بقلم الكاتب الصحفي: سعد سلطان
(الكُتَّاب الثلاثة).. كُتَّاب سيناريو ورابعهُم شيخهُم يخطْطون لسرقةِ مفاتيح الجنة من يَدِ الله فيأسرهم الناس.. عادة ما يتطلب كتابة السيناريو أن تُخْتَصر الحكايةُ في كلماتّ لا تتجاوز السطْر الواحد.. ولو قُدِّر لهذه الحكاية الإنتاج سينمائيا لصار الفيلمُ مضمون النجاحِ رائجً التوزيع عظيمَ الأثر لواقعيته وجنوح الخيال به.
ما أسوأ أن يكون السيناريست والكاتب هو نفسه (الحكاية والحدوتة،موضوع الفيلم وقصته
ولكن ما حكاية (الكُتَّاب الثلاثة)؟، وما الغامض فيها.. وكيف سارت وقائعها، وكيف ستكون نهايتها؟ مَنْ تَحايلَ على الآخر.. من الخادع ومن المخدوع..الشيخ أم الكُتَّاب؟
ما جرى أن (الكُتَّاب الثلاثة) من كُتَّاب السيناريو المتسيدين للساحة الدرامية بمصر (عبد الرحيم كمال وناصر عبد الرحمن وعمر طاهر)، مُلٍئتْ بطونُهم، ووسَعَتْ شهرتهم، وزادت سلطاتهم، أرادوا إيمانا غير إيمان الناس.. وتسائلوا فيما بينهم (أنؤمن كما آمن السفهاء).
فأقنعهم خيالهم المحدود باختيار شيخ مطرود منذ سبْعِ سنوات من الطريق الصوفي، اسْتوْقَد ناراً على عتبةِ بابهِ ليخْطف أبصارَ الَّذين يشترون الضْلالةَ بالهُدى.. الشيخ (صلاح الدين التيجاني).. لا صلاح ولا دين ولا تيجاني.
من ناحيته أدرك أن حبر أقلام (الكُتَّاب الثلاثة) جفَّ، وينبوع الموهبة لديهم نضَب، و البركة التي منحهم الله إياها تنكروا لها وتكبروا عليها..(“ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون )، هو الآخر كان يخطط لركوب ضهر كُتَّاب طامحين طامعين، وبهم يصعد إلى طبقات أخرى يراها المكسب والغنيمة..
وبينما (الكُتَّاب الثلاثة) مع شيخهم المزيف غارقون حتى الثَمالة في الحب والعشق والهوى تحت شعار إنهم في طريقهم للحب الإلهي، فجأة يصْعقهم الناسُ ويرفعون الغَطاء أكثر عما يجري ليتم تقليب الأوراق وفتح الملفات واستدعاء القيل والقال المتبادل بين الكُتاب والشيخ.
المالك الحصري لصكوك الغفران
ليكتشف الجميع أن الطرفين يتشاركان تضليل الناس والإيهام بأن الشيخ هو المالك الحصري لصكوك المحبة والغفران، والمانح لمفاتيح الجنة، والدال على طريق المحبين العاشقين.
لم يدرك الكتاب والشيخ أن (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).
وإذ بالناس يكتشفون ما يجري، ويدركون خطورة ما يحدث على التصوف وأئمته، فكان أن تم إستلامهم وفضحهم، استدعى الناس مشاهد وحوارات أحد الأفلام الخالدة للسيناريست المبدع محمود أبو زيد (البيضة والحجر).
الذي تتشابه حكايته مع حكايتهم حول شخص إحترف الَّدَجَل مُسْتغلا ذكاؤه وجهلَ متابعيه – صاحب الاستدعاء للفيلم غضب واسع واستغراب صادم تجاه من ظنهم الرأي العام قادة فكر وأدوات قوة ناعمة.
فكانت النكاية شديدة والشماتة لاذعة..لأيام متتاليه وتريند (البيضة والحجر) عامر بالتعليقات الساخطة الناقمة على (الكُتَّاب الثلاثة) وشيخهم، طالهم عقاب وحملة تأديب أجبرتهم جميعا على الاختفاء كالفئران.
