بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
ظاهرة جديدة بدأت تطفو على سطح المجتمع الفني في مصر وهي لجوء بعض (الفنانين) إلى استجداء العمل في شركات الإنتاج التي تختص بإنتاج وتوزيع أغلب الأعمال الدرامية في مصر.
بينما لجأ البعض الآخر من الفنانين الى السخرية من أحوال الفن المصري وتجاهلهم التام في ظل الاعتماد على عدد قليل من (الفنانين) الذين يحظون برضاء المنتجين.
أحدث حالات الاستجداء هى حالة الفنان (أحمد عزمي) الذي ظهر في بعض البرامج وكتب على صفحته على فيسبوك يستجدي فيها أصدقائه الفنانين والشركات المنتجة توفير عمل له في أي مسلسل أو فيلم.
وكتب (عزمي) أيضا، أنه لا عمل له سوى التمثيل وأن البطالة التي يعاني منها سوف تقوده الى الموت كمدا وحزنا خصوصا في ظل عدم قدرته على الصرف على ابنه الذي يكبر أمامه.
خلال أيام من تلك المناشدة نشر (عزمي) صورة جديدة له وهو يوقع عقد مسلسل جديد مع الشركة المتحدة (الصرح الإعلامي الكبير في الشرق الأوسط وللدور العظيم الذي تقوم به) بحسب تعبيره.
بالتأكيد يجب أولا توجيه الشكر لمسؤولي المتحدة على متابعتهم لأحوال الفن و(الفنانين) في مصر، واستجابتهم السريعة لبعض الحالات التي تحتاج لعمل، لكن ذلك لا يمنع من وجود بعض الأسئلة التي لا تحتاج إجابات بقدر ما تحتاج لفتح نقاش عام حولها.
هل اختيار الممثلين وبقية عناصر العمل الدرامي يمكن أن يسير بالاستجداء، أم يجب (ولابد له) أن يعتمد أولا على كفاءة الشخص ومناسبته للدور الذي يتم اختياره لأدائه؟!
الطريق إلى قلوب الرجال
وإذا قيل أنه تم ترشيح (عزمي) مثلا لأداء دور يناسبه وأن المسألة ليست فقط استجابة لاستجدائه، يأتي دور السؤال الثاني وهو: هل ظهر هذا الدور فجأة من العدم وخلال أيام قليلة من مناشدته الانسانية المؤثرة؟!
هل كان الدور الذي أسند اليه والأدوار التي تشبهه وتليق بامكانات (عزمي) غائبة عن كتاب ومخرجي ومنتجي الدراما طوال السنوات الماضية قبل أن تجود قريحتهم فجأة بدور يناسبه؟!
ما يبدو لي من خلال تحليل مضمون الأحداث أن الفنان الشاب عرف الطريق إلى قلوب المنتجين وهى لا تمر عبر معدتهم بالمناسبة مثل الطريق إلى قلوب الرجال.
فقد سبقته حالات أخرى غير قليلة لفنانين استجدوا العمل وآخرين هاجموا زملائهم وهاجموا الشركات المنتجة والوسط الفني كله بسبب تجاهلهم، لكن المتابع للوسط يعرف أن أي طريقة أخرى غير الاستجداء لن تأتي بالنتيجة المرجوة.
فمثلا لم تفلح طريقة الفنان (كريم الحسيني) حين كتب معاتبا زملائه (الفنانين) خصوصا (محمد رمضان) صاحب الحظوة غير المفهومة وغير المنطقية في المجتمع الفني خلال السنوات الأخيرة.
ولأنه انتقد ما قال عنه الشللية والمحسوبية في الوسط الفني فقد استمر تجاهله وعدم الاهتمام بما قاله، عن اعتزامه اعتزال ما سماه (السعي للعمل في الوسط الفني) بسبب قلة مشاركاته.
أما (عزمي) فقد أثار الحديث العام عن أزمته وبطالته الفنية في مصر سوف يحفز شركات الإنتاج على التعاون معه، لكي تظهر تفاعلها الإنساني مع أزمات الفنانين وتحاول كسب تعاطف الجمهور، ولذلك اختصر الطريق.
محاولة ذكية من الفنان
الغريب أن (عزمي) نفسه اعترف في منشوره المثير للمشاعر أنه عمل في الكثير من الأعمال الفنية التي عرضت خارج مصر، ومنها مسرحية عرضت في (موسم الرياض) بالسعودية مع الفنان (يحيي الفخراني)، مع ما يصل الى مسامعنا من عوائد خرافية يحصل عليها (الفنانين) المشاركون في (موسم الرياض).
أي أن الأمر لا علاقة له (والله أعلم) بالعجز المادي ولا حتى قلة العمل بشكل عام، ولكنه محاولة ذكية من الفنان الشاب للنفاذ إلى الأعمال الفنية المصرية، وإيجاد مكان له وسط النخبة التي تسيطر على تلك الأعمال إنتاجا وتمثيلا واخراجا.
السؤال الأخير الذي أتمنى بصدق أن يفتح حوله باب النقاش العام: هل ما يحدث من تجاهل لبعض (الفنانين) ودفعهم دفعا إلى الاستجداء العلني والمناشدة بصورة تقترب من التسول تصرف مقبول ونساني؟!
هل هذا يخدم صورة الفن ويدعم مكانته كواحد من عناصر القوة الناعمة التي كان لها دورا مهما في تكريس ريادة مصر للعالم العربي طوال العقود الماضية؟!
هل يمكن أن تستمر الدراما المصرية في نيل احترام الجمهور العربي من المحيط الى الخليج كما كانت من قبل، بينما عشرات (الفنانين) يظهرون على الشاشات وعلى مواقع التواصل يشكون ضيق الحال والفقر؟!