بقلم: محمد شمروخ
في الحفل الساهر بساحة قصرعابدين، كلما انتقلت (ماجدة الرومي) من أغنية باللهجة العامية المصرية أو اللبنانية، إلى غناء قصيدة من قصائدها التى اشتهرت بها، كان يشغلنى سؤال عن انفراد (ماجدة) بغناء القصيدة، انفرادا صار شبه نهائي، خاصة بين المطربات، بينما يكاد ينفرد (كاظم الساهر) بالساحة الرجالية.
وبالتأكيد لن ننسي (سمية القيصر، ويورى مرقدي)، غير أن القصيدة المغناة تبدو كاستثاء مع (ماجدة الرومي)، إلا أنه استثناء الألماس الأصلى فيما بين الأحجار الكريمة وشبه الكريمة.. واللا كريمة أيضاً.
وقد لاحظت في حفل (ماجدة الرومي) الأخير بساحة قصر عابدين، أن أعداد كبيرة من الجمهور الذي حضر الحفل، اندمجوا مع القصائد وراحوا يرددونها، تماما كما يحدث مع أغانيها الأخرى بانفعال يطمئنك على حالة الذوق الغنائي، فالغناء العربي بخير طالما هناك قصائد تغنى، سواء بصوت (ماجدة الرومي) أو بغير صوتها.
لكن الملحنين والمطربين والمطربات العرب عادة ما يستسهلون، فيتركون القصيدة العربية، وهماً منهم بأنها لن تحقق المكاسب المرتجاه والانتشار المبتغى.
ومع ذلك فما حققته (ماجدة الرومي) للقصيدة المغناة أو ما حققته القصيدة المغناة لماجدة انتشر وذاع حتى بين فئات من الجماهي، قد لا تتوقع منهم سماع أغان باللغة العربية الفصحى!
وقد أفسر إحجام بقية المطربين والمطربات مع ملحنيهم، بأنهم آثروا (شرا الدماغ) خاصة أن هناك منهم ومنهن، من اكتسب قيمته من تفاهة وسطحية ما غناه للجمهور لا يهمه أن يعمل على تسفيه الذوق العام بنشر بالتافه من الأغانى والألحان، حتى أن التفاهة صارت هدفاً في ذاتها وعاملا من عوامل الشهرة والنجاح!
(إن جاء زيدن أو حضر عمرون)
لكننى أعتقد أن سبب إحجام القائمين على مسلسل (الحشاشين) في تعمد ترك الحديث باللغة العربية الفصحى في الحوار، لأن البهوات من طاقم العمل في المسلسل (مش فاضيين يتعلموا نحوي.. أصلها مش ناقصة حد يبخ في ودانهم العلمو نورن) و(إن جاء زيدن أو حضر عمرون).
هذا هو اعتقادى ولا ألزم به غيرى، مع التسليم بأن الواقع الثقافي والإعلامي والتعليمي وأحيانا الرسمي، يعادى اللغة العربية عداء لا يخفى على صاحب بصر وبصيرة.
ترى ذلك في لغة خطاب كثير من المسئولين والإعلاميين وربما بينهم أدباء ومثقفين، كبارا وصغارا، وأحياناً فيما يصدر من بيانات من الوزرارات حتى أنك تتمنى ام يكتبوها بالعامية أريح!
فلماذا سيكون الوسط الفني خاصة – في شقيه الغنائي والتمثيلي – مختلفا وهو نتاج خليط من كل ما سبق؟!.
وبالطبع سأكون متجنيا تمام التجنى، لو وصفت الأغنية العربية بالتفاهة لابتعادها عن اللغة الفصحى، فأين سأذهب من (غلبت أصالح في روحي، وعاشق الروح، والقريب منك بعيد، وأوقاتى بتحلو).
لكن أزعم أن اختبار المغنى الحقيقي يكمن في قدرته على الغناء باللغة العربية الفصحى، فغنت أم كلثوم (الأطلال، وأقبل الليل)، كما غنت (إنت عمرى، والحب كله)، وغنى عبد الوهاب (الجندول، سجى الليل)، كما غنى(خي، وبافكر في اللى ناسيني).