ما أسوأ أن تصطادك الحملة ضدك من زاويتك، وتٌشْهدك على مَدى جُرم فعلك بعمل درامي لأستاذ في مجالك (أفَلا يتدبرون؟).
(إمامُ المحْدثين وزينةُ المسْندين، العالمُ العاملُ العـارفُ، حامل لواءَ أهل الروايـة والأثر، فما روى حديثاً ولا أثراً ولا خبراً إلاَّ وله عنده سندْ، ولا نظير له في علم الحديث على اختلاف فنونه، عالماً بصحيحه من سقيمة ومعلولة، طأطأ له علماء عصره الرؤوس لِعٌلو سَنده ومُضَاء هِممه، فهو خاتمُ الحفاظ وفارسُ المعـاني والألفاظ).
هكذا يقدم نفسه مَنْ إدعى (صلاح الدين) شيخ الكتاب ومعلمهم وقدوتهم وربهم الأعلى الذي قام بأسرهم وجرهم من أعناقهم وعلى باب غروره طأطأ له الثلاثة رؤوسهم -حسب طلبه.
وذلك لـ (عُلو سَنده ومُضَاء هممه!!، هذه كلمات كاشفة عن نفسٍ مريضةٍ ودالةُ على خرابٍ روحيٍ لا آخر له، فحسبما ذكر الدكتور (عبد الحليم محمود) في كتابه (السيد أحمد البدوي): (إن الصوفي لا يتحدث عن نفسه، إسوة برسول الله – ص – الذي ألقى بجميع الأضواء على رسالته، كان شخصه الشريف دائما مُظلَّلا بظلِّ الرسالة.
التباهي الفجْ المُفارِق للصُوفية
لا يكاد يظهرُ إلا إذا أظْهرته الرسالة، ولا يكاد يُوجَد له ذكرً إلا بذكر الرسالة)، ولكن الشيخ المزيف بهذا التباهي الفجْ المُفارِق لأُصول الصُوفية القائمة على الزّهد والتواضع.
وتلاميذه الطامحين إلى دنيا يصيبونها، تسببوا في قذائف إخوانية وسلفية طالت الصوفية في عمومها، وخصت السيد أحمد البدوي بهجوم أكبر، وهو هجوم يتجدد حال اكتشاف كل شَطَطٍ ناتجٍ من تخلف الطرق التي تستخدم الصوفية ملعبا ومسلكا.
(ياالوكسة السودا يانا يا ما) واحدة من آلاف التعليقات المصدومة في سلوك فكري لثلاثة كُتَّاب أولُهم (عبد الرحيم كمال)، الذي صُرِفَ على ما كتبه من مسلسلات وأفلام مليارات، لو ذهبت لقريته (العيساوية) بسوهاج لاكتمل مشروع الصرف الصحي المتوقف لانعدام التمويل.
الثاني (ناصر عبد الرحمن) الذي كانت أول أعماله مع (يوسف شاهين).. كيف وصل به الحال إلى التباهي بصحبة هذا الرجل؟!، ومن أين جاءته الجرأة ووصفه بـ “الدال على الله)، مؤكدا على ألف لام التعريف مُحْتكرا الدلالة على الله لشيخ مزيف، والثالث (عمر طاهر)، لا داعي لمحاسبته لخفة وزنه، وضعف تأثير قيمة ما كَتَب ويَكتب. اللافت أيضا أنه الثلاثه صعايدة ومن سوهاج (أضواء الشهرة والسلطة والمال تصيب الصعايدة سريعا بالدوران والتوهان).
في لقاء تليفزيوني دار هذا الحوار:
حضرتك صوفي يا أستاذ عبد الرحيم؟
آه ، أنا والدي كان صوفي وكان شاذلي سلماني أما انأ صوفي تيجاني!
