بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
إن خطاب السيد رئيس الجمهورية بتكليف حكومة الدكتور مصطفى مدبولى ينص على (تطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني، والخطاب الديني المعتدل على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي)، و من أجل تحقيق تلك المهمة يجب أن تتكامل جهود جميع الوزارت من خلال استراتيجية موحدة تجاه (المسرح).
فجهود وزارة الثقافة – في كل مجالاتها و من بينها (المسرح) – يجب أن تتكامل مع جهود وزارت أخرى مثل التعليم و التعليم العالى والشباب والأوقاف والآثار والمجلس الأعلى للإعلام، كما يتقاطع عملها مع وزارتى الداخلية و التنمية المحلية.
و إذا كان (المسرح) أحد مكونات القوى الناعمة خارجيا، وهو أحد الوسائط الثقافية لنقل الثقافة للأجيال الجديدة داخليا، وهو من محركات التطور و أحد دوافع التقدم، فيجب أن نضعه في مكانه و مكانته الطبيعية و أن نسهل له القيام بدوره، و لن يتم هذا إلا بالتكامل والتناسق مع أجهزة أخرى بالدولة.
لذا نرى أن الدعوة إلى عقد مؤتمر لمناقشة مشاكل حركة (المسرح) المصرية يجب أن تسبقها دعوة أخرى أهم وأجدى، وهى تحديد استراتيجية ثقافية تحقق خطاب التكليف الرئاسي.
هذه الاستراتيجية ستضمن للجميع أرضية عمل مشترك يمارس من خلالها الفنان والمدرس وخطيب الجامع ورجل الإعلام أدوارهم في تناغم واتساق نحتاج إليه في وطن يواجه تحديات عديدة داخلية وخارجية وتعرقل مسيرته مصاعب ومصالح ، وتقاوم تقدمه معوقات وضغوط .
كما أن تحديد تلك الاستراتيجية سيحدد الفرق بين (الاستثمار من خلال الثقافة) وبين (بيع الأصول) التي يقوم عليها وفيها و بها العمل الثقافي، فالثقافة – و في القلب منها (المسرح) – لن تزدهر و أماكن ممارسة نشاطها تتقلص و تُهدم من أجل السعي إلى تحقيق عائد مادى و ننسى أن الثقافة عائدها الاساسى معنوى ولا يمكن تعويضه بأي مال.
تكوين المجلس الأعلى للثقافة
ولتحقيق ذلك التكامل بين الوزارات وتنفيذ تلك الاستراتيجية أمامنا طريق واحد هو إعادة تكوين المجلس الأعلى للثقافة، بحيث يضم الوزراء المعنيين كالثقافة والتعليم والشباب والأوقاف والتنمية المحلية – وليس مندوبين عنهم.
وأن يضم شخصيات عامة في المجال الثقافي والإعلامى والتربوى من أجل العودة لدور المجلس الأصيل في رسم السياسات الثقافية للبلاد، والىشراف علي متابعتها وتنفيذها، وأن تكون قراراته ملزمة لقطاعات الدولة المختلفة.
من خلال ذلك المجلس يمكننا الحوار وحسم مشكلات عدة أولها وأهمها أننا نرى بذخا في الصرف على المسلسلات والبرامج التليفزيونية – ومعظمها تابع للحكومة سواء سرا أو جهرا – و في نفس الوقت نرى تقتيرا على الكتاب و(المسرح) والفنون التشكيلية.
فالحكومة تخلط ما بين الثقافة والاعلام، ربما لأنها لا تعرف أن الثقافة هى استثمار في (المستقبل) وليس لها مردود سريع كالإعلام، ولكنها أعمق تأثيرا وأطول عمرا.
وربما السبب يكمن في أنه لم تهتم أى حكومة جاءت بعد ثورتى يناير و يونيو بالمشهد الثقافى والفنى واعتبرت كل الحكومات أن توفير الغذاء للمواطنين أقصى أمانيها، وعندما تحتاج أي حكومة إلى خفض الميزانيات أو توفير النفقات.
فإنها تلجأ أول ما تلجأ إلى خفض ميزانيات الثقافة، برغم تشدق كل الحكومات بأن الثقافة غذاء للروح لا تستغني عنه الشعوب ولها أهمية كبرى في كسب معركة الوعي، والوقوف امام التحديات التي تواجهها الدولة.
