بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
لا صوت يعلو في العديد من الدول العربية هذه الأيام على الأصوات التي تتحدث عن الفيلم الهندي (حياة الماعز) أو The Goat Life الذي تدور أحداثه في بقعة صحراوية من المملكة العربية السعودية.
قصة فيلم (حياة الماعز) ومشاهده بالغة السوداوية تصيب المشاهد بالاكتئاب، وطبعا في ثنايا المشاعر تحمّله بقدر وافر من السخط على ذلك الكفيل قاسي القلب منعدم الرحمة تجاه إنسان مسلم مثله، وربما من هنا انطلق السجال او لنقل (الحرب الكلامية) بين الشامتين في المملكة والمدافعين عنها على مواقع التواصل الاجتماعي.
لفت نظري أن أحدا ممن تعرضوا للفيلم بالترحيب أو الرفض لم ينتبه الى تفصيلة غاية في الأهمية، وهى دور الوطن في حياة البطل الذي يدعى (نجيب محمد)، صحيح أن الفيلم ركز على دور الغربة وقسوة الكفيل وتم تصديرهما للمشاهدين باعتبارهما المسؤولين عن حياة العبودية والعذاب التي عاشها نجيب كما يظهر في الفيلم.
لكن ما لم يناقشه (حياة الماعز) أن خذلان وطنه له كان الدافع الرئيسي له لكي يبيع منزله وينفق مدخراته ويسافر إلى بلد لا يعرفه بالنسبة له كي يحقق أحلامه، ومن هنا يمكن القول أنه إذا كانت الغربة قاسية فإن الأوطان أحيانا تكون مجرمة في حق أبنائها حينما تدفعهم لإلقاء أنفسهم في المجهول بحثا عن حياة كريمة.
التفصيلة الثانية التي لم يتوقف عندها أحد هي أن مشكلة (نجيب) الرئيسية كانت في تعرضه للنصب من ابن مدينته ومواطنه الهندي الذي أوهمه بوجود عقد عمل في شركة سعودية ليحصل منه على المال.
مشكلة في كل المجتمعات
لكن الحقيقة أنه لم يكن هناك لا عقد ولا عمل وهى مشكلة تتعلق بالنصابين وصائدي الأحلام في دول كثيرة ولا علاقة للسعودية بها، ومن غير المعقول أن نحمل الدولة مسؤولية كل من وصل إليها منصوبا عليه.
هناك ملايين الوافدين الذين يعيشون في المملكة منذ ستينات القرن الماضي وربما قبل ذلك، منهم من يعملون في وظائف مرموقة أو جيدة ومنهم من يعملون في مهن وضيعة.
منهم من يتعرضون لمعاملة راقية، ومن يتعاملون بشكل غير إنساني وهذه المشكلة موجودة في كل المجتمعات بما فيها أعتى الديمقراطيات، فلا يوجد شعب في الدنيا نسيج أخلاقي وقيمي واحد، وإنما هناك الصالح والطالح في كل مكان.
شاهدت ملخصا لفيلم (حياة الماعز) الذي تصل مدة عرضه إلى حوالي ثلاث ساعات إلا ربعا كعادة أغلب الأفلام الهندية، وما شاهدته كان كفيلا باستيعاب ما كتبه آخرون عن كم الاكتئاب والحزن الذي يصيب من يشاهد الفيلم كاملا.
وربما كانت تلك المراجعات هى السبب في اكتفائي بمشاهدة الملخص الوافي لأن الدنيا (موش ناقصة) اكتئاب.
يحكي الفيلم قصة مواطن هندي سافر الى السعودية للعمل في شركة ما، لكي يتمكن من كسب أموال وفيرة تساعده في توفير حياة رغيدة لعروسه التي تزوجها لتوه وغادرها الى الرياض في شهر العسل.
ومن أجل تحقيق حلم الثورة باع منزله وأنفق مدخراته على مواطنه الذي وفر له تأشيرة العمل في المملكة.
المتناحرين على مواقع التواصل
لكن ما وجده نجيب في الواقع كان مختلفا تماما عما حلم به حيث لم يكن هناك كفيل ولا شركة في انتظاره، ووقع في أيدي مواطن سعودي مسن قاسي القلب بلا رحمة أخذه للعمل في مرعى للماعز يملكها في الصحراء القاحلة، حتى نجح في الهرب بعد رحلة شاقة ومؤلمة قبل أن يكتشف أن من عذبه وآذاه لم يكن حتى كفيله القانوني.
الغريب أن المتناحرين على مواقع التواصل الاجتماعي وبينهم الكثير من الأشقاء السعوديين تجاهلوا أن مشكلة الكفيل تم تناولها في واحد من أشهر الأعمال الدرامية السعودية وهو مسلسل (طاش ما طاش).
وكان عليهم أن يتفاخروا بحيوية الدراما السعودية وتماسك المجتمع هناك الذي سمح بمناقشة قضية حساسة دون تعقيدات بدلا من اللجوء الى حالة الاستعلاء المذموم للدفاع عن بلادهم.
كذلك فإن الشامتين في المملكة استنادا لما أحدثه الفيلم من ردود أفعال إيجابية منذ بدأ عرضه في دور السينما وعلى منصة (نتفليكس) تناسوا أن الدول القوية صاحبة التاريخ لا يهزها فيلم ولا مسلسل.
ولو كان ذلك ممكنا لانهارت أمريكا منذ عقود أمام الأفلام والمسلسلات التي تنتقد بقسوة مفرطة أوضاعا كثيرة داخل المجتمع الأمريكي وتتهم رؤساء بالتورط في مؤامرات على المجتمع هناك.