بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
لم أكن أتصور أن يصدر لى كتاب ذات يوم يروى كواليس العمل مع شركة (ديزني)، فلم أكن أطمح أن أكون كاتبا – تصدر له الكتب و يتعامل مع دور النشر – و لم أكن متحمسا لرواية اسرار العمل في الدوبلاج بالذات.
بل إننى لم أكنْ أذكُر في أيِّ محفل أنني من أخرجتُ شريط الصوت لأفلام (ديزني) الأولى باللغة العربية في بداية تعاملها مع العالم العربي، فإحساسي بأنني مخرجٌ مسرحيٌّ بالأساس جعلني لا أهتم بذكر أمر (الدوبلاج).
و لكن جرت المقادير على عكس ما كنت أتخيل، و هاهو الكتاب يصدر و يحتل مكانه في معرض الكتاب حاليا . و لكن لصدور (حكايتى مع ديزني) حكاية لا تقل طرافة عن حكايات الكتاب الذى كتبته بالصدفة !!
تبدأ تلك الحكاية عندما لاحظت اهتماما شديدا وحالة من الدهشة والفرح تنتاب من يعلم أننى من أخرجت شريط الصوت لتلك الأفلام ، وغالبيتهم يتحدث بشغف وسعادة عن أثر تلك الأفلام عليه في الطفولة.
حتى أن ممثلة شابة صرخت في وجهي ذات يوم: (أنت اللى أخرجت الأسد الملك؟ ، مش تقول إنك أنت المخرج؟.. أنا بحبك أوي، أنت أسعدتني في طفولتي أنا حافظة حوار كل الأعمال دي لغاية دلوقت).
إقرأ أيضا : حكايتي مع ديزني (2)
ولذا وافقت على إجراء حوار حول تجربتي مع (ديزني) لجريدة المصرى اليوم ، برغم أنني مقلٌّ في حواراتي الصحفية وأكره اللقاءات التليفزيونية، وبمجرد نشر الحوار – الذى نشر جزء منه مصورا على اليوتيوب – توالت الى صندوق رسائلى على مواقع التواصل مئات الرسائل.
لعل من أكثرها تأثيرا على نفسى ما أرسله (ناصر الكوارى) الذى لم أكن أعرفه من قبل قائلا: (أستاذ عصام مش عارف أبدأ من فين.. لكن أنت كنت جزء من طفولتي وطفولة الملايين من العرب اللي كبروا على أعمالك الإخراجية بأفلام ديزني..
يحق لك أن تكون فخورًا بالأرشيف الذي أعددته لـ (ديزني) بفترة التسعينيات، أرشيف يُدرَّس بفن الدوبلاج، أتمنى أن تفخرَ بكل هذا التاريخ مثل ما أنت فخور بأرشيفك المسرحي لأنه لا يقل أهمية عنه “.
مجموعة رسائل أخرى من شخص آخر لم أكن أعرفه أيضا وقتها هو (أدهم الجابر) صاحب موقع (ديزنى بالعربى) يقول: حضرتك غني عن التعريف، ولك قاعدة جماهيرية كبيرة من معجبين ديزني في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، كبروا على أعمالك وإبداعاتك.
حكايتي مع ديزني في (شهريار النجوم)
ولُقِّبت بكونك أحد أساطير (ديزني العرب)، جمهورك متلهف لأي جملة منك عن (ديزني) وعن تاريخك الفني العريق بهذا المجال، وأن تتكلم عنه بشغف واستفاضة لتشبع تعطشهم..
ولكن للأسف، أغلب الأساطير اللي قدموا إبداعات فنية في دبلجات (ديزني) العربية لا تقل عن أضخم إبداعات أخرى قُدِّمت بمجال السينما والمسرح، دائمًا ما يهمشون تاريخهم المجيد بهذا المجال ويركزون على تاريخهم بباقي الأعمال المسرحية والسينمائية.
مرت سنوات ولم أروِ القصة برغم تشجيع الكثيرين ومنهم (ناصر الكواري) الذي صار صديقًا، إلى أن طلب مني الكاتب الكبير محمد حبوشة – الذي أكن له محبة خاصة – أن أكتب في بوابة (شهريار النجوم) مقالا أسبوعيا.
وبما إني لست كاتبًا محترفًا، فقد كنت أعانى أسبوعيا في اختيار موضوع المقال، وجاءتنى دعوة لحضور مهرجان مسرحى عربى يستلزم الغياب عن القاهرة لمدة اسبوعين.
وتذكرت وعدى لحبوشة بالكتابة وظللت أفكر في طريقة للاعتذار، وإذا بصورةٍ للفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة، تقفز أمامي وهو يُكَرَّمُ على عمله في أفلام (ديزني).
وتذكرت صديقي ناصر الكواري وإلحاحه أن أروي قصتي مع ديزني، فوجدتها فرصة للاستراحة من التفكير في موضوع للمقال كل أسبوع لو أننى كتبت عن تجربتي.
وعرضت الأمر على (حبوشة) فتحمس، وهكذا قدمت له عدة حلقات قبل السفر، ولكن بعد نشر الحلقات الأولى داهمتنا جائحة كورونا و ظللت في منزلى لا أبارحه.
