بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
أيقن (إحسان عبد القدوس) من تجارب السجن والمضايقات الأمنية المستمرة أن قبضة ثوار يوليو قد أغلقت أفق الحرية في كتابة المقال السياسى.. وأن كل مقال يعبر فيه عن رأيه الصريح، كما اعتاد في عهد التعدد الحزبى للعهد السابق هو خطوة تزيد من الهوة بينه و بين صديقه القدبم جمال عبد الناصر.
ولأن الصحافة السياسية دون تنفسها ما يكفى من الحرية هى مجرد عشرات الأطنان من الأحبار المسكوبة على مئات الأطنان من الورق.. تنتهى جميعها إلى محارق القمامة.
لذا قرر (إحسان عبد القدوس) تغيير دفة روحه المتمردة من التمرد السياسى الصحفى المباشر إلى التمرد الأدبى غير المباشر.. سواء من خلال كتابة الرواية أو الأفلام السينمائية.. كانت معظم أفلام (إحسان عبد القدوس) هى مقالات سينمائية يكتب فيها بالكاميرا وجهة نظره في التغييرات السياسية والاجتماعية.
كتب (إحسان عبد القدوس) ما يقرب من 600 رواية وقصة قصيرة.. تحولت 49 رواية منها إلى أفلام سينمائية.. وخمس روايات تم مسرحتها، و6 روايات إلى مسلسلات إذاعية بالإضافة إلى العديد من المسلسلات التليفزيونية، كان من آخرها مسلسل (لن أعيش في جلباب أبى).
أصبحت أفلام (إحسان عبد القدوس) أول أفلام عربية تم عليها رفع شعار (للكبار فقط)، وقد كانت رواياته غاصة بالمشاهد الحميمية.. علل (إحسان عبد القدوس) ذلك بان الجنس هو إحدى أهم الدوافع الخفية لتحركات الشخصيات في الحياة.
وقد دافع عنه طه حسين بقوله: (إحسان عبد القدوس) كاتب يصعب الدفاع عنه فكل شيء يقف ضده حتى في نجاحاته.. لكن (عباس العقاد) برغم كونه الكاتب الأول لروزاليوسف، ورغم علاقته الوطيدة بصاحبتها (أم إحسان)، إلا انه أصر على أن يلصق به نعت (صاحب أدب الفراش).
قصة (أنف وثلاثة عيون)
وألصق به البعض الآخر لقب (رائد مدرسة الأدب العارى في مصر)، وقد تقدم أحد رجال القانون في الستينات ببلاغ للنائب العام يطالب فيه التحقيق مع (إحسان عبد القدوس) بتهمة تحطيم القيم الخلقية، والدينية والدعوة إلى الانحلال وإفساد الشباب.
وذلك في الفترة التي كان ينشر فيها قصة (أنف وثلاثة عيون) التي تحولت فيما بعد إلى فيلم تعرض للكثير من المناوشات الرقابية، وقد كانت الرقابة الفنية بالمرصاد دائما لأعماله.
ففي فيلم (البنات والصيف) قامت الرقابة بتعديل النهاية بجعل البطلة (مريم فخر الدين) تنتحر عقابا لها على خيانتها لزوجها بعكس القصة الأصلية.. كذلك فرضت الرقابة على فيلم (لا أنام) نهاية مأساوية للبطلة بأن قامت بحرق نفسها كعقاب ذاتى على شرها.
أما عن فيلم (يا عزيزى كلنا لصوص)، فقد تم منع عرضه لمدة عامين لأنه شمل بالاتهام كل طوائف الشعب بدءا من المسؤولين والوزراء وانتهاء بالمواطن نفسه بتفشى وباء اللصوصية بينهم جميعا.
كذلك فيلم (حتى لا يطير الدخان)، فقد قاومت الرقابة ولادته ورفضته بقوة حتى دب اليأس في صدر المنتج، ليتقدم المخرج (أحمد يحيى) إلى لجنة التظلمات ويحصل بعد عناء على الموافقة كنهاية لمعركة طويلة وشهيرة في الوسط الفني.
أصبح (إحسان عبد القدوس) يكتب مقالاته سينمائيا بالكاميرا لتتوازى مع التغيرات السياسية و الاجتماعية.
لذلك.. وفي عام 1954 ومازالت بقايا سحب دخان حرب فلسطين منعقدة في آفاق مشاعر العرب تم إنتاج فيلم (الله معنا)، من إخراج (أحمد بدرخان)، وبطولة (فاتن حمامة وعماد حمدى)، وتدور أحداثه حول (أحمد) الضابط بالجيش المصرى الذى يسارع بالانضمام إلى حرب فلسطين بعد أن ودع حبيبته وابنة عمه الثرى (نادية).
