رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: مستقبل (الثقافة) في مصر (3) عقبات في طريق الإبداع!

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

منذ ما يقرب من عامين كتبت في نفس هذا الموقع في قضية (الثقافة) المصرية، أن مسرحنا المصرى مسكين لا يقوم من كبوة حتى يقع فى عثرة، وكأنه قد كتب عليه ألا يسلم أبداً من العقبات.

فبعد أن اختفى مسرح القطاع الخاص أو كاد – فلم يتبق منه سوى فرق قليلة تعد على اصابع اليد الواحدة لاسباب اقتصادية و أصبح الأمل منوطا بمسرح القطاع العام بصفته الجناح الوحيد الباقى من المسرح المحترف، نجد أن هناك من يضع فى طريقه العقبة تلو العقبة.

و كأن حديث السيد رئيس الجمهورية حول القوى الناعمة و(الثقافة) وأهميتها وحول ضرورة العمل على ترقية وعى المواطن لاتصل إلى آذان الجميع ولا يضعونها موضع التنفيذ،  فنجد من يحاول قتل إبداعات المسرحيين، وكأنها لا تمت بصلة لكل قضايا (الثقافة) التى يتكلم فيها السيد الرئيس ويدفعنا دفعا إلى إنجازها.

وسابقا تكلم المسرحيون في عدة ندوات ومؤتمرات وموائد مستديرة عن العقبات التي تجابه الانتاج المسرحى، و لم يقف الأمر عند هذا، بل كانت جلسات الحوار الوطنى مليئة بالشكاوى و عشرات الأوراق التي تشرح الأمر.

كما قامت لجنة المسرح التابعة للمجلس الأعلى للثقافة بتقديم مذكرة رسمية للدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة (الثقافة) السابقة تشرح تلك العقبات، والتي تتمثل في اتجاهين أساسيين: الأول تحرير الإنتاج المسرحى من قيود القوانين واللوائح و الثانية إعادة ترتيب البيت من الداخل، ولن تتم الثانية دون تحقيق الأولى.

أولى تلك القيود هى تطبيق قوانين لا تصلح لعمليتي (الثقافة) والفن، ومنها الفاتورة الإلكترونية، وهى (نظام إلكترونى يضمن دخول جميع الأنشطة والخدمات داخل المنظومة الضريبية للدولة، للقضاء على الاقتصاد الأسود (الاقتصاد الموازى لاقتصاد الدولة).

ذلك الذى يتم بعيدا عن النظام الضريبى لها ولا تستفيد منه الخزينة العامة، ولا أحد بالطبع يلوم الدولة على إجراءاتها لمكافحة الاقتصاد الموازى أو الأسود، ولكن موظفى الدولة وهم ينفذون تلك الاجراءات لايفرّقون بين الحالات التى يجب ان يتم فيها تطبيق النظام والحالات التى لا يجوز فيها تطبيقه.

القيود تتمثل في تطبيق قوانين لا تصلح لعمليتي (الثقافة) والفن

أهداف الفاتورة الإلكترونية

فإذا كانت أحد أهداف الفاتورة الإلكترونية: انشاء أكواد موحدة للسلع تراجعها الجهات المختصة بصفة منتظمة لكى تتأكد من مطابقتها للمواصفات، فهل من الممكن إنشاء أكواد موحدة للتمثيل أو الغناء أو الفنون التشكيلية؟ ومن الجهة التى ستضع المواصفات القياسية له؟، وكيف ستطبقها؟، ومتى يتم قياسها؟

كيف تصر بعض الجهات في وزارة (الثقافة) – أقول بعضها وليس الكل – على تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية على المنتمين إلى مهن (الثقافة) الحرة من الفنانين و الكتاب والموسيقيين وغيرهم.

فلقد أفتت تلك الجهات بأن الفنانين – ممثلين و مخرجين و مؤلفين – يندرجون تحت هذا القرار، تحت دعوى أن القرار وزير المالية يشمل جميع (موردى الخدمات)، فهل الممثل مورد تمثيل؟، أو مقاول أحاسيس؟

وهل البناء الدرامى الذى يصنعه المؤلف يدخل تحت بند المقاولات؟، والمخرج بالتأكيد ليس مقدم خدمات  بل هم مبدعون، وإذا طالعنا ما تنشره وزارة المالية من توضيحات للفاتورة الالكترونية ستجد أنها تتحدث عن الشركات وكيفية تسوية القيمة المضافة بينها، واعتبارها من الشركات الأقل تعرضا لمخاطر ضريبية!

وإذا كان المبدعون لايملكون شركات لها أختام وتوقيع رسمى إلكترونى فلماذا الإصرار على تسجيلهم  فى نظام الفاتورة الإلكترونية!

بالإضافة إلى أن وجود بطاقة ضريبية للمهن الحرة شرط للتعاقد مع أى فنان، فلماذا المزيد من القيود والهدف من الفاتورة متحقق؟، بل إن الفاتورة الإليكترونية تنافى روح القوانين المنظمة للملكية الفكرية.