طب ليه غيرت عن الطريقة الشاذلية بتاعة والد حضرتك وبقيت مع التيجانية؟
هو مش إحنا اللي بنغير، كل واحد بيبقى له قلب وروح في اتجاه مصيرهم المحسوم من الأول من يوم ما اتولد، يعني انتي بنت فلان من الأول شيخك هو أبوكي فمحدش بيختار أبوه.
طب ايه اللي لفت نظرك للشيخ (صلاح التيجاني) وخلاك تختاره شيخك وتبقى ابنه؟
هي فكرة المحبة، إن ربنا يوجد حد مفيش بينه وبينك أي حاجة غير انه يعلمك الحب، الحب في الله بدون أي غرض لأن كل حب اتعلق بسبب يزول بزوال السبب وحبي لشيخي بلا سبب.
ايه اكتر حاجة اتعلمتها منه؟!
هو الشيخ معلمنا حاجة جميلة جدا ان كلمة (الشيخ) دي لا تطلق ع الراجل العجوز بس، لأن أي حد علمك حاجة هو شيخك حتى لو كان مش بني آدم، يعني حتى لو كانت الحنفية اللي بتسقيكي ميه، لازم تتعاملي معاها بحنية!
حوار لعبد الرحيم كمال
التفاهة عنوان هذه الردود، فلو كلَّف (عبد الرحيم) نفْسَه قراءة ما كتبه أئمة التصوف عن الشيخ والمريد ربما فهم ورجع عن هذه التفاهة.
وربما قرأ وتكَبَّر على الفهم، صحيح محدش بيختار أبوه ولكن منذ ظهور التصوف على يد أساطينه والأئمة جميعهم يخضعون اختيار الشيخ لشروط لا تتوافر إلا للخواص وخاصة الخاصة.
اذ يقول (سيد هذه الطائفة وإمامهم) الإمام الجنيد عن الشروط التي يجب أن تتوافر في الشيخ (لا يستحق الرجل أن يكون شيخا حتى يأخذ حظه من كل علم شرعي، وأن يتورع عن جميع المحارم، وأن يزهد في الدنيا، وألا يشرع في مداواة غيره إلا بعد فراغه من مداواة نفسه.
وأن تكون لديه القناعة بالغنى عن الناس، ويخاف ويخشى المعاصي والأدناس، ويلازم العمل بالكِتاب والسنْة، ومن كان على غير هذه الصفات فإنه من جنود الشيطان، ويأمر الجُنيد المريدَ الباحثَ عن شيخٍ بهذا الأمر الواضح: (زِنْ أقوالَه وأفعالَه بِميزان الشريعة، فان رأيتَ منه شيئا مُخالفا للشرع فاتْركه حتى وإن كانَ ذا حالٍ صحيح).
ويتحدث (بن عطاءَ الله) عن الشيخِ: (ليس شيخَك من واجهتك عبارتَه وإنما شيخك من سرتْ فيك إشارتَه، وليس شيخَك من واجهَك مقالَه، وإنما شيخُك من نهض بك حاله، وليس شيخَك من دعاك إلى الباب، وإنما شيخُك من يجلو مرآة قلبِك حتى تتجلُى فيه أنوارَ ربِّك، فزَجَّ بك في نور الحضرة، وقال لك ها أنتَ وربك).
ولكن السيناريست الذي رأى نفسه صاحب فيض إلهي منحه له شيخ مزيف يتعالى على هذه الشروط، وأعمته بصيرته عن رصد فيضٍ طالً نظيره سالف الذكر العظيم (محمود أبو زيد) الذي حفرَ مكاناً في الذاكرةِ السينمائية، لم يزلْ الشارعُ يحفظُ حواراَت شخصياتِه في (الكيف، العار، جري الوحوش).
ثم زاد الفيض عنده ليكتب (البيضة والحجر) وكأنه يدرك أن يوما ما سيظهر دجْال يغرر بكُتَّاب جٌهَلاء يُصْدرون للناس تفاهَته وتفاهتَهم في كأس واحدة.. كاتب ذو شأن عظيم حكايات أفلامه خلَّدها عالمُها الخاص، واشتبكتْ مع الواقع اجتماعيا ودينيا بعينين واسعتين، فضلا عن روح محبة اقتدت بكلمات الله وتجلَّت في ظلال سنة رسوله.
