هل ستكون (درة) صاحبة التجربة الإخراجية الواحدة في (السينما) مثل (عزيزة أمير، وأمينة محمد، وفاطمة رشدي)؟
كتب: أحمد السماحي
يوم الجمعة الماضي 15 نوفمبر حققت الفنانة التونسية (درة) حلمها في (السينما) الذي طالما حلمت به، حيث وقفت وراء الكاميرا، وقامت بإخراج فيلمها الوثائقي التسجيلي الأول (وين صرنا؟!) الذي عرض ضمن مسابقة (آفاق عربية) بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
الفيلم يجسد معاناة أسرة فلسطينية، وجاء كصرخة موجعة لما يحدث لشريحة كبيرة لأخواننا الفلسطينيين، ويقدم رؤية جديدة ومختلفة للواقع، ويستكشف قضايا إجتماعية وثقافية عن فلسطين.
الفنانة (درة) تأتي بعد غياب 58 عاما من ابتعاد النجمات عن إخراج (السينما)، حيث كانت آخر فنانة اتجهت إلى الإخراج النجمة (ماجدة).
والتى أخرجت عام 1966 فيلمها السينمائي الأول والأخير (من أحب) الذي قامت بتأليفه، وبطولته وشاركها البطولة (أحمد مظهر، إيهاب نافع، نعيمة وصفي) وغيرهم.
ثورة نسائية مصرية سبقت العالم
نقول الأول والأخير لماذا؟ لأن بعض نجماتنا الأوائل والذين يعتبروا رائدات في مجال (السينما) خضن تجربة الإخراج السينمائي لمرة واحدة!.
والمتابع لأرشيف (السينما) المصرية يجد أنه عقب خروج المرأة المصرية في ثورة 1919، شهد العالم ثورة فنية موازية للثورة السياسية والإجتماعية.
ففي الوقت الذى كانت تقود (صفية زغلول)، حركات التحرر للمرأة مع صديقتها (هدى شعرواي)، كان هناك مجموعة من النساء العاشقات للفن، يقتحمن مجال الفن دون خوف أو رهبة، ويأسسن لصناعة (السينما) المصرية في سابقة هى الأولى بين نجمات العالم.
حيث لم تشهد أي دولة في العالم فى العشرينات والثلاثينات قيام مجموعة من النساء بالعمل كمنتجات، ومخرجات، ومونتيرات، ومؤلفات موسيقى، كما حدث في مصر.
هؤلاء الرائدات قدمن العديد من الأفلام التى لم يجرؤ كثيرا من السينمائيين الرجال على القيام بإنتاجها، وإخراجها، ونجحن في تجاوز الرجل فى زمن قصير.
عزيزة أمير .. كفري عن خطيئتك
سيظل اسم (عزيزة أمير) مقترنا بتاريخ (السينما) المصرية، كمؤسسة ورائدة لهذه الصناعة، فقد كانت أول سيدة مصرية جرؤت على اقتحام ميدان الإنتاج السينمائى بأول فيلم روائى طويل صامت من تمثيلها بعنوان (ليلى) عام 1927، إخراج إستفان روستي.
وذلك بعد مجموعة كبيرة من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية والدعائية، التى قدمها مجموعة من هواة وعشاق (السينما)، وقام ببطولة فيلم (ليلى) كلا من (أحمد الشريعى، بمبة كشر، وأحمد جلال).
وفى ليلة حفل الافتتاح التى حضرها مجموعة كبيرة من رجال السياسة والفكر والأدب والغناء والتمثيل، قال لها الشاعر أحمد شوقي، وكذلك الاقتصادى الكبير طلعب حرب، واللذان حضرا حفل الافتتاح: (لقد صنعت يا سيدتى ما يعجز عن صنعه الرجال)!.
وبعد النجاح الكبير الذى حققه هذا الفيلم، أنشأت عزيزة أمير شركة إنتاج بعنوان (إيزيس فيلم) وكررت تجربة الإنتاج والتمثيل فى العديد من أفلام (السينما) الصامتة والناطقة حتى وصل عدد أفلامها إلى 25 فيلما سينمائيا.