وفريد الأطرش غنى (لا وعينيك يا حبيبة روحي)، كما غنى (فوق غصنك يا لمونة)،
أضيف – والإضافة واجبة – البديعة نجاة ما بين (أيظن، وأنا باستناك).
وكذلك إشارة أشد وجوباً إلى الرائعة العندليببة القبانية (قارئة الفنجان) مع رائعة محمد حمزة وبليغ حمدى (مداح القمر).
وأدخل على الفيروزيات الرحبانية، فستجد ما يعد ولا يحصى من القصائد والأغاني التى ساهمت في تشكيل وجداننا العربي الغنائي مع كل ما سبق!
وعذرا فهناك أمثلة لا يتسع لها المقام في هذا الصدد.
فتراها أهى مشكلة شعراء غنائين؟، أم أنها مشكلة ملحنين؟!
لكنها في البدايات والنهايات مشكلة أصوات.
ولا أظن أنها مشكلة شعر وشعراء غنائيين، فالمعروض يكفي ويستجيب لأى محاولات.
ربما المشكلة في الملحنين
وربما المشكلة في الملحنين الذين يخشون مواجهة الكلمات بالفصحى، والتى لابد أنها تتطلب قدرا من الوعى باللغة العربية نصا وروحا.
كما أنه لا يخفى أن اللغة لها خصائصها النفسية التى تجاوز خصائصها الصوتية، ولذلك فهى تتطلب قدرا من الرقي في التعامل مع النص، فعملية تطويع الكلمات مع الموسيقى والأداء، أو العكس، عملية تحتاج إلى ملحن (حساس) بقدرات خاصة، لعلها هى التى تفصل بين الملحن الحقيقي ومدعى التلحين!
وبالنسبة للمطربين والمطربات من خارج دائرة التحدى الذي خاضت (ماجدة الرومي) غماره، فإنه طالما أن للغة العربية خصائص نفسية، فكذلك كثيرات من مطربات هذا الزمان، لا تتناسب اللغة مع نفسيتهن حتى لو كانت الأصوات مناسبة.
بل إن هناك مطربات غارقات في الأغنية الخفيفة – وليست بالضرورة تافهة – يمكن لهن غناء القصائد، ولكنها لن (تركب) مع النفسية والشخصية الغنائية للمطربة.
باختصار لم يكن لكثيرات منهن شجاعة التحدى (الماجد رومي).
ربما خشين الجمهور الذي منحهن النجومية وأحياناً (السوبرستارية) ألا يقبل منهن قصائد قد يفشلن فيها، مع أن هذا الجمهور هو الذي يردد قصائد مثل (عيناك ليال صيفية) لـ (ماجدة الرومي)، أو (منك يا هاجر دائي) لسمية القيصر.
(ماجدة الرومي) وأخواتها
وكذلك الاستقبال الباهر لقصيدة (عربي أنا) ليورى مرقدي، هذا الجمهور في ذاكرته الحاضرة والماضية، تعشعش القصائد الكلثومية والوهابية والعندليبية والفيروزية والنجاتية والكاظمية، (الماجد رومي) بالتأكيد!
و(ماجدة الرومي) كأى مطرية عربية أخرى لو لم تتغن بالقصيدة، ربما كانت حققت شهرتها الحالية لا تنقص منها مثقال ذرة، لكن النقص كان سيلحق حتماً بالمكانة وليست الشهرة.
فيقيني أنها حازت مكانتها في حاضر وتاريخ الطرب العربي، بأغانيها التى شدت بها باللغه العربية بجانب أغانيها باللهجات الأخرى، فهناك فارق كبير بين الشهرة والمكانة.
لعل هذا الفارق لو أدركه بقية المطربين والمطربات العرب، لفعلوا مثلما فعلت (ماجدة الرومي) وأخواتها، فكانت القيمة هى أساس الشهرة، وليست الشهرة هى الأساس الوحيد للقيمة!