


بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
حرب كان مقرها جامعة (أكسفورد) البريطانية، خاضتها إسرائيل هذه المرة بواسطة الصحفي العربي الصهيونى (يوسف حداد) لسان حالها والمدافع عنها في كل وقت وفي كل حين.
ووسط ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تحولات خطيرة غير مسبوقة، لعل آخرها سيطرة إسرائيل على مساحات واسعة من الأراضي السورية في أعقاب سقوط نظام حكم بشار الأسد وتمكن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ المئات من الغارات التي طالت مقرات الدفاع الجوى والطيران والبحرية والمدفعية والحرب الكميائية والإلكترونية وغيرها من المقرات العسكرية.
فضلا عن منشآت اختبار وتطوير السلاح التي مثلت طيلة عقود مضت عماد الجيش السوري، لتسقط معها واحداً من الجيوش العربية، كان هناك حرباً أخرى تخوضها إسرائيل في العاصمة البريطانية لندن.

الاعتزاز بالصهيونية
الحرب التي كان مقرها جامعة (أكسفورد) البريطانية، خاضتها إسرائيل بواسطة الصحفي العربي الصهيونى ( يوسف حداد ) هذه المرة فشلت في تحقيق النصر بعدما قررت إدارة الجامعة طرد (حداد) الداعم للاحتلال خلال تصويت مجلس الجامعة على كون إسرائيل دولة فصل عنصري، والذي انتهى بـ 278 صوتًا مؤيدًا مقابل 59 صوتًا معارضًا.
وبتصويت ساحق لصالح المقترح ونتيجة 278 مقابل 59، حسمت جمعية (اتحاد أكسفورد) العريقة والتى تأسست عام 1823، والتى يتكون أعضاؤها بشكل أساسي من طلاب وخريجي الجامعة كما تعد واحدة من أقدم الاتحادات الجامعية في بريطانيا، مناظرة مثيرة للجدل حول مقترح ينص على اعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري مسؤولة عن الإبادة الجماعية.
وجاءت هذه المناظرة الصاخبة في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ووزير الدفاع السابق (يوآف غالانت) بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفي وقت تخضع فيه إسرائيل للتحقيق من قبل محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
إضافة إلى اتهامها بارتكاب جريمة الفصل العنصري من قبل منظمات حقوقية كبرى مثل (بتسيلم) الإسرائيلية و(هيومن رايتس ووتش) ومنظمة العفو الدولية.
كان المتحدثين لصالح الاقتراح في المناظرة، الكاتب الفلسطيني (محمد الكرد)، ورئيس اتحاد أكسفورد (إبراهيم عثمان موافي)، والناشط الإسرائيلي (ميكو بيليد)، والكاتبة الفلسطينية (سوزان أبو الهوى) وكان من المقرر أن يتحدث عالم السياسة الأمريكي (نورمان فينكلشتاين) لصالح الاقتراح، لكنه انسحب قبل المناظرة.
أما المتحدثون ضد الاقتراح والمؤيدون لإسرائيل فهم: الصحفي والمذيع البريطاني (جوناثان ساسيردوتي)، والإسرائيلي والمجند السابق في الجيش الإسرائيلي (من أصل عربي) (يوسف حداد)، والمدافع عن إسرائيل وسياساتها (مصعب يوسف)، والمحامية البريطانية (ناتاشا هاوسدورف).
افتتح الكاتب والشاعر الفلسطيني (محمد الكرد)، المناظرة لصالح الاقتراح، مركزا على الفظائع التي ترتكبها إسرائيل، وقال: (شخصيا، لا أعتقد أن هناك مجالا للنقاش في ظل وجود لحم بشري يحترق، لا أعتقد أن هناك مجالا للحوار بينما يتم حرق الناس أحياء).
