رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(ميمي شكيب) و (زوزو شكيب).. لغز الانحدار (1)

(ميمي شكيب) و (زوزو شكيب).. لغز الانحدار (1)
إلى اليوم مازال السؤال يتردد كإعصار في فضاء المجهول دون إجابة عن مقتل (ميمي شكيب)

بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد

20 مايو سنة 1983.. صباح هادئ ليوم عطلة رسمية بالقاهرة.. استيقظ سكان شارع عبد الحميد سعيد المتفرع من شارع طلعت حرب على صوت ارتطام مكتوم لجسد (ميمي شكيب) برصيف الشارع لتستقر بجواره جثة هامدة لإمرأة ستينية سمينة نوعا في ملابسها المنزلية.

ارتفعت الهمهمات المتسائلة حول هويتها لدقائق ما لبث بعدها الإجماع على أنها جثة الفنانة الشهيرة (ميمى شكيب).. ارتفعت بعض الوجوه تتبين مكان سقوطها لتطالعهم نافذة شقتها المطلة على الشارع مفتوحة على مصراعيها..

كانت جثة (ميمي شكيب) بين الأقدام المتزاحمة و قد أغمضت عينيها عن ملامحها المشهورة التي كانت غالبا ما تعبر عن امرأة أرستقراطية مليئة بالحيوية  متفجرة بالأنوثة في عشرات الأفلام السينمائية.

ومنها فيلم (بين القصرين، الحموات الفاتنات، دعاء الكروان، البحث عن فضيحة، 30 يوم في السجن، نشالة هانم، ميرامار، سى عمر، انت اللى قتلت بابايا)، وفي مسرحيات منها (الدلوعة، حسن و مرقص وكوهين، الستات ما يعرفوش يكدبوا) وغيرها.

ارتفعت الأصوات في الزحام تتسائل هل هى جريمة قتل أم انتحار؟.. وإلى اليوم مازال السؤال يتردد كإعصار في فضاء المجهول دون إجابة عن مقتل (ميمي شكيب).

(ميمي شكيب) و (زوزو شكيب).. لغز الانحدار (1)
عاشت (هانم) مع (مصطفى) لفترة في المحلة الكبرى إلى جوار أرض شاسعة ورثها عن أبيه

ولدت في فمها ملعقة من ذهب

الأب (مصطفى).. ضابط شرطة.. من أصول تركية.. يعيش في مصر.. ورث عن أهله في القاهرة والدلتا أراضى و عقارات بلا حدود.. لكنه لم ينل الباشوية مفضلا التمسك بعمله في وظيفته كضابط شرطة..

في إحدى زياراته إلى أهله في تركيا تعرف (مصطفى) إلى الفتاة العشرينية الجميلة (هانم) ليصحبها معه كزوجة له في رحلة عودته إلى مصر.. كانت (هانم) تتكلم التركية و الإسبانية و الفرنسية والإيطالية، لكنها لا تتكلم العربية مما جعلها تعانى من صعوبة التعامل مع جيرانها المصريين في البداية حتى اكتسبت بعضا من الكلمات والعبارات العربية..

عاشت (هانم) مع (مصطفى) لفترة في المحلة الكبرى إلى جوار أرض شاسعة ورثها عن أبيه – صارت فيما بعد ه مصانع شركة الغزل والنسيج بكل ما يحيطها من مساكن عمال و ملاعب – ثم انتقل الزوجان إلى القاهرة حيث نصب مصطفى مأمورا لقسم عابدين..

كان تمسكه بوظيفته يحول دون حصوله على الباشوية مما كان يثير غضب زوجته (هانم)  كثيرا .. في احدى نوبات الغضب غادرت  القصر الذى تعيش معه فيه بضاحية حلوان وذهبت إلى صديقة تركية تسكن حى بولاق..

هناك ولدت هانم ابنتها (أمينة).. بعد التصالح عاد بها (مصطفى) إلى قصرها في حلوان حاملا رضيعته بين يديه..

