رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ناصر العزبي يكتب: نوادي (المسرح) تضيء خشباته في محافظات بمصر

د. أحمد هنو وزير الثقافة
الفنان أحمد الشافعي

الكاتب والناقد: ناصر العزبي

برعاية د. أحمد هنو وزير الثقافة، والكاتب (محمد عبد الحافظ ناصف) القائم بأعمال رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وإشراف عام للفنان أحمد الشافعي رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة، يبدأ غدا السبت 21 ديسمبر المهرجانات الإقليمية لفرق نوادي (المسرح) التي تقدم 155 عرضا مسرحيا متكاملا مفعما بحيوية شباب (المسرح) الموهوبين من مدننا وقرانا.

تلك التي تستقبلها خشبات مسارح قصور الثقافة فاتحة أبوابها للمواطنين من محافظات مصر (الإسكندرية، دمنهور، الإسماعلية، السويس، العريش، بورسعيد، الزقازيق، ..) وتستمر عروضها خلال شهر يناير القادم مع عروض شباب المحافظات بباقي الأقاليم بالقاهرة والوجه القبلي.

وتصحب تلك العروض لجان من فناني (المسرح) لتستكمل مؤسسة الثقافة الجماهيرية من خلالهم مهامها بالتثقيف للمسرحين، والرفع من مستوى الذوق العام والتذوق الفني للجماهير.

كذلك تقييم العروض لتصعيد المتميز منها وتسليط الضوء على مبدعيها في المهرجان الختامي لنوادي (المسرح)، المزمع عقده في مايو القادم، والذي يشارك العرض الفائز منها في المهرجان القومي للمسرح المصري.

سمر الوزير

الإدارة العامة الأكثر توهجاً؛

المارثون الذي بدأ مع بداية العام المالي الحالي بأفرع المحافظات بإعداد الشباب لمشاريعهم، وبدأت الإدارة العامة للمسرح فعالياته أوائل سبتمبر الماضي من خلال كتيبة قوامها أعضاء خمس لجان متخصصة ناقشوا 325 مخرجاً شابا تقدموا بمشاريع فنية تم الاختيار منها للعروض المقدمة بالمهرجانات الإقليمية.

والتي تم إنتاجها تحت إشراف المخرج (محمد الطايع) مدير إدارة النوادي التابعة الإدارة العامة للمسرح، برئاسة (سمر الوزير)، والتي تشهد في ظل رئاستها انتظاماً غير مسبوق في الإنتاج والتبكير في التنفيذ للمهرجانات سواء للنوادي أو الفرق، بما يجعلها الإدارة العامة الأكثر تميزاً وتوهجاً بين الإدارات العامة بالهيئة.

محمد عبد الحافظ ناصف

المشروع الأهم في تاريخ الثقافة الجماهيرية:

إن كانت الثقافة الجماهيرية من أهم وأعظم المشاريع الثقافية على الإطلاق، كونها المؤسسة الثقافية التي تعني بكل المصريين، وقد أنشئت في بادئ الأمر تحت مسمي (الجامعة الشعبية) عام 1945، ثم تغير اسمها عام 1965 إلى (الثقافة الجماهيرية) قبل أن تتحول إلى (الهيئة العامة لقصور الثقافة) عام 1989م، لتعمل على تشجيع الكتَّاب، وتحقيق الوعي الثقافي الشامل لكل طبقات المجتمع، والنزول بالفنون للشارع في جميع أقاليم القطر المصري، لتؤدي دورها الفعال تجاه جموع الشعب، وتصل بالخدمات الثقافية والفنية لجميع ربوع الوطن هادفة لرفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي لكافة فئاته.

إن كانت الثقافة الجماهيرية من أهم المشاريع الثقافية، فإن مشروع نوادي (المسرح) يعد المشروع الأهم بين مشاريع الثقافة الجماهيرية، وتكمن أهميته في كبر عدد المستفيدين منه كونه المشروع الذي يفتح أبوابه لشباب الموهوبين في كافة عناصر أبو الفنون (إخراج، تأليف، تمثيل، فن تشكيلي، موسيقى، أشعار، استعراض).

ليمارسوا من خلاله حرية الإبداع دون قيود، وبميزانيات ضعيفة تكاد لا تذكر معتمدين على موهبتهم في الأساس، ليقدموا منتجاً مسرحياً يتسم بالحيوية، يمثلهم ويعبر عنهم.

ويرجع تبني الإدارة العامة لنوادي المسرح إلى عام 1987م، بتكوين مجموعات صغيرة وواعية من شباب المسرح يلتقون حول فكرة النوادي في ظل ظروف عدم اتاحة الفرص لهم من القدامى، وليبدأ نشاطهم، يجربون ويلتقون بالمسرحيين من أصحاب الخبرة.

