بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
لعبت (المرأة) دورا أساسيا في المسرح المصري القديم، وهذا ما نلاحظه من خلال ما وصل إلينا من النصوص المسرحية المصرية، ولاغرابة أن (المرأة) داخل المسرح المصري القديم هي البطلة الأساسية في معظم النصوص المسرحية.
وقد ظهرت (المرأة) في صورتين، الأولى كإلاهة، والثانية مرأة عادية من عامة الشعب المصري، وإذا ما تتبعنا (المرأة) التي ألهها المصريون القدماء، سنجد بأنه يبدأ بـ (نوت)، التي أنجبت (أوزيريس).
وهذه (المرأة) في تاريخ مصر الأسطوري، دورها يظهر على مستويين الأول تظهر فيه بصورة (المرأة) التي أنجبت (أوزيريس)، وقصتها كالتالي:
(حينما كانت الأميرة (نوت) تستعد لاحتفالات زواجها من الملك (جب)، اكتشفت بستانا رائعا يقع في وسط بحيرة كبرى على مقربة من المدينة.. وفي ذات صباح، سمعت صوت (آتوم) الإله الخالق قائلا:
هيا فلتتجسد.. أنت يا من ولدت في الفضاء وتكونت في هوة الظلمات فإن السموات قد أنجبت من الهواء والرطوبة (أي شو وتفنوت)، وهى تحتضن طفلا بين أيديها، وها هو قادم إليك، وسمع هذا النداء والابتهال.
أيا (رع) قد تضخم جسد نوت بلقاح الروح الكامنة في كيانها، وتمددت على الأرض فاقدة الوعى، تحت ظلال شجرة الجميزة ، وعرف (جب) هذا الأمر عن (نوت)، بل رأى في أحلامه وحيا إلاهيا ينبأه بذلك وبعد أن أمضى ليلة كاملة في التفكير تقبل الطفل الذى سيولد بعد فترة.
وهكذا ولد (أوزيريس) المؤله في مدينة (أمنتت)، وقالت (نوت) المتألقة: هذا هو ابني أول وليد لي، وأول من رضع ثدي ومن أعالي السماء، سمع هذا الصوت يقول (هذا هو حبيبي المفضل وأنا راض عنه).
وبعد فترة تزوج (جب) من (نوت) وأنجبا (ست) ثم (إيزيس) و(نفتيس)، وهكذا لم يكن (أوزير) ابن (جب)، ونلفت النظر إلى ملاحظة مهمة، فالذي سمعته (نوت) كان صوت آتوم (وهو آدم).
الإله المصري القديم (آدم)
ولم يكن صوت الإله الخفي خالق السموات والأرض، فقد أله المصري القديم (آدم)، وبما أن الذرية كلها من نسل (آدم) فقد اعتبره خالق، وهذا بالطبع غير صحيح لأن في الأسطورة (آدم) مخلوق، وبالطبع ينسب (أوزيريس) لآدم.
هذا عن المولد الخاص بأوزيريس، ولكن بعد ميلاد (أوزيريس)، وعندما كبر في مرحلة الشباب أخبرته بشيء غريب أنه ذو طبيعتين (طبيعة بشرية وطبيعة إلاهية)، وكانت تعده لملك البلاد.
وهنا ظهر (أوزير) الملك المؤله، فعن طريق هذه المرأة ظهر اللاهوت والناسوت، بمعني أن (أوزيريس) أصبح ذو طبيعة مزدوجة، يتصرف كإله وكبشر، وبالطبع ولدت الفلسفات اللاهوتية فيما بعد ، بين الكهنة المصريين.
وظهرت عبادة البشر، وخاصة (أوزيريس)، وألهو معظم ملوك مصر في العصور السحيقة، وانحرفوا عن العقيدة الأساسية، وهى عقيدة التوحيد، فقد أشركوا، وأضافوا آلهة إلى الإله الواحد.
