بقلم المنتج الكبير الدكتور: إبراهيم أبوذكرى*
الموضوع هو أن النقابات الفنية الثلاثة مقدمة هذه الايام مشروع قانون مطول به أكثر من طلب معروض على مجلس النواب، بدعوي زيادة الموارد الخاصة بها لرعاية اعضاء النقابات وهذا حقها خدمة لـ (الفن) والفنانين.
لكن الذي يهمني هنا هو ما ورد ضمن مشروع هذا القانون والمطالبة بإصدار تشريع بمنح النقابات الفنية الثلاثة الضبطية القضائية، التي من الممكن أن يساء استخدمها وتحت قانون ونظام دولة محترمة .
ومن المعروف أن هذه الضبطية القضائية كانت من قبل بالفعل ممنوحة للثلاث نقابات بقرار وزاري من وزير العدل، واستخدم ضد منتجي (الفن) بمصر بصورة مزعجة، وأصبحت أداة ابتزاز من بعض أعضاء النقابة وبعض رؤساء الشعب الفنية بالنقابات وفرض على المنتجين عمالة معينه غير أكفاء.
وبذا كانت هذه الضبطية قد منحت لجهات يعتبر أعضاءها موظفين بعقود لدى المنتجين ومنحوا ضبطيه قضائية ضد من يوظفهم هم تجار هم خاضعين لقانون الغرف التجارية والنظام العام .
وكان قد أصدر وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند في 14 سبتمبر 2015 قرار برقم (6614)، منح فيه عدد من أعضاء مجلس نقابة المهن التمثيلية صفة مأموري الضبط القضائي.
وذلك بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2003، في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، كما أصدر قراراً مماثلا برقم (8737) منح فيه عددا من أعضاء مجلس نقابة المهن الموسيقية صفة مأموري الضبط القضائي.
وكنا قد رفعنا وعدد من المهتمين الإنتاج في (الفن) والإبداع في هذا البلد دعوة أمام القضاء الإداري لإلغاء قرار وزير العدل لعدم منطقتيه، لأنها تتعلق صفة (الضبطية القضائية) في الأصل بمنح الموكلين بإنفاذ القانون الصلاحيات الضرورية للقيام بعملهم الذي ينصب أساسا على كشف حالات الخروج على القانون وضبط مرتكبيها.
جهات تراقب تنفيذ قوانين
ولذلك فإن هذه الصفة تمنح بالأساس لرجال الشرطة كونها الجهاز الموكل بإنفاذ القانون بتعريفه، ولكن القانون يسمح بالتوسع في منحها لمن يمثلون جهات تراقب تنفيذ قوانين مختلفة تنظم ممارسة بعض الأنشطة، وتستدعي طبيعة عملهم أن يكشفوا المخالفات المرتكبة لهذه القوانين، مثل مأموري الضرائب ومفتشي التموين.
وحيث أن المؤسسات التي تمثل سلطات الدولة هى المعنية وحدها بإنفاذ القانون فإن القانون المنظم لمنح صفة الضبطية القضائية قد قصر إمكانية منحها على موظفي الدولة دون غيرهم.
ومن هنا يأتي المدخل القانوني الأول لدعوتي الطعن على قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لبعض أعضاء مجلسي إدارة نقابتي المهن التمثيلية والمهن الموسيقية للفصل في قضايا (الفن).
فهؤلاء الأعضاء ليسوا من موظفي الدولة، وإنما هم في الأصل ممارسون لمهن إبداعية لا يدخل في مجال عملهم اليومي بأي حال من الاحوال ممارسة دور رقابي على أي نشاط، ودورهم النقابي الذي انتخبوا لأدائه يقتصر على خدمة مصالح أعضاء نقابتيهم.
على جانب أكثر أهمية تتعلق الدعوى بانتهاك القرار المطعون عليه لحرية الإبداع في (الفن)، فحرية الإبداع هى في الحقيقة فرع من فروع حرية التعبير، وهى تتعلق بالحالات التي يتخذ فيها تعبير الفرد عن أفكاره ومشاعره صورا خارجة عن المألوف اليومي.
ومن شأنها في معظم الأحيان أن تحقق لمتلقيها إلى جانب إيصال الفكرة أو الشعور قدرا من المتعة، وعلى الرغم من أن للإبداع صور تقليدية متعارف عليها تصنفه بين ألوان مختلفة من الفنون، إلا أن تعريفه العام كأحد فروع حرية التعبير يترك مجاله دائما متسعا للجديد الذي قد لا يمكن تصنيفه تحت أي فن معروف.
ولذلك تبقى حرية الإبداع في (الفن) حقا لصيقا بالإنسان بصفة عامة ودون تخصيص لفئة بعينها دون غيرها، ولا يجوز بأي حال تقييدها بحدود الكيانات المنشأة أصلا لحماية حقوق من يمارسون صورا بعينها منها.