وصف سيدي (عبد السلام بن مشيش) وهو أستاذ الأقطاب الثلاثة: (سيدي إبراهيم الدسوقي، وسيدي أحمد البدوي، وسيدي أبي الحسن الشاذلي) حضرة رسول الله بقوله: (اللهمَّ صلِّ على مَنْ منهُ انشقَّت الأسرار، وانفلقَتِ الأنوارُ، وفيهِ ارتقَتِ الحقائقُ، وتنزَّلتْ عُلومُ آدمَ فأعجزَ الخلائقَ، اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ، اللهمَّ ألحقْنِي بنسبِهِ،وحقِّقْنِي بحسَبِهِ، وعرِّفني إِيَّاهُ مَعرفةً أسْلمُ بها مِن مواردِ الجهلِ، وأكرعُ بِها مِنْ مَوارِدِ الفَضل).
لغة خطاب المحبين والمريدين
هكذا تكون لغة خطاب المحبين والمريدين، ولكن شيخ الثلاثة يقول عن نفسه – (رضي الله عنه) – وأن النعناع في منزله تكلم مع كتفه..!، ولذا فحبه مقدم على حب رسول الله.
ويختصر الشعوذة كلها ناصر عبد الرحمن بتصدير شيخه المتحرش بالدال على الله (الله يقطعكم انتو وشيخكم).
(الكُتَّاب الثلاثة) جمعهم وشيخهم التباهي والكبر وقبلهما التفاهة، ليس في رصيد ذلك الشيخ ما يبرر صعوده، ليس باحثا ولا كاتبا ولا خطيبا ومؤلفاته كغثاء السيل، يملك وجها ممسوح الملامح أقرب إلى المسخ، عباراته سطحية وكلماته خالية المعنى والدلالة.
كل هذه الصفات الخبيثة انتقلت بدورها لكُتَّابه، أغلب أعمالهم حوارية معدومة الخيال تفتقد الصورة التي على أساسها كان علم السيناريو، ليس في رصيد (عبد الرحيم) سوى (الخواجة عبد القادر) وهو بيضته الوحيدة التى عليها بنى تنويعاته آخرها (الحشاشين).
والذي لولا أن وحدة مكافحة النقد في مباحث الدراما منعت انتقاده لطال عبد الرحيم نقدا كان يمكن أن يفيقه ويعيده إلى صوابه، ولكنه جلس وقتها ينشر مديح شيخه لمسلسله، وهو يضحك ضحكته الصفراء (مفيش حد هيقدر ينتقدني)، وعمل الشيخ ناقدا فنيا طوال الحلقات.
اذ ظل يُقَّيم الأدوار، ويٌشيد بمن يُحاول إغرائهم من أبطال المسلسل، ويتَنبأ بمن منهم سيصير نجم الأيام القادمة..زاغت الأبصار وشاهت الوجوه.
في خاتمة فيلم (العار) صدر محمود أبو زيد الآية الكريمة: (ونفسٍ وماسواها فألْهمها فُجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خابَ من دسَّاها).. لم تفلحوا يا سادة في تزكية أنفسكم.
ولم تدركوا أن التضليل الذي ستمارسونه تحت عنوان التصوف سيرتد في نحوركم، وستصيرون إلى نهاية حكايتكم المحتومة، مجرد تابعين مطأطئي الرؤوس لشيخ مزيف.
هذه الكتابة الوافية البديعة درس عال الدرجة من الأستاذ سعد سلطان .. أحسب هذا المقال واحدا من أجمل وأوفى المقالات و أكثرها عمقا وكشفا لأصنام تحيا بيننا وهو جراحة دقيقة لواقع مأزوم هش على المستوي الروحي والفني تمكن قلم كاتبه كمشرط جراح من فتحه وتطهير جذوره دون مواربة .. تحيتي وتقديري