بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
لم يكن يعنينا من قرار إبعاد – أو استبعاد – السيد (العميد) أحمد شعبان، إلا بما يتصل بالمجال الإعلامى والصحفي بالخصوص، وكذلك المجال الفنى أو حتى الرياضي، كصحفيين أو متابعين أو ناقدين.
فعلى مدى عشر سنوات، حدثت تغيرات فارقة في كلا المجالين، لكن لا يمكن وصف تلك المرحلة، إلا بأنها مرحلة قاتمة غامضة في عمر الصحافة والإعلام والثقافة والفن، بصفتهم حقولا متداخلة يؤثر بعضها على بعض.
فهل حقيقة هو أن السيد (العميد) كان هو سبب هذه الأجواء التى أعادت حوارات الهمس إلى الشفاة تحت الأكف المقوسة في صالات تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية والبلاتوهات والاستديوهات؟!
لا أستطيع أن أجزم بما سمعنا عنه وعن طريقة إدارته لكل ما يتعلق بالصحافة والإعلام والفن، ولكن دعنا من السمع والتكذيب أو التصديق، فأحوال هذه المجالات خلال الفترة الماضية، ينبئ بما يشير إلى أن ما يقال هو الحقيقة أو على الأقل مقارب لها.
وما قيل كان يصيب بالصدمة، من أنه يلقى بالأوامر إلى المسئولين عن الصحف والمواقع الإلكترونية التابعة للدولة وكأنه ضابط مع عساكره، فلا مجال للجدال ولا النقاش.
فلا يبث خبر إلا بعد العرض عليه ولا يكتب مانشيت في جريدة إلا باعتماد مباشر منه، الأمر الذي أعاد شبح مدير المخابرات الشهير (صلاح نصر)، بل ربما جاوزه، حتى قيل إنه لم يكتف بتوجيه الإعلام، بل زاد بأن حظر على بعض الجهات الحكومية وشبه الحكومية أن تتعامل مع الإعلام إلا من خلاله.
لقد وصل الأمر في فترة ما، بحظر نشر أسماء وزراء وكبار مسئولين، وبالفعل خلت الصحافة والإعلام من أسمائهم لفترة ما جاءت كعقاب لهم على الإدلاء بتصريحات دون الرجوع إليه!
قائمة طويلة بالمحظورات!
هذا ليس كل شيء، بل وصل إلى مقالات الكتاب والمفكرين ووضع قائمة طويلة بالمحظورات!، والجزاء لمن يعترض، يبدأ من مذلة الحرمان وحتى غياهب اللومان!.
هل يمكن أن يحدث هذا؟!
كما سبق أن قررت بأن واقع الصحافة والإعلام يشهد بذلك سواءً كان ما يتردد عن سلطة السيد (العميد)، منذ أن كان يحمل رتبة رائد، حقيقياً أم يعد مبالغة!
أما الشواهد فقد كثرت على ما حدث من خرق للتعليمات ولو كان على سبيل الخطأ وحسن النية، فهناك أستاذ جامعي كان يحسب من فريق الدولة، كتب مقالاً شديد اللهجة يشير فيه إلى دور السيد الضابط المسئول عن الإعلام، فإذا به يمثل أمام جهات التحقيق القضائية بتهمة نشر معلومات كاذبة!
حدث هذا مرة واثتتين وأكثر وكان الملاخظ أن تمثيل فريق الدولة كان بارزاً في هذا النوع من القضايا، فلعلهم لا يعرفون أن النكير يشتد على المؤيد للدولة إذا ما تبنى وجهة نظر ما بدون عرض واستئذان وانتظار توجيه.
نأتى معا للدور الخاص بمجالات الفن، فقد سمعنا لأول مرة عن تدخل في عمل المخرجين والمؤلفين والسيناريستين، بما يزيد عن التوجيه، فأحيانا كان السيد (العميد) يطلب حذف مشاهد وتعديل حوارات وتغيير نهايات، بالفرض المباشر على صاحب العمل!، ليس هذا فقط، بل التدخل لاختبار طاقم العمل من الممثلين والممثلات!
ثم بعد ذلك يتم توجيه النقاد إلى كيفية تناول المسلسلات والأفلام ومنها ما هو محظور الكتابة عنه إلا بالمدح.. والمدح فقط!
الأنكى من كل ذلك، أن هناك تعليمات صريحة تصدر بتجاهل الأعمال الفنية لبعض الشركات، وليس فقط بعدم التعرض بالنقد لأعمال شركة واحدة للإنتاج صارت تمثل السلطة المطلقة الأشبه ما تكون بإقطاعى العصور الوسطى في أوروبا، صارت هى الشركة المسيطرة لكل ما يتعلق بفنون التمثيل.
