رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: المكان والتجريب في (المسرح) المصري القديم

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال غلول

(المسرح) كلمة دالة على بقعة جغرافية من الأرض محددة تدور فيها أحداث في زمن معين ، وهذا دال من معاناه في اللغة مَسْرَح (مفرد): مَسارِح: اسم مكان من سرَحَ: مَرْعي (القرية مَسْرح طفولتي) مَسْرَح الجريمة/ مسرح الحدث/ مسرح الحادثة: المكان الذي ارتكبت فيه.

(فن) مكان مرتفع تمثل عليه المسرحية (ذهبنا إلى المسرح وشاهدنا المسرحية الجديدة)، وهذا المكان في الفن يرتبط بفن التمثيل، فإذا كان المعنى في اللغة يدل على مكان تحدث فيه أحداث حقيقية، فإنه في فن التمثيل هو المكان الذي تحدث فيه أحداث تمثيلية متخيلة.

والفنان يصمم المكان المسرحي حسب نوعية العرض التمثيلي، وهذا يعني أن المساحة المكانية المسرحية يتم تصميمها  وفق طبيعة العرض المسرحي، ولهذا فإن للمكان  يكون له تأثير أعمق على المتلقي المُشاهِد لعرض (المسرح)، إذا اتفق مع مكان العرض.

ولهذا مثل الفنان المصري القديم عروضه داخل المعبد في (مسرحية الأسرار) الخاصة بأوزيريس، وكان تصميم المساحة الخاصة بالتمثيل عبارة عن بحيرة، وحديقة محاولا الاقتراب من المكان التي تمت به الحادثة.

فلم يتم صنع منظر مسرحي إيهامي كخلفية، للتمثيل بل صنع منظر يقترب من الطبيعي، واستخدم القارب.. إلخ ، مما جعل المشاهد ينفعل بالعرض أكثر، كأنه يشاهد الأحداث في أماكنها الطبيعية.

صنع الفنان مكان مسرحي طبيعي يشابه مكان القتل

صنع الفنان مكان مسرحي

فالمكان في تلك المسرحية كان له أثر في وجدان الجمهور، ولهذا صنع الفنان مكان مسرحي طبيعي يشابه مكان القتل، ليكون التأثير عميق، ويشعر المشاهد كأنه في قلب الحدث .

ولما كانت أرض مصر بالنسبة للمصريين أرض مقدسة، ومعظم مناطقها دارت فيها أحداث قدسها الإنسان المصري، فقد عمل فنان (المسرح) مسرحية كاملة معظم أرض مصر، عندما عزاها الفرس.

فلم يتحدث المسرحي المصري القديم عن بطولة أشخاص أو احتدام المعركة بين الجند المصري والفارسي، بل ركز على ما فعلة الفرس بأرض مص ، وجعل من الأرض التي احتلها الفرس بطل العرض المسرحي.

فلم نجد في العرض أشخاص، بل أماكن (أقاليم مصر) وما حدث بها، فلم يذكر جندي، أو قائد معركة بل ذكر ما حدث من الخراب للأقاليم المصرية، فهذه الأقاليم كانت موضوع العرض.

وكأنها البطلة في هذا العرض ، فلم نرى مسرحية تتحدث عن ذلك من قبل، وهذا موضوع جديد جدا داخل فن (المسرح)، ونسوق بعض الأمثلة على ذلك:

مدينة منف

تخريب مدينة منف

لقد ارتكب الجرم، وعاد إلى الشر

وأيقظ الفتن من جديد

والقى بالكوارث في الهيكل الأكبر لمنف

واشاع التمرد في منف

( نهب الأرض، واعتدائه على المقدسات)

أنظر أيضا، لقد نفذ إلى السرابيوم في منف

وأنزل الكارثة بمعبد أويت

لقد قطع شجرة ساؤزيس المقدسة

واصطاد سمك البحيرة الكبرى

اقتنص الحيوانات وألقى الشباك على الطير

في معبد ذلك الذي يسود الدور

(توغل الفرس في الأراضي المصرية، حتى الشواطئ)

مشى بخطى واسعة فى حت وعبت

وتردد صدى صوته فى مجلس التاسوع الإلهى

أثار الحرب وأشاع الفتنة

عند آلهة منسوت

وعاد يرتكب إثما كبيرا

على شواطئ تيس

(انتقاله إلي مدينة بوزيريس، ومنديس)

أحدث الاضراب فى بوزيريس

فعم الحزن مدينة منديس وإقليمها

لقد احتل سرابيوم منديس

ورفع صوته داخل جدرانه

وحمل الشجرة المقدسة لسايس مدينة الإلهة نيت

وأفسد حلى المعبد

وأثار الفتن في الجبانة

(مدينة خرى محا)

وحث على القتل في مدينة خرى محا

لقد أدخل ما يبغضه آتوم

في معبد التاسوع الإلهي

أثار الحرب وبث الفتن

في معبد أمون الأكبر فى الجبانة

لقد عمد إلى الحرب وخلق المنازعات

في معبد روح الشرق

(مدينه صفط الحنة، وإقليم شنن ومدن روح الشرق)

قصد صفط الحنة وعبر إقليم شنن

وخرب شجرة النبق المقدسة التى تمثل خضرتها رخاء البلاد.

احتل غيضة ساؤريس المقدسة

حيث يكثر شدر السنط الذى فيه الموت والحياة معا

لقد شاء أن يأكل من لحم القط المقدس

أمام أمه باسنت

أنظر أيضا لقد تغذى بالسمك البوري

فى مدن روح الشرق

(مدينة طيبة، وهليوبوليس، وأبدو)

لقد ارتحل في حملة ضد جبانة طيبة

في وجه رع الذى في السماء

ونعم بمذاق الكبش

فى معبد أمون المعظم

ورفع يده على النبات المقدس

فى وجه كبش منديس

وفرض المذابح بين شعب بوزيريس

وفى وجه أونوفريس المبرأ

لقد نعم بمذاق سمك أبدو وأكل من البورى

فى قاعة هليوبوليس الكبرى

(بحيرة أشجار تمو)

لقد ألغى طقوس بحيرة أشجار تمو،

وجفت بحيرة البقرة المقدسة

لقد أعد مشروعا لكي يكون قاطع طريق، وشاء أن يفرض نفسه

إن الشقاء ليبدأ في المكان الذي يوجد فيه، وهذا عكس ما أمرت به

نلاحظ أن العرض المسرحي كله يتحدث عن الأرض المصرية

الأرض هى بطلة العرض

ومما سبق نلاحظ أن العرض المسرحي كله يتحدث عن الأرض المصرية، فالأرض هى بطلة العرض، ولا وجد لأية أبطال داخل العرض، بل أن جميع شخصيات (المسرح) المصري من الآلهة المزعومة غير متواجدة,

فالتمثيل في هذا العرض يعتمد على ارتباط الجمهور المصري (الشعب المصري بأرضه)، ويعتمد على خيال المشاهد في تخيل الأرض المصرية، فهى أرضه ويعرفها تماما، ولا حاجة إلى تصوير ذلك بديكورات أو مناظر مسرحية، أو شخوص بشرية فهي مأساة شعب مصر التي عاشها من خلال احتلال الفرس.

وبهذا تكون مصر من أوائل الدول في العالم التي قدمت نص تجريبي، موضوعه كله عن أرضه، ويعتمد على خيال المشاهد في تخيل الموضوع الممثل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.