أسابيع، سُجّل لقاءٌ مع أحد أساتذة جامعة أكسفورد المجهولين. وبينما تستعد ابنة فرويد، آنا (ليف ليزا فرايز)، للمغادرة صباحًا، يُخبرها بوصول لويس الوشيك.. تُجيب: (المُدافع عن المسيحية؟) فيضحك قائلًا: (نعم).
إن محادثتهم، التي تشكل الجزء الأكبر من الفيلم، تتخيل نقاشاً روحياً بين والد التحليل النفسي، وهو ملحد فخور ورجل علم، واللاهوتي لويس، المؤمن الذي كتب في السنوات التي تلت (الجلسة الأخيرة لفرويد) روايته المسيحية الاعتذارية (رسائل سكروتاب)، وفي وقت لاحق، الأمثال الخيالية في (سجلات نارنيا).
وفي الحقيقة أن غموض (الجلسة الأخيرة لفرويد) يُسهم في افتقار الفيلم للوضوح.. لكن حوار فرويد ولويس يجد أحيانًا نقاطًا مشتركةً مُلفتةً.. يحتل الخيال مكانةً بارزةً في ذهنيهما – فرويد في تحليله للأحلام ولويس في عوالم الأحلام التي سيخلقها.

الفيلم أقرب إلى التلاعب بالأشياء
وكلاهما يستمد معتقداته جزئيًا من تجارب الطفولة التي تُلون حياتهما. يقول فرويد: (ليس لديّ سوى كلمتين لأُقدمهما للبشرية: نضج).
اللقاء تم في في أوائل سبتمبر عام ١٩٣٩ لمناقشة وجود الله، وشخصيات الآباء (الروحية والبيولوجية)، وبالطبع الجنس، اشتهر (فرويد) بأسلوبه في جعل كل شيء يدور حول الجنس.
كان (فرويد) في موقف هجومي طوال معظم الفيلم، بينما كان لويس مهذبًا للغاية لدرجة أنه لم يلتقط الطُعم، ونتيجةً لذلك، يبدو الفيلم أقرب إلى التلاعب بالأشياء منه إلى لعبة مضاربة.
حيث يُقدم براون لقطات استرجاعية ومشاهد أخرى مُشتتة (بما في ذلك بعض مشاهد حرب الخنادق المُذهلة من خدمة لويس العسكرية)، مُقطعًا بشكل متكرر إلى ما قد تفعله ابنة فرويد (آنا) في اللحظة التي يُرسي فيها بعض الزخم بين هذين الفكرين.
يستغل الفيلم حرية استدراج لويس إلى حرم (فرويد) الخاص، ثم يضعه على كرسيه الطويل، بينما تدفع فرويد حالة متقدمة من سرطان الفم إلى تناول المورفين كل بضع دقائق، إلى جانب النظر إلى الحبة البرتقالية التي يخطط للانتحار بها.
الفيلم يظهر إن (فرويد) كانت تربطه بابنته علاقةٌ معقدةٌ ومترابطة؟ إن (آنا) كانت مثليةً، ومحللةً نفسيةً بارزةً.
يأخذ لويس كلب فرويد (جوفي) في نزهة في إحدى اللحظات ليتمكن الفيلم من تناول بعض مواضيعه الأخرى في آن واحد. مع اقتراب النهاية، ومع وصول النقاش المُركّز على الله إلى طريق مسدود، تُسيطر الحبكة الفرعية حول (آنا) وتعلقها الشديد بالأب سيجموند (الموصوف هنا باضطراب التعلق)، مُضيفةً شعورًا بالنهاية.

الفيلم لا ينحاز لأيٍّ من الطرفين
في النهاية، ليس الأمر كما لو أن (فرويد) سيقنع لويس (الذي ربما لم يلتقِ به قط في الحياة الواقعية) بالتخلي عن المسيحية، كما أن لويس لن يُغيّر رأي فرويد قبل وفاته مباشرةً، الفيلم لا ينحاز لأيٍّ من الطرفين، إذ يحترم معتقدات الرجلين، ويقدم لكلٍّ منهما حججًا مُصاغة ببراعة لدعم موقفه.
يقول (فرويد): (لم ننضج بما يكفي للتغلب على رعب البقاء في الظلام)، مُلمّحًا إلى أن إيمان البشرية بالله يتلاشى إلى مجرد خوف من الموت – وهى نهاية ينتظرها بارتياح واضح، نظرًا لصعود أدولف هتلر الذي انعكس في كل مكان (عبر الراديو وعبر تدريبات الغارات الجوية).
في لمسة لطيفة، أجبر تهديد القصف الألماني (فرويد ولويس) على التجمع في كنيسة قريبة، بمجرد أن يخلو المكان، يخرج فرويد ليُعجب بنوافذ الزجاج الملون، كما قد يُعجب بلوحات الكهوف البدائية.
في منزل (فرويد)، تكتظ مكتبته بتحف من ديانات عالمية مختلفة، وهو ما يجده لويس غريبا، يوضح (فرويد): (أنا ملحد متعصب مهووس بالإيمان).
في ختام الفيلم، يُسجل الفيلم أن (فرويد) انتحر بعد عدة أسابيع بسبب الألم الشديد الناجم عن سرطان الفم؛ وأصبح لويس مؤلفًا مشهورًا للأدب المسيحي، وألهم الأطفال الذين رعاهم كنازحين خلال الحرب روايته (سجلات نارنيا).
عاشت (آنا ودوروثي) معًا لعقود، وأصبحت (آنا) معروفة كمؤسسة علم نفس الطفل، ويشير الفيلم إلى أن (فرويد) التقى بشخصية مجهولة من جامعة أكسفورد في الأيام الأخيرة من حياته، والتي يُحتمل أن تكون لويس.