بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
اتصل بى أستاذي المخرج محمد فاضل – الذى تربينا فنيا ووجدانيا وسياسيا على أعماله الرائعة – ليسألنى عن مكان بيع كتابى (اعتصام المثقفين) الذى كان أحد أعمدته في معرض الكتاب.
شكرت له اهتمامه ووصفت له مكان دار النشر، وبعد انتهاء المكالمة التي أسعدتنى تذكرت كم كانت قصة ذلك الكتاب مليئة بالمشاكل و المتاعب ، بداية من المشاركة في صنع أحداثه نهاية بصدوره.
وأولى تلك المشكلات هو موقفى أثناء ثورة يناير 2011، فقد كنت أحد المؤمنين بألا يتم اسقاط النظام ، بل من الأفضل وجود فترة انتقالية يقودها اللواء عمر سليمان كنائب للرئيس لمدة 6 شهور، بعدها تجرى انتخابات لرئاسة الجمهورية.
كانت الشهور الستة – من وجهة نظرى – ضرورية للقوى الثورية لكى تتوحد على أهداف محددة ، و تخوض الانتخابات خلف مرشح ليبرالى، بدلا من أن نقع في براثن جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت القوة الوحيدة المنظمة والقادرة على الحشد.
ولكن كثير من الأصدقاء اختلفوا معى واعتبرونى من الفلول – بل وقاطعنى بعض من أصدقاء العمر – حتى جاءت غزوة الصناديق ومن بعدها انتخابات مجلس الشعب التي اجتاحها الإخوان.
إقرأ أيضا: الطريق الى 30 (5) .. الفضل يرجع للوزير
وقد تحالفت معهم بعض القوى اليسارية والاشتراكية في أكبر خطأ تاريخى ليشكلوا اول برلمان بعد الثورة، و يبدأو في مصادرة الحراك الشعبى، وبعد نداء (الشرعية للميدان) أصبح النداء على ألسنتهم (الشرعية للبرلمان).
توالت أحداث وصدامات كثيرة بحسب كتابى (اعتصام المثقفين)، لتكتشف القوى الاشتراكية والليبرالية أن تحالفها معهم كان خطيئة، فتحولت إلى المعارضة.
وتكونت (جبهة الإنقاذ) التي وقفت ضد كافة الإجراءات والقرارات التي اتخذها (الدكتور محمد مرسى) مندوب الإخوان في قصر الإتحادية.
وفى مايو 2013 أعلن الدكتور هشام قنديل – رئيس وزراء الإخوان – عن تعديل وزارى ، وكان الظن أن الإخوان سيرضخون لمطالب المعارضة فى ضرورة وجود وزارة ائتلافية تجرى تحت ظلها انتخابات المجلس النيابى الجديد.
وذلك بعد الحكم ببطلان المجلس الأول، وبالتالى فان التعديل الوزارى كان هدفه – حسب هذا الظن – إشراك مجموعة من الشخصيات المحسوبة على المعارضة حتى تقبل بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة.
(علاء عبد العزيز) وزير الثقافة
ولكن جاء التعديل الوزارى مخيبا للآمال ، فلم يضم سوى الأهل والعشيرة، وجاء ضمنهم الدكتور علاء عبد العزيز (المدرس بمعهد السينما) وزيرا للثقافة، ولم يكن معروفا للوسط الثقافي والفني.
وعلى الفور انشغلت وسائل التواصل الاجتماعى بالبحث عن سيرته الشخصية، فاتضح أن كل مؤهله لتولى الوزارة مقال نشره بجريدة (الحرية و العدالة) وعضويته في حزب إسلامى تحت التأسيس.
و لم يقف الأمر عند هذا فلقد قام (عبد العزيز) وبعد حلف اليمين مباشرة بنشر عدة تصريحات تلقى التهم جزافا على قيادات وزارة الثقافة، اتضح منها أنه جاء لتصفية خصومات شخصية.
وبعد قليل تكشفت خيوط كثيرة، فالوزير كان ينفذ خطة لأخونة الوزارة ضمن خطة عامة للإخوان لتغيير هوية مصر، و على الفور تحرك المثقفون لمناهضة تلك الخطة وأصدروا عدة بيانات وهذا مارصدته في كتابى (اعتصام المثقفين).
إقرأ أيضا: الطريق الى 30 (6) .. الاقتحام الأول للوزارة
وتسارعت الأحداث مع عزل الدكتور (أحمد مجاهد) من منصبه كرئيس لهيئة الكتاب، فبدأت المظاهرات والاحتجاجات، ثم توالت قرارات الوزير التي كانت بمثابة ألغام زرعها بنفسه ولنفسه.
وتصاعدت الاحتجاجات من مؤتمر بأكاديمية الفنون إلى اجتماع لعموم المثقفين في نقابة الصحفيين، إلى اعتصام بالأوبرا ووقف جميع أنشطتها لمدة 3 أيام، إلى مسيرة احتجاج الى الوزارة وحصارها يوما بكامله.
ثم إلى منع الوزير من حضور أياً من الفاعليات التي تقيمها الوزارة، إلى وقفة احتجاج أمام الأوبرا والتهديد بتصعيد أكبر لو لم يتم عزل الوزير بسبب قراراته، ومن ضمنها عزل الدكتورة (إيناس عبد الدايم) من رئاسة دار الأوبرا.
ثم تم تنفيذ التهديد بالاعتصام داخل وزارة الثقافة بداية من يوم 5 يونيو، وهكذا تصاعدت حركة المثقفين لتصبح رقما صعبا يقاوم بلا هوادة حتى صارت إحدى شرارات ثورة 30 يونيو.
