بقلم: بهاء الدين يوسف
قبل أن تبدي دهشتك من العنوان دعني أوضح لك بداية أنني لست من المعجبين بـ (حسن الصباح) مؤسس جماعة الحشاشين أشهر جماعة دينية متطرفة في تاريخ الإسلام وأول من ابتكر فكرة الاغتيالات السياسية المنظمة لمن يقفون في طريقهم.
لكنني أتحدث عن الصورة التي خلقها المسلسل الذي يعرض حاليا في أذهان العامة عن ذلك الرجل.
لنبدأ بالأحدث وتحديدا فيما عرض في الحلقة الخامسة عشر التي انتهت بقتل ابن (حسن الصباح) بأمر من والده في مشهد محاكمة الابن على تورطه في قتل علامة وداعية مرموق وسط (الحشاشين) بدعوى أن الداعية لم ينفذ أوامر ابن (حسن الصباح) وأهانه وسط الرعاع.
ما عرضه المسلسل أن (الحسين) ابن (حسن الصباح) مراهق منفلت لا يمكن التحكم في سلوكه، يسعى دائما للتعامل مع أنصار أبيه في القلعة التي يعيش فيها وكأنهم اتباع له.
ودائما ما يردد عند كل خلاف أنه الحسين ابن (حسن الصباح)، وبالتالي فإن الزعامة من حقه وليس لأحد من الرعاع أن يعصى أوامره أو يخالفه وأن يتعاملوا معه بنفس الإجلال الذي يتعاملون به مع والده.
دعني أسألك أولا: أليس هذا السلوك المنفلت هو ما نشاهده بشكل شبه يومي من أولاد المسؤولين في بلدنا، وكذلك من أولاد المئات من رجال الأعمال سارقي قوت الشعب والمتاجرين بأزماته المعيشية والحياتية؟!
ألا تشعر أنت شخصيا بالاستفزاز الشديد من السلوك المنحرف لكل هؤلاء ثم تصاب بالإحباط حينما تعرف أن الجهات المعنية تجاوزت كل ما فعله ابن هذا المسؤول أو رجل الأعمال لتحفظ القضية؟!
الصفات السيئة لـ (حسن الصباح)
ألم يكن كل واحد فينا يتمنى أن ياخذ العدل مجراه ويطبق القانون على المذنب حتى لو كان أبن رئيس الدولة؟!
أليس هذا المبدأ البسيط هو أحد المبادئ الأساسية في الإسلام وأظن في كل الأديان السماوية وغير السماوية، وهو نفس المبدأ الذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)؟!
حاول المؤلف (عبد الرحيم كمال) أن يلصق الصفات السيئة بـ (حسن الصباح) ومنها اقدامه على قتل ولده، واجتهد المخرج (بيتر ميمي) في تصوير حالة الذهول والغضب على وجه زوجة الصباح وصديقه (الماجن السكير) عمر الخيام من قراره الصادم بإعدام ابنه تنفيذا لحد من حدود الله وهو (من قتل يقتل)!
لكن النتيجة التي خرج بها الكثيرون وأنا منهم هو التعاطف مع (حسن الصباح) وهى ملاحظة كتبتها في مقال الأسبوع الماضي، حين قلت أن اختيار (كريم عبد العزيز) للدور غير موفق بحكم درجة القبول العالية التي يتمتع بها (كريم)، والتي لا تتناسب مع شخصية يراد لها أن تكسب كراهية المشاهدين وليس تعاطفهم.
وقتها لم أكن اتخيل ان الأحداث التالية في المسلسل ستكرس تعاطف الناس مع (حسن الصباح) الذي يقيم العدل حتى على أقرب الأقربين له، بينما علماء الحشاشين وكبار قادتهم يسعون بقوة (كعادة علماء السلطان في ديننا الحنيف) لحث الزعيم على العفو عن ولده الذي قتل نفسا بغير حق ووجب أن يطبق عليه شرع الله وهو القتل.
حتى الآن وبعد مشاهدة نصف أحداث المسلسل يمكن القول أن (عبد الرحيم كمال) الذي بذل جهدا خارقا في التجهيز التاريخي للعمل، وقدم دراما جيدة متماسكة في ظل التعقيدات التاريخية التي تحيط بالجماعة، لكن المؤلف وقع في فخ تقديم صورة محايدة لشخصية الحسن الصباح أقرب إلى أن تكون متعاطفة معه، ولا اعرف هل كان ذلك حصيلة الشعور الباطني للمؤلف أم كانت بعض المواقف إسقاطا على أوضاع طرأت في عصور تالية لظهور الحشاشين وزعيمهم؟!
تصوير أعداء (حسن الصباح)
كذلك فإن تصوير بقية شخصيات المسلسل خصوصا أعداء (حسن الصباح)، أو من ينتقدون سلوكياته كان سلبيا لدرجة أنه لم يؤثر في المشاهدين !
أو تعاطفهم مع شخصية المجرم المارق، فلم يصور المسلسل أي أعمال إيجابية للوزير (نظام الملك) أو السلطان (ملك شاه) تدفع المشاهد للتعاطف معهم ضد (حسن الصباح).
كما أن أكبر منتقديه في الحلقات التالية هو (عمر الخيام) اللاهي الماجن السكير، وهي كلها صفات بعيدة تماما عن شخصية المصريين الميالة بالفطرة للتدين الذي يقترب من درجة التصوف.
مرة اخرى ورغم بعض الملاحظات الدرامية أؤكد على استمتاعي الشخصي بالمسلسل والجهد الذي بذل لتقديمه بهذا الشكل، لكنني أخشى مع نهاية أحداثه أن تتكون جمعيات أهلية وجماعات علنية وسرية تحاول استعادة منهج (حسن الصباح) في إحلال العدل والمساواة وبقية القيم التي فقدناها في مجتمعنا المعاصر.