في الميدان تنفجر قنبلة فاسدة كان يحملها (أحمد) لتتسبب في بتر ذراعه ويعود ليبدأ في متابعة سلسلة الفاسدين المتورطين في صفقات الأسلحة، ليكشف عنهم الستار الأسود واحدا تلو الآخر سواء من رجال السرايا.
وحتى (الملك فاروق) نفسه لنكتشف وسط الأحداث أن أحد هؤلاء المتورطين هو والد (نادية) التي تسرب وثائق فساد أبيها إلى الصحف لتتم معاقبته مع الآخرين.
في منتصف الخمسينات، وحينما ازدادت القبضة الأمنية تشنجا بمجرد تمكن (عبد الناصر) من الحكم.. حتى انه في مخازن المطابع تكدس ما يزيد عن 9 مليون نسخة لكتب لم يسمح بتوزيعها وبيعها.
كان (إحسان عبد القدوس) بما عرف عنه من تمرد على رأس قائمة الاضطهاد لينعكس ذلك بهروبه من الكتابة السياسية ليكتب أفلاما اجتماعية و رومانسية.
فيلم (الوسادة الخالية)
عام 1957 كتب لعبد الحليم حافظ فيلم (الوسادة الخالية).. وفي نفس العام تم إنتاج فيلم (لا أنام) لفاتن حمامة، والتي أدت فيه دور الابنة (نادية) التي انفصل والديها وتزوج أبيها التي ترتبط به أشد الارتباط من زوجة ثانية طيبة وودودة.
لكنها لم تسلم من محاولات (نادية) للإيقاع بينها وبين أبيها الذى طردها في النهاية متهما إياها بخيانته مع أخيه عم (نادية).
عام 1958 تم إنتاج فيلمه (الطريق المسدود) لفاتن حمامة و أحمد مظهر، حيث نشأت (فايزة) في كنف عائلة منحرفة تعمل فيها الأم و الشقيقتان في أعمال محرمة و يحاولن في إصرار جر شقيقتهن فايزة للسير في طريق الرذيلة.
إلا أنها ترفض فتكمل دراستها وتعمل كمدرسة وتقرر الانتقال إلى الريف لتبتعد عن هذا الفساد، لكنها في الريف تواجه فسادا من نوع آخر.
عام 1959 تم إنتاج فيلم (أنا حرة).. ورغم أنها قصة (إحسان عبد القدوس) إلا أن نجيب محفوظ هو من قام بكتابة السيناريو للفيلم الذى أخرجه (صلاح أبو سيف) وتشارك في بطولته (شكرى سرحان ولبنى عبد العزيز) التي قامت بدور فتاة تبحث عن حريتها و تكره القيود التي تواجهها في كل شيء.
بدءا بتربية أبيها الصارمة مرورا بالأفكار البالية للمهندس الذى تقدم لخطبتها فرفضته وكذلك قيود الوظيفة التي التحقت بها، ولم تجد حريتها في النهاية إلا عند اشتراكها في المقاومة السياسية رغم أنها انتهت باعتقالها، وقد كان في قصة الفيلم إشارة خفية لتردى مصر في القيود وبحثها الدؤوب عن الحرية المفقودة.
في مارس عام 1960 وبسينما (ديانا) كان العرض الأول لفيلم (البنات والصيف) والمركب من 3 قصص كانت أحداها بطولة (عبد الحليم حافظ وسعاد حسني)، متناولا علاقات الحب العابرة في مصايف فصل الصيف.
عام 1961 تم إنتاج فيلم (في بيتنا رجل) حول رحلة هروب (حسين توفيق) المشارك مع (أنور السادات) في اغتيال (أمين عثمان باشا)، واختبائه في بيت (إحسان عبد القدوس) نفسه.
ليتبعه بإنتاج فيلم (لا تطفئ الشمس) من إخراج صلاح أبو سيف وبطولة (شكرى سرحان وفاتن حمامة ونادية لطفي)، حيث عائلة يتوفى عنها الأب لتجد الأم نفسها مسؤولة عن خمسة أبناء.
ينضم (أحمد) إلى الجيش للمشاركة في المقاومة للعدوان الثلاثى، بينما يحلم (ممدوح) بإنشاء مشروعه الخاص ليحقق أحلام الثراء، أما (ليلى) فتقع في حب معلم البيانو المتزوج وتعيش كل من (فيفى ونبيلة) قصة حب مع زميل لهما في الجامعة، بينما الأم تدور في فلك هذه المشاكل محاولة السيطرة عليها كى لايفلت منها زمام الأمور.
ويستمر إحسان عبد القدوس بالكاميرا في كتابة مقالاته السياسية والاجتماعية..