
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
شاهدت فيلم (استنساخ) للنجم (سامح حسين)، والذي جاء بسيطا للغاية على مستوى الفكرة والمعالجة العلمية لعميات الاستنساخ البشري، حيث تمكن من صنع نسخة مطابقة وراثيا للمهندسة (مريم/ هبة مجدي) التي يغرق في حبها (يونس العربي/ سامح حسين) مستمدة من خيال المؤلف.
ربما كانت وسائل (استنساخ) المهندسة (مريم) بدائية، فلم تخضع لمعمل يوضح خطوات هذا الاستنساخ، ولكن المؤلف المخرج (عبد الرحمن محمد)، استطاع أن يصنع حبكة درامية شيقة تجمع بين الصراع العلمي بكريق الذكاء الاصناعي، حيث جمع بين التشويق والإثارة في في قالب (لايت كوميدي).
لا يشير فيلم (استنساخ) بالمعنى الحرفي إلى التوائم المتطابقة، والتي تعتبر حالة طبيعية للتكاثر البشري بشرية، من خلال صنع جسد مستنسخ كاملا، لكنه جاء في إطار فاتنازي، ربما هربا من أن الاستنساخ يثير قضايا أخلاقية مثيرة للجدل في مختلف المجتمعات، ومنها المجتمع العربي على سبيل الخصوص.
وبالتأكيد عمد صناع فيلم (استنساخ) عدم الخوض في أخلاقيات علم الأحياء، حيث تشير أخلاقيات الاستنساخ إلى مجموعة من الآراء الأخلاقية المتنوعة والمتعلقة بممارسة وإمكانية الاستنساخ، وخصوصاً الاستنساخ البشري، في حين أن العديد من هذه الآراء هى آراء دينية في الأصل.
ركز صناع فيلم (استنساخ) في أن يسلط العمل الضوء على التحديات التي تواجه البشرية نتيجة التقدم التكنولوجي، مما يمنح الفيلم طابعا خاصا يجمع بين الخيال العلمي والإثارة، ولقد جاء أداء النجوم (سامح حسين، هبة مجدي، أحمد صيام، محمد عز، هاجر الشرنوبي، أحمد السلكاوي) مناسبا للأحداث.
بل اجتهد فريق العمل التمثيلي في إحداث توازن بين التعقيدات العلمية والدراما، بحيث صنعوا مواقف بسيطة تجمع بين المفارقة والمخاطر التي تحيط بالمواقف الإنسانية التي يحتوي عليها شريط فيلم يلعب على الإثارة والتشويق في قالب كوميدي خفيف يبعث على البهجة.

الإثارة والتشويق والغموض
لم أشعر بأي نوع من الملل خلال مدة عرض (استنساخ)، بل أصابتني متعة خاصة جراء أحداث تدور في إطار من الإثارة والتشويق والغموض، ورغم أن الفيلم يتناول قضية (الذكاء الاصطناعي) وتأثيره على المجتمع، فإنه في ذات الوقت يسلط الضوء على التحديات التي تواجه البشرية بسبب التقدم التكنولوجي، وهو ما جعل العمل يحمل طابعا خاصا يمزج بين الخيال العلمي والإثارة.
قدم الفنان (سامح حسين) في فيلم (استنساخ) تجربة سينمائية جديدة يحاكي فيها المستقبل عن طريق الخيال والفانتازيا، وشاركته في بطولته الفنانة الجميلة إنسانيا وخلقيا (هبة مجدي)، حيث برعا سويا في استعراض التأثيرات الحديثة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى دور نظارات الواقع الافتراضي VR في إعادة تشكيل المفاهيم التقليدية.
بدا لي (سامح حسين) ممثلا ناضجا من خلال اللعب الحر على أوتار المشاعر الإنسانية التي يمكن أن تغلب الإنسان في بحثه عن الحب المستحيل، ومن ثم أبدع (سامح) على مستوى لغة جسد حية، بعدت تماما عن تسمره في صورة ربوت أو غيره من وسائل التكنولوجيا الحديثة.
يبدو أن (سامح حسين) في فيلمه (استنساخ) أصر على يكون طيفا خفيفا مثل برنامجه الرمضاني (قطايف)، فحلق كطائر مغرد في منطقة الأمان والطمأنية في الجمع بين الأداء الجاد والكوميدي الخفيف، برفق على المشاهد الذي خرج لتوه من براثن دراما رمضان 2025، التي اعتمدت الصخب والضجيج، فضلا عن العنف والعشوائية.
نعم كان (سامح حسين) طيفا خفيفا، ورغم قسمات وجهه القاسية فقد عكست روحا تسكنه في داخله لتعبر عن عمق الإنسانية التي تسكن هذا الممثل الذي ظلمت موهبته كثيرا، وانطفأت هذه الموهبة لفترة حتى جاءته منحة ربانية لتكشف عن صدقه المهني وصفاء سريرته عبر (قطايفه) في رمضان.
اتبع (سامح حسين) في فيلم (استنساخ) تكنيك جديد في الأداء، انطلاقا من إدراك أننا نحن شعب يضحك دائما، يضحك بالبسمة، ويضحك بالدمعة، يضحك سرورا، ويضحك ألما، يحتلنا الغزاة فنسخر منهم، ونضحك عليهم، ويستبد بنا بعض الحكام أو المرؤسين فنسخر منهم ونضحك عليهم.
وهو هنا لديه إدراك واضح أن المصريون استخدمو الفكاهة على مر العصور سلاحا ذا حدين، سلاحا يسرون به عن أنفسهم، فيرفعون عن نفوسهم أثر المعاناة، والظلم، وقسوة الحياة، وسلاحا يشهرونه فى وجه الغزاة والطغاة، يكشفون جبروتهم واستغلالهم ومخازيهم، فيضحكون عليهم ويتندرون بهم إلى أن تحين ساعة الخلاص.