فتلك القوانين لا تعتبر الإبداع سلعة من الممكن بيعها و شرائها، بل هو منتج ابداعى يمكن للغير استغلاله لفترة محددة ومحدودة، مقابل مبلغ يتفق عليه الطرفان، والإصرار على استخدام فاتورة فى الأمور الإبداعية يعنى أنه تم بيع المصنف، وليس حق استغلاله فقط ، وهو ما يتنافى مع القانون.

وعلى جانب آخر ليس التمثيل والغناء والإخراج مادة ملموسة للبيع، بل هو نتاج فكري إبداعى فهل تصدر له فاتورة ؟

الأمر الثانى، الذى استحدثته الدولة لزيادة إيراداتها الضريبية إصدار قانون القيمة المضافة، وهى ضريبة غير مباشرة تفرض على معظم توريدات السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها، والمستهلك هو من يتحمل تكلفة هذه الضريبة في حين يقوم المنتج بتحصيلها واحتسابها وسدادها للحكومة.

تقدم الفنان الكبير (يحيى الفخراني) إلى مجلس الشيوخ بمشروع تعديل للقانون

مشروع الفنان يحيى الفخراني

ثم فوجئنا بتطبيق تلك الضريبة على المبدعين!، فى البداية قيل إنها ستطبق على من يتجاوز دخله نصف مليون جنيه سنويا، ثم فوجئنا مؤخرا بطلب أن يسجل الجميع انفسهم فى تلك الضريبة و تقديم اقرار شهرى لها و سداد مستحقاتها فوريا.

ولا أحد يدرى ما علاقة ضريبة استهلاكية بالإبداع؟، أو لماذا يدفعها المبدع فى حين أنها ضريبة يتحملها المستهلك؟، ولماذا يتولى المبدع تحصيلها من جهة الإنتاج التى يتعامل معها (دونا عن كل أنواع الضرائب)، ويتولى توريدها للحكومة.

في حين أن القانون لم يلزم جهات الإنتاج بضرورة تسديدها للمبدع، وإنما ترك الأمر بين المبدع وجهة الإنتاج، لذا عليه أن يسددها لو امتنعت جهة الإنتاج عن ذلك، وإلا تعرض لعقوبة التهرب من الضرائب التي تصل إلى السجن.

ومؤخرا تقدم الفنان الكبير (يحيى الفخراني) إلى مجلس الشيوخ – بصفته عضوا فيه – بمشروع تعديل للقانون ينص على إلزام جهة الإنتاج بسداد الضريبة للحكومة مباشرة، فالمبدع سواء كان ممثلا أو مطربا أو مخرجا.. إلخ، لا يملك دفاتر منتظمة أو سجلات تمكنه من متابعة هذه الضريبة التي تسدد شهريا وليس سنويا.

كما لا يملك وسيلة قانونية لإجبار شركات الإنتاج على دفعها له لتوريدها للحكومة، وبالتالى وجود الفنان المبدع وسيطا بين المنتج و الحكومة لا فائدة له، وعليها تحصيلها من المنتج مباشرة.

الغريب أن وزارة المالية التي فرضت علينا القانون تمتنع عن سدادها، فعندما تتعاقد – كفنان – مع وزارة (الثقافة) يتم خصم الضرائب كلها من المنبع.

أي تقوم الجهة المنتجة بخصم كافة الضرائب التي تصل إلى 23% (على أحسن تقدير فهناك بعض الجهات تخصم 27%) من قيمة التعاقد قبل أن تصل إلى يد الفنان، وتقوم بتوريدها لمصلحة الضرائب، ولكنها تمتنع عن دفع قيمة ضريبة القيمة المضافة.

وهو 10%، والتي يفترض القانون أن يحصلها الفنان ويسددها للضرائب بشكل شهرى، وبعد ذلك تسجنه الحكومة لأنها لم تسدد الضريبة للفنان، ثم تستلمها منه مرة أخرى.

وأمام هذا العبث لا يسع المبدع سوى سدادها ليصل مجموع ما يخصم منه ضرائبيا 37 % (هذا عدا الدمغات و الاستقطاعات الأخرى)، ويسألون بعد هذا: لماذا يهرب الجميع من التعامل مع مسرح القطاع العام؟

و فى معظم دول العالم يتم رد قيمة الضريبة المضافة للسائح عند مغادرته!، وفى كل الدول التى تفرضها سواء تحت نفس المسمى أو تحت اسم ضريبة المبيعات، فيتم التسوية بين الشركات فيما تدفعها كل منها لتلك الضريبة.

أما فى مصر ونتاجا لتطبيقها على الأفراد فليس هناك تسويات تتم فى حساباتها، فلا أحد يفهم على أى اساس تم فرضها، بل إنها مشكوك فى دستوريتها، حيث رفعت نقابة المحامين قضية أمام المحكمة الدستورية، ولم يبت فيها حتى الآن برغم صدور رأى هيئة المفوضين، ولكنه ليس رأيا ملزما للمحكمة.

مما سبق – و من وقائع كثيرة أخرى – يثبت دوما أنه لا يصح أن تسرى القوانين التى تتعامل بها وزارات مثل التموين والصناعة على (الثقافة) والمسرح وعلى الفن عموما، قلناها من قبل، وقالها  كثير من المبدعين ولا تحتاج لحوار جديد بل تحتاج لخطوات تنفيذية تتم بالتفاهم بين وزارة (الثقافة) ووزارة المالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.