كانت (حلوان) هى المنطقة التي تتجاور فيها قصور الباشوات .. و كان قصر مصطفى محاطا بأسوار عالية تدور حول حديقته الواسعة التي تحيط القصر بطابقيه.. الطابق الأول مخصص للرجال حيث الأب وزواره من الأصدقاء والأقارب.. و الطابق الثانى للأم و خادماتها و زوارها من الهوانم زوجات الباشوات.. والبنات الثلاثة..

عائشة الأقرب إلى الأم في طباعها.. وزينب (زوزو) المعجونة بماء العفاريت والتي لا تكف عن الحركة والتمرد على كل القواعد وعمل المقالب.. وأمينة (ميمي شكيب)) الهادئة الطباع و المتميزة بجمال آخاذ..

في ترف هذا القصر عاشت أمينة (ميمي شكيب) طفولتها بين أضواءه التي لا تنطفئ ..وزيارات الباشوات من الأصدقاء والأقارب ومنهم العمة (خديجة) زوجة (إسماعيل باشا صدقي).. كانت أمينة (ميمي شكيب) ترد الزيارات إلى قصور المعارف من الباشوات  مع دادتها (دادة كسب)، والتي لازمتها كظلها حتى وفاتها..

(ميمي شكيب) و (زوزو شكيب).. لغز الانحدار (1)
كان (مصطفى) شديد الغيرة على بناته.. لم يكن يسمح لهن مطلقا بالخروج أو الاختلاط

سك على بناتك

كان (مصطفى) شديد الغيرة على بناته.. لم يكن يسمح لهن مطلقا بالخروج أو الاختلاط.. حتى تعليمهن كان في مدرسة العائلة المقدسة التي تقع أمام قصره على الجانب الآخر من الشارع.. رغم ذلك لم يتركهن يعبرن الشارع سيرا على الأقدام وإنما داخل سيارة مغلقة تجرها الخيول..

كانت الحياة داخل المدرسة أقرب إلى حياة الدير في صرامتها.. تعلمتا فيها الفرنسية كلغة أبنائها.. في البيت كانت المدرسة (زينب) تعلمهما اللغة العربية بينما (الشيخ حسنين) يدرسهما القرآن..

رغم ذلك لم يسلم (الشيخ حسنين) من شقاوة (زوزو) حينما طلب من مديرة المنزل فنجانا من القهوة لتسارع زينب بعمله بنفسها وتقلب له في الفنجان معلقتين من الشطة الحارة فيرتشف منها الشيخ ويشهق شهقة الموت منطلقا في سعال دامع..

يهرع له الجميع بالماء والحليب حتى استرد أنفاسه بينما كانت (زينب) قد اختفت بين أشجار حديقة القصر لساعات ..

لم تسلم أمينة (ميمي شكيب) نفسها من شرور (زينب) أثناء لعبهما حيث تقمصت (زوزو) شخصية الطبيبة وهى تكشف بإبرة ضخمة على عين (ميمي شكيب) لتغرسها فجأة داخل عينيها التي انفجرت بالدم.. أجريت لميمى على أثرها جراحة لازمت لها الفراش مغطاة العين لثلاثة أشهر بينما (زوزو) تواصل عدوها في أروقة  القصر و في حديقته تحاول تسلق النخيل..

(ميمي شكيب) و (زوزو شكيب).. لغز الانحدار (1)
نهش المرض ما تبقى من رصيده في الحياة ليفارقها مستسلما

الموت يزور القصر

أصيب الأب فجأة بمرض السكر ليفقد على أثره بصره تدريجيا.. حاول العلاج لدى أشهر الأطباء دون فائدة.. سافر إلى الخارج، وبمجرد عودته نهش المرض ما تبقى من رصيده في الحياة ليفارقها مستسلما..

وارته أخواته قبره دون أن يتقدمن بالتعزية لهانم وبناتها.. كانت العمات بتركيبتهن التركية وثقافتهن النسوية غاضبات على زوجة أخيهن كونها أنجبت 16 مرة لم يتبق منهم سوى البنات الثلاثة.. كانوا يلقبونها في ازدراء (أم البنات)..