تنويعات مختلفة من الكوميديا
لقد وعى (سامح حسين) هذا كله وأدركه جيدا، لهذا قدم من خلال أفلامه تنويعات مختلفة من الكوميديا، وجسد شخصيات كثيرة ملموسة ومحسوسة لنا جميعا، فليس هناك مصري إلا وفيه الشيئ الكثير من أدواره.
ومن شكله، فـ (سامح حسين) لم يكن له نمط شكلي يلعب عليه مثل كثير من نجوم الكوميديا، الذين اتخذوا من شكلهم أو ملابسهم أو حركاتهم (نمط) معين يضحكوا به الجمهور، وليس أيضا يمتلك الوسامة التى يمتلكها بعض نجومنا، فهو بشكله وملامحه قريب منا جميعا هو أنا وأنت وغيرنا.
ظني أن تجربة (سامح حسين في فيلم (استنساخ) جاءت مغايرة تماما لتجاربه السابقة، ورغم إبداعه لكل الشخصيات التى قدمها من قبل فإنه ظل موجودا فيها، ولم تبتلعه إحداها وهذا فى حد ذاته إنجاز عظيم.
فقد ابتلعت شخصية (اللمبي) نجم بحجم موهبة (محمد سعد)، لكن ذكاء (سامح حسين) منعه من هذا، فضلا عن حبه للمغامرة فى الفن، وتقديم أشكال وألوان وأنماط مختلفة تنير جوانب كثيرة من موهبته، هذه المغامرة تحققت فى فيلم (استنساخ) الذي لم يغرقه في تعقيدات التكنولوجيا بقدر تركيزه على المشاعر الإنسانية بقيمها العليا.
أعتقد أن (سامح حسين)، يؤمن بالمثل القائل (شر البلية ما يضحك)، لهذا لا يلقي علينا فى أفلامه خطبا سياسية أو اجتماعية أو دينية، بل هو يضحكنا من أنفسنا ومن أفعالنا، ومن بعض الأنظمة الخطأ التى نعاني منها فيطهر نفوسنا من الخوف والعبودية ويفجر فيها شرارة الوعي والتفكير.
وهذا هو الضحك الراقي الشافي الذى نحتاج إليه لنبرأ من عللنا، ونسترد وعينا، وعزيمتنا وقدرتنا على المقاومة والتغيير، أعتقد أن (سامح حسين) يتبع مدرسة (هنري برجسون) الذي يؤكد على أن الإنسان كائن ضاحك ومضحك، ويدرك أن العدو الحقيقي للضحك هو العاطفة، لذا فلكي نضحك ينبغي أن نكون لا مبالين.
يدعونا (برجسون)، إذن إلى التجرد من عواطفنا والتسلح باللامبالاة كي تتحول الأحزان أمام أعيننا إلى أفراح، فالضحك عنده فعل اجتماعي، يحتاج إلى نوع من الصدى، فهو (ليس صوتا منطوقا، صافيا، مكتملا، إنه شيء يريد أن يمتد بالانتشار من قريب إلى قريب.
فهو يبدأ بالانفجار ليستمر بواسطة قصفات مثله مثل الرعد في الجبل، ولعل ما يحقق للضحك هذا الامتداد الاجتماعي هو كونه ينبني على نوع من التواطؤ المسبق والتفاهم الخلفي بين عدد من الضاحكين الواقعيين أو المتخيلين.


تجلت (عبقرية) أدائه الصادق
ويخطأ من يظن أن (سامح حسين) نجم كوميدي فقط، فلديه مشاهد تراجيدية فى (استنساخ) قام بأدائها بشكل مبهر، وهنا تجلت (عبقرية) أدائه الصادق الخارج من صميم قلبه في كثير من المشاهد الفانتازية التي تفجر الضحك من قلب مأساة حبه المستحيل.
وما يفعله النجم (سامح حسين) لا يأتي بالدراسة، ولكنه يأتي أولا بالقراءة والمشاهدة والذكاء، وثانيا والأهم بالقبول، وهو فى نهاية الأمر مسألة خارج هذا كله، إنه هبة من الله، وهذا القبول لا ينفي الموهبة ولا ينفي الجهد، إنما يجئ ليتوجهما بإقبال الناس وانشراحهم.
وفي فيلم (استنساخ) لابد وأن الجمهور شاهد (سامح حسين) يحرص حرصا شديدا على أن تكون البطولة جماعية، فقد ظهرت (هبة مجدي) بملامح بريئة تجمع بين الجدية والصرامة بعيون معبرة للغاية، وها هو (أحمد صيام) يتجلي في مشاهد معدودة يرافقه (هاجر الشرنوبي، وأحمد السلكاوي).
أما ضيف الشرف (محمد عز) – على قلة مشاهده – فقد بدا بصورة مبهرة في أدائه المكثف للغاية، وكانت تعبيرات صادقة إلى حد الشفافية، ويبدو أن هذا الممثل لم تكتشف موهبته عين كاميرا المخرجين، في الأداء الكوميدي الناعم، ومن هنا أنبه هؤلاء إلى ضرورة استغلال فطرية هذا الممثل، بعد حوصر طويلا في دائرة الشر.