بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
من أبرز الأحداث التي وقعت خلال الأسبوع الماضي ما فعله المتظاهرون في العراق، حين اقتحم بعضهم مبنى قنوات mbc في بغداد وحطموا كل ما وجدوه أمامهم داخل مكاتبها، وذلك ردا على التقرير الذي بثته المجموعة ووصفت فيه الراحلين (يحيي السنوار وحسن نصر الله) بالارهابيين.
مع التأكيد على أننا لسنا مع العنف ولا نشجع عليه، لكننا في المقابل لا يمكن أن نوافق على الاصطفاف مع الصهاينة في صف واحد ونردد ما يقولونه عن أي مقاوم عربي خصوصا في وقت الحرب، مهما كان حجم اختلافنا معه في وقت السلم.
بعيدا عن تقرير mbc المؤسف والعنف المرفوض ربما يمكن أن نخرج من الحدث كله بعبرة تستحق التوقف أمامها، وهى قدرة الجمهور العربي على إعادة توجيه السياسات التحريرية لبعض القنوات على الأقل إن لم يكن كلها، والتأكيد على عدم صلاحية الفكرة المتداولة عن الجمهور العربي انه مجرد متلقي لما تبثه تلك القنوات.
ما فعله العراقيون وتلاه من قيام الهيئات الرسمية في المملكة الشقيقة بالإعلان عن إحالة المسؤولين في قنوات mbc للتحقيق بسبب التقرير الذي وصفته بإنه مخالف للأنظمة والسياسة الإعلامية للمملكة، يؤكد أن الجمهور العربي يستطيع أن يكون مؤثرا في إعلامه وليس متلقيا فقط.
صحيح أن تقرير mbc الإخباري يخالف المواقف المعلنة للمملكة التي تدعم بشكل أو بآخر المقاومة المشروعة للفلسطينيين وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة، وهذا ما أعلنه بشكل متكرر ولي العهد السعودي في أكثر من مناسبة.
التحقيق مع مسؤولي mbc
لكن الصحيح أيضا أن مظاهرات العراقيين ضد مجموعة الإعلام السعودية ومن بعدها فزعة العديد من شعوب الدول العربية والمطالبة بمقاطعة القنوات الأكثر شهرة على المستوى العربي، ساهمت في الإسراع إن لم نقل تحريك هيئة الاعلام السعودية لفتح التحقيق مع مسؤولي mbc.
الموقف كله يضعنا أمام حقيقة طالما تم تغييبها عنا لعقود طويلة وهى أننا لسنا سوى متلقين صامتين لما تبثه القنوات الفضائية العربية ومن قبلها القنوات الأرضية، نشاهد ونستمع ونحن محتفظين بألسنتنا داخل حلوقنا، لأننا ببساطة لا نملك رفاهية الاعتراض.
لسنوات غير قليلة ظل الإعلام العربي يتعامل مع الشعوب بمنطق (إذا كان عاجبك)!، منطلقا من يقين القائمين عليه أن المهمة الأساسية والمقدسة للإعلام هى خدمة أصحاب القرار، ثم تمددت المهمة لتكون خدمة أصحاب القرار والمال.
لكن في زمن الإعلام التجاري الذي يعتمد بدرجة كبيرة على ما يحققه من عوائد إعلانية، أظن انه آن الآوان لكي تتغير هذه الفكرة، فلا يمكن لأي قناة أن تحقق عوائد ما لم يكن لديها قاعدة عريضة من المشاهدين المنتمين لها.
وحتى الإعلام المدعوم من دول وحكومات مختلفة لا يمكن له أن يستمر ويحظى بنفس الدعم إذا لم يكن لدى الممولين يقين كامل بأنه يحقق الأهداف التي يتم تمويله لأجل تحقيقها، وأهمها بالطبع قدرته على توجيه المشاهدين الى تبني السياسات والأفكار التي تخدم مصالح الممولين.
نظرية الانفجار العظيم
يحضرني الآن وجه للتشابه بين نظرية الانفجار العظيم التي قدمها بعض الفيزيائيين، وبين حال (الإعلام) العربي الذي سلك مسارات غير سوية في السنوات الأخيرة بشكل لافت ومنه mbc.
فإذا كانت النظرية التي يعود تأسيسها للعالمين الروسي (ألكسندر فريدمان)، والبلجيكي (جورج لوماتر)، في العقد الثالث من القرن الماضي، تفسر بشكل ما نشأة الكون، فإن نفس النظرية يمكن أن تكون هي الأمل في إصلاح (الإعلام) العربي.
ملخص النظرية الفيزيائية يقول (إنه في أعقاب كل انفجار ضخم يتشكل واقع جديد يهيئ الظروف للحياة)، وقد انطبقت هذه النظرية على الإعلام المصري في زمن سابق.
فعقب الانفجار المعنوي والنفسي الكبير الذي عانى منه الشعب المصري بعد نكسة 67 خصوصا بسبب التناقض الهائل بين بيانات (أحمد سعيد) الشهيرة التي جعلت الناس يؤمنون بأننا قريبون من دخول القدس، وبين حقيقة ما حدث حين ضربت الطائرات المصرية على الأرض.
كان ذلك الانفجار سببا مباشرا في إصلاح حال (الإعلام) المصري وقتها وتحويله من إعلام تعبوي، ينشر الصورة التي تقدم له دون التحقق من صحتها، إلى إعلام أقرب ما يكون للموضوعية والحقيقة، وهو ما فعله وقت انتصار أكتوبر العظيم.
حاليا يمكن أن يكون الانفجار الشعبي الذي حدث في معظم الدول العربية ضد القنوات التي تميل إلى ترديد نظريات العدو، نقطة تحول في نظرة ممولي تلك القنوات وأصحابها يمهد لاعادة النظر في سياسات (الاعلام) التي تتبناها والتي تخالف إجماع الشعوب العربية.