بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
تمتاز (المسلسلات السورية) بمذاقٍ خاص يجتذب الجمهور من مُختلف أقطار العالم العربي للاستمتاع بمُشاهدتها.
عدا عن تلك العلاقة الحميمة الخاصة بينها وبين جمهورها المحلي السوري الذي مازال ينتظر حلقات مُسلسله المُفضل يوميًا بشغف – لا سيما خلال شهر رمضان – في ظاهرة غدَت نادرة خلال عصر فوضى مِنصات العرض والكم المهول للأعمال التي تُعرض عليها.
ومهما اتسعَ سوق المُنافسة بين البُلدان في هذه الصّناعة؛ تظل (المسلسلات السورية) في المُقدّمة وعلى رأس قائمة الخيارات المُفضلة للمُشاهد العربي رغم كل التحديات التي واجهت صِناعتها على مدى سنوات الأزمة الطويلة التي نالت من استقرار الحياة هُناك.
إن حيويَّة تفاعُل الشعب السوري مع (المسلسلات السورية) تتفوق على غيره من الشعوب مع مسلسلاتها، فالمُشاهد السوري يغوص في المُسلسل، يغرق في تفاصيله، يعيش فيه ومع أبطاله، يتقمصُ أدوارهم في مُخيلته، يخترع الطرائف والنكات على أحداثه وشخصياته.
وربما تغدو شخصية أحد تلك المُسلسلات علمًا من الأعلام المُتداولة في الأحاديث اليومية للشارع السوري على مر السنين!
لعل من أبرز أسباب نجاح (المسلسلات السورية) جمهورها السوري، فكُل مُشاهدٍ ناقد، وكل ناقد من هؤلاء المُشاهدين يملك من الذكاء ورهافة الشعور والثقافة ودقة المُلاحظة والقدرة على التحليل ما يُحمّل كاتب السيناريو ومُخرِج العمَل مسؤوليَّة ضخمةً لوعيه بأن إرضاء هذا الجمهور ليسَ سهلاً.
وأن تقديم عمل مسلوق بهدف العرض موسمًا واحدًا ليس من الخيارات المُتاحة لأن خطيئة كهذه لا يُمكن أن تمر مرور الكِرام على هذا الجمهور المُتذوّق.
الانتقائيَّة، وجودة الاختيار
لذا لابُد من الانتقائيَّة، وجودة الاختيار، والدقة في تفاصيل العمل من أصغرها إلى أكبرها، ولا يسعنا إغفال تلك الحقيقة التي مفادها أن الغالبيَّة العُظمى من الفنانين السوريين يمتازون بثقافة فنيَّة وأدبيَّة وتاريخية عالية المستوى.
هذا المخزون الثقافي المُتراكم يتجلَّى مُنعكسًا على أداء ما يُقدمونه من أدوارٍ مُتنوعة مُتضافرًا مع الموهبة وجمال المُمثلات أو وسامة المُمثلين.
كما أن الفنان السوري مهما بلغت شُهرته يظل مُختلطًا بالمُجتمع إلى حدٍ كبير؛ مُمتزجًا بحياته اليوميَّة الواقعيَّة بعيدًا عن الانزواء في بُرجٍ عاجي يعزله عن عامَّة الناس.
ما يجعله أكثر قُدرة من غيره على تمثيل الشخصيات المُنتمية لمُختلف طبقات الشعب، وبهذا يرى فيه المُشاهد من يُمثل الشعب لا من يُمثل عليه.
حِرصُ قصص تلك (المسلسلات السورية) على تمثيل الواقِع المُعاش دون مُبالغة أو تسطيح من أهم أسرار اهتمام الجمهور بها، فهي (منهم وفيهم)، تتحدث بلسان آمالهم وتحكي عن مُعاناتهم وتصوّر أحداثها في دفء بيوتهم وبين نبض حياة شوارعهم.
تطرح قضاياهم المُجتمعيَّة على طاولة الحوار الدرامي بصدقٍ وشفافية يجعلان من المُشاهد شريكًا في الحدث لا مُجرد مُتفرج عليه، كما أن الاعتماد على جودة القصة والحَبكة المُتقنة والحوار المُترابط هو العنصر الأساسي في العمل ومن بعده تأتي العناصر الأخرى لرفده وتقديمه بأفضل صورة.
اللهجة السورية – ولا سيما الشاميَّة – عاملٌ لا يُستهان به من عوامل جاذبية تلك المُسلسلات، فهي لذيذة الوقع على الأذن السامعة، موسيقية الإيقاع، سهلة الفهم، خالية من التعقيد.
مليئة بالمجازات والكِنايات والتشابيه الطريفة المُحببة، إذا نطقت بها المُمثلة تفيض الكلمات بالأنوثة، وإذا نطق بها الممثل تتفجر العبارات رجولة، تجمع بين الكوميديا والرومانسية والتراجيديا، وتُضفي على النص حياةً يصعب على لهجة أُخرى بثها في روحه.
تقديم الأعمال التاريخية
من جانبٍ آخر يُتقن السوريون تقديم الأعمال التاريخية التي يرون أنها يجب أن تُقدم باللغة العربيَّة الفُصحى، وهُنا يأخذون أمر اللغة بجديةٍ وتقديرٍ واحترام، فلا يستهترون بمخارج الحروف، ولا يستبدلون باللفظ العربي الأصيل لفظًا مُعاصرًا مُرادفًا.
بل ينطقون اللفظ العربي الفصيح بصورة تُحبب السامع فيه وتجعله يتوق لنُطقه وتداوله، ولا يبخل صُناع تلك الأعمال على جمهورهم بالتنويع بين الكوميدي والرومانسي والبوليسي والتاريخي والمُجتمعي دون خشية الخسارة؛ لعلمهم أن المادَّة الجيدة لا بد وأن تحظى بمُشاهدين.
ولأن رهانهم عليها هو الذي يقودهم لتقديم الأفضل مُستهدفين الارتقاء بذائقة الجمهور لا الهبوط إلى المستويات الأدنى منه.
مازالت (المسلسلات السورية) تحترم عقل المُشاهد ومشاعره وتخشى رفضه، ومازال صُناعها المُحترمون يعتبرون أعمالهم جديرة بأن تكون فردأ محبوبًا من أفراد الأسرة لا ضيفًا ثقيلاً يستحق الطرد من المنزل، لذا ظلَّت تحتل مكانها المُستحق على عرش الدراما العربية رغم كل التحديات.