رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: (المسرح) المصري القديم .. ومفهوم التجريب! 

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

ما هو التجريب المسرحي؟

للإجابة على هذا السؤال، يجب التعرض إلي ماهية (المسرح): (مفهومه، أسسه، قواعده)، وسوف نجد  أن مفردة (المسرح) ككلمة مستخدمة في الحياة، دالة ذهنيا على مساحة من الأرض مكانية زمانية، تحدث فيها أحداث، ففي المعارك الحربية (يقال مسرح العمليات الحربية).

وعندما نتذكر (أبو زيد الهلالي) سيكون مسرح حياته بداية من نجد حتى تونس إلي مكان وفاته ، وعندما يقوم الفنان بإنتاج عرض سوف يمثل هذه الأحداث متخيلة في مساحة يصنعها (يطلق عليها مسرح الأحداث التي حدثت فيها القصة)، ونستخدم مصطلح المسرحية للدلالة على ذلك.

وفي تلك المساحة يحاول الفنان إعادة تمثيل الأحداث بشخوصها في الزمان والمكان، في شكل عرض (المسرح)  له أسس وقواعد يرتكز عليه، فأسس العرض المسرحي تعتمد على التمثيل.

هذا الفن المؤثر في النفس البشرية، لأنه ينفذ إلي الحواس ثم الذهن، ليتولد الشعور الداخلي للإنسان، الذي يحدث التأثير الجمالي للعروض المسرحية.

وإذا ما تتبعنا كيفية اكتشاف الإنسان لعرض (المسرح)، سوف لا نجد كتابات تذكر في هذا الصدد سوى الحديث عن بعض الطقوس التي تولد منها فن الدراما، ولكن في مصر القديمة سوف نجد أن الموضوع يختلف فقد ظهر في مصر القديمة ثلاث أشكال منفصلة (الاحتفالية.. الطقس.. العرض المسرحي) وجميعها مختلفة.

وما يهمنا هنا هو عرض (المسرح) المصري القديم، فهل ظهر هذا العرض فجأة، أم أن سبقه مجموعة من التجارب حتي يتسق في صورة مقبولة ومعتمدة جماهيريا، وبالطبع قام الفنان بمجموعة من التجارب ليصل إلي شكل العرض المسرحي الذي تستطيع الناس قبوله.

على ما يبدو أن التجربة عند الفنان المصري في (المسرح) لم تكن هينة بل أخذت وقت طويل

الشكل المسرحي التأثيري

وعلى ما يبدو أن التجربة عند الفنان المصري في (المسرح) لم تكن هينة بل أخذت وقت طويل، حتى تكونت لدية المعرفة التأثيرية، ونقصد بها كيفية التأثير في الآخر، وأصبح حاذقا (مثقفا) في تلك المعرفة.

فالإنسان كائن يتأثر في مواقفة العامة والخاصة، من خلال قول أو رؤيا تثيره، ومن تلك المعرفة مر الفنان المصري القديم بمجموعة من تجارب (المسرح) حتي يصل للشكل المسرحي التأثيري، وتظهر صورة العرض المسرحي.

ويمكننا تخيل التجربة معا، فيبدو أن أول ما فكر فيه الفنان هو تقسيم المساحة المكانية بين (ممثلين.. ومشاهدين) ، فأصبحت مساحة التمثيل هى مسرح الأحداث التي هي موضوع العمل، وأصبحت مساحة المشاهدين هى المكان الذي يشاهد منه الحدث.

ولكن ما هو الموضوع الذي سوف يجذب مجموعة من النظارة لرؤيته ومعرفته، فلابد من موضوعات تهم هذا الناظر، والموضوعات بالطبع سوف يكون لها مصدر يرتبط بالوجدان العام للمشاهدين، ومن معرفة ذلك التحم الفنان بالمشاهد وجدانيا، وأخذ يقدم ما يحب أن يراه المشاهد.

ولكن التجربة لم تزل في مرحلة لم تفي بالغرض، فلا بد من زمن معين يستطيع المشاهد تحمله لكي لا يترك العرض ويمل وينصرف، وهنا عمل الفنان على الزمن، ودخل في تجربة الزمن الذي يتحمله المشاهد، فمن هذه التجارب صنع زمن عرض (المسرح).

ومن التجارب صنع التكثيف والتركيز ودمج الأحداث، ومن التجارب أصبح للعرض زمن خارجي، والذي يجمع الممثلين بالمشاهدين، وزمن الأحداث التي يمثلها الممثلين، وعرف من هذا الزمن الطاقة التمثيلية للممثل.