واتهم (الكرد) تواطؤ (هذه الإمبراطورية ذاتها) في (تمويل وتسهيل) الإبادة الجماعية، مشيرا إلى الوعود الفارغة التي يقدمونها للفلسطينيين: (يخبروننا، إذا وضع الفلسطينيون أسلحتهم، سيكون هناك سلام، ولكن إذا وضعنا أسلحتنا، سيتم قتلنا).
واصفا هذه الادعاءات بأنها (دعاية مبسطة، غبية، سخيفة)، و(وأفكار استعمارية مكررة).
وأضاف (الكرد): (لا يوجد شيء على الإطلاق يمكن أن يفعله الشعب الفلسطيني يبرر الإبادة الجماعية)، منتقدا الادعاء بأن حماس كانت تستخدم الناس دروعا بشرية، وقبل إنهاء خطابه، وجه (الكرد) حديثه مباشرة إلى منصة المعارضة: (في اليومين الماضيين، تم إخباري بإضافة متحدث جديد إلى المعارضة.. وأنا أرفض ذلك).
وتابع: (أعتقد أنه يهينني أن أشارك مساحة مع شخص تعاون لعقود مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي قتلت الفلسطينيين، حاصرتهم، وأعطت معلوماتهم وعناوينهم ولديها الكثير من الدماء على أيديها)، مشيرا إلى المتحدث المعارض (مصعب حسن يوسف).

طرد (يوسف حداد)
بعد ذلك، خرج (الكرد) من المناظرة وخرج من قاعة الاتحاد، ثم تحدث (الكرد) إلى المتظاهرين خارج المبنى، قائلا إنه يقدر المخاطر التي يتعرضون لها لأمانهم ومساراتهم المهنية، وأكد الوقوف من أجل شعب فلسطين يحدث أثرا وفرقا.
داخل المبنى بدأ (جوناثان ساسيردوتي) حديثه بانتقاد (تنظيم وطبيعة هذه المناظرة)، واصفا العنوان بأنه (فظيع)، دافع (ساسيردوتي) بقوة عن براءة إسرائيل، مؤكدا أنه (لا توجد سياسة تمييز عنصري، ولا نية للتدمير) في أفعال إسرائيل.
وادعى أن (إسرائيل تبذل جهودا استثنائية لتجنب سقوط ضحايا مدنيين)، مضيفا أن (حماس هي التي تخفي أسلحتها ومراكز السيطرة في المدارس والمساجد والجامعات والمستشفيات).
وفي لفتة غير معتادة، تنحى رئيس الاتحاد (إبراهيم عثمان موافي) عن رئاسة الجلسة ليلقي خطابا مؤيدا للاقتراح، واصفا حرب إسرائيل على غزة بأنها (محرقة)، بعد ذلك، تحدث رئيس الاتحاد (إبراهيم عثمان موافي) قائلا: (أضع أمامكم الليلة واقع أن المدنيين الفلسطينيين قد قتلوا على أيدي دولة شريكة لنا تنوي الإبادة الجماعية).
وأشار إلى أن (القيادة الإسرائيلية في كل مناسبة اعترفت بنيتها ثم تابعت بحملات قصف عشوائية واضحة)، وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وصف غزة (بمدينة الشر) وأطر الهجمات الإسرائيلية كمعركة ضد (الوحوش).
كما أشار إلى واقعة شاب عمره 19 عاما أحرق حيا في أكتوبر بعد غارة جوية إسرائيلية على مستشفى الأقصى في شمال غزة، واصفا مقتله بأنه جزء من (محرقة) ترتكبها إسرائيل ضد غزة، كما شهدت المناظرة لحظات مؤثرة، حيث قدم طالب فلسطيني من غزة وطالبة فلسطينية أخرى خطابين ارتجاليين حظيا بتصفيق حار من الحضور.
فى أعقاب ذلك بدأ الناشط الإسرائيلي الصهيوني (يوسف حداد) كلمته بتشغيل تسجيل صوتي لفلسطيني يعترف (بأنه قتل للتو 10 يهود ودماؤهم على يديه)، وقال إن هذا التسجيل هو (واحد من العديد من مقاطع الفيديو التي نشرتها حماس، وكانوا فخورين بها).
