* لا يوجد هناك شعر حديث، وشعر قديم، ولكن يوجد شعر جميل، وشعر سيئ أو لا شعر!
* جريدة (الأهرام) كانت وراء تلحيني لقصيدة (الجندول) للشاعر علي محمود طه
* لم أسعد كثيرا بالتمثيل، رغم النجاح الكبير الذي لاقيته في السينما منذ الفيلم الأول (الوردة البيضاء).
* انتهزت فرصة تلحيني لأم كلثوم، واستغليت مكانتها المرموقة عند الجمهور، فقدمت مقدمات موسيقية طويلة لأغانيها، وأيضا موسيقى طويلة بين (الكوبلهات)، وفعلت نفس الشيئ مع عبدالحليم حافظ
بقلم الإعلامية الكبيرة : أمينة صبري
على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، تابعنا حوار الإعلامية الكبيرة أمينة صبري، رئيس إذاعة (صوت العرب) السابق، مع الموسيقار الخالد (محمد عبد الوهاب)، حيث تحدثت في الحلقة الأولى عن كواليس هذا الحوار، وكيف تم بفضل الكاتب الكبير (محمود عوض).
كما تحدث الموسيقار (محمد عبد الوهاب) عن نشأته في حي (الشعراني) هذا الحي الذي كان له أثر كبير في حياته، وتكوينه الموسيقي الفني، وتذكر أنه كان يظل ساعات طويلة، وهو طفل صغير يستمع إلى قراءة القرآن الكريم من المقرئين العظام.
وصرح أنه غنى وهو طفل صغير جدا عند الفنان (فوزي الجزايرلي) لملئ الفراغ بين الفقرات الفنية، ويومها ثار أهله ومنعوه من الغناء، فهرب من المنزل لكي يزاول فن الغناء الذي يعشقه.
كما تحدث عن (أحمد شوقي بك) الذي خاف على موهبة الطفل الصغير (محمد عبد الوهاب) من الضياع وسط السهر والتعب، فذهب إلى الحكمدار الإنجليزي وأبلغ عن الذين يشغلونه.
وفي الحلقة الثانية تحدث محمد عبد الوهاب عن (أحمد شوقي)، وأكد أنه كان يشجعه دائما على الدراسة، وأن يتشبه بالفنانيين الذين ارتفعوا بالفن وبمستواه، مثل المحامي والفنان (عبدالرحمن رشدي) والفنان (يوسف وهبي).
وأشار موسيقار الأجيال أنه كان من المستحيل أن يشارك في مناقشة تجمع (شوقي بك، وثروت باشا، وصدقي باشا، ومكرم باشا)، كان يستمع ويتعلم ويستفيد فقط.
وأوضح أنه بسبب الطفل (إحسان عبد القدوس) كاد أن يتعرض للرفت، وإحسان هو أول من اخترع (الدوبلاج)!
وأكد أن (أحمد شوقي) علمه من يجالس، وأن يحافظ على مستوى معين في الصداقة، لأنه إذا صادق الكبار كبر معهم، وارتفعوا به، وإذا صادق الصغار نزلوا به، وانخفض مستواه الفكري.
وأخيرا صرح أن رحلته الأولى لباريس مع (شوقي بك) كان لها تأثيرا كبيرا علي شخصيته الفنية والإنسانية، لأن تسليه (شوقي بك) عبارة عن تعليم.
وفي الحلقة الثالثة صرح أنه أراد إرضاء (أحمد شوقي) أثناء تلحينه لأغنية (في الليل لما خلي) فثار عليه!، كما صرح أنه أدخل الآلات الغربية لأول مرة في الموسيقى من خلال لحن (في الليل لما خلي).
وأشار إلى أن الشاعر (أحمد شوقي) شجعه على أن يقدم نظرته ورؤيته وعصره، وآلا يلتفت لغير ذلك، ولا يلتفت للهجوم الذي سيواجهه من أصحاب التيار التقليدي!
واعترف (محمد عبد الوهاب) أنه يحاول أن يتمرد دائما ويقدم أشكالا موسيقية مختلفة دائما، وأيضا دائما يشعر بأنه غير راضي عما يقدمه، ويريد أن يقدم الأفضل والأفضل.