ويقدمون مشاهد وعروض قصيرة، كان تمويلها من جمعيات قصور الثقافة المنتشرة في ذات الوقت، ومع اشتداد عود الفكرة، بدأ انتشارها، وفي آواخر عام 1989 تم الإعلان عن إقامة مهرجان يضم بعض منتج مسرحي من تجارب تلك النوادي.

وقدمت عروضه في يناير 1990م واستضافت فعالياته قاعة نادي (المسرح) بالدور الثالث بقصر ثقافة دمياط، وتنجح التجربة، ويشحذ الإعلاميون الهمم لها، وتتحمس الإدارة لتبدأ في التفكير في تكوين إدارة لنوادي المسرح.

ويتم ذلك في نفس العام، ويديرها الفنان الراحل (عادل العليمي) صاحب فكرة إنشاء النوادي، ليبدأ مسيرته، وليخلفه في استكمالها المخرج (سامي طه) الأب الروحي لنوادي المسرح.

أحدث المشروع الوليد تغييرا جذريا في المشهد المسرحي في بقاع مصر

تغييرا جذريا في المشهد المسرحي

أحدث المشروع الوليد تغييرا جذريا في المشهد المسرحي في بقاع مصر، وعلى ما يقرب من 35 عاماً هي عمر (نوادي المسرح) كانت هو الرافد الأساسي لفناني (المسرح)، والذين تشكل منهم المشهد على مراحل متتالية، وبات له ذاكرة توثيقية تحفظ تاريخه.

ومن التجارب التي تعد بصمة عبر مسيرة نوادي (المسرح)، وبمثابة بقعة مضيئة تؤكد على امتلاك شباب الأقاليم بمصر لطاقات إبداعية هائلة قادرة على تحقيق الكثير.

نذكر (هموم دمياطية، أغنية العصفور والأسد، الآلة الجهنمية، الفصول الأربعة، الأقوى، الزائر، بحر التواه، الحسومات، باب المزار، ترنيمة الكلمة والسيف، ترنيمة للذكرى، الموت على الأسفلت، من يملك النار، شموع، بدون ملابس، الكلاب الأيرلندي، حكمة القرود، آخر الشارع، حدث أثناء الغناء، ساعة في قلبك، كلام في سري،..).

وقد أفرزت تلك التجارب عدد هائل من الأعضاء المشاركين بها (مخرجين، مؤلفين، ممثلين،..)، والتي حملت مشعل مسرح الثقافة الجماهيرية فيما بعد، حيث قدمت عبر تلك المسيرة ما يقرب من 5000 تجربة خلال الـ 35 عاماً.

شارك فيها ما لا يقل عن عشرين ألف فنان – إذا ما اعتبرنا متوسط المشاركين في التجربة 4 فنانين – استمر عدد لا بأس به منهم، بينهم أسماء عافرت من أجل إثبات موهبتها حتى تحققت، وواصلت إسهاماتها في إثراء الحياة المسرحية في أقاليم مصر، ولمعت أسمائهم لتحفظها ذاكرة (المسرح) المصري.

ونذكر منهم أسماء حفظت بسجل شرف الشهادة على اثر محرقة بني سويف منهم (حسني أبو جويلة، مؤمن عبده، صلاح حامد، صالح سعد، نزار سمك، محسن مصيلحي، حسن عبده، علاء المصري،..)، إضافة إلى اسم الراحلين (عبد القادر مرسي، حمدي طلبة، فوزي سراج، محمد سيد عمر،..).

ومن المخرجين الذين لا يزالون يواصلون العطاء (د. عبير منصور،حمدي حسين، إبراهيم شكري، رأفت سرحان، عزت زين، جمال مهران، محمد السيد، محمد فؤاد، يوسف النقيب، حسن فرو، أميرة شوقي، صلاح المنزلاوي، شريف دسوقي، أحمد ماهر، .. وغيرهم).

ومن المؤلفين نذكر (جلال عابدين، سعيد حجاج، رجب سليم، ناصر العزبي، صفوت سليمان، متولي حامد، حسام الغمري، حمدي عبد الجواد، شريف صلاح، سحر الدنجاوي،.. وغيرهم) ولا يتسع المجال لذكر أسماء كثيرة من خريجي (معهد نوادي المسرح) سواء في مجالي الإخراج والتأليف، أو باقي المجالات من تمثيل وديكور وموسيقى وأغاني.