فكان عزائى الوحيد هو ذكرياتى مع (ديزني) أسكبها على الورق بالتفصيل قطعا لملل الأيام، و لولا إنشغالى بها لكنت جننت من العزلة التي فرضت علينا في ذلك الوقت.
الغريب أن رد الفعل على تلك المقالات التي استمرت 25 أسبوعا أدهشنى مرة أخرى، ولكن دهشتى الأكبر أن يتحمس لها صديقى الكاتب والإعلامى الدكتور محمد فتحى لدرجة أن يدعونى لنشرها في كتاب.
وعندما صارحته بأننى لا أحب أن ألجأ لأصدقائي من الناشرين خوفا من الحرج تبرع هو بالاتصال بالمسئولة عن النشر بأحدى كبريات دور النشر، و إذا بها تتصل بى لتطلب المقالات كاملة.
وبعد فترة قصيرة أبلغتنى بموافقة الدار على النشر وأرسلت لى صيغة التعاقد، و لكن في ذلك العام تم إلغاء معرض الكتاب، فإذا بتلك المسئولة تختفى و لا ترد على رسائلى.
(ناصر الكواري) و(أدهم الجابر)
وعبثا حاول صديقى الدكتور معالجة الأمر، ولكنى دعوته لنسيان الموضوع فلست مهتما بالنشر، و حتى العروض الأخرى التي جاءت لطباعة الكتاب رفضتها لأسباب مختلفة منها عرض الصديق ناصر الكوارى لطباعة الكتاب على حسابه الشخصى في قطر.
ولكنى شكرته وفضلت أن ينشر الكتاب أولا في مصر، و بعد فترة تولى صديقى الدكتور محمد فتحى مسئولية إدارة دار نشر جديدة إذ به يتصل بى مطالبا بالكتاب فلم استطع سوى الموافقة.
على مدار عام تقريبا عشت مع ذكريات تلك الأفلام مرة أخرى ما بين تصحيح البروفات و اختيار الصور والاطلاع على الترتيبات ومعى الكاتبة الشابة (سنية زايد) تحتمل تدخلى في التفاصيل واعتراضاتى الكثيرة و تنفذها بدقة وصبر، حتى تم تجهيز الكتاب تماما للطبع.
وعندما طلبت منى أن أكتب إهداء في مقدمة الكتاب احترت حيرة بالغة، هل أهدى الكتاب لصاحبى الفضل في تحمسى لرواية الحكاية (ناصر الكواري) و (أدهم الجابر)،
خاصة أن أدهم قد أهدانى عدة صور من تصميمه ضمتها صفحات الكتاب؟.
أم أهدى الكتاب للصديق (محمد حبوشة) صاحب الفضل في تشجيعى على الكتابة و أتاح لى الفرصة على موقعه وأنا لست من محترفيها؟، أم أهدى الكتاب للصديق محمد فتحى الذى سعى طوال ثلاث سنوات لنشره؟
وهل هذا الإهداء يعتبر اعتداء على حق الحبيب الموسيقار (سمير حبيب) شريكى في تجربة الدوبلاج و صاحب فكرتها و المنتج الأول لها؟
إذن لابد أن أذكر (عم عبد الرحمن) – الكاتب الراحل عبد الرحمن شوقى – صاحب الصياغة العامية البديعة التي كانت السبب في نجاح تلك الأفلام.
وماذا عن الممثلين الذين احتملونى و قدموا أفضل ما لديهم؟، إنهم شركاء معى و معنا أولادى و أصدقائى مهندسي الصوت الذين خاضوا معى تجربة جديدة علينا جميعا وعلى أن أهدى لهم الكتاب.
قررت أن أهرب إلى البدايات فأهدى الكتاب لعائلتى الصغيرة (أمى و أبى) و أشكرهم على مصاحبتهم لى أنا و شقيقتى كل يوم جمعة إلى (سينما مترو) لنشاهد أفلام الكارتون فلولاهم ما كان حبى للفن عامة ولأفلام الكارتون خاصة.
و لكن ألح على خاطر أن أذهب الى المستقبل فأشكر ولدى (أحمد) الذى من أجله وافقت على دبلجة تلك الأفلام بعد أن كنت أعتبر الدوبلاج مهنة سيئة (كما رويت بالكتاب)؟ والآن يفخر بى وسط أصدقائه و يعتبر تلك الأفلام أعظم أعمالى.
وجدت أن القائمة طويلة جدا، فهو ليس إهداء فحسب بل شكر واجب وتقدير مستحق لهم جميعا، فلقد ساهموا في صناعة أحداث ذلك الكتاب ولو شكرتهم لاحتجت الى كتاب آخر، فقررت أن يصدر الكتاب بلا إهداء.
كنت في مهرجان مسرحي وتعرفت الى أستاذة من دولة عربية في فنون المسرح وإذا بها تصرخ: وعندما قلت نعم، مضت تحكى لى عن تأثرها بهذا الفيلم منذ رأته و هي طفلة.
ومضت مشاعرها الفياضة تتدفق، بينما أنا أفكر في 70 عملا مسرحيا قدمتهم طوال حياتى لم يحظ أحدهم بمثل تلك الشهرة في عموم الوطن العربى.