بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
قد يكون الاعتقاد بأن ما حدث ليلة افتتاح (أولمبياد باريس) حول إعادة تشكيل لوحة دافنشي الشهيرة (العشاء الأخير) وما أثار ذلك من ردود فعل صاخبة، في كل مكان، ليس إلا موجة هادرة من موجات الدعاية الفجة لـ (المثليين)، لكنه أيضاً ليس إلا نوعا من السذاجة.
فالأمر يتجاوز مجرد دعاية لحقوق (المثليين) أو الانتصار لسلوكهم، فـ (المثليين) في دول الغرب – وقد نراه قريباً دول الشرق – قد أخذوا حقوقهم (تالت ومتلت)، ولم يعد (المثليين) في حاجة للمطالبة باعتراف المجتمعات بهم بعد أن ارتقوا أعلى المناصب السياسية، (وهم على بعد خطوة من كرسي المكتب البيضاوي في حال فشل ترامب).
بل ويحظى (المثليين) بدعم كثير من ملوك ورؤساء العالم الظاهرين والمخفيين، ولم يعد مدعاة للخجل أن يصحب رئيس وزراء أو وزير منهم، صديقه أو عشيقه أو زوجه، عياناً بياناً في رحلات رسمية وغير رسمية.
بل صارت مدعاة للفخر من جانب (المثليين)، وللتشجيع من جانب كبار مسئولين من غيرهم، حتى أن حقوق المثليين صارت في صدارة البرامج الانتخابية رئاسية او تشريعية، كما نلمح جانباً من أهم أسباب الدعاية ضد (بوتين) في حرب أوكرانيا، بأنه رئيس ضد (المثليين).
بينما قادة الغرب الليبرالي الصناعي يصرون على أن يكملوا مشوار (المثليين)، حتى ينطق كل شبر في الأرض، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بأنه مع المثلية وأنه سيأتى حتماً من سيملأ الأرض بالمثلية بعد أن ملأت بالذكورية!
ليس هذا فقط، فقد صارت المعضلة التى تقف ضد الضمير الإنساني، هى الموقف من المثلية، فإن كنت متردداً في موقفك – ولا مجال لأن تكون ضدها- فأنت لديهم متردد في إنسانيتك ومتهم في مروءتك.
كما لا يكفي أن تعترف سراً، إذ مطلوب منك ككائن مستنير، أن تجهر بموقفك كاختبار حقيقي لمدى تحضرك وإيمانك بالحرية والتنوير!
ترسيخ هذه المعتقدات
* لكن هل حقيقة يبدو الأمر هكذا وكأن هناك من يدفع لترسيخ هذه المعتقدات؟!
** نعم هناك من يدفع بكل المعنيين المرادين لكلمة (يدفع).
يدفع بمعنى الدفع الحركى تجاه ترسيخ أخلاقيات (المثليين) الجنسية، ولو خاض في سبيل ذلك الحروب و(الثورات) في كل مكان، فالمطلوب ليس مجرد سلوك جنسي شاذ يتم ترسيخه في الأذهان على أنه فعل حر وحق أصيل للإنسان.
لكن المطلوب أن ينتج عن هذه المعتقدات التى تم ترسيخها بقوة الحروب و الثورات، كائن مختلف عن التكوين الطبيعي للإنسان (ذكر وأنثى)، لذلك فلا سبيل إلا إلى تدمير المنظومات القيمية في المجتمع الطبيعي لتحل محلها منظومات أخرى تنفى هذه الثنائية الطبيعية والملغزة في نظرهم، فحتى هذه اللحظة.
فقد فشلت كل التفسيرات العلمية والفلسفية في تقديم مبرر وجودى لهذه الثنائية، لذلك كان لابد من تجاوزها إلى نوعية مختلفة تتحقق في مخلوق جديد يحمل صفات الإنسان ولكنه في صورة أكثر ذكاء وبقدرات فائقة.
بيد أنه سيكون أول كائن ليس نتاجا من الطبيعة أو توليدا لها من عناصرها الأساسية، لأنه سيكون مصنوعا بيد البشر، بمساهمة من التقدم في العلوم البيولوجية وباستخدام الهندسة الوراثية وتطور علم الجينوم البشري، وسيخرج إلى الوجود كنتيجة للتزاوج بين هذه العلوم البيولوجية، مع التقدم التقني الآلى.
وذلك بعد أن اتخذت الآلة وضعا جديداً مع تقدم التكنولوجيا الإلكترونية، مما أنتج الذكاء الاصطناعي في نهاية تلك المنظومة.