وأوضح أنه يقف مع التطوير، ولكن التطوير المدروس الذي يبقى على الروح الحقيقية والأصيلة، ولا يفسدها، ولا يجعلها مسخا.
وأنهى حلقته الثالثة بأن الوجود هو الحب، أنه وأنت والشعوب كلها ثمرة حب، والحب عند المرأة أخلص، وعندما تحب لا تسمح بأن يخدش هذا الحب
والآن تعالوا بنا لنستمتع بقراءة الحلقة الرابعة من الحوار، ونعود بالزمن إلى الوراء بطريقة (الفلاش باك) السينمائي، ونستعيد حوار الإعلامية القديرة (أمينة صبري)، مع الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب)، ونستكمل ما توقفنا عنده.
* لماذا هجر الغناء الشعر؟
** (محمد عبد الوهاب): زمان كان يوجد شعر، كان فيه فطاحل الشعراء (أحمد شوقي، حافظ عبدالوهاب، إسماعيل باشا صبري، علي محمود طه، محمود حسن إسماعيل، حتى أحمد رامي) كان يكتب شعرا.
والشعر العامودي يصلح للغناء، أما الآن فيوجد شعر حديث، والشعر المنثور يعني لا يوجد هناك رأي متفق عليه في الشعر.
* هل الشعر الحديث صعب في الغناء، والتلحين؟
** (محمد عبد الوهاب): من وجهة نظري أنا لا يوجد هناك شعر حديث وشعر قديم، ولكن يوجد شعر جميل، وشعر سيئ أو لا شعر، المهم أنه يوجد شعر موسيقي، وشعر غير موسيقي، فأهم شيئ في الشعر يكون فيه موسيقى لكي يغني، فأنا لا أستطيع أن ألحن أو أغني مقالة.
* ذكرت الشاعر (علي محمود طه)، وأنت غنيت له عددا من الأغنيات، فهل أنت محب لشعره؟
** (محمد عبد الوهاب): نعم أحببت شعره قبل أن أعرفه، فأنا غنيت له أغنية (الجندول) وكان وراءها قصة طريفة، حيث كنت جالسا عند (مكرم عبيد) وكان صديقا حميما لي.
ووجدت جريدة (الأهرام) أمامي ومنشور في إحدى صفحاتها قصيدة باسم (الجندول)، أعجبت بها، وعلى الفور أمسكت العود ولحنتها في لحظتها، حتى وصلت إلى بيت (أنا من ضيع في الأوهام عمرا).
ولا أدري لماذا تصورت إنها للأستاذ (محمود حسن إسماعيل)، وبدون تردد طلبت محمود حسن إسماعيل في التليفون، وذكرت له إنني أعجبت بإحدى قصائده، وبالفعل قمت بتلحينها، ففرح كثيرا.
وقال لي كلاما لطيفا ثم سألني عن اسم القصيدة التى أخذتها فغنيت له في التليفون بداية قصدة (الجندول) فأندهش الرجل، وقال لي: (إن هذه القصيدة ليست لي، وإنما هى للشاعر علي محمود طه)!.
فتأسفت له، وأحرجت منه كثيرا، ولكنه خفف وطأة الحرج بقوله: إنها بالفعل قصيدة جميلة، وإنه هو شخصيا معجبا بها، وبالفعل اتصلت بالشاعر (علي محمود طه)، واستأذنته في غناء القصيدة.
المهم هذه القصيدة لحنتها في دقائق، وظللت بعد ذلك ستة أشهر أحاول تلحين الجزء الباقي من القصيدة بداية من (أنا من ضيع في الأوهام عمرا).
وعند تسجيل هذه القصيدة في الإذاعة حضر تسجيلها الدكتور (طه حسين)، عندما عرف أنني سوف أسجل قصيدة وصفية للشاعر (علي محمود طه)، لأنه كان لا يحفل كثيرا بالأغاني الدارجة.
* إذا كانت أغنية (في الليل لما خلي) تعتبر نقلة في موسيقاك، وفي الموسيقى العربية عموما، فلاشك إن دخولك لعالم السينما يعتبر أيضا نقلة فنية هامة في حياتك، رغم إنك لم تكن موافقا في البداية على العمل في السينما؟
** (محمد عبد الوهاب): الحقيقة التمثيل لم يكن مهنتي، فأنا مهنتي الأساسية التلحين والغناء، ولذلك ترددت كثيرا قبل الموافقة على دخولي السينما، والإنسان دائما يخاف من الشيئ الجديد والمجهول.