ثم تحدث (يوسف حداد) عن مشاركته في الجيش الإسرائيلي، مؤكدا فخره بخدمته، كان (يوسف حداد) يرتدى قميصا يحمل صورة لزعيم حزب الله الراحل (حسن نصر الله) مع عبارة: (بطلك الإرهابي مات.. نحن فعلنا ذلك)، وبعد مواجهة كلامية مع طالب فلسطيني، تم طرد (يوسف حداد) من قاعة المناظر.
ومن ثم شرع الناشط الداعم للقضية الفلسطينية (ميكو بيليد) في حديثه بالتركيز على القيم الأخلاقية، متسائلا: (هل يبرر ذلك إيذاء طفل؟ هل يبرر قتل مدني؟)، واصفا (بيليد) غزة بأنها (معسكر اعتقال.. حيث يعيش الفلسطينيون منذ أكثر من 7 عقود).
ووصف هجمات 7 أكتوبر 2023 بأنها (بطولية)، مما أثار ضجة بين المتحدثين المعارضين للمقترح وبعض الحضور.
فور ختام (بيليد) حديثه، بدأ (مصعب حسن يوسف) – فلسطيني داعم لإسرائيل ونجل القيادي السابق بحركة حماس حسن يوسف – كلمته بحديث عاطفي: (أنا محكوم علي بالإعدام من قبل والدي)، معلناً تحديه لدعم فلسطين وبشكل واضح داخل القاعة قائلا إن “حماس منظمة إرهابية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).
لم يكتف (يوسف حداد) بذلك بل أهان الفلسطينيين واصفا إياهم بـ (أكثر الشعوب بؤسا على وجه الأرض)، وأضاف أنه لم يعد فلسطينيا، وأن الفلسطينيين غير موجودين، وأن اتحاد (أكسفورد) قد (اختطفه المسلمون).
واستمر خطابه بانتقاد فكرة الهوية الوطنية الفلسطينية، واختتمه بالتأكيد على أن الهوية الفلسطينية هي فكرة تعزز (التلقين العنيف)، وأعرب عن أمله في المنطقة حيث يمكن للعرب واليهود أن يتعايشوا. وقال (لدي إيمان بذلك).
ثم ختمت (سوزان أبو الهوى) المناظرة لصالح الاقتراح، وألقت خطابا حماسيا أكدت فيه على النضالات التاريخية والمستمرة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وجادلت أن النقاش يتمحور حول (قيمة حياة الفلسطينيين)، مسلطة الضوء على قضايا التهجير والقمع والتراث الثقافي.
ومن ثم طلبت من الجمهور أن يفكروا في رد فعل العالم إذا كانت الأوضاع مقلوبة و(الفلسطينيون قضوا العقود الثمانية الماضية يسرقون بيوت اليهود ويطردونهم ويقمعونهم ويسجنونهم ويسممونهم ويعذبونهم ويقتلونهم ويغتصبونهم).
وأكدت (أبو الهوى) على الارتباط العميق للفلسطينيين بالأرض، وقالت: (نحن تربة هذه الأرض.. نحن الأنهار وأشجارها وحكاياتها)، واختتمت خطابها بتصور مستقبل تعود فيه فلسطين إلى (مجدها المتنوع، المتعدد الديانات والأعراق).
أما (ناتاشا هاوسدورف)، فقد انتقدت الاقتراح لما أسمته (دعم جماعات مثل حماس)، واتهمتهم بإسكات الأصوات الفلسطينية التي تلوم (حماس) على معاناتهم، وأكدت أن (إسرائيل تضم 20% من سكانها من العرب، وهم العرب الوحيدون الأحرار في الشرق الأوسط الذين يتمتعون بحقوق كاملة) على حد زعمها.