ونري ظهور (نوت) تلك (المرأة) في نص تمثيلي يتحدث عن هزيمة (أبو فيس)
نوت: هيا طاردوا ذلك (الهلع الفزع).
نوت: أعلنوا اسمه معي، نوت تقول هذا الكسلان .
وهكذا تظهر (نوت) في مسرحية هزيمة (أبو فيس)، بأنها تعرف مكره وخداعه ، لأنه كان يتنكر ويخدعهم.
وفي نفس النص تظهر (حتحور):
وشخصيتها في الأسطورة، بأنها مبدأ كوني يتعلق بالحياة والغذاء الإلهي، وربة المستقبل والبداية، وعرفت بكونها الماثلة أمام الآلهة ومن صفاتها الأخرى، الرقص والمرح والحبور والموسيقى.
وتظهر في النص الخاص بأبو فيس:
حتحور: خذوا سيوفكم.
وفي هذا تظهر صورتها في النصوص المسرحية، كشخصية أنثوية.
وبعد (نوت) و(حتحور) نأتي على أبنة نوت (نفتيس)، وهى أخت (أوزيريس، وست، وإيزيس)، ويطلق عليها في الأسطورة المصرية (ست البيت)، وهى من انجبت من (أوزيريس، أنوبيس).
ندمت (نفتيس) على فعلتها
وهذا تم من خلال زوجها (ست)، فقد شجعها زوجها (ست) على مشاركة (أوزيريس) الفراش، فعمل على إبعاد إيزيس وهى حامل في (حورس) عن القصر، وتمكن من إقناع زوجته (نفتيس) بمشاركة (أوزيريس) الفراش.
ولكي تفعل ذلك تدثرت بلباس أختها (إيزيس) وتعطرت بعطرها الخاص، ثم تسللت بجوار (أوزيريس) أثناء نومه، وبعد أن حملت منه وضعت أبن أوزيريس (أنوبيس)، وندمت (نفتيس) على فعلتها، وسامحتها (إيزيس).
وتظهر في (نفتيس) كشخصية أساسية في المسرح المصري كبطلة مساعدة لإيزيس، وتظهر في النص الخاص بلدغ حورس الطفل من العقرب، وكان على وشك الموت وتري أختها (إيزيس) تبكي فتدخل المسرح لترى الحدث، وتنصح إيزيس:
نفتيس : ماذا هناك، أنتم أيها الملتفون بالطفل، (إيزيس) اختاه، أطلقيها صرخة نحو السماء ضارعة مبتهلة وسوف لا يتحرك الزورق بملاحيه إلى أن ينهض بنك حور من مرقده).
وتظهر في برديات الإخراج المسرحي المصر القديم:
(تختار امرأتان ممشوقتا القوام، وتجلسان على الأرض أمام البوابة الأولى للقاعة الواسعة (أوسخت)، ويكتب على منكب إحداهما (إيزيس)، وعلى منكب الأخرى (نفتيس)، ويوضع في اليد اليمنى لكليهما إبريق من القاشانى قد ملئ بالماء، كما يوضع في اليد اليسرى لكليتهما أرغفة خبز منف) .
وعن (المرأة) من عامة الشعب نلاحظ أنهن لهن دورا في النص المسرحي القديم، فعندما حملت إيزيس من أوزيريس، ظهرت امرأة تريد أن تعرف كيف حملت إيزيس من أوزيريس وهو متوفي :
(المرأة): ولكن كيف تعلمين أن ذلك الذى سوف تضعينه في داخل البيضة هو من أجل الإله السيد ووريث آلهة العناصر.
وقد ظهرت نساء منطقة الأحراش، في مسرحية (إيزيس وعقاربها السبعة)، التي أشرنا لها من قبل، وهكذا نلحظ أن (المرأة) كانت لها أدوار في الأسطورة المصرية، وتظهر كبطلة في المسرح المصري، ولكن لم يصل إلينا أسماء الممثلات المصريات اللاتي مثلن في هذه المسرحيات.