حاولن كثيرا إقناع (مصطفى) بالزواج من أخرى لتنجب له ولدا يرث ماله واسمه ويكون امتدادا لعائلة شكيب لكنه رفض.. أثار ذلك الغضب المتبادل بين (هانم) وبينهن و انقطعت العلاقة بين الطرفين تماما..

حينما طالبت (هانم) بحق بناتها من ميراث أبيهن اشترطت العمات تنازلها عن تربية البنات وتركهن للعمات ليضمن عدم تسرب الميراث خارج العائلة.. رفضت (هانم) تماما المساومة واشتعلت درجة الصراع بين الطرفين..

لم تلجأ (هانم) إلى القضاء مبررة ذلك بأنها لن تستطيع مقاضاة زوجات لأربع باشوات.. تسرب من بين الأيدى ما تبقى من مال.. اضطرت (هانم أفندي) لبيع ما تملكه من ذهب قطعة وراء أخرى..

أنهت خدمة معظم الخدم.. لكنها أبقت على (دادة كسب).. سمعت الأم بتخطيط العمات الغاضبات لخطف البنتين أثناء ذهابهما إلى المدرسة فقررت إبقاءهن في القصر والاكتفاء بدروس (زينب أفندي) و(الشيخ حسنين).

(ميمي شكيب) و (زوزو شكيب).. لغز الانحدار (1)
أعلنتها الأم صريحة الرفض التام لزواج بناتها من أي رجل ينتمى إلى عائلة شكيب

العرسان يطرقون الباب

أتمت أمينة (ميمي شكيب) الثانية عشر من عمرها فكان جمالها ملفتا.. توسط لدى الأم الكثير من أبناء الباشوات، لكن أمينة كانت تخشى فكرة الزواج في هذا السن المبكرة.. أرسلت العمات أولادهن تباعا بطلب الزواج منها فانتهزت فرصة الرد وأعلنتها صريحة الرفض التام لزواج بناتها من أي رجل ينتمى إلى عائلة شكيب..

ذات صباح دعت الأم (هانم افندي) ابنتها (ميمي شكيب) للخروج و مصافحة الضيوف.. مجموعة من النساء البالغات الأناقة والثراء يتوسطهن الشاب الأنيق (شريف باشا).. حفيد (سليمان باشا الفرنساوي) بعد إعجاب أخواته البنات بأمينة أخرج الشاب خاتما ضخما من الألماس و أودعه إصبعها في سعادة.

بعد شهر كانت (أمينة) تتلألأ عروسا في حفل زفاف ضخم يعج بالباشوات والهوانم..وسط الحفل أسرت أمينة إلى (دادتها كسب) برغبتها الشديدة في النعاس.. سمحت لها أمها بالنوم في غرفة نوم الزوجية لمدة نصف ساعة لكنها استغرقت تماما و هي ممسكة بيد (دادة كسب)..

انتهى الحفل.. حضر الزوج.. انسحبت (الدادة) بهدوء تاركة أمينة نائمة.. بعد دقائق علا صراخها وخرجت فزعة من الغرفة لتتلقفها الدادة بالسؤال.. من إجاباتها أدركت أنها ما زالت طفلة لا تعلم عن الزواج شيئا..

هدأت (كسب) من روعها و أعادتها إلى غرفتها.. لكنها أصرت على النوم في السرير بينما (شريف باشا) على الشيزلونج بعيدا عنها.. تكرر الحال لأسبوع كامل لم يجبرها فيها على شيء.. طلبت منه في رجاء أن يتركها تذهب إلى قصر أمها لشهر على أن تعود بعده من جديد..

وافق (شريف باشا) لتقابلها الأم بوجه متجهم بينما عانقتها أختها (زينب) فرحة بعودتها.. في صباح اليوم التالى أستيقظ الجميع على صراخ (أمينة) جالسة في فراشها لا تستطيع تحريك أيا من أطرافها.. بعد دقائق انتشر الخبر في القصر: أمينة (ميمي شكيب) أصابها الشلل!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.