رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أمينة صبري صاحبة (حديث الذكريات) تحاور (عبد الله غيث) فارس المسرح عن طفولته (1)

* الفن كان هواية منذ الطفولة المبكرة، ويشاع عني أنني أتيت للقاهرة شابا، وهذا غير صحيح!، فأنا جئت للقاهرة وأنا طفل!

* قريتي (شلشلمون) لها أهمية تاريخية فيقال إنها كانت عاصمة لمصر وقت حكم سيدنا يوسف عليه السلام

* نشأت في جو ديني، وهذا كان له أثر في كفنان حيث إنني أحب وأجيد إلى حد ما تجسيد الشخصية الدينية والإسلامية

* عشقت الشخصية الإسلامية منذ الصغر من خلال الحياة المليئة بعبق الدين الذي عشته، وأنا أحب تمثيلها لأنها تسري في دمي منذ الصغر

* عمي (عبدالله) الذي سميت على اسمه لو قدر له أن يكون ممثلا كان من الممكن أن يكون أحسن ممثل في العالم.

بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري

هذا الأسبوع من مجموعة الحوارات التى قامت بإجرائها الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري) رئيس إذاعة (صوت العرب) الأسبق، مع أساطين الفن المصري، وخصت بها (شهريار النجوم)، تتوقف هذا الأسبوع مع فارس المسرح المصري الفنان الكبير (عبدالله غيث).

وننشر بداية من هذا الأسبوع وخلال الأسابيع الكاملة حوارها كاملا مع (عبد الله غيث)

عن كواليس هذا الحوار قالت أستاذتنا الكبيرة أمينة صبري: هذا الحوار من الحوارات التى لا أنساها، لأنني كنت من المعجبين بفن فارس المسرح (عبد الله غيث).

وكنت حريصة في معظم حواراتي في (حديث الذكريات) أن أستضيف نجوم مقلين في إطلالتهم الإذاعية، وكان (عبد الله غيث) مقل جدا في حواراته، فطلبته، وعرفته بنفسي، ورحب جدا بإجراء الحوار للبرنامج.

وقال لي: (أنني أسمع البرنامج جيدا، ومن المعجبين بطريقتك في الحوار لأنك تسألني السؤال وتستمعي إلى إجابة الضيف، و(عايز يقول إيه؟!)، ولكن غيرك من الزملاء لا يسمع ويكون مهموم بتحضير السؤال التالي، لهذا فأنا سعيد بالتسجيل معك).

تستكمل الإعلامية الكبيرة أمينة صبري ذكرياتها عن حوارها مع (عبد الله غيث)
حضرت أسئلتي وذهبت إليه في الموعد المحدد

ذهبت إليه في الموعد المحدد

وتستكمل الإعلامية الكبيرة أمينة صبري ذكرياتها عن حوارها مع (عبد الله غيث)، فتقول: بالفعل حضرت أسئلتي وذهبت إليه في الموعد المحدد، وبمجرد دخوله علي شعرت كأنه فارس من فرسان القرون الوسطى.

وقبل التسجيل تحدثنا بعض الوقت فأعجبني جدا، لأنه دمث الخلق، ومثقف ثقافة موسوعية، وخلوق، ومتواضع جدا، الحقيقة أنه بهرني بشخصيته الإنسانية.

وسألني قبل التسجيل في فترة من فترات حياتي وتحديدا في فترة الشباب كنت من أشقياء القرية، الذين يفعلون كل شيئ، فهل أذكر هذا أم أن هذا سيعطي الناس صورة سلبية عني؟!

فقلت له: أذكر هذا لكنك استطعت أن تنتشل نفسك من فترة الضياع هذه، وتعمل على تثقيف نفسك، وتصبح إنسان على خلق وثقافة ووعي.

والكلام عن فترة الشباب والضياع الذي عشت فيه لن يهز صورتك أمام الجمهور، ولن يكون ضدك، بالعكس، فلا تقلق! فقال لي: يعني ده رأيك؟!، فقلت له: أيوه، فقال: اتكلنا على الله.

وبعد إذاعة الحوار اتصل يشكرني وقال لي: (أنتي كنتي صح 100%، الحمد الله أن الناس الذين استمعوا إلى البرنامج لم تأخذ مني موقفا سلبيا، بالعكس أجلوا وأحترموا الصدق الذي تحدثت به.

ولقد سألتك لأنني أؤمن بالمهنية والتخصص، وأنت مهنتك معرفة الرأي العام عايز إيه؟ لكن أنا مهنتي فقط التمثيل.

والآن تعال بنا عزيزي القارئ نسترجع حوار الفنان الكبير (عبد الله غيث) مع أستاذتنا أمينة صبري:

تذكروا معي هذه الشخصيات (الفتى مهران، الحسين ثائرا وشهيدا، الزير سالم، الخال فانيا، قيس، كمال الطبال، السيد جاد الله الرجل ذو الوجه القبيح، الغريب، أبوذر الغفاري، الراوي، موسى بن نصير، ابن تميمة، السيد غسان القساني).