هذا؛ ولا يمكن وأن ننكر فضل تجربة النوادي أعظم مشاريع مسرح الثقافة الجماهيرية، في إمداد الحركة النقدية المسرحية من خلال الكتابات النقدية عن عروض مهرجاناتها عبر نشراتها التي قادها الكاتب الراحل “محمد الشربيني”.

غلاف نشرة المهرجان الأول

دعوة للتأمل:

وبتأملنا العدد 155 باكورة إ‘نتاج هذا العام من عروض نوادي المسرح التي تضيء 78 ليلة عرض بمسارح مصر خلال المهرجان الإقليمي، نجد أن العدد يتماس مع إجمالي العروض التي تنتجها كل من فرق الثقافة الجماهيرية والتي ينتجها قطاع الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة.

ويبرز عظمة هذا المشروع أن تكلفة إنتاج عروضه تلك ربما لا تتعدى إنتاج عرض واحد تقدمه فرقة المسرح القومي أو عرض استعراضي يقدم على مسرح البالون، ناهيك أن نسبة المشاهدة واتساع قاعدة المشاهدين ببقاع مصر تكون لصالح تلك الفرق الفقيرة، والتي تمد الحركة المسرحية بمواهب جديدة في كافة المجالات.

جدل حول النوادي:

لا يختلف أحد من المنظرين على أهمية تجربة فرق نوادي المسرح، وأنها كيانات يتسم أعضائها بالتقارب العمري، والحيوية الإخلاص للمسرح والحب للهواية، والتي أحدث مولدها صدى هائلا، وتحقق من خلالها اتساع قاعدة المستفيدين، وكم الإنتاج الذي يسفر عن عدد ليس بالقليل من التجارب الهامة.

وقد بدأ التنظير لتلك التجربة، فأطلق عليها مسرح الهواية الخالصة، والمسرح الفقير، ومعمل التفريخ، والورشة المسرحية، ومسرح الشباب والتجارب، وغيرها من مسميات اصطلح استخدامها عند الحديث عن النوادي  للتعبير ضمناً عن فلسفتها.

ورغم أن نوادي المسرح تعد أكثر الإدارات امتلاكا للرؤية الواضحة، إلا أنها لم تسلم من الجدل حول فلسفتها بين هدف احتضان الشباب وتثقيفهم وتدريبهم عبر الندوات والورش، وإتاحة فرص تقديمهم للمسرحيات، بهدف التفريخ لفرق الثقافة الجماهيرية، وبين التجريب لتقديم تجارب مغايرة للسائد.

واستمر الجدل بين مؤيد ورفض، خاصة للتجريب كون شباب لا تتوافر له الخبرات التي تمده بإمكانية التجريب، وعلى الرغم استمرار هذا الجدل، إلا أن تلك التجربة استمرت على الجمع بين الرأيين، فكانت بمثابة خط الإمداد الأساسي لفرق الثقافة الجماهرية فقط بل وأكاديمية الفنون والحركة المسرحية.

ولم تتوقف كثير من تجاربها عن التجريب ومحاولة الوصول لمسرح بديل ومغاير مع محاولة التنقيب في الأفكار جديدة تتسم وروح الشباب المتجددة للوصول لأشكال غير منقولة أو مسبوقة.

وماذا بعد:

بعد ترسخ فكرة النوادي المسرح، هل من التفكير في استثمار تجربتها الناجحة، بدعم إعادة إنتاج عروضها الناجحة وتحريكها طوال عام تالي، فماذا يتمنى الفنان أكثر من استثمار نجاح تجربته، وماذا يمنع من تبني الهيئة لاستثمار نجاح عروضها.

لماذا لا يتم التفكير في تجارب خاصة للمناطق المختلفة، وتحفيز شباب المخرجين للبحث في البيئة وكتابة وتقديم مشاريع تعبر عنهم عبر تخصيص دورات نوعية من عام إلى آخر، خاصة وأن بداية تجارب النوادي كانت معنية بالتعبير عن البيئات والتجارب شديدة المصرية.

مثل تلك التي تناولت الموروث الشعبي (ملح في جرح ـ ملوي، الحجلة والحلم ـ بني مزار)، والتي تستلهم الطقوس الشعبية الموجودة بصعيد مصر مستفيدة من التراث، أو مثل التي ناقشت قضايا شديدة الخصوصية والمحلية مثل (هموم دمياطية).

والتي تناولت أزمة الصناع الأثاث بدمياط، أو (الغربال) التي تعرض مشكلة تلوث بحيرة المنزلة ببورسعيد وذلك بما يدعم إنتاج مسرح يؤكد على هويتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.