أما عن البرامج الحوارية والتوك شوية، فحديثها طويل تكثر فيه قصص المحن والإحن.
(آه منها الإحن دي!).
لكنى هنا مصر على براءة السيد (العميد) من كل ما سبق، فهو ليس الرجل الأخضر ولا عزيز بيه في مواجهة القطة، لأن رجلاً واحداً لا يمكن أن يأتى بمفرده بكل هذه السطوة والسيطرة.
دور السيد (العميد)
إلا إذا كان مدعوماً بقوى جبارة تنفذ ما أراد، بل حتى في التنفيذ، لا يبدو دور السيد (العميد) إلا حلقة وصل وضابط اتصال تم توسيع دائرة اختصاصه للإشراف على عمل بلوكامين التنفيذ.
(لمن لا يعرف من هو البلوكامين، فباختصار شديد هو (الكل في الكل) بكل وحدة وقسم ومديرية وقطاع أمنى، يتداول عليه السادة الرؤساء والمدراء فيأخد كل منهم فترته ويمضي ويبقى البلوكامين حارساً على دواليب الملفات وأدراج وأسطح المكاتب وما يلقى في الأركان من أوراق وملفات.. كلها في رأس هذا البلوكامين).
وحتى تثبت البراءة وحيثياتها كاملة مكملة.. نحن ننتظر – ولن يطول انتظارنا – إلى ما بعد رمضان المقبل بإذن الله.. (رمضان 2025 يعنى).
لتثبت براءة السيد (العميد) من خلال المسلسلات من حيث علامات التدخل الواضح والمربك للحوارات أو المخل بالسياقات (التاريخية بالذات)، ثم لننتظر أيضاً كيفية التعامل الإعلامي والنقدى بعدها!.. (إن كان.. هيبان) على رأي الخالة حفيظة في فيلم (الزوجة الثانية).
لكن حتى مع افتراض صدق كل هذه الروايات عنه – وبلا شك أن تناقل للروايات يجعلها عرضة للتهويل والافتراء، بما لم يحدث – فهل يمكن لنا أن نعفى الأوساط الصحفية والإعلامية والفنية مما حدث، فكيف هم بكل هذه السلبية والتخاذل مهماً كانت القبضة فولاذية؟!
فمسئولية الكلمة تفرض أن يضحى المؤمن بها بالكثير من أجل شرف هذه المهمة النبيلة، فهذا هو الاختبار الحقيقي، فكم امتلأت المعتقلات بأسماء لكبار الكتاب والمفكرين والمثقفين، في كل العصور.
السطوة على الضعفاء والمتخاذلين
فلن ينجح أى مسئول أيا كانت سطوته، في فرض السطوة، إلا على الضعفاء والمتخاذلين، فالإدانة الحقيقية لا يجب أن توجه إلى سيادة (العميد) ولا حتى إلى السادة رؤسائه المشرفين على عمله.
بل إلى كل صاحب قلم أو ميكرفون أو كاميرا، سمع فسكت فصم وأصم، فرضى وارتضى ولم يفعل إلا ما يؤمر به ولو خالف ما يمليه ضميره المهنى والإنساني والوطنى!.
ولكن يبقى السؤال المهم الذي يتجاوز كل ما سبق: ما هو السند الدستورى والقانوني لأى مسئول في مكان سيادة (العميد)، للضلوع بأى مسئوليات حيال مجالات الصحافة والإعلام والثقافة والفنون والرياضة؟!
الإجابة: من عدمه!
فحسب قاعدة بما أن وإذن، وبالاستناد إلى عدم وجود صيغة قانونية مجملة أو مفصلة، تبيح له التدخل، تجعل أى قول أو فعل أو إشارة بالتوجيه أو بالنصح أو بالإرشاد أو المنع أو المنح أو التقريب او الاستبعاد.
أو أى شكل من أشكال المسئولية، استجابة لأى تعليمات، يعتبر إجراءً باطلاً هو والعدم سواء، مما يستتبع أن الحكم بالإدانة منعدم الأثر مشوب بالبطلان.
(فلهذه الأسباب…).
صدر الحكم ببراءة السيد (العميد) مما نسب إليه، براءة تامة غير منقوصة، براءة الذئب من دم (ابن يعقوب).
ومادام جبنا سيرة سيدنا (يعقوب )عليه السلام فنختم بما ختم به حواره مع أبنائه إخوة يوسف عليه السلام: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).