وقد عكس الدستور المصري هذه الحقيقة في نص المادة (65) فى دستور 2014 الذي ينص بأن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولا أو كتابة أو تصويرا أو غير ذلك من وسائل النشر، وحرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة.
وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة.
إلغاء الضبطية القضائية
وتم بالفعل الحكم بإلغاء قرار وزير العدل وإلغاء الضبطية القضائية من النقابات الفنية وإسناد جميع المخالفات التي تراها النقابات إلى النيابة العامة ونشرت الصحف المصرية بعناوينها:
انتصار جديد لحرية الإبداع وضوابط العدالة الجنائية.
القضاء الإداري يوقف قرارات منح النقابات الفنية صفة الضبطية القضائية، ويحيل 3 مواد للدستورية العليا.
حكمت محكمة القضاء الإداري الآن بوقف تنفيذ قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لأعضاء من مجالس إدارة نقابتي المهن التمثيلية والمهن الموسيقية.
وأحال القضية إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية، والمادتين (5 و5 مكرر) اتحاد نقابات المهن التمثيلية والموسيقية والسينمائية.
وبعد الغاء هذا القرار ومنذ فترة استقبلت اللجنة المشكلة برئاسة الدكتورة (درية شرف الدين) وممثلي النقابات الفنية، الذين أصروا وقتها على فكرة منحهم الضبطية القضائية، معتبرين ذلك سلاح لهم لمواجهة الإسفاف وبالتحديد في عالم المهرجانات.
وظن البعض أن حضور ممثلي النقابات وترحيبهم بمنحهم الضبطية القضائية بقرار من وزير العدل يحسم الجدل حول فكرة (الضبطية القضائية)، لكن المثير أنه عندما ناقشت لجنة الإعلام برئاسة النائبة درية شرف الدين المادة رقم مادة رقم (70 مكرراً) من مشروع القانون والخاص بمنح الضبطية القضائية للنقابات الفنية.
وتنص هذه المادة على: (يصدر وزير العدل بالاتفاق مع النقيب المختص قراراً بتحديد من لهم صفة الضبطية القضائية في تنفيذ أحكام هذا القانون)، وقعت نفس حالة الجدل لجنة الإعلام بمجلس النواب بين مؤيد لفكرة منح الضبطية القضائية للنقابات الفنية وبين معارض.
منح صفة الضبطية للنقابات
ونجح المعارضين لمبدأ منح صفة الضبطية للنقابات باعتباره قيد على ممارسة الابداع في (الفن)، وقد يساء استغلاله من قبل أعضاء النقابة، كما أن محكمة القضاء الإداري سبق وأن أصدرت حكما ببطلان قرار وزير العدل بمنح صفة الضبطية القضائية للنقابة وجب احترامه من قبل اللجنة.
الجديد بالموضوع أن النقابات الثلاث يجددون الطلب بالضبطية القضائية، لكن هذه المرة بقانون هو معروض الآن بمشروع قانون أمام مجلس النواب.
الأهم أن صدور مثل هذا القانون سيكون منافي للدستور المصري الذي يعطي الحق لكل المواطنين في الإبداع في كافة مجالات (الفن)، ويفتح المجال إلى منح الضبطيات القانونية للمجتمع المدني بأي صورة يلبيها، سواء نقابات غرف تجاريه اتحادات.
تكون بهذا تناسبنا حق المواطن وهذه المؤسسات في اللجوء إلى الشرطة والنيابة العامة في حالة الإضرار بمصالحها أو بسياساتها.
ونحن هنا أيضا نؤكد على النظام العام للدولة، وه دولة مؤسسات بالمجتمع وكل النيابة العامة التصدي للجرائم والمخالفات بكل نواحيه، وهى الفيصل في كل ما هو خاص بالمجتمع.
وللتعريف بالضبطية القضائية: فهي مجموعة من الإجراءات والاختصاصات والعمليات الخاصة التي يُنفذّها المسؤول عن الضبط القضائيّ؛ من أجل البحث حول جريمة معينة أو الأشخاص الذين ارتكبوها؛ بهدف جمع التحرّيات الخاصة بها.
وتُعرَّف الضبطيّة القضائيّة بأنّها دور الأجهزة المسؤولة عن تنفيذ المهام التي تساعد على معرفة جريمة ما، مثل دور جهاز الأمن، وهذا لم نجده في أي مؤسسة خدمية بالمجتمع المدني.
ونؤكد هنا بأن بصدور مثل هذا القانون للنقابات الفنية يصبح حق مكتسب لبقية النقابات وكل نقابة تأخذ حقها بيديها، ومزيدا من الفوضى القانونية والإدارية والمؤسسية يسند إدارة والإشراف على المحاكم الاقتصادية للنقابات المهنية والفنية والعمالية، كل في اختصاصه.
هل مثل هذا الموضوع لا يحتاج الي وقفة ومناقشه وإبداء الرأي في مثل هذه القوانين الطاردة للاستثمار المصري والعربي في (الفن ) والإعلام بمصر المحروسة.
* رئيس اتحاد المنتجين العرب