وبعد ثورة 30 يونيو بعام كامل أعلنت أننى في سبيلى لتسجيل الوقائع التي أدت إلى اعتصام المثقفين، وذلك في ندوة بجريدة اليوم السابع – شارك فيها عدد من الداعين له و المؤثرين فيه – حتى لا تضيع منا تفاصيل تلك اللحظة التاريخية.
توثيق الأحداث في (اعتصام المثقفين)
فهذا أول حراك فعلى للمثقفين منذ بيانهم الشهير ضد حالة اللاسلم و اللاحرب عام 1972، و قررت أن أروى الاسرار الدقيقة لتلك الايام في كتابى (اعتصام المثقفين)، وأن أوثق الأحداث من خلال ما نشرته الصحف و المواقع الإخبارية توخيا لأقصى درجات الموضوعية.
برغم مشاركتى فيها وبرغم معرفتى الشخصية بالأطراف الفاعلة، ولكنى فوجئت ببعض الأصدقاء يقولون أنهم سيكتبون عن (الاعتصام) فقررت التنحى، فالكتابة ليست حرفتى ولا هوايتى، و لكن مرت سنوات ولم يصدر هؤلاء الأصدقاء شيئا.
بعد سنوات طوال، وأمام دعوتى للكتابة في موقع (شهريار النجوم)، عدت إلى الأوراق التي كنت أجمع فيها كل ما كُتب عن الاعتصام ، وجميع الوثائق التي تخص تلك الفترة من قرارات وقوانين و بيانات.
،فوجدت فيها مادة خصبة لمقالات أسبوعية تروى أسرار تلك الفترة – بشكل مختصر – وعلى شكل يوميات تبدأ من لحظة تعيين وزير ثقافة الإخوان وحتى لحظة دخول المثقفين لمبنى الوزارة للاعتصام.
إقرأ أيضا: الطريق الى 30 (9) .. بروفة الأوبرا
وأثناء النشر اتصل بى صديق عزيز يملك دارا خاصة للنشر طالبا نشر المقالات في كتاب، فصارحته بأن الكتاب يجب أن يكون بصياغة مختلفة أكثر توسعا وأكثر استفاضة، و أن يضم الوثائق الخاصة بتلك المرحلة، فوافقنى على الفور.
و في لقاء جمعنى بالصدفة مع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة السابقة – بعد أن قرأت الحلقات التي كنت أنشرها – طلبت منى نشر كتابى (اعتصام المثقفين) بالهيئة العامة للكتاب حتى يتوفر للجمهور بسعر مناسب.
وتحمس الدكتور هيثم الحاج على – رئيس الهيئة في ذلك الوقت للكتاب – وبالفعل اعتذرت لصديقى العزيز صاحب الدار الخاصة، وتم تقديمه للهيئة لنشره على أن يصدر في يونيو 2022.
ولكن بسبب أزمة طارئة في ورق الطباعة تم التأجيل إلى معرض الكتاب في يناير 2023.
عروض لطباعة (اعتصام المثقفين)
عروض كثيرة تم عرضها على لطباعة كتابى (اعتصام المثقفين) أثناء تلك الفترة في دور نشر خاصة، و برغم إغراءاتها المادية المعنوية، إلتزمت باتفاقى الشفهى مع هيئة الكتاب.
و لكن فجأة اختفت أخبار الكتاب بمجرد مغادرة الدكتور هيثم لمنصبه – برغم الانتهاء من بروفة الكتاب ومراجعتها وتوقيعى عليها وإعداده للطباعة – وعبثا حاولت معرفة السبب وراء ذلك، ولكن للأسف لم أتلق ردا.
ثم سمعت بعد ذلك أن كتابى (اعتصام المثقفين) لم يكن الوحيد الذى اختفى، فمعظم ما تم الاتفاق على نشره في عصر الدكتور هيثم لم يتم تنفيذه، برغم أن من ضمنها كتب عن حرب أكتوبر في فروع عدة، ودواوين شعرية هامة.
ولم يقف الأمر عند الكتب، فهناك مشروعات أخرى توقفت مثل (مكتبة الطفل) بالشروق التي تقع على مساحة 4000 متر ومعدة لاستقبال لكل الأنشطة الفنية والثقافية و التي كانت معدة للافتتاح.
إقرأ أيضا: الطريق الى 30 .. (10) .. المسيرة الأولى
ولم يفتتح منها سوى منفذ بيع الكتب، وأن هناك 74 كشك لبيع الكتب في القرى كانت جاهزة لم تُفتتح أيضا حتى لا تُنسب للدكتور (هيثم) بل الكارثة الأكبر أن بيع الكتب على المنصة الإلكترونية لهيئة الكتاب توقف.
و في مكالمة مع الصديق الدكتور شوكت المصرى – الذى كان يتابع طباعة الكتاب وقت وجوده بهيئة الكتاب – نصحنى بالتوجه الى الأستاذ محمد عبد المنعم صاحب دار سما للنشر الذى أخبره عن كتابى (اعتصام المثقفين) فتحمس له.
و بالفعل قابلت ( عبد المنعم ) واتفقنا في أقل من دقيقة وبعد أسابيع قليلة كان الكتاب في المطبعة ليصدر في ذكرى 30 يونية العام الماضى، وأسعد بوجوده في معرض الكتاب هذا العام، ويسعدنى أكثر أن يسأل عنه أستاذى الفنان والمناضل محمد فاضل.