ويحسب لها إنها كانت أول منتجة تنتج فيلمين عن مأساة فلسطين هما (فتاة من فلسطين) عام 1948، و( نادية) عام 1949.
القيمة الحقيقية لهذه الرائدة، كما يقول الكاتب والمؤرخ السينمائى (محمد السيد شوشة) ليست فى تأسيس صناعة (السينما) المصرية، أو اكتشاف النجوم وأصحاب المواهب فى شتى فروع الفن السينمائي.
ولكن فى مقدرتها الفنية وخبرتها فى الإنتاج والتأليف والتمثيل، فقد قامت بتأليف أفلام ( كفرى عن خطيئتك)، و(الورشة) و(ليلة الفرح)، و(فتاة من فلسطين).
وكانت أول مخرجة فى (السينما) المصرية حيث أخرجت فيلمها الأول والأخير (كفرى عن خطيئتك)، وكان أملها فى الحياة ككل سيدة أن تصبح أما، لكنها رحلت عام 1952 دون أن تنجب، وكانت تعزى نفسها دائما وتقول: ( إننى أنجبت بنتا واحدة اسمها السينما المصرية).
بهيجة حافظ مخرجة الضحايا
نجاح (عزيزة أمير) فى (السينما) فتح الطريق أمام غيرها لاقتحام هذا المجال الذى كان جديداً وغريباً وقتها على المرأة فدخلت إلى دائرة الإنتاج بنت الذوات (بهيجة حافظ)، التى كانت تجيد الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.
والتى نشأت فى أسرة أرستقراطية عاشقة للموسيقى والغناء، فالوالد كان موسيقيا هاويا يعزف على البيانو والعود والقانون، والأم تعزف على الكمنجة، لهذا كان طبيعيا أن تظهر موهبة الإبنة الفنية مبكرا، حيث ألفت مقطوعة موسيقية وهى فى التاسعة من عمرها نالت إعجاب والديها وأطلق على المقطوعة اسم (بهيجة).
وظلت تكبر معها هواية الموسيقى والتأليف الموسيقى، فانتبهت إلى موهبتها شركات الاسطوانات، فتعاقدت معها على تسجيل مؤلفاتها على اسطوانات، وضمن حملة الإعلانات نشرت مجلة (المستقبل) صورتها على غلافها، تحت عنوان (أول مؤلفة موسيقية مصرية).
وكانت هذه الصورة سبب اشتغالها فى (السينما)، حيث شاهدها المخرج محمد كريم، وتعاقد معها على بطولة الفيلم الصامت (زينب) الذى عرض عام 1930.
حب ومهارة (بهيجة) فى العزف جعلها تضع الموسيقى التصويرية لمعظم أفلامها خاصة التى أنتجتها شركتها (منار فيلم) منها فيلم (الضحايا) الصامت عام 1932 الذى لم تكتف فقط بوضع الموسيقى التصويرية، ولكنها قامت بمونتاجه أيضا.
وتولت بطولته وعندما نطقت (السينما) المصرية أعادت إخراجه بنفسها، وأضافت عليه شريط الصوت.
وتوالت أعمالها السينمائية الخاصة جدا منها فيلم (الاتهام) عام 1934 الذى قامت بإنتاجه وبطولته ووضعت الموسيقى التصويرية له، وفى فيلم (ليلى بنت الصحراء) كتبت القصة والسيناريو والحوار مع محمود حمدي.
وقامت بعمل مونتاجه مع (فاهى بويدجيان)، وتولت إنتاجه وبطولته، وعرض فيلمها (ليلى البدوية) عام 1944 فى أمريكا، فى مدينة (جكسنفيل)، ولاقى نجاحا كبيرا.
وعام 1947 قامت بكتابة قصة فيلم (زهرة) وتولت بطولته ومونتاجه وإنتاجه، وقام بإخراجه المونتيران الشهيران (كمال أبوالعلا وحسين فوزي).
صحبته دعاية ضخمة حيث عرض أيضا فى دور العرض الأمريكية، وبعد الخسارة الفادحة التى حققها هذا الفيلم اعتزلت (السينما) حتى أعادها المخرج صلاح أبوسيف فى فيلمه (القاهرة 30) عام 1968 .