أما في السينما فتذكروا أيضا (أدهم الشرقاوي)، الضابط محمد في فيلم (ثمن الحرية)، حمزة في فيلم (الرسالة).

وفي الإذاعة (عابد المداح، ابن زيدون، عبدالجبار)، وأكثر من 30 مسرحة ناجحة من أهم أسباب نجاحها عبدالله غيث، صاحب التأثير الآسر على المتلقي، ومالك الموهبة الفنية الساحرة، وصاحب تجربة فريدة في الحياة، بدأت حواري معه كالتالي:

الفن كان هواية منذ الطفولة المبكرة

* أنا أتصور إن ذكرياتك ستكون ذكريات ثرية جدا، فأنا أعرف أنك لم تكن تخطط لأن يكون الفن هو حياتك أبدا؟

** (عبد الله غيث): الفن كان هواية منذ الطفولة المبكرة، ويشاع عني أنني أتيت للقاهرة شابا، وهذا غير صحيح!، فأنا جئت للقاهرة وأنا طفل، والحكاية ببساطة أن والدي كان عمدة قرية اسمها (كفر شلشلمون) مركز منيا القمح، محافظة الشرقية.

وهذه القرية لها أهمية تاريخية، فيقال إنها كانت عاصمة لمصر وقت حكم سيدنا (يوسف عليه السلام)، فأسمها يأتي من (شلمة أمون) وهو اسم فرعوني.

وأنا في عمري عام توفى والدي، فجاءت بي والدتي أنا وأخي (حمدي غيث) من القرية للقاهرة لأسرتها، فهي ابنة عالم كبير من علماء الأزهر، فجاءت بنا لكي نتلقى التعليم، فحياتي في الطفولة كانت موزعة بين شهور الدراسة في القاهرة، ثم أربعة أشهر وهى مدة الإجازة الصيفية نقضيها في القرية.

إحنا اثنين أشقاء، أمنا وحمدي، ولكن لنا إخوة أكبر منا غير أشقاء

* أنتم أثنان من الإخوة فقط؟

** (عبد الله غيث): إحنا اثنين أشقاء، ولكن لنا إخوة أكبر منا غير أشقاء.

* وكيف كانت الطفولة في القاهرة مع الوالدة وأخ أكبر فقط؟

** (عبد الله غيث): عشنا أنا وأخي حمدي ووالدتي في منزل أسرة والدتي، وهذا المنزل كان ربه وصاحبه رجل دين، أي جدي، فنشأت في جو ديني جميل.

وهذا له أثر فيّ كفنان، حيث إنني أحب وأجيد إلى حد ما تجسيد الشخصية الدينية لأنني نشأت في منزل يتمتع بصبغة الإسلام، وبالشخصيات الإسلامية الوطنية.

كانت قراءة القرآن الكريم مادة أساسية لذا أتقنت الأدوار الدينية في السينما والمسرح

* بمناسبة الحديث عن إجادتك تمثيل الأدوار الدينية والتاريخية، أنا أظن أنك حفظت القرآن الكريم أو جزء كبيرا منه لإنك تجيد العربية إجادة باهرة، ومخارج الألفاظ عندك سليمة سلامة الفصحى السلسة؟

** (عبد الله غيث): هذا أكيد لأنني ومنذ الطفولة الباكرة، وأنا استمع إلى تلاوة القرآن الكريم في منزلنا، وأيضا في المدارس الأولى كانت قراءة القرآن الكريم مادة أساسية، فكنت أعيش في رحاب القرآن.

وأتذكر أن العلماء كانوا يأتون إلى منزلنا في المساء، ونحن نجلس كأطفال نستمع إلى أحاديثهم الدينية، ونحن مبهورين وسط جدنا وخالنا.

* هل هذا الجو الديني الثقافي الفكري الجميل الذي كنت تعيش فيه، هل كان يثير خيالاتك؟

** (عبد الله غيث): بلا شك أنا عشقت الشخصية الإسلامية منذ الصغر من خلال الحياة المليئة بعبق الدين الذي عشته، وأنا أحب تمثيلها لأنها تسري في دمي منذ الصغر، وأنا لي خط في تمثيل الشخصية الإسلامية.

فأنا دائما أحب أن أظهر المسلم في العصور الأولى للإسلام، وصدر الإسلام والصحابة الأجلاء، أحب أن أظهرهم في ثوب الفروسية لأن الإسلام قام وانتشر على اكتشاف الفرسان الصالحين.

وأنا أعيب على الكثير من زملائي الفنانيين أنهم عندما يتصدوا لتمثيل شخصية من الشخصيات الإسلامية، أنهم يقدمون هذه الشخصية في شكل فيه كثير من البؤس والتجهم والكآبة.

ويكون في أدائهم رنة بكاء وكأبة وبؤس، هذا خطأ كبير، فالشخصيات الإسلامية ليست شخصيات كئيبة وبائسة، بل هي شخصية قوية شجاعة، فسيدنا (عمر – رضي الله عنه) من وصاياه أن علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.