من هو (يوسف حداد)
جاءت هذه المناظرة في سياق تاريخي من النقاشات حول إسرائيل في (اتحاد أكسفورد)، ففي عام 1962، ناقش الاتحاد ما إذا كان (إنشاء دولة إسرائيل أحد أخطاء القرن)، وفي عام 2008 تساءل عن (حق إسرائيل في الوجود).
كما عكست المناظرة والتصويت اللاحق تحولا ملحوظا في الرأي العام، خاصة بين الشباب والأوساط الأكاديمية، تجاه القضية الفلسطينية وسياسات إسرائيل، لكنها كشفت معها عن حقيقة وأمر واقع مغاير مفاده أن إسرائيل لم تعد تخجل من إستخدام هؤلاء – الخرق البالية – المتصهيونون للحديث بلسانها والتعبير عنها وعن مصالحها.
يُعرّف (يوسف حداد) ذاته بأنه مسيحى عربى إسرائيلى، وُلِد فى حيفا ثم انتقل وهو طفل مع أسرته إلى مدينة الناصرة حيث نشأ ويعيش إلى الآن، وفي عام 2003، تطوّع فى الجيش الإسرائيلي وخدم فى أحد أبرز ألويته.
وهو لواء (جولانى) وقبل نحو شهرين من انتهاء خدمته العسكرية اندلعت حرب لبنان الثانية عام 2006 وأصيب إصابة بالغة فى الساق – كاد خلالها أن يفقد قدمه على إثرها، وظل يعالج لمدة عام، وانضم إلى قائمة معاقى جيش الاحتلال.
فى عام 2019، بات (يوسف حداد) وجهًا مألوفًا لحملات الدعاية الإسرائيلية الممنهجة، خاصة حين يتعلق الأمر بالمواطنين العرب والفلسطينيين فى دولة الاحتلال، وبالصراع العربى – الإسرائيلى، فأضحى متحدثًا شبه دائم فى الجامعات الأمريكية والمؤتمرات اليهودية فى جميع أنحاء العالم.
بل إنه مثّل دولة الاحتلال وتحدث باسمها فى الخارج، كما شغل منصب الرئيس التنفيذى وأحد مؤسسى جمعية (معًا نكفل بعضنا البعض)، وهدفها مساعدة المواطنين العرب على الاندماج فى المجتمع الإسرائيلى، حسبما هو معلن لها.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، وفي أعقاب الهجوم الذى نفذته المقاومة الفلسطينية فى إسرائيل ذاع صيته لدرجة غير مسبوقة، ليصبح من حينه الوجه الأبرز للدعاية الإسرائيلية لما يقوم به من دور فى كيل الاتهامات بالإرهاب للفلسطينيين، والدفاع فى الوقت ذاته عن الجرائم الإسرائيلية فى غزّة.
الأكثر من ذلك يعترف الإعلام الإسرائيلى علنًا بل ويتباهى بتجنيد العرب من أمثال (يوسف داد) لتبييض صورة إسرائيل فى الإعلام العالمى والعربى على السواء، كما أن حساباته من أكثر الحسابات الإسرائيلية تفاعلًا عبر السوشيال ميديا، وتصل منشوراته إلى ملايين الأشخاص يوميًا ليروج من خلالها لأكاذيبه وأكاذيب إسرائيل.
ختاماً يكفي فى هذا المقام الحديث عن واقعة جرت في 23 نوفمبر الماضي، خلال لقاء بثته القناة 13 الإسرائيلية، وشارك فيه الصحفي المعروف (جدعون ليفي) والرافض للإحتلال والصهيوني العربي (يوسف حداد)، حيث دعا (يوسف حداد)، إلى قتل الفلسطينيين في قطاع غزة بلا هوادة، للخلاص من (الإرهاب ضد دولة إسرائيل)، ليرد عليه (ليفي)، بقوله: (ليس لدي أي احترام للمتعاوين أمثالك.. والمتعاونون ليس باستطاعتهم اكتساب احترام الناس.. عيب عليك).