فللمثل طاقة تمثيلية (أي المجهود الذي يبذله في التمثيل) والزمن الذي يتحمله الممثل لكي يؤدي عمله بلا تعب ولا إجهاد حتي يتقن دوره، ولهذا كان لكل ممثل قدرات تمثيلية في أداء الدور.

ولا زلنا في طور التجربة، فعمل على إدخال المنظر المسرحي، وهذا له تأثير خاص، لأنه منظر تمثيلي يحاول الاقتراب من (مسرح الأحداث)، وعمل على إدخال المؤثرات السمعية والبصرية ( الخدع ، والموسيقى .. إلخ).

وفي كل مرة تزداد التجربة نجاحا من حيث قبولها للجمهور، إلى أن وصل الفنان في تجربته إلي شكل عرض (المسرح) في صورته الفنية بعد تجارب عديدة وأصبح له أسس وقواعد، يتعلمها الفرد لكي يمارس هذا العمل.

ظهر العرض المسرحي في مصر القديمة متسق ومقارب تماما لعروضنا المسرحية الحديثة

العرض المسرحي في مصر القديمة

وقد ظهر العرض المسرحي في مصر القديمة متسق ومقارب تماما لعروضنا المسرحية الحديثة، مما يعني أن المصريين القدماء هم مخترعين فن العرض المسرحي، ولكن هذا الفن مر بمجموعة من التجارب حتي وصل إلي شكل فن تأثيري، وأصبح له متذوقين ، وله قيمة جمالية  للمجتمع المصري القديم.

وهذا هو مفهوم التجريب، ونعني به الوصول إلي شكل ومضمون، وأصبح  هذا الشكل والمضمون علم يتعلمه الممارس لمهنة الفن، وهذا سيؤدي بالطبع إلي وظيفة النقد.

فباعتماد هذا النوع الفني، وفهمه سوف تتم عملية نقد له، فقد يقدم عمل على أنه مسرح وهو ليس بمسرح، أو قصيد شعري مزيف، وهى أولى مراحل النقد، وبعد ذلك ينفذ النقاد، إلي كيفيه الاستخدام الأمثل للأسس والقواعد التي قدمها الفنان للحكم عليها.

وننوه بأن (المسرح) المصري القديم وصل إلينا في صورة عرض مسرحي، بعكس الدراما اليونانية التي وصلت إلينا في صورة نصوص ولم نري كيفيه عرضها، وهذه العروض المصرية القديمة لها كراسات إخراج، ومدونات عن شكل المكياج الخاص بالممثلين والممثلات.

ونجد لها وصفا في جدارية (Ikhernofret – إيخر نفرت) أول ممثل في التاريخ، وقد تحدث عنها (هيرودوت).

وبهذا يكون الفنان المصري القديم، وهو الذي قام بمجموعة من التجارب ليصل إلي صورة العرض المسرحي، المعتمدة جماليا، وقد أصبحت علم يتم تعلمه لمن سوف يمارس المهنة، وقد تنبه العالم الغربي لهذا حديثا فأصبح (المسرح) في ألمانيا علما، وقد سبقهم إلي ذلك المصري القديم.

وأهم ما في العرض المسرحي هى بنيته فكثيرا ما نسمع أن العرض المسرحي: هو (مكان، موضوع ممثل ، جمهور)، ولكن البنية تتكون من الخيال والحس والإدراك والشعور، وهذه البنية هى العلاقة التي تربط المشاهدين بالعرض وبالممثلين.

وفي عالمنا المعاصر يظهر علينا التجريب بصورة غريبة، فالمصطلح مشوه (بمعني أنه غير مفهوم)، والعروض منفرة لا تعمل على الالتحام بالمشاهد، بل تعمل على تغريبه، من خلال الفوضى الحسية (المستقبلات للعرض)، مما يؤدي إلي الصدمة الذهنية، مما يتولد عنه شعور بليد صامت، ناهيك عن لغة النقد عقيمة الذهنية.

وننوه بأن العرض المسرحي ظهر إلي الساحة الفنية من خلال مصر، عبر تجارب كثيرة حتى ظهر في صورته، فالتجربة انته ، ولكن التطوير الجمالي قائم.

وسوف نقدم مجموعة من المقالات تتحدث عن طرق التطوير في العرض المسرحي وسوف يندهش القارئ، بأن هذا التطوير على العرض حدث في مصر مخترعة العرض المسرحي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.