رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مظلومية (إيناس الدغيدي).. (نهى) في (أفواه وأرانب)!

مظلومية (إيناس الدغيدي).. (نهى) في (أفواه وأرانب)!
توقف المحلل عند تعليق (نعمة) على (نهى): (صحيح اللي اختشوا ماتوا، قليلة الأدب) منتقدة سلوك (نهى)

بقلم الكاتب والناقد: ناصر العزبي

كثرت في الفترة الأخيرة – عبر المواقع الإليكترونية – عمل المراجعات للأفلام الأجنبية، وقام البعض بعمل ملخصات أو مراجعات لأفلام عربية، وهناك من اجتهد في عمل مراجعات بشكل مختلف، بالقيام برصد للشخصيات وتحليل سلوكها، ومنهم من ذهب لتحليل سلوك شخصيات فيلم (أفواه وأرانب) الذي يرجع انتاجه إلى ما يقرب من نصف قرن، خاصة شخصية (نهى).

حيث كان العرض الأول له عام 1977م، وهو قصة وسيناريو وحوار (سمير عبد العظيم) إخراج (هنري بركات) وكان للسيناريست أن أخرجه قبلها بعام كمسلسل إذاعي بإذاعة الشرق الأوسط ف رمضان بنفس نجوم الفيلم.

وفي هذا التحليلات استوقفتني مقارنة أجريت بين شخصية بطلة الفيلم (نعمة/ فاتن حمامة) وشخصية (نهى) المقابل الموضوعي للمخرجة (إيناس الدغيدي) خطيبة بطل الفيلم (عنبة بيه/ محمود ياسين).

وقد انحازت المقاربة لـ (نهى) بل تم وصفها على حد تعبير المحلل (أكتر الشخصيات المظلومة في تاريخ السينما المصرية)، وبأن لا عيب فيها، ولا يوجد سببًا مقنعًا لكي يكرهها الجمهور ويتعاطف مع (نعمة).

ووصف الشخصية بأنها (سوية، واضحة، راضية بقليلها) وأنها لم يكن يد لها في الارتباط بـ (عنبة بيه) وإنما أبوها من اختاره لها ورضت بنصيبها، ولم يكن لها أي طلبات مادية، كل ما طلبته تغيير ديكور الشقة، إلا أن أبوها ردها بقوله بانه جيد، فلم تعترض ولم تشتر عفش جديد، فقط أبدلت مكانه في الشقة.

إلا أن (نعمة) اعترضت على ذلك..!، كما أن (نهى) كانت راضية بالعربية البيجو الـ 7 راكب، بل أنها لم تعترض على (نعمة) بنظراتها التي كانت تلاحقها في البيت أو المزرعة أو العربية.

وتوقف المحلل عند تعليق (نعمة) على (نهى): (صحيح اللي اختشوا ماتوا، قليلة الأدب) منتقدة سلوك (نهى)، وألمح أن (نعمة) هى من كانت تقوم بسلوكيات كثيرة مرفوضة وصلت بـ (عنبة بيه) أن تشجع قبلها.

مظلومية (إيناس الدغيدي).. (نهى) في (أفواه وأرانب)!
كانت تذكره دائمًا بأنها مجرد خادمة، ولكنه يستفز ويرد (نعمة مش خدامة)!

(نعمة مش خدامة)

وواصل المحلل إنصاف (نهى) بأنها كانت محقة في غيرتها كأنثى، وضيقها من وضع نعمة بحياة خطيبها وهى تراه يوافق على كل ما تقوله (نعمة) التي كان أنها دائم الحديث عنها معها، وكانت تذكره دائمًا بأنها مجرد خادمة، ولكنه يستفز ويرد (نعمة مش خدامة)؟

مما اضطرها لأن تخيره بينها وبين (نعمة) حتى تحدد وضع علاقته بها قبل زواجها منه، ورفض طلبها، وليتأكد صحة موقفها بإقدامه على طلب يد (نعمة)..

هكذا كان التحليل مع حذفي لكثير من المفردات المتحاملة والرافضة لـ (نعمة) بشكل تهكمي، والمتضامنة والمتعاطفة مع (نهى) .. وأتفق مع المحلل بتأييدي لرأيه، كونه صحيحًا من وجهة نظر المجتمع، ومن وجهة نظر (نهى)، وأنها بالفعل قد ظلمت.. ولكن؟!

لقد لفت نظري هذا التحليل للسلوك الشخصيات، ومالا أثارني هو كثرة الردود والتعليقات تأييدًا للمحلل، بما استوقفني للرد والتوضيح بهذا المقال، ولا أدافع هنا عن (نعمة) ولا عن (عنبة بيه).