ولكن المقولات في وادٍ والأفعال في وادٍ آخر.. وتلك كارثة، لذا فإعادة النظر في ميزانيات الثقافة وعدم تخفيضها تحت دعوى الترشيد هى أولى المهام المنوط بالمجلس اتخاذ قرار فيها.
الأمر الثانى الذى يتلوه في الأهمية أننا في عصر جمهورية جديدة شعارها بناء الإنسان وبالتالى فإن عقدا اجتماعيا جديدا يضمن للجميع حرية التعبير هو الخطوة الأولى لبناء ذلك الانسان.
وليست حرية التعبير هنا ما نتداوله عادة ونخلط بينه وبين الكلام فى حرية، نحن هنا نتكلم عن حرية التعبير مبدعا وفنانا وأديبا وليس حرية أن تتكلم فيما لا تعرف وتفتى فيما تجهل.
فالعمل الأدبى ليس مقالة أو خطابا وله مقاييسه وطرقه ولا يجوز الحجر عليه إلا في الحدود المتعارف عليها دوليا فى مواثيق الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو وبشرط ألا يضر بآخرين ماديا أو معنويا.
عصر السماوات المفتوحة
وبناء على هذا يجب إعادة النظر في قوانين الرقابة على المصنفات والتي مر عليها سنوات طوال ولا تليق بالعصر الحديث عصر السماوات المفتوحة، بل إن الرقابة على المصنفات قد شددت قبضتها على المبدعين في السنوات الأخيرة بشكل لا يليق بالجمهورية الجديدة.
ورأينا خلال عام واحد مسرحية قديمة تمت كتابتها في الستينات وعرضت مئات المرات يتم رفض تقديمها اليوم، وعدة أفلام يُمنع عرضها بعد التصريح بها، وأخرى يمنع عرضها في مهرجانين دوليين – دون أدنى خشية من أن تُتهم مصر بأنها تصادر حرية الابداع – و كأن سمعة مصر شيئ هين ويمكن رتقه أو إصلاحه!
و لكن المرتعشين كثرُ، وهم يسيئون لمصر ولا يحافظون عليها كما يدعون، فلم نر فيلما أقام ثورة أو قلب نظاما للحكم، بل إن جهاز الرقابة لم يتعلم من موقف الدولة الرسمي من فيلم (ريش) كيف يمكن معالجة الأمور لتثبت للجميع أن هناك حرية إبداع.
الغريب أن الدولة نفسها أكثر رحابة مع إنتاجها، فعندما شاركت وزارة الدفاع في إنتاج مسلسل (الاختيار) سمحت بظهور ضابط جيش خائن للوطن، و في جزء آخر خان ضابط شرطة زملاؤه.
في حين ترفض الرقابة المرتعشة ترفض إظهار أي ضابط سواء كان سيئا أو جيدا في إنتاج الجهات الأخرى!، بل تتحسس من أي أفكار قد تراود المتفرج، ولذا (تنفخ في الزبادى) طوال الوقت.
ولم يتوقف أمر المنع والمصادرة على جهاز الرقابة فقط، فكثير من الجهات الرسمية والشعبية سمحت لنفسها بالقيام بدور الرقيب، فرأينا قضايا الحسبة التي انتشرت لوجود كثير من راغبي الشهرة الذين أدمنوا تصيد الآراء ورفع قضايا أمام المحاكم ترهب المبدعين، ولم تتدخل الدولة لردعهم واستصدار قرارات أو قوانين تحد من تلك القضايا.
ثانيا: يجب أن يضاف إلى حرية التعبير ما يمكن أن نسميه (حرية الفعل)، ويمكننا تلخيصها فى حرية استغلال أى مساحة خالية فى فعل ثقافى دون أخطار او تضييق أو تصاريح أمنية وتشمل تلك المساحات والأماكن المملوكة لوزارة الثقافة الخالية من الفعل الثقافى.
وذلك بإتاحة الفرصة للجميع باستغلال أصول وزارة الثقافة من مسارح وقاعات في تقديم أعمالهم المستقلة في غير أوقات إشغال تلك الأماكن، بأجر رمزي بسيط، وتوسيع قاعدة النشاط في المحافظات و دعم الفرق المستقلة (على الأقل لوجيستيا) والاهتمام بالتدريب والتثقيف الفني والثقافي للعاملين بمجالات الفنون بالمحافظات.
كل هذا قبل المؤتمر لنضمن لثقافتنا الازدهار، أمام المؤتمر نفسه فله مهمة أخرى ولها حديث آخر..!