وأنا لا أستطيع أن أمثل دور طبيب، أو دور مهندس، ولذلك لم أسعد كثيرا بالتمثيل، رغم النجاح الكبير الذي لاقيته في السينما منذ الفيلم الأول (الوردة البيضاء).
* بجانب الغناء والتلحين والتمثيل أنت دائما كنت حريصا على تقديم الموسيقى الخالصة للمستمع رغم أننا شعوب غنائية، وليست موسيقية كالغرب؟
** (محمد عبد الوهاب): الحقيقة بذرة نشر الموسيقى الخالصة للناس كانت موجودة بداخلي طول الوقت، فأنا بدأت مثلا بتقديم موسيقى (فانتهازية نهاوند، وموطب النور، وزينة، وعزيزة، وحبيبي الأسمر، وحياتي).
وقطع موسيقية أخرى كثيرة، وأنا عندي عقدة من زمان، فمنذ أيام الأتراك كان (التخت) يقدم قطع موسيقية (البشارف) على إيقاعات قبل ما يبدأ المطرب، فكانت الناس تصفق على الفرقة استهجانا لكي تبطل عزف (البشارف) ولكي يظهر المطرب ليغني.
وهذا أحدث عقدة بداخلي، فمن وجهة نظري الموسيقى أخلد من الغناء، وهى الأبقى، والموسيقى أخلد من الكلام، ونحن نجد فى الموسيقى الغربية أنه كثيرا ما تموت الكلمات وتبقى الموسيقى فقط.
وتسألت كثيرا بيني وبين نفسي: لماذا لا تُسمع الموسيقى بحد ذاتها، فقدمت قطع موسيقية، وكنت أسجلها على أسطوانات بجانب الأغاني.
وأيضا انتهزت فرصة تلحيني لكوكب الشرق أم كلثوم، واستغليت مكانتها المرموقة عند الجمهور، فقدمت مقدمات موسيقية طويلة لأغانيها، وأيضا موسيقى طويلة بين (الكوبلهات).
وأنا مقتنع أن الجمهور سيستمع لها، وانتهزت فرصة احترام الجمهور الشديد لأم كلثوم لكي أقدم له موسيقى خالصة ممكن أن تسمع بحد ذاتها، وأيضا انتهزت نفس هذه الفرصة مع عبدالجليم حافظ، وقدمت مقدمة موسيقية كويلة في أغنية (فاتت جنبنا).
* لماذا في نظرك لا تجد الموسيقى الخالصة نفس القيمة التى تجدها عند الملتقي في الغرب، وأيضا لماذا لا تجد لها مكانا وسط الفنانيين لتقديم موسيقات وسيفونيات خالصة تلقى نفس الأحتفاء الذي تلقاه في المجتمعات الأخرى؟
** (محمد عبد الوهاب): بالنسبة لنا الغناء أمتع بلا شك، ولكن مع التطور الموسيقي بدأت الموسيقى تأخذ مكانا هاما الآن، وهذا يرجع لفرق الزمن، وفرق التطور، فالموسيقى العربية بدأت تتطور، وتتجه للتعبير بدلا من التطريب منذ زمن قريب نسبيا، منذ أيام سيد درويش.
وهذا زمن ليس بطويل لكي نخلق سيمفونيات وكونشرتو هذا يتطلب نوع معين من الموسيقيين المتعلمين جدا، وفي الوقت نفسه غير منكرين لموسيقاهم العربية حتى يستطيعوا أن يحتفظوا بالروح العربية الشرقية التى لا تبتعد عن ذوق الجمهور العربي في إطارات موسيقية عالمية.
فنحن لم نخدم بعد الموسيقى الخالصة الخدمة التى تستحقها، وذلك لأسباب كثيرة، ومما لا شك فيه أن هناك محاولات جادة في هذا الطريق، ومحاولات يجب أن تُخدم، ولكنها لا تكفي!
والزمن كفيل بتطبيق هذه المسألة، والجمهور سيحبها، ويتعود عليها، ويجب لكي نصل إلى ذلك أن ينتشر العلم في الحقل الموسيقي بأكمله عند العازف والملحن والمؤلف والمطرب.