وبالفعل هناك معامل تجد البحث ليل نهار، لإنتاج هذا المخلوق الاصطناعي الذي يعتبرونه حلقة من حلقات التطور الموجه ولعله قريب الشبه بما بشر به المفكر الشهير (فريدريش نيتشة) وأطلق عليه اسم (سوبرمان).
وقد صار هذا هو مشروع القرن الواحد والعشرين، وهو التالى لمشروع الاستنساخ البشري والذي كان حديث العالم في منتصف التسعينيات الثاني من القرن العشرين، بعد نجاح استنساخ (النعجة دوللي) التى تم استنساخها في معهد روزلين في جامعة إدنبرة في أسكتلندا، يوم 5 يوليو 1996.
ولا ننسى الضجة العالية التى كادت تصم آذان العالم إثر الإعلان ظهور (النعجة دوللي) التى تنفست على الأرض وعاشت قرابة سبع سنوات، كأول إنتاج حى يخرج إلى الوجود، بدون الطريق التقليدي بين الكائنات الحية وخاصة (الثديات) التى تعلو شجرة التطور بين الكائنات.
تكاثر الكائنات الحية
إذن فقد أثبتت (دوللي)، أنه يمكن التكاثر بين الكائنات الحية، بلا حاجة إلى علاقة جنسية بين ذكر وأنثى، كما عهدت الحياة منذ خروج أول خلية حية وسط العماء الكونى لتعلن عن كائنات جديدة ستغزو الوجود.
وستبدأ سلسلة يكون فيها الحلقة قبل الأخيرة، ويمهد لظهور (السوبرمان النيتشوي) الذي قد يتمكن من مد السلسلة لإنتاج (سوبرمانات) جديدة سوف تغير من مفهوم الحياة بل الوجود كله.
(إذن فلابد من تحطيم كل أشكال الزواج التقليدية وبث دعايات وسن قوانين لتحطيم الأسرة كناتج متخلف عن هذا الزواج).
وهذه ليست ترهات أو تداعيات لخيالات علمية داعبت قرائح صناع أفلام هوليوود، لكنها مشروعات تمضى وكأنها تسابق الزمن نحو تحقيق هذا الكيان، الذي أطلق عليه مبدئياً (ما بعد الإنسان).
وربما سبق تخيل نماذج تمثيلية منه، مثل: (المرأة الخارقة، رجل بستة ملايين دولار الرجل الأخضر)، حيث كانت أشهر حلقات مسلسلة في ثمانينات القرن الماضي، وربما كانت نوعاً من التمهيد المبكر والتصور.
والذي تبين فيما بعد أنه مغرق في السذاجة بالنسبة لما قرره علماء القرن الواحد والعشرين في مشروعهم الجاري..
وكذلك المعنى الآخر للدفع، هو الدفع بمعناه المباشر أى بإنفاق مليارات الدولارات لتهيئة الذهنية العالمية لتقبل نتائج هذه المشروعات، فمن المتوقع أن شعوب العالم لن تفرط مرة واحدة في تراثها الديني والأخلاقي، ولن تستسيغ فكرة طرح منتجات حية (مطموسة الجنس).
لذلك انطلقت نداءات حول العالم تثيره ضد مفاهيم الهوية والشخصية القومية والوطنية، مع الطعن في كل دين ومذهب يمكن أن يرفض المستقبل المفروض فرضاً على العالم.
حيث داعب صناع (ما بعد الإنسان) تعطش الشعوب – لاسيما أجيالها الجديدة – إلى (الحرية) كبوابة واسعة لإدخال ما يمكن إدخاله وترسيخه في أذهان الأجيال المقبلة، حيث لا أسس ولا ثوابت ولا أصول، فلا تلبث هذه الكلمات أن تصبح ذات مدلولات منفرة ومتهمة بالانغلاق والرجعية ومعاداة الحضارة ورفض التقدم.
وفجأة صارت العلاقات الجنسية المعتادة نماذج مملة، وقريباً ستصبح دلالة على الرجعية والانغلاق، بعد أن حلت المثلية الجنسية محلها كمفتاح هذه البوابة وأعلى درجات للتحرر الشخصي.
المثلية ترفض (الغيرية)
لأن العلاقات المثلية ترفض (الغيرية) التى تنتمى إلى المنظومات التقليدية المعتادة، يمكنك مراجعة المقال الساخر(أغرب فيلم سكس في المطبخ) المنشور على هذا الموقع نفسه (موقع شهريار النجوم).