وكيف يثبون على ظهور الخيل وثبا، الفرسان الصالحون هم المسلمون الأوائل الذين كانوا يستقبلون حتى الموت بمنتهى الابتسام والشجاعة، لأنهم يدركون أن ما بعد الموت سينعمون بالنعيم الذي لا حدود له.

وأنا أذكر بهذه المناسبة قصة الأعرابي البسيط الذي كان يأكل التمر وهو يشاهد معركة بين المسلمين والكفار وسط صليل السيوف والخيول.

وعندما احتدامت المعركة، نظر إلى المعركة وقال لنفسه ما بيني وبين دخول الجنة سوى أن يقتلني هؤلاء، فترك التمر ودخل المعركة، هذه الشخصية هى شخصية فارس شجاع همام لاعلاقة له بالكآبة والبؤس.

* أنت إذن نشأت وسط هذا الجو المليئ بالصدق الديني وبالحديث عن الشخصيات الإسلامية المليئة بالفروسية والشجاعة المثيرة للخيال والمهمة أيضا لكثير من القيم الأخلاقية؟

** (عبد الله غيث): هذا صحيح، كان هذا هو الجزء الأكبر في نشأتي، وأيضا القرية كانت لها تأثير كبير علي، صحيح أن القرية الآن تغيرت كثيرا، ولا أدري هل تغيرت للأفضل أم للأسوأ؟!، ولكن المؤكد أنها تغيرت عما كانت في طفولتي، ولكن بالنسبة لي أؤمن من خلال رؤيتي لها أن القرية قديما كانت أفضل.

الفلاح عبدالله القعيد في (الحرام)

* لماذا لا تحكي لنا عن القرية في حياتك وتأثيرها عليك وذكرياتك عنها؟

** (عبد الله غيث): أنا كنت أعيش في القاهرة ثماني شهور، وهى شهور الدراسة ثم أذهب في الإجازة المدرسية الصيفية للقرية، وكانت أربعة أشهر، وكان آخر يوم للدراسة في المدرسة كنا نحزم الحقائب لكي نسافر فورا للقرية.

وفي ليلة سفرنا للقرية كنت لا أنام لا أنا ولا أخي (حمدي) من شدة الإثارة والسعادة والفرحة، ونظل نحلم بالقرية، وكيف سنستقبل هناك من الأهل والأصدقاء؟!

وذلك لأننا في القرية كان لنا وضعنا، وهناك مثل يقول إنه خير لي أن أكون الأول في القرية من أن أكون الثاني في المدينة، كنا في القاهرة مثلنا مثل كل الناس، أما في القرية فنحن أولاد العمدة المتوفي.

وعمنا (عبد الله) هو العمدة الحالي، وأنا اسمي على اسم هذا العم، وكان عمي هذا من أجمل الشخصيات التي عاصرتها في حياتي، وورثنا عنه أنا و(حمدي) التمثيل، فلو قدر له أن يكون ممثلا كان من الممكن أن يكون أحسن ممثل في العالم.

كانت له قدرة غريبة في السيطرة على الجماهير وإثارة الخيال، فكان يأسر الجماهير والناس، كان دائما يجلس وحوله خمسين رجلا يستمعون إلى أحاديثه.

وكان صاحب صوت جهوري آسر، وكان محبا للحياة، وصاحب فلسفة وكلمة في الحياة، وكان جميل الشكل، وفارسا في مظهره ومخبره.

أما والدي فنحن نشأنا ونحن نسمع عنه الأساطير، فقد كان أول عمدة مثقف تشهده القرية المصرية، مثقف ومتعلم وخريج جامعات كمبردج في إنجلترا، فقد كان أمل جدي أن يكون والدي طبيبا.

وفعلا تعلم في القاهرة حتى انتهى من دراسة الثانوية فأرسله إلى انجلترا، لدراسة الطب، وأمضى هناك عامين، ورجع في إجازة فقامت الحرب العالمية الأولى فمنعه جدي من السفر مرة أخرى.

 وعوضه عن ذلك بإعطائه أرض أكثر من باقي الإخوة، فكان هذا الوالد المثقف له تأثير كبير على قريته، وكنا نسمع الحكايات عنه، ونتصوره كأسطورة، وكنا نسمع كيف كان والدي يقابل الإنجليز حينما كانوا يغيرون على القرى المصرية.

وكان والدي يتحدث معهم، ويجبرهم على أن يكفوا شرهم عن القرية، ويقال إنه أثناء عمله كعمدة لبلدنا لم تحدث أي حادثة سرقة في البلد بأكملها.

وكانت القرية تشهد فترة انضباط شديدة، حتى إن الفلاحين كانوا يتركون أدواتهم في الحقول والمنازل مفتوحة ليل نهار.

المهم أننا نشأنا، وفي أذهاننا هذا الأب الأسطوري الفارس.

…………………………………………………………………………………………

الأسبوع القادم نستكمل مشوار الحياة والفن مع فارس المسرح المصري (عبد الله غيث)..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.