ولكن أعلق بالرد من وجهة نظر البناء الأساسي لفكرة الفيلم، ووفق البناء العام الذ رسم للشخصيات، فشخصية (نعمة) الفلاحة الأجيرة قد أحبت البيه الثري، (اتخدت) له أو انجذبت إليه ولإنسانيته ولرقي أسلوبه من أول وهلة.

وهذا من حقها كإنسانة، ومع تعاملها معه عن قرب نجحت في لفت انتباهه وجذبه إليها، وانتابته مشاعر مترددة لم يفهمها ولم يفكر فيها لأن المجتمع نفسه كان حائلا بينهما، ولم يكون وارداً لديه مجرد التفكير في أن يكون من ناحيته أي مشاعر حب تجاهها.

وهو يبرز الموقف المعاكس للمجتمع نفسه، فهو من وفق بين (عنبة ونهى) لأنه لازم يكمل نص دينه، وهو من بارك خطوبتهما كونها من نفس طبقته الاجتماعية، وكان عليه أن وفق ذلك القبول، نفس الأمر ينطبق على (نهى) فهي لم تختاره، ولم ترفض لأبيها رغبته تزويجها به.

لقد كان على كل من (عنبة ونهى) الانسياق وبالشكل التقليدي للمجتمع حتى تسير الحياة بشكل روتيني.. وإلى هنا أكون قد أوضحت بعض الشيء من التفصيلات بشكل عام دون رأيي كناقد.

ولكني أوضح أن البناء الدرامي هنا كان يهدف أولا لانتصار الحب، وهذا حق، فما من (نعمة) تجاه (محمود عنبة) هو حب بدأ بانبهار بشخصيته وانسانيته، وان استكثرته على نفسها، واستشعرت أن المجتمع (يستكتره) عليها، بل ويرفضه.

مظلومية (إيناس الدغيدي).. (نهى) في (أفواه وأرانب)!
على نفس القدر وبالتوازي عمل على تحقيق مقولة (تذويب الفوارق الطبقية)

تذويب الفوارق الطبقية

وقد دافعت لا إراديًا عنه، وما من (نهى) إلا تلبية للدور الطبيعي في الحياة، ولرغبة المجتمع واستكمال الشكل العام، وهي لم تتشبث به، كذلك فإن ما من (عنبة بيه) هو حب لـ (نعمة)، لم يجرؤ على تصنيفه، أو لم ينتبه له إلا عندما استشعر أنه سيفقدها.

لقد ظن أن وجودها في حياته – هكذا – شيء طبيعي، ولم ينتبه لكونه يحبها، أما عن طبيعة شخصيته فإنه كان بحاجة إلى من يهتم به، ويدير له حياته، وينظمها، ويحافظ على ماله.

ولقد حققت (نعمة) له ذلك، بينما (نهى – ايناس الدغيدي) لم تكن لتسد كل هذا الاحتياج – أو لنقل بنفس القدر – ولقد كان ولابد (للحب أن ينتصر)، وتلك مقولة أساسية عمل الكاتب على تحقيقها.

وعلى نفس القدر وبالتوازي عمل على تحقيق مقولة (تذويب الفوارق الطبقية)، والتي كانت تعمل عليها معظم الأعمال في أعقاب الثورة وحتى منتصف السبعينات، وعلى سبيل المثال فيلم (رد قلبي)، وان كانت في (أفواه وأرانب) أكثر قبولا من المجتمع في حال أن الرجل من الطبقة الغنية..

وتبقى الإشارة إلى مقولة ثالثة كان من المفترض وأنها المقولة الأساسية بعيداً عن الشخصيتين المحوريتين، ألا وهى مقولة (التوجيه لتحديد النسل) للشخصيتين الأساسيتين (عبد المجيد – فريد شوقي) و(جملات – رجاء حسين)، التي انبثقت عن حكايتهما حكاية (نعمة).

وهو ما يكشف عنه عنوان الفيلم، وأغنية الختام (وتوتة توتة توتة ولا تخلص الحدوتة.. دى بتبدأ ﻣن ﺟديد، ﻣﺎ دام في كل ﺟﺎﻧﺐ أﻓﻮاه ﻋلى أراﻧﺐ.. وبياكلوا من حديد.

تلك هي رؤيتي وتعليقي، وان اتفقت مع التحليل في أن (نهى – إيناس الدغيدي) مظلومة، ولكني لم أتفق معه في موقف الجمهور من انتصار (نعمة) حيث أن موقفه تشكل وفق البناء الدرامي والذي وجه الفيلم إليه منذ اللحظة الأولي بأن يجعل الجمهور يحب (نعمة) ويتعاطف معها، ويتبنى قضيتها.

وأن يتابع الأحداث من وجهة نظرها وليس من وجهة نظر (نهى)، ولذا؛ كان لزامًا على منتجي العمل أن يجعل الجمهور يروح مبسوط.. وتوتة توتة توتة ولا تخلص الحدوتة، وبتبدأ من جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.