لذلك لاتتعجب من هذا الكم الهادر من الإنفاق بسخاء على مؤتمرات ومكاتب ومنظمات ومنصات حقوق الإنسان ومهمتها الأساسية، إثارة كل ما يمكن أن يطعن في هويات (المثليين) عن طريق ما يبث خلالها، من مفاهيم جديدة تتناسب ما سيكون عليه المستقبل.
مع فيضانات متواصلة من برامج وفيديوهات وتقارير وأبحاث، كلها موجهة مباشرة من أجل الطعن في الثوابت الدينية والتاريخية والتعامل مع المعتقدات الدينية والمنظومات الأخلاقية، على أنها أوهام تكبل الإنسان في طريقه الى الحرية والذي لن ينحقق إلا بتطوير الإنسان إلى ما بعد الإنسان.
حيث يتم تجاوز كل أشكال الحياة العادية، تبعاً لطبيعة هذا الكائن الواقف على باب النصف الثاني من هذا القرن.
وهناك محاولات مستميتة لتبكير وصوله!
فالقضية ليست قضية علاقات مثلية تمارس من عصور موغلة في القدم وتجدها في حقائق وأساطير الحضارات القديمة، مابين كائنات أسطورية أو شخصيات حقيقية من كل المستويات، حتى أنه اعتلى عروش الإمبراطوريات والممالك والسلطنات والإمارات، أباطرة وملوك وسلاطين وأمراء شواذ.
منهم من كان يصحب عشيقه معه علنا كالإمبراطور الرومانى (أدريانوس)، والذي بنى في مصر، معبداً باسم معشوقه (أنطونيوس) تخليداً له، بعد أن غرق في النيل خلال رحلة أدريانوس الشهيرة إلى مصر.
فالمثلية كانت في كل العهود وتشهدها كل المجتمعات بلا استثناء، ولكن برغم كونها سلوكاً شاذاً في غالب المجتمعات، إلا أن الشواذ في كل مجتع يخضعون لاشعورياً لنظام المجتمع الأخلاقي العام ويلتزمون بما يفرضه عليهم الضمير الجمعي لمجتمعهم.
منظومة أخلاقية موحدة
بغض النظر عن أن هذا المجتمع صالحاً أم فاسداً، فالفساد نفسه تحكمه منظومة سلوكية تخضع لقواعد خاصة بها، ومها ادعى الفرد من حرية، إلا أنه محكوم بالإطار العام للمجتمع المنتمى إليه، فالشاذ في قرية إفريقية غير الشاذ في مدينة أوروبية، حتى لو التقيا معا لممارسة شذوذهما في أى مكان في العالم.
غير أن هناك منظومة أخلاقية موحدة لابد أن تواكب ما يريده رعاة مشروع (المثليين) العالمي، بتحويل العالم إلى طبعة واحدة بعد اكتمال مشروعهم بأى وسيلة، ولو وضعوا العالم من أجلها على حافة الخطر!
كما أن الشذوذ الجنسي (المثلية حالياً) ليس اختراعاً حديثاً انفرد به القرنان العشرين والواحد والعشرين والذي شهدت نهايات الأول منهما، دعايات على استحياء لتبرير ونشر هذا السلوك.
بينما بدأ الثاني بدعايات صاخبة حتى لا تكاد تفلت مناسبة عالمية أو شبه عالمية، إلا وتظهر الدعاية للمثلية، ولعلنا نذكر الحالة العصبية التى انتابت لاعبي إحدى الفرق الرياضية في كرة القدم خلال (مونديال الدوحة)، إثر الاعتراض على إظهارهم لقوس قزح، ذلك القوس المسكين الذي فرض عليه أن يكون رمزاً للمثلية!
والمثلية كواقع موجودة، بل و(متمكنة) و(مسيطرة) على دوائر ومؤسسات كبرى، اقتصادية وسياسية وإعلامية وفنية وثقافية، لكن مع ذلك، فهى مجرد مرحلة لما سيحدث فيما وراءها.
حيث ستتحول من مفتاح بوابة إلى عتبة باب، سيتم تخطيها بعد التمكين من محو كل الثوابت النى لا تناسب عمليات صناعة الكائن المرتقب!
أنت ترانى مغرقا في نظرية المؤامرة.. براحتك.. لكن يمكنك بعد قراءة هذا المقال أن تنتقل إلى موقع (جوجل) لتبحث عن مشروع (ما بعد الإنسان).. وسترى!