وبعد هذا الفيلم رجعت لعزلتها حتى ماتت وحيدة عام 1983 وقد اكتشف بواب العمارة وفاتها بعد مرور أكثر من يومين، بعد أن قطع عنها التيار الكهربائى والتليفون لعدم سداد مستحقاتهما قبل الوفاة !!.
فاطمة رشدى والزواج
رغم أن المسرح كان عشقها الأول، وقدمت من خلال فرقتها التى حملت اسمها عشرات المسرحيات الناجحة التى كتبت اسمها بأحرف من نور فى تاريخ المسرح المصري، لكنها لم تستطع أن تغمض عيونها عن عشق (السينما).
كانت فاطمة رشدى موهوبة بالفطرة لا تعرف القراءة أو الكتابة، وفى حاجة إلى الصقل والتهذيب فوجدت فى الرائد المسرحى (عزيز عيد) أبا وأستاذا وزوجا.
وعندما ظهرت (السينما) قامت بمجموعة من الأفلام الصامتة كان أولها عام 1928 بعنوان (فاجعة فوق الهرم)، (تحت سماء مصر)، وعندما نطقت (السينما) قدمت أعظم أدوارها فى فيلم (العزيمة) الذى يعد واحدا من أهم أفلام (السينما) المصرية على الإطلاق، وأول الأفلام الواقعية.
وفي عام 1933 خاضت تجربة التأليف والإخراج والبطولة من خلال فيلمها الأول والأخير (الزواج) بطولتها مع (محمود المليجي، حمكت فهمي، عزيز عيد، علي رشدي، نجمة إبراهيم) وغيرهم.
ولم يحقق الفيلم النجاح المرجو منه لكننا أكتسبنا وفوزنا بالوجه الجديد بطل الفيلم (محمود المليجي).
وتوالت أفلام فاطمة رشدي، التى اعتزلت الفن، وعانت فى آخر سنواتها من قلة الموارد المالية، وعدم وجود مكان يؤويها، فمنحتها الدولة شقة فى آخر أيامها تبرع بتأثيثها مجموعة من الفنانين، لكنها رحلت فى شهر يناير عام 1996 بعد يومين فقط من انتقالها للشقة.
أمينة محمد وتيتا وونج
من رائدات (السينما) أيضا الفنانة الاستعراضية (أمينة محمد) خالة الفنانة أمينة رزق، التى بدأت حياتها عام 1924، عندما التحقت هى وابنة شقيقتها أمينة رزق بفرقة (رمسيس) ثم تركتها إلى فرقة (إخوان عكاشة) و(أمين عطالله) و(فاطمة رشدي) و(بديعة مصابني)
إلى أن اجتذبتها أضواء (السينما)، وقامت بأدوار البطولة في كثير من الأفلام التى أنتجت في بداية الثلاثينات، مثل (شبح الماضي، الدكتور فرحات، البحار، 100 ألف جنية) وغيرها.
وفي عام 1937 قامت بإنتاج وتأليف وإخراج وبطولة فيلمها الأول والأخير كمخرجة وهو (تيتا وونج).
والقيمة الكبيرة لهذا الفيلم تتمثل في أنه كان حقل تجارب لمجموعة ممتازة من أصحاب المواهب الفنية الذين لمعت أسماؤهم فيما بعد وأصبحوا من مشاهير النجوم وكبار المخرجين وعمداء الفن.
من هؤلاء (كمال سليم، السيد بدير، صلاح أبوسيف، أحمد كامل مرسي، حلمي حليم، يوسف معلوف، محمد عبدالجواد) ومن النجوم (حسين صدقي، محسن سرحان، زوزو نبيل، نجمة إبراهيم، محمد الكحلاوي) وغيرهم.
وحقق الفيلم خسارة كبيرة جعل أمينة محمد تبتعد عن الفن، وتعود إلى مهتنتها الأصلية كراقصة استعراضية!.
درة والسؤال الحائر
السؤال الذي نطرحه الآن، بعد استعراضنا لتجارب رائدات الفن المصري، هل يكون فيلم (وين صرنا) فكرة وتأليف وإنتاج وإخراج (درة) هو تجربتها الأولى والأخيرة مثل زميلاتها رائدات السينما المصرية؟! إجابة هذا السؤال في يد الزمن!